الحديث عن حقيقة “رسمية” تننتج عن تحقيق “شفاف وأمين وموضوعي” فيما يتعلق بحادثة الكحالة هو حديث من يريد تمييع الحقيقة بحجة الحرص على درء “الفتنة” والحفاظ على “السلم الاهلي”.
وفي النتيجة لن تكون هناك “حقيقة رسمية”، ما يعني ان البحث يتعدى الحادثة إلى طبيعة الصراع في لبنان والمنطقة والاصطفافات التي تنضوي فيه وهذه أيضا معروفة حقيقتها ولا تحتاج إلى كثير عناء في تصنيف القوى السياسية اللبنانية ومعرفة اصطفافها. وبالتالي ان النظر في موازين القوى الداخلية والإقليمية تكشف أن القوي واسع الحلم ويعض على الجرح مرارا وتكرارا وعلى مدى سنوات طويلة، ويدرك القاصي والداني ان القوة الاقوى والمستهدفة اثبتت انها قادرة على وضع حد لمن تسول له نفسه تجاوز الخطوط الحمر معها من دون أن تنزلق إلى أي نزعة انتقامية او فرض اخضاع بالسياسة على المتطاول عليها، ليس فقط بسبب احترامها للتركيب الاجتماعي اللبناني، إنما أيضا هي تحشد وتعظم قوتها لمواجهة عدو خارجي وقواعده التي تحتل أجزاء من بلادنا ومنطقتنا.
اما المغامرون في استفزازها والتطاول عليها فيدركون أخلاقيات هذه القوة وسعة حلمها، وانهم ليسوا من موقع الشجاعة يقدمون على التطاول سواء بالسياسة او الاعلام والتحريض والذين يحظون برعاية وأجر لقاء ما يقدمون عليه ولا تعنيهم مصالح الشرائح الاجتماعية التي ينطقون زورا باسمها حتى لو ورطوها بلعبة الدم فهم بذلك ترتفع مداخيلهم من مشغليهم، ونجد هؤلاء بدرجات متفاوته يقدمون خدمات من أجل تقويض هذه القوة التي تكافح لتحرير الأرض والمجتمع من الاحتلال والهيمنة والتحكم في أسباب حياة ومعاش اللبنانيين.
لن تكون حادثة الكحالة الأخيرة وستضم إلى سجل تراكم من الأحداث المشابهة الا ان قوى الافتعال لهذه الأحداث تتساقط دون أن تترك أثرا سوى التسبب باراقة دماء الأبرياء وتكون النتيجة ان يسقطوا بفعل مغامراتهم ويودعوا السجن والأمثلة كثيرة بدءا من جماعة المحاور في طرابلس واحمد الاسير في صيدا ومغامرة ما يسمى عرب خلدة.
واذا كان كمين الطيونة لم ينتهِ بنفس المصير لمفتعليه بسبب تسوية اعفت “القوات اللبنانية” من المحاسبة بتدخل وتعهدات مباشرة من البطريك الراعي، جاء دور “الكتائب” لتسلك طريق المغامرات نفسها لكن تدخل الجيش بثقله عطل مفاعيلها اما المقاومة فقد اخذت حقها بلحظة وقوع الحادث وكان ردها متوازنا ومتناسبا.
فهل بعد “الكتائب” هناك من يغامر منها او من غيرها؟. نسارع بالإجابة نعم بسبب خلق بيئات حاضنة للعداء للمقاومة ما يتيح للاعداء ومخابراتهم المتعددة بما فيها مخابرات “الكيان المؤقت” تنظيم مجموعات تخريبية تستهدف المقاومة وبيئتها اذا استمرت التعبئة والتحريض وبسبب صعوبة الاستهداف المباشر بكون البيئة محمية ومحصنة نسبيًا. قد تلجأ هذه المجموعات لعمليات اغتيال على غرار ما حصل في العام ٢٠٠٥ وما بعده من استهداف شخصيات واتهام المقاومة. وهي شخصيات اما ان تكون منافسة لقوى مهيمنة داخليا ولو انها من نفس التبعية. او لأنها شخصيات يشكل قتلها مادة تحريضية أعلى قيمة من وجودها نفسه.
وهذا الواقع مستمر بفعل استمرار الصراع ولا يوجد في الافق اي تسوية او حتى هدنة وعلى الجميع أن يدرك وخصوصا من هم مرتبطون بالسفارات والقوى الأمريكية والغربية أن منسوب المواجهة في هذه الحرب المركبة ارتفع إلى الحد الذي أصبحت لعبة الدم أداة رئيسة.
فهل يعقلون؟.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.