الإعلام ميدان من ميادين الحرب، والغلبة فيه لمن يملك القدرة والتأثير الأكبر. ولا داعي لتبيان أن المهيمن على الإعلام السائد هو راعي الكيان الصهيوني، ويسود في العالم بما فيه الاعلام “العربي”، سواء في الإدارة وما يسمى “قواعد مهنية”.
يسود في الإعلام تصوير الحرب على غزة بأنها ناتجة عن جنون نتنياهو وحكومته، واعتبار أنه يسعى إلى عدم إيقاف هذه الحرب لأنه يتحمل وحكومته تبعاتها، ويعتقد البعض ويروجون أن بعد الحرب سيذهب نتنياهو للسجن على خلفية الفساد واستغلال المنصب. ويبنى على ذلك اعتقاد آخر بأن نتنياهو لا يريد أن يوقف الحرب ولو كلف ذلك قتل كل الأسرى وإنهاك الجيش “الإسرائيلي”. بل وأخطر من ذلك على مستقبل الكيان.
إن هذا الاعتقاد يتجاهل مسائل أساسية وهي في صلب هذه الحرب. أولها أن من يديرها وبشكل مباشر وواضح ماليًا سياسيًا ودبلوماسيًا هي الولايات المتحدة بما في ذلك القيادة العسكرية بجانب مشاركة فرق النخبة الأميركية ميدانيًا.
وأن هذه الحرب ليست محصورة بين الكيان الصهيوني والمقاومة في غزة، فهي تستهدف كل المحور المقاوم استمرارًا للهيمنة الأميركية على المنطقة، والتي لن تستطيع تأمينها في ظل الصيغة التي قامت عليها منذ سايكس- بيكو.
ومشروع الهيمنة حمل تسميات متعددة وصيغ مختلفة منها “الشرق الأوسط الجديد” و”مشروع أبراهام”، وعناوين فرعية مثل طريق الهند، وهذه المشاريع والعناوين يحتل فيها الكيان الصهيوني موقع المركز. الأقوى والأعظم.
باعتبار الكيان لا يمثل الأداة الرئيسية وحسب بل هو وبموقعه يشكل الحلقة المركزية التي تقطع الطريق على هوية المنطقة وتاريخها ومن دونه لا يمكن إعادة صياغة هويات لها وإخضاع ترابطها التاريخي لعملية إعادة تكوين بما يمكن الهيمنة من السيطرة الكاملة والتحكم بكل ما فيها وموقعها.
إن عملية “طوفان الأقصى” لم تحدث زلزالًا للكيان الصهيوني فقط بل هي وجهت ضربة قاتلة للمشروع الأميركي نفسه وعطلت مسارات، كما أربكت أدواته الإقليمية والعربية وأعادت الصراع إلى أولوياته وجوهره بما جعل حتى المقاومة الفلسطينية تتجاوز كيانيتها ومشروع التسوية (بل التصفية) والتعايش مع الكيان الصهيوني.
من هنا، لا يمكن للولايات المتحدة أن تترك هذه الحرب من دون أن تضع كل أثقالها فيها وأن تديرها بنفسها لأن الخسارة هنا هي خسارتها للمنطقة برمتها. وإنْ كان السؤال: (هل فقدت أميركا أدواتها العربية مثل مصر والسعودية ومنظمات المنطقة مثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي؟) تتطلب الإجابة عليه تفصيلًا أكثر ولكن نكتفي بالإشارة إلى أن هذه الأدوات ليست مطواعة ومتماهية بالكامل مع المشروع الأميركي، ولو أنها تنساق بحسب ميزان القوى وهنا بالضبط الاختلاف الجوهري بين هذه الأدوات والكيان الصهيوني. وتكفي الإشارة إلى ممانعة محمد بن سلمان للكثير من الإملاءات الأميركية، فضلًا عن ما كشفته زيارة بلينكن الأخيرة وفشله في تشكيل محور عربي إسلامي لمواجهة حماس والبحث في وضع غزة ما بعد الحرب بما في ذلك محمود عباس، وإن الاختلاف بينه وبين هؤلاء في ظاهره اختلاف أولويات وفي جوهره قراءة المسارات وموازين القوى المحلية الإقليمية. وبان هؤلاء أنفسهم يدركون أنهم يواجهون خطرًا مزدوجًا سواء في مآلات المشروع الأميركي، إنْ تحقق، وفي ارتدادات هزيمته على يد محور المقاومة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.