تعيش مدينة القدس المحتلة حالة من الترقب الشديد المصحوب بالتوتر والحذر، مع إقتراب موعد “مسيرة الأعلام” الإستفزازية التي ينظمها الصهاينة كل سنة منذ عام 1968، وذلك إحتفالًا باحتلال الشطر الشرقي من القدس في نكسة يونيو/ حزيران 1967 تحت مُسمى “يوم توحيد القدس”.
تُنظم المسيرة لهذا العام وسط مخاوف صهيونية كبيرة من إشتعال القدس وحتى الداخل الفلسطيني المحتل، نظرًا للمتغيرات الأخيرة التي حدثت في قطاع غزة، والتي أسفرت عن انتصار المقاومة الفلسطينية في وجه الهجمات والمجازر الوحشية الإسرائيلية، والتي بدورها غيرت من قواعد المعركة، ودفعت المحتل لإعادة دراسة حساباته على كافة الجبهات، ومن بينها الردود المتوقعة على “مسيرة الأعلام” التي ستقام في الثامن عشرمن الشهر الجاري.
مسيرة الأعلام: الصهيونية المستفزة
“مسيرة الأعلام” والتي تعرف أيضًا بـ”رقصة الأعلام” تُعتبر عملًا استفزازيًا من قبل الجماعات القومية وحركات الاستيطان المتطرفة، وقد بدأت في عام 1968حيث نظمت المسيرة لأول مرة على يد الحاخام يهودا حزاني وتحولت إلى تقليد سنوي.
هذه الطقوس الصهيونية، والتي امتدت على مدى كل السنوات السابقة ولا زالت – رغم إلغائها لسنوات – هي رسالة استفزازية واضحة ووقحة يوجهها الصهاينة كل عام إلى الشعب الفلسطيني ومن خلفه الأمة العربية والإسلامية، في محاولة لتجسيد العنصرية الصهيونية والكراهية المعلنة للفلسطينيين خاصة والعرب بشكل عام.
وفي هذا الإطار، فإن الأعمال الاستفزازية الصهيونية حاضرة في كل تفصيل ضمن هذا الحدث، من الدعوات المتكررة للجماعات الصهيونية المنظمة للمسيرة للمتظاهرين باقتحام المسجد الأقصى، إلى إصرار من المشاركين بضرورة مرورها بالحي الإسلامي، وقد كانت هذه الخطوة بمثابة الشرارة التي أشعلت معركة من القصف المتبادل على مدى 11 يومًا بين الإحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في العام المنصرم.
فضلًا عن ذلك، فمن المتوقع أيضًا أن يشارك في الحدث وزير المالية الصهيوني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، ونواب حزب الليكود، ووزير القدس الأرثوذكسي المتطرف مائير بوروش، إلى جانب عشرات الآلاف من المتظاهرين، معظمهم من المجتمع الديني القومي، وفي ذلك دلالة أيضًا على مدى الكراهية والعنصرية المنتشرة في بنية هذا الكيان المغتصب بكل أركانه، وليس فقط ضمن المستوطنين الصهاينة، وأن هذه الأحداث وما يترتب عنها من نتائج – قد تكون كارثية- هي مباركة ومخطط لها ومنفذة تحت رعاية الحكومة الصهيونية.
عن العرب ومواقفهم.. الحاضرة الغائبة
كحالهم عند كل حدث مستجد على أرض فلسطين، أو حدث متعلق بالقضية الفلسطينية، يسود الاختلاف العربي في ردود الأفعال وكيفية التعامل معها.هذا التباين ليس بجديد على الساحة العربية، ولو لم يكن موجودًا في الأساس، فربما كان تحرير الأرض المقدسة قد تم منذ زمن ربما.
تتباين عادة المواقف العربية اتجاه الإعتداءات الصهيونية بين الصمت والإدانة، والمؤكد أن المواقف لا تتعدى حدود الإدانة الإعلامية، ومطالبة المجتمع الدولي المحكوم من قبل حليفة “إسرائيل الكبرى”، باتخاذ الإجراءات المناسبة بحق الصهاينة، فيقوم هذا الأخير بالإدانة أيضًا!
ربما تحفظ هذه “الإدانة العابرة” بعضًا من ماء وجه الحكام العرب، إلا أن الأكثر تخاذلًا هو إلتزام العديد منهم بالصمت القاتل، وعدم إدلائهم بأي تصريح أو بيان، وهنا تظهر أوجه التخاذل الحقيقي التي باتت اليوم معلنة دون حياء، دون عروبة.
هذا الواقع بالنسبة للشعوب العربية مغاير تمامًا، إذ إن معظم شعوب هذه الأمة مناهضة تمامًا لسياسات حكامها التآمرية، وهي تسعى بكل الوسائل المتاحة لدعم القضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الغاصب.وفي هذا السياق تنشط الحملات الإعلامية الرافضة لمسيرة الأعلام، ويدعو العديد منها إلى احتشاد المرابطين في المسجد الأقصى، ومواجهة المستوطنين بالتكبير وأعلام فلسطين، والقيام بكل ما يلزم لإفشال هذا الحدث الإستفزازي.
يقف الشعب الفلسطيني اليوم ومجددًا في مواجهة الوحشية الصهيونية، تمامًا كما وقف وواجه في كل المعارك السابقة وخلال كل المعارك التي ستأتي لحين تحرير فلسطين من الصهيونية، هذا الشعب الصامد العصي على الإنكسار والاستسلام، قدّم للعالم عمومًا وللعرب خصوصًا، دروسًا في الشجاعة والكرامة والعروبة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.