لم يكن انهيار النقد في لبنان من قبيل الصدفة، كما لم تكن ثورة تشرين عفوية، فشرارة “ثورة الواتساب” أُضرمت في هشيم السياسة اللبنانية بشعارات بدأت مطلبية وانحرفت خلال أيام قليلة لتتحول سياسية بامتياز تحركها سفارات غربية لها مشاريعها على حساب الوطن، لتتدحرج الثورة إلى حراك مجتمع مدني يحمل مشروع انقلاب سياسي.
ومن بوابة المصرف المركزي ومعه جمعية المصارف، تم ضرب الاقتصاد الوطني وهو كان هدفًا حقيقيًا للثورة – الحراك التي تكشفت ملامح مشروعها وارتباطها بالخارج على حساب حلم التغيير وبناء مشروع الدولة خارج الاصطفاف السياسي التقليدي الحزبي والطائفي في لبنان.
مع دخول الأزمة المالية مرحلة متقدمة لم تحرك معه الحكومة ساكنًا، وتخلى المجلس النيابي عن دوره واستقال من مسؤولياته بعد أن عطل مشروع حكومة الرئيس حسان دياب، وتم تفويض حاكم المصرف المركزي رياض سلامة للعب دور المتحكم الذي صار يصدر بتعاميم استنزفت الاقتصاد الوطني وشكلت منافع مادية للسياسيين وللمصارف على حساب صغار المودعين، بابتداع منصة صيرفة التي أغرفت السوق بكتلة نقدية كبيرة، لعب المركز فيها دور أكبر المضاربين على الليرة خلافًا لما ينص عليه قانون النقد والتسليف.
كيف تعمل منصة صيرفة؟
باختصار تبيع المنصة العملات الأجنبية وفق سعر محدد، وتشتري الدولار من السوق عبر وسطاء منتفعين وشركات مالية لها خلفيات سياسية كما هو الحال في لبنان، ويدفع المركزي الفارق بالليرة اللبنانية عبر طباعة النقد الذي تجاوز بحسب الخبراء 112 تريوليون ليرة لبنانية أي 112 ألف مليار ليرة لبنانية.
وعلى سبيل العلم، باع المركزي خلال الشهر المنصرم حوالي ثلاثة مليارات دولار، عاد وجمعهم من السوق بفارق سبعة آلاف ليرة لبنانية، بخسارة تزيد عن عشرين ترليون ليرة لبنانية، ما يقارب الربع مليار دولار أميركي. مع العلم أن الفارق السعري خلال هذا الشهر كان بالحد الأدنى نظرًا لاستقرار الأسواق.
من الذي يستفيد من استمرار باب الهدر هذا؟ الواجب يقتضي البحث عن طريقة أخرى تخدم الموظفين والمتقاعدين والعمال وتحمي النقد الوطني من جشع المضاربين. فهل يعقل أن تتكبد خزينة الدولة أضعاف الموازنة فارق أسعار النقد يذهب أرباحها لكبار المضاربين من المصارف والصرافين وشركات الحوالة؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.