ما أن صرّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مؤتمره الأخير عن رفع سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي إلى 15000 ل.ل. بعد أن كان 1505 ل.ل، حتى أعلنت وزارة المالية البدء بتقاضي الضريبة على القيمة المضافة (الـTVA ) على أساس السعر الجديد بدءاً من اليوم التالي.
هذا القرار الذي بدأت الوزارة بتطبيقه، ذكر فقط في سياق المؤتمر الصحفي الذي عقده رياض سلامة، إلا أنه لم يصدر فيه أي قرار رسمي بعد، ولكن ونظرًا “لحرص” الوزارة على المصلحة العامة وحسن سير العمل، بدأت على الفور العمل به بحكم أنه تم تبليغ المعنيين بالبدء بتطبيقه فورًا، علمًا أن هذه الضريبة يدفعها المستهلك النهائي على سعر الصرف في السوق السوداء.
الـTVA الجديدة: لزيادة الفقراء فقرًا
لم تكن المرة الأولى التي تلجأ فيها الحكومة البنانية على امتداد التاريخ السياسي اللبناني إلى تحميل الشعب نتائج فسادها، وتداعيات قرارتها المتعلقة بحل أزمات البلد التي كانت السلطة دائمًا السبب في حدوثها.
آخر هذه القرارات كان ذاك المتعلق بزيادة 40% على ضريبة القيمة المضافة (TVA) من 11% إلى 15% ، وهو يشكل إحدى المقترحات الواردة في خطة النهوض المالي التي أعدتها حكومة نجيب ميقاتي، قبل أن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، وتقدمت بها إلى صندوق النقد الدولي، بعد أن كانت قد اتفقت معه على زيادة الأعباء الضريبية.
إن زيادة الأعباء الضريبية تكون بالأساس وقبل أي شيء على كاهل الناس، وفي ذلك زيادة لأعباء المستهلكين الذين أرهقتهم الظروف المعيشية القاهرة على مدى ثلاث سنوات بفعل الانهيار الإقتصادي الذي حل بالبلاد، ويذكر أيضًا أن التضخّم في الأسعار قد سجّل ما نسبته 825% في العام المنصرف، وهذه ضريبة هائلة وحدها. لذا، فإنّ تحميل المستهلك فاتورة الانهيار في الإيرادات العامة أيضًا من خلال زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% ليس سوى وصفة لمزيد من الفقر. فهذه الضريبة ستصبح مضاعفة مرات عدّة إذا اقترنت بزيادة في الدولار الجمركي، وهذا فعليًّا ما حصل.
المشكلة الفعلية تكمن في أن جميع المعنيين على علم بأن هذه الخطوة ستؤدي حتمًا إلى زيادة معدلات الفقر، وأنها فعليًّا تهدف إلى زيادة إيرادات الخزينة، وليس إلى الإصلاح الضريبي، وهي في ظل ما يعانيه البلد من ازمات حادة، تعتبر “قرارًا تعسفيًا” لا يحق للسلطة اتخاذه، لأنه بكل بساطة لا يحق لها زيادة الضريبة، وعلى العكس، فإنه يتوجب عليها الدفع للمواطن بدل أن تمد يدها إلى جيوب الناس الفارغة بسبب الانهيار الاقتصادي.
السلطة الحاكمة أساس كل مصيبة
لم تلتفت السلطة الحاكمة كعادتها لتداعيات القرارات التي تتخذها، إن كانت مالية أو غيرها، ولا إلى آثارها على الناس، ولا حتى إلى إمكانية تطبيقها من عدمه، إذ كان همها الدائم أن تجد الحلول “الترقيعية” في محاولة لإخفاء فسادها وإلهاء الناس عن أوجاعهم.
قرار زيادة الضريبة على القيمة المضافة هو واحد من هذه الحلول المؤقتة، التي تزيد الأمور سوءًا بدل أن تخفف من وطأتها على كاهل المواطنين، والأمور في هذا السياق لا تحتاج إلى الكثير من التفكر والتحليل، لأنه في ظل الانكماش والانهيار الاقتصادي الذي نعيشه، ستواجه الدولة ظاهرة التهرب الضريبي، ومع غياب أجهزة الكشف المختصة بهذا الأمر، فسوف يؤدي ذلك حتمًا إلى المزيد من الانكماش الاقتصادي وبالتالي ستضطر العديد من المؤسسات لإقفال أبوابها.
الواضح إذًا، أن السلطة الحاكمة لا تجرؤ على حل أصل المشكلة، عبر إصلاح كيان النظام الضريبي بأكمله، وشكل الضرائب وأنواعها، كفرض ضريبة على الثروات، والضرائب على العقارات…، ومحاربة التهرب الضريبي ومحاسبة المخالفين، وبالتالي فإن البلد خاضع فعلًا لعملية إفقار جماعية مستدامة تطال الجميع، وتؤلم إلى حد كبير جدًّا الفقراء وأصحاب الطبقة الوسطى، فتزيدهم فقرًا وتزيد حياتهم تعاسة.
نعيش في هذا البلد خرابًا لا يوصف، وقهرًا زرعته القوى الحاكمة فينا لعقود مضت وأخرى آتية. إننا نعيش حتمًا في ظل أفسد سلطة سياسية على سطح الكوكب، حولت الناس إلى أقلية فاحشة الثراء، وأغلبية مسحوقة، فقيرة ومعدمة، دون أدنى محاولة لردم الهوة الواقعة ما بين الفئتين.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.