في عام 2005، انسحبت “إسرائيل” من قواعدها العسكرية ونقاط التفتيش والمستوطنات في غزة، لكن الحصار في 2007 كان بديلًا لانتهاء هذا الاستعمار المباشر.
نظم الحصار الإسرائيلي الشامل لغزة خلال الـ15 عامًا الماضية جميع مظاهر الحياة الفلسطينية بما في ذلك الصحة والحركة الاجتماعية والوصول إلى الموارد الطبيعية والكهرباء والمياه ووسائل الاتصال والاقتصاد.
وفقًا لتقرير الأمم المتحدة في 2020، فإن الحصار دفع بأكثر من مليون فلسطيني في غزة تحت خط الفقر وكلّف القطاع 16.9 مليار دولار.
وبالإضافة إلى الحصار الشامل لغزة، شنّت “إسرائيل” هجمات عسكرية متتابعة وقتلت الآلاف وجرحت عشرات الآلاف ودمرت المنازل والمدارس والمستشفيات.
وهكذا، فما أسمته “إسرائيل” انسحابًا في 2005، كان في الحقيقة مقدمة لطريقة وحشية جديدة للسيطرة على أكثر من مليوني مواطن في غزة، من أحد التكتيكات التي استخدمتها “إسرائيل” السيطرة الدقيقة على جميع البضائع الواردة والصادرة من غزة، فقد قررت لفترة منع بعض السلع الأساسية مثل الورق والخشب والأسمنت.
في 2009، منعت “إسرائيل” الفوط الصحية وورق المرحاض، لقد فعلت ذلك لأنها تستطيع أن تقوم بذلك دون أن تتعرض لأي حساب، في 2022 أصبح أكثر من 96% من مياه غزة غير صالحة للشرب، ووصل معدل الفقر إلى 59% ومعدل البطالة إلى 45%.
منع الحصار الإسرائيلي بشكل دوري الأدوية والمعدات الطبية من دخول غزة، كان ذلك يعني تأجيل العلاج الطبي العاجل للقلة المحظوظة وحظره على الأغلبية، وفقًا للمفوضية الأوروبية، فإن نحو 80% من شعب غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية بسبب الحصار.
تطبيع الحصار
تسببت الأزمة التي خلفّها الحصار إلى تدفق المساعدات الإنسانية من جميع أنحاء العالم، فخلال الـ15 عامًا الماضية، تبرع المجتمع الدولي بما يقارب 5.7 مليار دولار لتوفير المساعدات لغزة، أنقذت جهود الإغاثة تلك الفلسطينيين في غزة من الإبادة الجماعية.
ومع ذلك، أصبحت المساعدات الإنسانية الدولية دون قصد وسيلة إسرائيلية لمواصلة الحصار وتطبيعه، أصبحت المساعدات تدعم ما أسماه دوف فايسغلاس – كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت – في 2006 “وضع نظام غذائي للفلسطينيين”.
في 2012، اتضح أن “إسرائيل” حسبت – وفقًا لمتوسط احتياجات الفرد – السماح بدخول 2300 سعر حراري في اليوم لغزة، وهو ما يسمح فقط بعدم موت الناس من الجوع وفقًا لما قاله فايسغلاس.
وهكذا، فالفهم العام للحصار لا يعكس الممارسات الإسرائيلية، ويجب أن يُطلق عليه “سياسة الحصار الاستعماري الجديد” الذي يعمل بعدة طرق.
أولًا، تطلب “إسرائيل” مرور أي مساعدات لغزة من خلالها، سواء ماديًا أم بموافقتها، أجبر هذا القرار الإسرائيلي المنظمات الإنسانية على العمل مع الحكومة الإسرائيلية الاستعمارية، مفاوضات الجماعات الإنسانية الدولية تلك مع “إسرائيل” تتضمن منح الشرعية للسلطة الإسرائيلية الاستعمارية.
إضافة إلى ذلك، تساعد المساعدات الأجنبية “إسرائيل” كدولة محتلة بالتهرب من مسؤولياتها وفقًا للقانون الدولي ومعاهدة لاهاي ومعاهدة جنيف الرابعة بحماية الشعب الفلسطيني وممتلكاته، تتجنب “إسرائيل” واجبها لأن المساعدات الإنسانية تمنع الفلسطينيين من الموت جوعًا، في الحقيقة، تصور “إسرائيل” نفسها ككيان خيري بسماحها بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة بينما تحكم قبضتها عليها.
تهيئ سياسة الحصار الاستعماري الإسرائيلي الجديد إلى تدمير المساعدات الإنسانية السخية التي يقدمها المجتمع الدولي، كما تسبب الحصار والهجمات الإسرائيلية على غزة في إلحاق أضرار بالغة بالاقتصاد وصلت إلى أكثر من 16 مليار دولار بين عامي 2017 و2018 وفقًا لدراسة بالأمم المتحدة.
هذا يعني أن الحصار الاستعماري الإسرائيلي الجديد يضمن أن كل دولار يرسله المجتمع الدولي إلى غزة، ستدمر “إسرائيل” مقابله دولارين، وهكذا تخلق سياسة الاستعمار الإسرائيلي عجزًا دائمًا، ما يترك شعب غزة في أزمة إنسانية دائمة، بتلك الوسائل وغيرها تمكنت “إسرائيل” من تطبيع حصار غزة.
خضوع “إسرائيل” للمحاسبة
مع دخول حصار غزة عامه الـ16، حان الوقت ليصلح المجتمع الدولي عملية توصيل المساعدات الإنسانية لغزة، وتحميل “إسرائيل” مسؤولية الحصار والانتهاك الهائل لحقوق الإنسان.
لفضح الانتهاكات الإسرائيلية وإخضاعها للمحاسبة، يجب أن تُنفذ الجهود الإغاثية بالتوازي مع المطالب السياسية، في الوقت الحاضر، يجب أن تتجاوز استثمارات المنظمات الدولية في المساعدات الإنسانية حملات الضغط السياسي والقانوني والتعليم وحشد المجتمع المدني، هناك حاجة للضغط المستمر على الحكومات لعزل “إسرائيل” اقتصاديًا ودبلوماسيًا.
بالمثل، لا بد من دعم جهود تنفيذ القانون الدولي، ومطالبة “إسرائيل” بتعويض الخسائر الفادحة التي سببتها لشعب غزة، والرد على اتهامات ارتكاب جرائم حرب.
يحتاج المجتمع المدني إلى تعليمه وتعبئته لإظهار تضامنه، ويجب إعداده للضغط على حكوماته لتأييد العدالة والمساعدة في إنهاء الحصار الاستعماري الإسرائيلي الجديد والمشاركة في حملات المقاطعة.
إن المأساة الحاليّة في غزة لا ترجع إلى عوامل بيئية أو طبيعية، لكنها بتصميم إسرائيلي، من المهم أن نقول ذلك مرة أخرى: إن معدل الفقر المتزايد في غزة ليس لأنها فقيرة، لكن لأن الفلسطينيين في غزة محرومون من خيرات أراضيهم والعمل بسبب الحصار الإسرائيلي.
إن المساعدات الإنسانية التي تُقدم من خلال سياسات “إسرائيل” الحاليّة لن تكون كافية أبدًا، ولن ترفع الفلسطينيين في غزة فوق خط الفقر مطلقًا.
وبينما يربط التعاطف الإنساني الأفراد بشعب غزة المحاصر، فمن الضروري أن نعترف أنه من دون ضغط قانوني وسياسي واقتصادي ودبلوماسي موازٍ على “إسرائيل”، فإن المساعدات الإنسانية لن تتمكن من تحويل معاناتهم إلى الوضع الطبيعي.
وهكذا فحتى نجد إجراءات واقعية لإنهاء الحصار، فإن آمال حصول الفلسطينيين في غزة على حريتهم وحياة أفضل لن تتحقق في القريب العاجل.
إسماعيل بطل – ميدل إيست آي
ترجمة حفصة جودة – نون بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.