اعتمَدوا سياسة الخطوة خطوة، فبعد أن كانوا معتَبَرين اجتماعيًّا مرضى نفسيين، بدأوا بكسر المحرَّمات ومن ثم تأكيد وجودهم في المجتمع كحالات طبيعية، وصولًا الى اعتبارهم الصح بوجه الخطأ، فكل محاولاتهم اليوم تُوضَع في سياق توجيه صدمة للمجتمع، والهدف أن يُصبح الشذوذ الجنسي قضية رأي عام.
يدّعون الحرية الفردية وتقديسها بحيث لا توجد قيود وحدود، فيتجاوزون عمدًا القيَم المجتمعية ويَعتبرون أن حريّتهم تسمح لهم بضربها، ومن ثم يكون المطلوب أن يُصبح الاستثناء والشواذ “القاعدة الأساسية”.
لم يكن ينقص لبنان أزمات تكفي لإيجاد حالة الاضطراب الاجتماعي، فتبرّعت بعض الجهات والشخصيات بإضافة أزمة جديدة ذات طابع أخلاقي تربوي اجتماعي، فأزمة الشذوذ الجنسي والنوع الاجتماعي والجندرة وَجدت مَن يُثيرها ويتبنّاها في لبنان.
فمنذ إثارة الموضوع بهذا الشكل، يُطرَح سؤال عن التوقيت. وإذا أردنا البحث فيه يُمكننا أن نُفكِّر خارج دائرة نظرية المؤامرة رغم أن “الشيطان لم يمت” فنقول إن هذا التطور الطبيعي لمفهوم الحرية الذي أنتجه الغرب وتَحوَّل الى وحش كاسر خارج السيطرة والترويض، ومن الطبيعي أن تصل أصداؤه الثقافية الى المجتمع اللبناني غير المُحصَّن بل المُخترَق بمؤسسات تربوية وجامعات ومراكز دراسات وجمعيات تابعة للسفارات وشخصيات معجبة بالنموذج الغربي بل متبنية له الى حد التطرّف بسلوكياته الفردية وانحرافاته الاجتماعية.
فالمشكلة ليست مشكلة توقيت، بل مشكلة البنية التحتية الثقافية الهزيلة التي شجّعت بعض النواب على تقديم اقتراحات لتعديل القوانين المجرِّمة للمثلية. ولا يُخفى أن الإفلاس الاقتصادي في لبنان والارتهان المالي للمساعدات الغربية يُشكِّل خاصرة رخوة لتنفيذ المشاريع التي يعتبرها الغرب معيارًا لتحالفاته وعداواته.
لكن ردود الفعل التي ظهرت عبر المرجعيات الدينية على اختلاف طوائفها توحي بصعوبة تمرير أو تشريع القوانين التي يسعى الغرب الى فرضها. ولكن هذا لا يُلغي إمكانية خضوع بعض المرجعيات للابتزاز المالي أو السياسي لتنفيذ إرادته.
إن من أهداف الترويج لحماية الشذوذ الجنسي طرح ملفات خلافية في الدول التي تريد أميركا تبرير تدخّلها فيها بقضايا حقوق المرأة، معاداة السامية، دعم الإرهاب، تجارة المخدرات، الإتجار بالبشر، أسلحة الدمار الشامل، ومصير الأقليات الطائفية.
وقد يُمكن اعتبار طرح موضوع المثلية نافذة ومبرِّرًا للتدخل وفرض القوانين أو ربط المساعدات الاقتصادية بذلك كما تفعل بعض السفارات الغربية مع nog’s . وإن التحذير الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله جاء بمثابة الإنذار المبكر للتحذير من مخاطر التنازل والتراجع أمام تسونامي الليبرالية المتوحشة التي اجتاحت تماسك الأسرة ومنظومة القيم الدينية ووصلت الى حد الانفصام بين الجنس الفيزيولوجي والجنس النفسي.
وما يزيد في جدية هذا التحذير ما ينقله المغتربون اللبنانيون وما يُتداول على وسائل التواصل من مشاهد مُخيفة تعكس حجم الأزمة التي تُعاني منها الأُسر التي تُحاول الحفاظ على هويتها الثقافية وما تواجهه من قسوة وإجبار على تغيير جنس أولادها بناءً على رغبة شخصية أو ميل نفسي.
يبقى السؤال: هل يمتلك لبنان حصانة كافية للحفاظ على قيَمه الاجتماعية وتقاليده الثقافية والدينية؟؟
بعد تحذير السيد نصر الله، بادرت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الى مراجعة الكتب المدرسية وأبدت حرصها على منع أي اختراق من هذا النوع. إلا أن التدقيق في بعض دروس التربية الوطنية فيما يخص تعريف الأسرة، يُشير الى أن اعتبار الأسرة تتكوّن من غير الزوج والزوجة والأولاد، كرجلين وولد وامرأتين وولد والاطلاع على نظام الحقوق في هذه الأسرة الذي يُهمل واجب الطفل تجاه الأب والأم وبعض المفردات الأخرى، كل ذلك يكشف عن اضطراب في مفهوم الأسرة ويحتاج الى إعادة النظر لأنه يُشكِّل نافذة لدخول المفاهيم المُنافية لتماسك الأسرة.
في المواجهة، اقتراح قانون موقّع من تسعة نوّاب لإلغاء المادّة القانونية المتعلقة بتجريم المثلية. بغض النظر إن كان سيُسمح بمناقشته في مجلس النواب أم لا، فهذه العقوبة تؤكد على أن هذا العمل خطيئة، ما يعني أن بقاءها يَمنع اعتبار هذا الوضع طبيعيًّا أو قانونيًّا وإلغاءها يُبيحه، فنُصبح أمام غزو شَوَاذ للمفاهيم المجتمعية والعائلية وضرب لمنظومة القيم، فالقوانين الصارمة هي التي تستطيع أن تتصدى وتواجه هذه الأزمة.
من هنا أيضًا، تبقى العين شاخصة باتجاه اللجان النيابية خاصة لجنة المرأة والطفل للتدقيق في ما تطلبه بعض السفارات من تعديلات لصالح LGPT والتي تُبدي ارتياحًا من تعاون النواب مع طلباتها.
أما المسؤولية الأكبر في المواجهة فتقع على عاتق وزارة التربية التي يجب أن تأخذ دورها الطبيعي في مواجهة أي خطر تربوي يؤثر على المجتمع يقابله التشديد على القيم المجتمعية والعائلية والفطرة البشرية وإعطاؤها أولوية في كل المناهج.
وأيضًا في المواجهة وما يقع على عاتق المؤسسات الدينية تحديدًا وما لها من دور أساسي في التصدّي لأي خطر يُهدِّد المجتمع وقيَمه الثقافية والدينية، كان هناك جهود لتعطيل هذا الدور، فجرى إضعاف المؤسسة الدينية، الجهة الأساسية التي كان يُمكنها من خلال موقعها ودورها الطبيعي أن تتصدى للمواجهة، لكن في لبنان تكمن قوّة السلطة الدينية في تمثيلها الطائفي التي تتعزز في الحفاظ على الخصوصية الطائفية ولكنها مؤسسات ضعيفة على نشر القيَم الدينية، فهي رمز طائفي وليست رمزًا روحيًا ومعنويًا يمكنه أن يساعد بحماية المجتمع من كل هذا الشواذ.
إذًا، كما في كل القضايا ينقسم اللبنانيون في آرائهم حولها، لكن الفرق أن الربح والخسارة في السياسة يؤدي الى خسارة معركة وكسب أخرى فيما بعد، أما الخسارة في معركة الشذوذ الجنسي فتؤدي الى خسارة مجتمع بأكمله، لذا على الجميع تحمّل مسؤولياتهم من أجل كسب معركة البقاء وثبات القيم والمفاهيم الاجتماعية والدينية والثقافية والإنسانية.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.