يتعهد المستقبل القائم على الأقمار الصناعية بتمكينك من إجراء مكالمات من البرية، وإرسال الصور من أبعد أركان الكرة الأرضية من هاتفك المحمول. وبدأت شركات الاتصالات والتكنولوجيا الكبرى، مثل شركة “أبل” في طرح ميزات -مثل الرسائل النصية وتنبيهات الطوارئ SOS وتتبع الموقع- التي تعمل في الهواتف المحمولة الحالية أو الجيل التالي، بدلاً من الاعتماد على أدوات المراسلة عبر الأقمار الصناعية.
لكن يجب على المستخدمين إدارة توقعاتهم كما يقول تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية. إذ يُعَد الإصدار الأول من هذه التقنية خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للهواتف المحمولة، لكن من المحتمل ألا يمنحنا الحياة “المتصلة دائماً” التي يحلم بها الناس.
وتعني قيود النطاق الترددي والهوائيات الصغيرة داخل الهواتف أنَّ إمكانيات الأجهزة المحمولة ستكون محدودة. ثم هناك مشكلات فورية: يجب أن تتمتع الأجهزة برؤية واضحة للقمر الصناعي حتى تعمل؛ ما قد يجعل الاتصال أقل فاعلية في المناطق الجبلية أو الأماكن ذات الهياكل العالية الأخرى.
عقود من المراسلة عبر الأقمار الصناعية
تقنية الاتصال عبر الأقمار الصناعية موجودة منذ عقود، لكن غير متاحة للهواتف المحمولة العادية. ظهرت هواتف الأقمار الصناعية لأول مرة في السوق في عام 1998، وكانت تكلفتها حوالي 3000 دولار، بالإضافة إلى ما يتراوح بين 3 دولارات و20 دولاراً في الدقيقة للمكالمات. وكان هذا سعراً باهظاً للمستهلك العادي، لكنه أثبت أنه مفيد جداً للأفراد العسكريين والصحفيين وغيرهم من الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً في بيئات نائية.
وتتوفر اليوم هواتف وأدوات اتصال تعمل بالأقمار الصناعية، في مجموعة متنوعة من الأشكال ليشتريها المستخدمون أو يستأجروها. ثم هناك أجهزة الأقمار الصناعية التي تقترن بهاتف خلوي تقليدي لتوصيل الرسائل؛ مثل inReach Messenger الذي طرحته Garmin مؤخراً بسعر 300 دولار. وتتراوح اشتراكات الجهاز، الذي يمكن أن يتسع في راحة يدك، من 14.95 دولار إلى 64.95 دولار في الشهر.
ويمتلك ويس سيلر جهاز inReach Mini، وهو جهاز اتصالات قمر صناعي آخر من Garmin يقترن بهاتفه الذكي لإرسال الرسائل النصية خارج الشبكة. وتأتي خطة اشتراكه مع رسائل غير محدودة، لكنها لا تسمح له بإجراء مكالمات. وبدلاً من ذلك، يفضل كاتب رحلات المغامرات الأمريكي، البالغ من العمر 41 عاماً، استئجار هاتف يعمل عبر الأقمار الصناعية مقابل 200 دولار تقريباً، في رحلة تستغرق أسبوعين.
يقول سيلر لصحيفة وول ستريت جورنال: “أستأجر هاتفاً يعمل عبر الأقمار الصناعية فقط في ظروف نادرة، حين قد تكون القدرة على إجراء مكالمات صوتية ضرورية لترتيب الخدمات اللوجستية أو تنسيق جهود الإنقاذ في ظروف محفوفة بمخاطر خاصة”.
“أبل” تتيح خدمة الاتصال بالأقمار الصناعية في حالة الطوارئ
وفي آيفون 14 ستتيح أبل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني في الولايات المتحدة وكندا، خدمة تنبيهات الطوارئ SOS عبر الأقمار الصناعية لمستخدمي الهاتف، عبر إرسال رسائل نصية إلى خدمات الطوارئ واستلامها من أماكن بعيدة دون الحاجة للهوائي القديم أو أدوات إضافية. ومع ذلك، لا يمكن للمستخدمين إرسال رسائل إلى أي شخص آخر أو استلامها.
وترشد هذه القدرة، المدمجة في الهواتف، المستخدمين إلى أين يوجهون هواتفهم للبقاء على اتصال بأفضل قمر صناعي. كما تتيح للأشخاص مشاركة موقعهم مع جهات اتصال الطوارئ وتشارك نسخة من الرسائل التي يرسلونها إلى خدمات الطوارئ، بما في ذلك خريطة ووصف موجز لطبيعة مشكلتهم.
وتقول شركة “أبل” إنَّ الخدمة مجانية لمدة عامين، لكن لم توضح بالتفصيل الرسوم التي ستحصلها بعد هذه المدة.
وميزة خدمة تنبيهات الطوارئ عبر القمر الصناعي هي السبب الوحيد الذي يجعل ماك هوغان، البالغ من العمر 25 عاماً، يفكر في ترقية هاتفه من آيفون 12 إلى آيفون 14؛ نظراً لأنه يقضي الكثير من الوقت في المناطق النائية بين وظيفته في صحافة السيارات وهوايته في زيارة الحدائق الوطنية. وقد أدى عدم وجود جهاز متصل بالقمر الصناعي في متناول يده إلى الحد من خططه، إذ يقول إنه لا يريد أبداً المغامرة للوصول إلى حيث لا يمكنه الحصول على المساعدة.
ويقول هوغان لصحيفة وول ستريت جورنال: “إذا كنت في منطقة نائية وكسرت ساقك أو شيء من هذا القبيل، فأنت بحاجة إلى جهاز تضمن أنه سيعمل”.
خدمات الأقمار الصناعية.. هل تتاح بالكامل قريباً؟
ويتقدم مصنّعو الهواتف الآخرون لطرح خدمات الأقمار الصناعية أيضاً. تمنح سلسلة هواتف Mate 50 من شركة هواوي للمستخدمين في البر الرئيسي الصيني القدرة على إرسال نصوص قصيرة إلى أشخاص آخرين عبر الأقمار الصناعية باستخدام شبكة Beidou العالمية للأقمار الصناعية في الصين. ومع ذلك، لا يمكن للمستخدمين تلقي النصوص بسبب قيود تقنية.
وأعلنت شركة اتصالات الأقمار الصناعية الأمريكية Iridium، في وقت سابق من هذا العام، أنها أبرمت اتفاقية لتطوير تقنياتها لاستخدامها في الهواتف الذكية. وقال هيروشي لوكهايمر، نائب الرئيس الأول للمنصات والأنظمة البيئية في شركة جوجل، على تويتر، إنَّ الإصدار التالي للشركة من أنظمة تشغيل أندرويد سيدعم أيضاً الاتصالات مع الأقمار الصناعية.
وفي الوقت نفسه، تخطط شركتا SpaceX -المملوكة لإيلون ماسك- وT-Mobile الأوروبية، لإنشاء خدمة ربط بين قمر صناعي وهاتف خلوي لتوفير الاتصال في المناطق التي لا تعمل فيها الشبكات اللاسلكية، لكن النسخة الأولى، المتوقع صدورها في أواخر العام المقبل، تسمح فقط بالرسائل النصية. وتتضمن خطة الشركتين تضمين التكنولوجيا الخلوية في الأقمار الصناعية -وليس العكس-، بحيث يمكن للمستخدمين الاستفادة من الهواتف الموجودة بها الخدمة. وستوفر الأقمار الصناعية ستارلينك التابعة لشركة SpaceX الاتصال لعملاء الولايات المتحدة عبر الموجات الهوائية التي تتحكم فيها T-Mobile.
وتقول متحدثة باسم شركة T-Mobile إنَّ هذه التقنية ستُمكّن المستخدمين من إرسال رسائل نصية، وحتى صور، من أي مكان كان يتعذر الوصول إليه بواسطة الشبكات الأرضية. وأضافت أنَّ الخطة تستهدف إطلاق الرسائل النصية عبر الأقمار الصناعية في نهاية عام 2023، بينما ستكون الرسائل الصوتية والبيانات متاحة في وقت لاحق.
وتتبع شركات أخرى؛ مثل شركتيْ الأقمار الصناعية الناشئة Lynk Global وAST SpaceMobile، نهجاً مشابهاً.
ويقول بعض المحللين إنَّ شركة أبل تتمتع بميزة في منافسة الأقمار الصناعية من خلال صفقتها مع Globalstar، التي تمنح شركة أبل 85% من سعة الشبكة لجميع أقمار Globalstar التي تغطي 80% من العالم.
عقبات أمام شركات الهواتف
ويشير بعض المحللين إلى أنه إذا أرادت أبل توسيع عروضها -مثل السماح للمستخدمين بإرسال رسائل لبعضهم عندما يفتقرون إلى الخدمة الخلوية- فقد تضطر إلى صرف ما بين مليار إلى ملياريْ دولار إضافية لمجموعة أكبر من الأقمار الصناعية.
ويقول تيم فارار، رئيس شركة استشارات الأقمار الصناعية TMF Associates: “هذه إحدى العقبات القائمة هنا؛ وهي ما إذا كان هناك ما يكفي من المال للوصول لأبعد من مجرد هذه الخدمات البسيطة”.
ورغم أنَّ شركة أبل ترفض التعليق على تكهنات الجهات الخارجية حول خططها، أفاد متحدث باسم Globalstar بأنَّ المحللين يخطئون في تقديراتهم. وأوضح: “إنَّ بنية الشبكة الأرضية والأقمار الصناعية الحالية يمكن أن تدعم كل ما تقرر أبل تقديمه. السعة الإجمالية لشبكة الأقمار الصناعية كبيرة بدرجة استثنائية تسمح باستيعاب هذه الأنواع من نقل البيانات”.
وبالنسبة إلى الخطوات المستقبلية لكل هذه الخطط، فإنَّ بعض المحللين يشعرون بتفاؤل حذر. يقول والتر بيك، المحلل في شركة LightShed Partners للأبحاث في مجال التكنولوجيا والإعلام والاتصالات: “سيبدأ تطوير التكنولوجيا ببطء… ثم تصير أفضل وأفضل. ورغم أنني متشكك قليلاً بشأن المدى الذي يمكن أن تصل إليه، لكن هناك بالتأكيد الكثير من الفرص المضافة المتاحة”.
عربي بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.