تمكنت منظمة العفو الدولية بالتعاون مع شبكة صحافيي «أخبار محظورة» من إكمال التحقيق في إطار تحريَّات مشروع بيجاسوس «Pegasus Project» حول الشركة الإسرائيلية «NSO Group» التي تُسوِّق لبرنامجها المُعد للتجسس المسمى بيجاسوس «Pegasus» والمتاح حصرًا للحكومات؛ إذ تَبين عقب المعلومات المستقاة من التحقيق أن البرنامج قد استُعمل من قبل 11 دولة للتجسس على هواتف 50 ألف شخصية حول العالم، من بينها رؤساء دول وحكومات، وصحافيون، ومناضلون سياسيون، ومحامون، ومدافعون عن حقوق الإنسان.
وكشفت شبكة صحافيي «أخبار محظورة» عن أسماء الدول الـ 11 التي تحوز البرنامج حاليًا وهي كلٌّ من المملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والهند، والمجر، وأذربيجان، والبحرين، وتوجو، والمكسيك، ورواندا وكازاخستان.
كما أشار التحقيق إلى حالات تجسس استُعمِل فيها برنامج بيجاسوس، استهدفت 14 رئيس دولة و180 صحافي في 20 بلدًا، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين سنة 2016 إلى يونيو 2021.
تُعد مجموعة NSO من بين أكبر الشركات المتخصصة في الرقابة الرقمية في العالم، مقرها في إسرائيل، ويحيط بعمل الشركة سريَّة وغموض كبيران. وقد عارضت الشركة كل التهم الموجهة إليها بخصوص الاستعمالات غير القانونية لبرنامجها وعدتها إدعاءات هدفها التشهير لا أساس لها من الصحة وغايتها تشويه سمعة الشركة عالميًّا. وتزعُم الشركة بأن برنامجها المسمى بيجاسوس مُعد خصيصًا لمحاربة الإرهاب والجريمة.
تُوظِّف بعض الحكومات برنامج بيجاسوس لتنفيذ هجمات رقمية فتاكة ضد الهواتف الخلويَّة للعديد من الشخصيات والمدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم، وقد أدى استعمال بيجاسوس بالبعض إلى نهايات مأساوية على غرار الصحافي السعودي المُغتال «جمال خاشقجي»، الذي تعرض وأفراد عائلته وأصدقاؤه للتجسس بواسطة البرنامج طيلة الأشهر التي سبقت وتلت يوم اغتياله في 2 أكتوبر من سنة 2018 في قنصلية بلده في إسطنبول؛ إذ أتاح البرنامج للسلطات السعودية الاطلاع على مئات الرسائل النصيَّة والمكالمات التي كان يجريها خاشقجي مع مناضلين وحقوقيين حول العالم.
المناضل الحقوقي والأستاذ الجامعي المغربي، المعطي منجب، هو الآخر كان عرضة للتجسس الرقمي بواسطة بيجاسوس والذي استعملته السلطات المغربية من أجل ترصُّد مراسلاته وتحركاته، قبل أن يُلقى القبض عليه القبض، ويوضع في الحجز لعدة أشهر، وقد صرَّح الأستاذ بعد أن أخلي صراحه في 23 مارس (أذار) المُنصرم، بقوله «الحكومة كانت تعلم كل شيء عن حياتي الخاصة، حياتي كانت مهددة.. للرقابة أثر نفسي مدمر على الحياة، حياتي تغيَّرت كليًّا بعد التجربة التي مررت بها».
ويقوم البرنامج بمجرد استهدافه لهاتف الضحية بالولوج إلى جميع التطبيقات المُحَمَّلَة بالإضافة الى ملفات الهاتف، بما فيه الرسائل القصيرة، وأرقام الهواتف، وملف الصور، وجهاز التصوير، والميكرفون، والمكالمات الهاتفية. كما يُمكِّن البرنامج الحكومات من تتبع أماكن تواجد الأشخاص المُرَاقبين وترصُّد تحركاتهم بدقة، وما يميِّز البرنامج هو اختراقه الصامت للهواتف الخلويَّة، ففي أغلب الحالات يصعب تقفي آثار الاختراق في الهواتف المستهدفة.
ويتمُّ حاليًا؛ في إطار حملة الكشف عن التجاوزات الخطيرة التي يتعرض لها الكثير من المناظلين والصحافيين حول العالم، التعاون بين محققي «مشروع بيجاسوس» و80 صحافيًّا حول العالم، وستُسرَّب المزيد من الحقائق الصادمة حول تجاوزات خطيرة مسجلة نتيجة استعمال برنامج بيجاسوس؛ إذ ستقوم عدَّة جرائد عالمية، على غرار «لوموند»، و«واشنطن بوست» و«الجارديان» خلال الأيام القادمة بنشر المزيد من المقالات التي تتضمن تحقيقات معمقة حول عمليات تجسس واسعة النطاق استُعمل فيها هذا البرنامج، واستهدفت شخصيات مختلفة.
أزالت نتائج تحقيقات مختبر الأمن لمنظمة العفو الدوليَّة اللثام عن العجز الكبير في الوسائط الرقميَّة المستعملة من الأشخاص أمام خطورة الأنظمة والبرمجيات المعدَّة للتجسس والرقابة، إذ أثبت التحقيق فشل أنظمة الأمان في عدة هواتف نقالة مثل الأيفون 11 و12، التي فشلت في التصدي لهجمات «صفر ضغطة»«Zero click» المتسللة عن طريق الـ«iMessage».
وقد عد العديد من المختصين المنتمين إلى هيئات ومؤسسات متعاونة في إطار التحريات على غرار «إدوارد سنودن» رئيس Freedom of the Press Foundation ، أن شركة NSO الإسرائيلية تعد أخطر كيان مختص في تسويق أدوات تستعمل لسرقة المعطيات وانتهاك خصوصيات الأشخاص، وما زاد الطين بلة، كما يضيف سنودن هو دراية الشركة بالانتهاكات التي تُمَارس من قبل الجهات المقتنية لهذا البرنامج في استهدافها للمعارضين السياسيين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
كما أضاف أحد مسؤولي Forensic Architecture أن التحقيق المنشور قد سلَّط الضوء على ميدان جديد للحروب، أضحى اليوم ساحةً لارتكاب انتهاكات واسعة النطاق ضد حقوق وحريات الأشخاص.
وأثبت التحقيق بما لا يدع أي مجال للشك أن مجال التجسس الرقمي يبقى ميدانًا لا يخضع للتغطية القانونية الكافية، وذلك بسبب الصعوبات الإجرائية والتقنية الجمَّة التي تحيط بمساعي إقامة مشروع متعدد الأطراف للتصدي للتجسس الرقمي، أضف إلى ذلك ضرورة تكاثف الجهود للعمل على تشييد أرضية عمل شاملة ومشتركة تجتمع حولها إرادات الدول وفاعلي المجتمع المدني وأصحاب الشركات الرقمية وهو ما ليس بالأمر الهيِّن في عالم تتنازع فيه المصالح الضيقة لكل طرف.
بيد أن الظرف الحالي يُحتِّم على الدول اتخاذ الإجراءات الاحترازية الضرورية، بهدف الحؤول دون استمرار تلك الممارسات، وهو الأمر الذي أورده تقرير منظمة العفو الدولية الذي حثَّ الدول على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل وضع حد لعمليات تصدير، ونقل، واستيراد واستعمال هذا النوع من البرامج والمعدَّات وبالخصوص نحو الدول التي تحوز سوابق وتجاوزات خطيرة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
كما نوَّه التقرير نفسه بدور إسرائيل في القضية، فبالرغم من عدم ظهور اسم الحكومة الإسرائيلية في نتائج التحقيقات بيد أن مسؤوليتها تبقى قائمة؛ إذ ينبغي أن تمتنع عن منح تراخيص النشاط، والتصدير للتجهيزات والبرامج المطوَّرة من قبل شركة NSO نحو الدول التي يتبين أنَّها تُوظف برنامج التجسس بيجاسوس في أعمال تخالف الأطر القانونية وتتعدى على حريات الأشخاص.
خالد مهيدي – ساسة بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.