احتلال أميركي ممنهج تحت مسمّى “السفارة”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

يقتصر دور السفارات في الدول عمومًا على مهمة التمثيل الدبلوماسي وتسهيل أمور المواطنين لناحية الحصول على التأشيرات وغيرها من أمور الأحوال الشخصية المتعلقة بهم، إضافةً إلى بعض مهام التجسس التي تتم عادة بصورة غير رسمية. إلا أنا ما نشهده حاليًا على مستوى السفارة الأميركية في لبنان يبدو أوسع وأشمل بكثير من الدور الاعتيادي الذي تؤديه السفارات.

هذا الاختلاف الحاصل لا سيما على صعيد الإعمار لمبنى السفارة الجديد والذي أصبح حديث الرأي العام في الفترة السابقة، فضلًا عن السياسات والنشاطات التي تقوم بها السفارة الأميركية في لبنان، يندرج جميعه تحت مسمى “الحرب الناعمة” التي تخدم مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومعها العدو الإسرائيلي فضلًا عن حلفائها في لبنان والمنطقة.

سفارة أم قاعدة أمريكية إقليمية؟
يُبرز البناء المعماري الجديد للسفارة الأميركية في لبنان علاقة جدلية بين الهندسة المعمارية وعلاقتها بسياسات الحروب على اختلاف أشكالها، فهذا البناء الضخم ذو الأسوار العالية والقواعد العسكرية الداخلية والمباني القائمة فوق الأرض وتحتها يعكس نية أميركا في جعل هذه البقعة الجغرافية بمثابة غرفة عمليات محكمة للمشروع الأميركي في المنطقة وليس فقط في لبنان.

مشروع البناء الجديد القائم في منطقة “عوكر” والذي يبعد حوالي 20 كلم عن العاصمة بيروت، بلغت تكلفته ما يزيد عن مليار دولار، ويقوم ببنائه “مكتب عمليات البناء ما وراء البحار ” OBO في الخارجية الأميركية، وأعدّ دراساته المعماريّة والحضريّة مكتب morphosis الهندسي، وتنفّذه شركة BL Harbert الدوليّة.

لم يأتِ بناء السفارة الجديدة لأسباب عادية أو روتينية كما هو الحال مع باقي السفارات، بل إن الأسباب هنا تتخطى حدود الأعمال الإدارية واللوجستية التي تتم عمومًا، وتتعلق بشكل مباشر بفشل المشروع الأميركي في العراق بحيث لم تقدم غرفة العمليات الأميركية هناك النتيجة المطلوبة وبالتالي فإن البحث عن قاعدة جديدة هو أمر محتوم وضروري.

من جهة أخرى، فإن موقع لبنان الإستراتيجي بين الدول العربية وعلى شاطئ المتوسط، فضًلا عن قربه من العدو الإسرائيلي، يشكل سببًا موجبًا لأن يكون مقر القاعدة الأميركية فيه، وما سياسة التجويع والحصار الاقتصادي التي يتعرض لها لبنان سوى سياسة مدروسة جاءت لصرف الأنظار عن تنفيذ المشاريع الأميركية والإسرائيلية في المنطقة. ومنذ بدء الانهيار الاقتصادي كان العمل في بناء السفارة قائمًا وهو لا زال مستمرًا على قدم وساق. وتجدر الإشارة إلى أن السفارة الأميركية في لبنان هي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.

أهداف لخدمة المصالح الأميركية
لا تكمن الأهداف الأميركية من بناء السفارة الجديدة بأهمية موقعها الجيوسياسي وحسب، بل إن الأمور تتعلق أيضًا بثروة لبنان النفطية التي تجاور المبنى الجديد للسفارة إلى حد كبير، فضلًا عن أن شكل البناء الجديد بجدرانه المرتفعة يذكّر الناس بجدران العزل التي يقيمها العدو الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الغاية الكبرى من إقامة غرف العمليات والمراقبة، تكمن في إمكانية التحكم بالسياسات الخارجية للولايات المتحدة، إن كان عبر تعميم ثقافتها في الوسط اللبناني عبر مؤسسات المجتمع المدني (NGO) التي تتكفل هي بتمويلها والإشراف على عملها، أو عبر سعي السفارة إلى القيام بنشاطات وفعاليات ثقافية تسعى من خلالها لنشر المفاهيم المنبوذة في المجتمع اللبناني بشكل عام، كمفاهيم المثلية والتشجيع عليها فضلًا عن العادات التي تسبب التفكك الأسري وبالتالي الانهيار الثقافي والاجتماعي.

والجدير بالذكر، أنه على الرغم من كل ما حدث ويحدث، فضلًا عن موجة الاحتجاج والجدل الواسع على المستوى الشعبي، إلا أن الموقف الرسمي اللبناني تميز بالصمت التام اتجاه هذا الأمر، ولم يصدر أي بيان عن أي جهة رسمية يبرر أو يشرح للرأي العام اللبناني حقيقة ما يحدث على أرض وطنهم، وفي ذلك إشارة واضحة إلى سياسة الاحتلال اللامباشر التي نعيشها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، فضًلا عن التكتم المشبوه الذي تمارسه الدول اللبنانية في هذا الشأن.

يبقى المطلوب خلال هذه المرحلة أن يكون الرأي العام اللبناني مدركًا تمامًا للأهداف اللامباشرة لهذا المشروع ككل، وأن يتعاطى معها على قدر عال من المسؤولية والانتباه، ومن واجب الدولة اللبنانية بمؤسساتها الرسمية أن تبين حقيقة ما يحدث وأن يكون لها موقف واضح وصارم يردع هذا النوع من الاحتلال الممنهج والتعدي اللامباشر على السيادة اللبنانية.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد