لا تزال تداعيات الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان ومعها أزمة كورونا، تظهر بين الحين والآخر، عند كل محطة زمنية وفي كل قطاع من قطاعات الدولة المدمرة والمنهوبة بفعل فساد الطبقة السياسية الحاكمة.
ولأن الأزمة كانت الأقوى في تاريخ لبنان لشدة صعوبتها ومأساتها، فإن أول تداعياتها غير المباشرة كانت على صعيد اليد العاملة ومعدل البطالة، والتي تأثرت على نحو غير مسبوق بهذه الأزمة التاريخية وفقًا لما تشير الإحصاءات بهذا الصدد.
معدل البطالة في لبنان: أرقام صادمة
لم تكن البطالة ظاهرة جديدة في المجتمع اللبناني، بل عرفت معدلاتها ارتفاعًا لافتًا في الفترة التي سبقت الانهيار الاقتصادي الذي شهده البلد منذ ثلاث سنوات. إلا أن ما تقدمه اليوم الإحصائيات المعدة بهذا الشأن يعبر عن نتائج صادمة وخطيرة.
وفي هذا السياق، يشير التقرير الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية إلى “ارتفاع في معدل البطالة في لبنان من 11,4 في المئة في الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2019 إلى 29,6 في المئة في كانون الثاني 2022، وهذا يعني أن ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل مطلع هذا العام”.
وتشير الدراسة أيضًا، الى أن “نسبة البطالة في صفوف النساء أعلى مما هي عليه لدى الرجال. وكذلك ارتفع معدل البطالة لدى الشباب من 23.3 في المئة إلى 47.8 في المئة، وانخفض معدل مشاركة القوى العاملة (معدل التشغيل) من 48.8 في المئة إلى 43.4 في المئة (ونعني بالقوى العاملة: العاملين والعاطلين عن العمل بعمر 15 سنة وما فوق)، وانخفض معدل العمل نسبة إلى عدد السكان من 43.3 في المئة إلى 30.6 في المئة”.
وبالحديث عن الأسباب التي أدت إلى وصول نسبة البطالة لما هي عليه اليوم، والتي يأتي في مقدمتها الأزمة الاقتصادية والمالية التي حدثت، إلى جانب وباء كورونا، يذكر أيضًا أن الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد ريعي قائم بشكل كبير على القطاعات المصرفية والمالية والعقارية والسياحية، وبالتالي فهو غير قادر على خلق فرص عمل كافية تغطي كافة اليد العاملة في لبنان، ويضاف إلى ذلك منظومة النهب والفساد الحاكمة والتي أوصلت البلد لما هو عليه.
وأمام هذا الواقع، أشارت الدراسات أيضًا إلى أن 52% من اللبنانيين الذين شملتهم الدراسة، يرغبون بالهجرة إلى خارج البلاد، أما حسب الفئات العمرية فكانت الرغبة بالهجرة أكثر لدى الفئات الشابة (69 % ممن هم بعمر 15-24 سنة و66 % ممن هم بعمر 25-44 سنة، مقابل 10% فقط لدى المسنين بعمر 65 سنة وأكثر).
الحلول صعبة والتحرك ضروري جدًّا
ينذر الوضع الاقتصادي الحالي إذًا بمزيد من التدهور، دون أن تكون الدولة المستقيلة من مهامها قادرة على لجم هذا الانهيار، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى دخول المجتمع اللبناني ولا سيما الشباب في مرحلة خطيرة لا تحمد عقباها. وقد بدأت تداعيات هذه المرحلة تظهر جليةً على المستوى المعيشي والاجتماعي والأمني، نظرًا لما نلحظه من ظواهر الفقر المدقع والفوضى الاجتماعية والتفلت الأمني.
ويرى المتخصصون والباحثون في هذا الصدد، أن المسؤولية موجهة بالدرجة الأولى إلى مؤسسات الدولة المعنية بمواجهة ظاهرة البطالة، من حكومة ووزارات ومؤسسات حكومية وغيرها، وأن المماطلة والتأجيل لن يجدي نفعًا، لأن الأمور في تدهور مستمر وبوتيرة سريعة جدًا.
وفي هذا السياق، يمكن الاستفادة إلى حد كبير من الأرقام والإحصائيات المقدمة من قبل إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية والتي تساهم بدورها في وضع السياسات والإجراءات الخاصة بمكافحة ظاهرة البطالة، وتركز بالتالي على القطاعات الأكثر استقطابًا لليد العاملة، وهي القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، وتكون قادرة على وضع أسس التغيير المطلوب في تحويل الاقتصاد اللبناني من ريعي إلى إنتاجي.
وعلى مقلب آخر تبقى أي حلول مقترحة “نظرية” لحين البدء فعلًا بتطبيقها، لأن الواقع يزداد صعوبة وقساوة في زمن الانهيارات، وما يزيد الأمور تعقيدًا، هو أن أحد القطاعات التي كان يعول عليها لإيجاد فرص عمل، ألا وهو قطاع التعليم، بات اليوم أكثر القطاعات المهددة والمنهارة بكل مؤسساته ومراحله.
تتوجه الأنظار جميعها إلى “الدولة المنهوبة” لإيجاد مخرج لهذه الأزمة التاريخية التي نعيشها، الدولة المحكومة المنهوبة المدمرة من قبل طبقة سياسية لم ترحم البشر والحجر، سرقت ولا زالت كل خيرات ومقدرات ومرافئ هذا البلد، وها هي اليوم تقف موقف المتفرج والمتآمر الأول على ما حلّ بهذا الشعب، ليس شفقة أو رحمة، أو مبالاة أو شعورًا بالمسؤولية، بل استهتارًا وحقدًا ورغبة في المزيد من الخراب والفساد والقهر والظلم.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.