في صناعة السينما، وبالأخص سينما الرعب، يتسابق صناع الأفلام ويتصارعون حول الكأس المقدسة، وتلك الكأس تتمثل فيما يثير مشاعر البشر اليومية.
وفي سينما الرعب يمكنك تحويل أي إحساس من تلك المشاعر وأي تجربة إنسانية يومية يعتبرها معظم الناس عادية إلى شيء مرعب قد يسبب الخوف المرضي المزمن، وفي رأيي المتواضع هذا ما يدور حوله الرعب.
وكي يكون حديثنا واضحاً، يمكنني ضرب مثال لأحد تلك الأفلام التي أورثت العديد من المشاهدين خوفاً غير مبرر من شيء طبيعي ويومي، وهو الخوف من الطيور، ولكن أولاً دعني آخذك في رحلة إلى البداية.
في عام 1952، كتبت الكاتبة الإنجليزية دافني دي موريير قصة قصيرة عن أحداث غريبة تحدث في بلدة مرفأ بوديجا في ولاية كاليفورنيا، حيث أصبحت الطيور تتصرف بشكل غريب، وتهاجم البشر وتقتلهم بشكل متوحش.
ثم في يوم الثامن عشر من أغسطس/آب عام 1961، نشرت الصحف المحلية خبراً أثار قلق العديد من الناس، ففي مرفأ مونتيري الشمالي في كاليفورنيا، هاجمت الطيور بعض الناس والمحلات التجارية والمنازل، حيث كانت تقوم بقتل نفسها عن طريق الاصطدام في حالات من الانتحار الجماعي لطيور المرفأ، وتمت تعزية السبب للتلوث البحري الذي أصاب تلك الطيور بالتأكيد.
بعد تلك الحادثة بسنتين وبعد القصة التي كتبتها دافني دي موريير بعشر سنوات، يقرر المخرج العبقري، الملقب بوالد الإثارة ألفريد هيتشكوك، أن يقدم للجمهور فيلم الرعب والإثارة الجديد The Birds الصادر عام 1963 والذي استطاع أن يسبب حالة خوف مزمنة غير مسبوقة، لبعض المشاهدين تجاه الطيور.
تظهر في الفيلم السيدة ميلاني، سيدة جميلة من طبقة اجتماعية غنية وراقية، تتبع صديقها ميتش المحامي إلى بلدته الأم مرفأ بوديجا كي تقوم بعمل مقلب خاص له، ولكن تأخذ الأمور منعطفاً خطيراً ومرعباً حينما تكتشف الطيور أن عيون البشر ذات طعم ألذ من طعامها المعتاد، فتقرر مهاجمة وقتل البشر والتهام عيونهم وأجسادهم.
وعلى غرار فيلم الفك المفترس أو Jaws، يستغل فيلم “الطيور” ليهتشكوك أبسط المشاعر والتجارب الإنسانية ويقلبها ضدك كمشاهد ويجعلها أحد أكبر مخاوفك. فتخشى المياه والبحار والمحيطات وأسماك القرش، وتدرك أن الطيور اللطيفة ذات الريش الناعم وأصوات الزقزقة الصباحية يمكنها قتلك بكل سهولة إن أرادت ذلك، ربما حينها فقط ستدرك معنى الخوف الحقيقي.
وعلى غرار فيلمي “الفك المفترس” و”الطيور” هناك العديد من الأفلام التي تستخدم الاستراتيجية ذاتها، مستغلة أبسط الأشياء في محيطك اليومي، ومحولة إياه إلى كابوس مرعب.
لكن الشيء الأكثر تميزاً حول فيلم هيتشكوك، أن صانعه هو هيتشكوك نفسه، الذي استطاع تقديم العديد من التجارب السينمائية الخالدة في سينما الرعب والإثارة والتشويق والجريمة مثل فيلم Psycho، وفيلم Rear Window، وكذلك فيلم Vertigo وفيلم Frenzy، وMarnie وDial M For Murder، والعديد غيرها.
ويمكنك أيضاً أن تجد الأمر مثيراً للسخرية حينما تعلم أن هيتشكوك كان يمتلك خوفاً مرضياً مرتبطاً بالطيور، فقد كان يخاف البيض، حيث يمتلك ما نسميه حالياً بالـ”Ovophopia”، وقال جملته المشهورة في إحدى مقابلاته الخالدة: “البيض يرعبني”.
وهكذا دائماً ما تتسابق السينما حول كأسك المقدسة عزيزي المشاهد، فحياتك اليومية أشبه بحقل مليء بالفواكه والثمار، وتلك الثمار هي التفاصيل التي يمكن لكاتب رعب موهوب، أو مخرج عبقري استغلالها وتحويلها لكابوس يطاردك.
لذا وقبل أن نصل لنهاية المقال دعني أرشح لك بعض الأفلام التي قطفت تلك الثمار.
1- فيلم The Walk
ربما لا يبدو لك فيلماً مرعباً، فهو في النهاية مجرد مزيج لطيف بين المغامرة والدراما، ولكن بالتأكيد حين ترى تلك الارتفاعات داخل الفيلم، ستدرك جيداً السبب وراء خوف بعض البشر المرضي من المرتفعات.
2- فيلم Alive
إن لم تركب طائرة في حياتك، ومع ذلك تغمرك رغبة بالسفر على متنها، يمكنني أن أؤكد لك أن هذا الفيلم سيقتل تلك الرغبة تماماً، فهو يسرد لك ما يحدث حينما تجد نفسها عالقة وسط طائرة على وشك التحطم ويسرد لنا قصة الحادثة الحقيقية المرعبة التي حدثت عام 1972 والمسماة بكارثة رحلة الأنديز.
3- فيلم Buried
هل فكرت يوماً بما يمكن أن تمر به إذا تم دفنك حياً؟ أو بماذا يشعر البشر المصابون برهاب الأماكن الضيقة؟ حسناَ هذا الفيلم يحمل بين طياته الإجابة المثالية.
4- فيلم Cujo
معظمنا نحب الكلاب، تلك المخلوقات اللطيفة والوفية، ولكن في هذا الفيلم يرسم لنا ستيفن كينغ بقلمه العبقري الوجه المرعب الآخر للكلاب.
والآن وقد وصلنا لنهاية المقال، أتمنى لك مشاهدة ممتعة.
محمد جمال فرانك – عربي بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.