معرفتي برئيس الأركان القادم تعود إلى سنوات طويلة؛ هرتسي ضابط ذكي، عميق، مسؤول، ذو مواصفات قيادية وكاريزما برزت كلها إيجابًا على امتداد حياته المهنية، وأعتقد بأنه سيتصرف بشكل جيد. لكن قوة رئيس الأركان وزيادة قوة الجيش الإسرائيلي ليستا مسؤولية قائد الجيش استثناءً، وليستا مجرد قضايا عسكرية، يدور الحديث هنا عن أمر مصيري للأمن القومي. في هذا الموضوع، هناك قضايا عميقة ثقيلة الوزن تتطلب توجه المستوى السياسي من خلال التشريع والتنفيذ.
استعادة الهيبة
نتوقع أن يواجه رئيس الأركان تحدييْن في بناء قوة الجيش الإسرائيلي، وثلاثة تحديات في استخدام قوته. سيكون عليه أن يدرس سياسة القوى البشرية، هناك تآكل مستمر في الرغبة والاستعداد للتجند في الوحدات الميدانية، كما يظهر استعداد أقل لدى المستخدمين الدائمين في المجال التقني لدفع الثمن الشخصي المطلوب مقابل البدائل في السوق المدني، وكذلك طرأ تقلص على حجم المستخدمين الناشطين في الاحتياط، وحجم السكان الإسرائيليين الذين لا يتجندون إطلاقًا والآخذ بالتزايد.
في هذه القضايا، هناك دور دراماتيكي للمشرعين في الكنيست الإسرائيلي. إليك مثلًا أن المشرع يستطيع أن يدفع لتشريع فكرة التجنيد الإلزامي لجميع الإسرائيليين في الخدمة التشغيلية، الوطنية أو المدنية. الطرق الأخرى، سواء كانت إعادة احترام وهيبة الخدمة الدائمة من خلال القوانين التي توجد الاستقرار واليقين لرجال الخدمة الدائمة أو السماح بظروف خدمة معقولة (ليس مجرد رواتب) في منظومة التقنية بالجيش الإسرائيلي، حتى تستمر الإسرائيليات والإسرائيليين البارعين في الخدمة الدائمة طويلة الأمد.
تحديث جيش الاحتياط
تحدٍ آخر في بناء قوة الجيش الإسرائيلي يتعلق بسلاح البر، وسيما نظام الاحتياط المبني على قاعدة التراث وصدمات حرب “يوم الغفران”. التجديد المطلوب يتحقق اليوم فقط قي جزء من الجيش النظامي، الذي أخذ يزداد بطريقة متسقة عرضية تتماشى مع النمو السكاني في إسرائيل.
إنه وضع يؤدي إلى أزمة في الموارد والأهلية، متواصلة ودائمة. النظرية التقليدية هي نظرية الجيش النظامي الصغير للدفاع، والذي يبني جيشًا احتياطيًا كبيرًا للحسم، هذه النظرية الأساسية تعززت بعد حرب “يوم الغفران” وخلقت واقعًا ليس فيه إمكانية لإقامة أهلية الجيش الاحتياطي بشكل كامل، وجاهز لتغيير وتحديث الجيش النظامي.
التضخم في نظام القوات لا يسمح بالاعتماد الموسع والشامل للثورات التقنية، تلك التي تم تنفيذها مؤخرًا في الجيش الإسرائيلي هي مجرد “قدرات البوتيك”، والتي لا تغير شيئًا في ميدان الحرب؛ ما لم يتم توسيعها لتشمل الجيش بأكمله.
هنا أيضًا الذين يستطيعون أن يوفروا استجابة هم المشرعون في الكنيست على وجه الخصوص، وليس رئيس الأركان. إليكم مثلًا أنه من المُمكن أن يقرر قي القانون ما هو حجم الجيش النظامي المطلوب لدولة إسرائيل، وتستثمر جميع الفوائض في نظام الخدمة الوطنية والمدنية الموصوفة أعلاه. إضافة إلى أن المستوى السياسي يجب أن يحدد ما هو الإنجاز المطلوب، وبناءً عليه ما هو ترتيب القوات المطلوب لتحقيقه. هناك مجال لتصغير الجيش، لكن بمسؤولية، وبعد اتخاذ قرار بذلك فقط، وتحديد ميزانية جيش الاحتياط الأكثر حداثة والأكثر عصرية.
الشلل المانع للمبادرة
من حيث تحديات استخدام القوة؛ رئيس الأركان الجديد سيحتاج أولًا إلى الاستعداد لانتفاضة على الساحة الفلسطينية، على خلفية تبدل الأجيال المُتوقع في السلطة الفلسطينية. في الخطاب الجماهيري جرت العادة في الحديث عن “اليوم الذي يلي أبا مازن”، لكن من جهة المنظومة الأمنية فالصواب الاستعداد منذ الآن، وعدم انتظار أن يملي الواقع علينا خطواتنا. المنطقة في حالة غليان والانعكاسات السلبية في الضفة الغربية تشمل تعزز قوة حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني أمام ضعف قوة قيادة السلطة الفلسطينية.
على خلفية تقلقل القيادة، يتطور واقع من زيادة العنف و”مفهوم المقاومة” في الشارع وعلى مواقع التواصل. الجمع بين صراع الخلافة والشارع العنيف المُتحمس من شأنه أن يقود إلى انتفاضة أخرى، وذلك في الوقت الذي فيه يقلب عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل كل خطوة في الساحة الفلسطينية إلى خطوة مثل تلك التي تختبر من خلال المنظور السياسي.
الشلل الاستراتيجي يمنع المبادرة، ويقلص فاعلية المنظومة السلطوية ويجب وقفه. واجبٌ علينا الحفاظ على المبادرة. دور المستوى السياسي أن يقود رؤية مشتركة وأن يشتق منها الأهداف والمصالح القومية. هذا الإطار سيمكّن رئيس الأركان من استخدام الجيش الإسرائيلي في تحقيق السياسات بالأدوات العسكرية.
بناء القدرات
تحدٍ آخر أمام استخدام القوة سيكون طبعًا منع إيران من الحصول على سلاح نووي، إنها مصلحة عليا للأمن القومي، وعلى رئيس الأركان تقع مسؤولية تحقيق ذلك، سواء في الواقع المُتفق عليه أو في الواقع الذي ليس فيه اتفاق نووي. الاتفاق البادي في الأفق هو الاتفاق الأكثر إشكالية، وكان من الأفضل التوصل لاتفاق محسن وطويل الأمد.
ولكن هناك شك كبير فيما إذا كان الزعيم الإيراني، الذي يرفض القبول بالاتفاق الحالي على ما هو عليه، سوف يوافق على اتفاق آخر، سيفسر – حسب وجهة نظره – على أنه أكثر إذلالًا. في حال التوقيع على الاتفاق، فإن إيران من المُتوقع أن تحترمه كما فعلت في الماضي، الأمر الذي سيشتري الوقت لإسرائيل. في هذه الحالة، على الجيش الإسرائيلي أن يستغل الوقت الثمين في بناء القدرة التي تدمر مكونات البرنامج النووي وتردع إيران عن العودة إلى تطويره، وذلك دون الانزلاق إلى حرب إقليمية.
لا تغتروا بالنجاح
التحدي الثالث هو إضعاف الميليشيات الشيعية في الشمال. الاستراتيجية المسماة (مبام) “معركة ما بين الحروب” تمع تمركز الإيرانيين على حدودنا الشمالية، وتضعف من قوة الميليشيات الإيرانية (بما في ذلك حزب الله) قبل الحرب، وتردعهم عن القيام بمبادرة هجومية من خلال التذكير المُستمر بقدرات الجيش الإسرائيلي. رغم مستوى جدوى هذه الاستراتيجية حتى الآن، المطلوب تحديثها وتغييرها.
لا ينبغي أن نغتر بالنجاح التكتيكي، بل ينبغي أن نركز على تحقيق التحقيقات النقدية في التوازن العام للأمن القومي الإسرائيلي. أي استراتيجية ناجحة لا تتم دراستها بشكل انتقادي تبلد حاسة النجاة، ويتوقع ان تؤدي إلى كارثة. كثيرة هي نماذج الجيوش التي لم تغير استراتيجياتها بعد الحرب الناجحة، ووجدت نفسها مهجورة إلى حين الانسحاب المذل. أمريكا في أفغانستان وإسرائيل في لبنان كنموذجيْن شهيريْن. والاستنتاج هو الحفاظ على الهدف، لكن مع الدراسة المتكررة للنهج.
تمير هايمان – إسرائيل اليوم
ترجمة أطلس للدراسات
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.