لا شك في أن النزوح السوري إلى لبنان فاقم الخسائر على كافة المستويات، وتزامنه مع انهيار العملة الوطنية مقابل الدولار الاميركي ليس من المصادفات بل يجب احتساب أثر النزوح على الاقتصاد واستنزاف احتياطات المصرف المركزي من العملات الأجنبية وفقًا لأرقام الميزان التجاري.
وعليه، فإن كلفة الاستيراد بدأت بارتفاع كبير منذ العام 2012، واعتمادًا على أرقام الجمارك، فإن كلفة الاستيراد المسجلة حتى نهاية العام 2019 لم تتجاوز العشرين مليار دولار أميركي، برغم دخول ما يزيد عن ثلاثة ملايين سائح، إلا أنه سجل نهاية عام 2012 ارتفاعًا بحوالي ثلاثة مليارات دولار أميركي، وتراجعت الصادرات بحوالي ملياري دولار، واستمر هذا الرقم بالارتفاع حتى نهاية العام 2018 مسجلًا ارتفاعًا بحوالي ستة مليارات دولار سنويًا، برغم تراجع أسعار النفط عالميًا في حينها وانخفاض قيمة التحويلات وتراجع الصادرات، ما أدخل ميزان المدفوعات في حالة عجز كبيرة تقدّر بعشرات مليارات الدولارات.
ولم تتوقف التداعيات عند هذه النتائج، بل أدّت إلى أعباء كبيرة
وزيادة مفاجئة في مستوى الطلب على شبكة الكهرباء من قبل النازحين قدرتها دراسة UNDP في شباط 2017 بـخمسماية ميغا واط سنويًا، وهو مجموع الطاقة غير الموظفة في الاقتصاد الوطني.
فكلفة الطاقة غير الموظفة في الاقتصاد الوطني اللبناني ( Value of the lost Load ) Voll مقدرة بـ 70 سنثًا لكل كيلو واط بحسب تقرير البنك الدولي لعام 2008، يضاف إليها مبلغ 350 مليون دولار ثمن كلفة الكهرباء، حسب دراسة UNDP في شباط 2017، وهذا سنويًا يُدفع من الخزينة اللبنانية.
وقاربت خسائر الكهرباء جراء النزوح السوري بين عامي 2014 و2020 الـ24 مليار دولار أميركي نفصّلها بما يلي:
– لم يتم احتساب الخسائر عن العامين واحد وعشرين واثنان وعشرين بسبب التوقف شبه التام لمعامل الكهرباء.
ـ عدم احتساب استفادة النازحين السوريين من الدعم على الكهرباء الذي اتبعته الحكومات المتعاقبة منذ العام 1994 وتثبيت الفيول على سعر بـرميل نفط عند 22 دولارًا.
ومن الوقاحة أن الدولة اللبنانية كانت تشتري الكهرباء من سوريا لتغطية حاجات اللبنانيين والنازحين السوريين على حد سواء وتدفع الأكلاف بالدولار.
وفي المحور الثاني، تأتي شبكة المياه ثم الصرف الصحي التي تحتاج الى حوالي مليار ونصف مليار دولار أميركي نتيجة النزوح السوري، دون أن تأتي على كلفة معالجة تلوث نهر الليطاني التي تضاعفت بسبب أنشاء المخيمات على ضفافه والبناء العشوائي.
البنك الدولي قدّر كلفة معالجة تلوث نهر الليطاني بـ500 مليون دولار أميركي، ولم تقف الأعباء عند هذا الحد، فكلفة كميات النفايات الصلبة التي تنتج عن النازحين السوريون وتقدّر بـ1500 طن من النفايات يوميًا، تستنزف الخزينة بحوالي 150 دولار أميركي للمعالجة، فتكون التكلفة بالأرقام الدقيقة على الشكل التالي: 1500 طن من النفايات، خلال 8 سنوات، بتكلفو نحو 700 مليون دولار أميركي.
يضاف إلى ذلك الأثر الناتج عن التدهور البيئي، الذي يحتاج إلى حوالي 200 مليون دولار أميركي للمعالجة، وبذلك تكون كلفة النزوح على البيئة خلال 8 سنوات نحو 1 مليار دولار أميركي.
هذا، من دون أن نتطرّق إلى قطاع النقل، إذ ازدادت الحركة المرورية بفعل النزوح السوري بحوالي 50%، ارتفعت معها تكاليف الصيانة الإضافية للطرق إلى حوالي 2 مليار دولار أميركي.
ولعل المعضلة الأكبر تكمن في قطاع التربية، حيث بلغت كلفة تعليم الطلاب السوريين في مرحلة التعليم الاساسي لفترة قبل الظهر حوالي 700 مليون أميركي، ولفترة بعد الظهر 900 مليون دولار (وفقًا لدراسات البنك الدولي)، تضاف الى التعليم الثانوي الذي تسدد الدول المانحة رسم التسجيل عن الطلاب السوريين وتتحمل الدولة اللبنانية كلفة تعليم كل تلميذ بنحو 2500 دولار، بتكلفة إجمالية قُدّرت بـ90 مليون دولار أميركي. وبذلك تكون كلفة التعليم الناشئة عن النزوح السوري تستنزف الاقتصاد اللبناني بحوالي 2 مليار دولار أميركي.
أما الدخول إلى واقع قطاع الصحة، بفعل النزوح السوري، فهو مخيف من حيث الأعباء، إذ بلغت تكاليف النزوح على البنية التحتية للقطاع الصحي 700 مليون دولار أميركي.
وفي متابعة استهلاك السلع الغذائية والدواء والكهرباء فقد قارب إجمالي استفادة النازحين منها 3 مليارات دولار أميركي. وللحديث عن استفادة النازحين السوريين، فإن دعم الدواء بين 2015 و2019 قاربت كلفته على الخزينة 1.5 مليار دولار أميركي، استفاد النازحون السوريون من مجمل كلفة دعم الدواء البالغة 3.5 مليار دولار أميركي بحسب النسبة المئوية.
هذا بالنسبة للأكلاف المباشرة، أما التبعات غير المباشرة فهي كثيرة، وفي آذار 2021 قدّرت وزارة المالية اللبنانية كلفة النزوح السوري حتى عام 2018 بـ 46.5 مليار دولار، غير بعيدة كثيرًا عن أرقام البنك الدولي التي قدّرت المفضلة بـ 40 مليار و344 مليون دولار أميركي.
هذه الأرقام تجعل لبنان أكبر دولة مانحة ربظًا بملف النازحين السوريين في العالم، خصوصًا. أن السلطات اللبنانية لا تحبي من النازحين السوريين على أراضيها أي ضريبة أو رسم، ما يساهم في مضاعفة الأعباء على الاقتصاد الوطني.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.