جلنار المهندس – خاص الناشر
قِبلة المُسلمين، وخُدام الحرمين الشريفين، وأصحاب السمو، والأمراء، أصحاب المعالي وغيرها من ألقاب كُلها تُشير إلى طبقة النبلاء بصورتها الراقية والتقدمية، إلا أن الواقع الجديد منذ وصول الملك سلمان والصعود السريع إلى ابنه محمد، وما تلاه من قرارات كتشكيل هيئة الترفيه وحملة الاعتقالات بعنوان مكافحة الفساد والتطرف التي طالت التيار السلفي، واغلاق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتقال النساء الحقوقيات والناشطين الحقوقيين، كُل ذلك جعل من السعودية صورة مُغايرة تمامًا حتى أن الكتاب المهتمين في الشأن السعودي رأوا أن هذا الطلاق بين المؤسسة الدينية الوهابية وأجهزتها الممتدة طولًا وعرضًا في البلاد يُشكل خطرًا وجوديًا للسلطة ذاتها، وذلك لما تشكله العلاقة التاريخية من أهمية وجود الغطاء الشرعي الديني، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى القمع غير المسبوق في تاريخ الحكم السعودي، وأحكام الإعدام التي نُفذت منذ وصول الملك سلمان للحكم وفق ما رصدته المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن السُلطات السعودية “نفذت منذ بداية 2022، 121 حكم إعدام، 81 منها ضمن إعدام جماعي هو الأكبر في تاريخ البلاد، وخلال السنوات العشر الماضية أعدمت منذ عام 2013 حتى أكتوبر 2022، أكثر من 1100 عملية إعدام، أكثر من 990 منها نفذ في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز الذي بدأ مطلع 2015”.
وفي الجانب الآخر الباحثون في الشأن السعودي والكتاب لم يكن في مُخيلتهم أن تتحول المملكة العربية السعودية التي قامت على الشرعية الدينية السلفية والتي أكد عليها الأمير الراحل وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز في حديث في ندوة جاءت بعنوان “السلفية منهج شرعي ومطلب وطني”) أقامتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في ٢٧ ديسمبر ٢٠١١ مُشيرًا إلى أهمية هذا التحالف الديني السياسي “إننا نؤكد لكم على أن هذه الدولة ستظل -بإذن الله- متبعة للمنهج السلفي القويم، ولن تحيد عنه ولن تتنازل، فهو مصدر عزها وتوفيقها ورفعتها”. وأضاف الأمير نايف “هذا المنهج القويم الذي حمّل زورًا وبهتانًا ما لا يحتمل من كذب وأباطيل، ومفاهيم مغلوطة كالتكفير، والغلو، والإرهاب وغيرها، وبشكل يجعل من الواجب علينا جميعًا الوقوف صفًّا دون ذلك وأن نواجه تلك الشبهات والأقاويل الباطلة بما يدحضها ويبين عدم حقيقتها”.
وقبل الولوج في الواقع السياسي والاجتماعي المُستجد أجد من الضرورة التأكيد على أن ما قاله الأمير نايف في تلك الندوة ما هو إلا محض كذب وأعني محاولة إبعاد التطرف الديني للمدرسة الوهابية وأنها مُعتدلة، فأرقام ضحاياها أكثر من أن تُحصى في أكثر من منطقة جُغرافية، ولعل العِراق المركز الأول في عدد الضحايا ويليه أفغانستان وباكستان وهي أكثر الدول التي حدث فيها القتل على الهوية المذهبية باعتبار أن الشيعة كُفار ويجب قتلهم وقتالهم. وتُشير المصادر وفقًا لتقرير صدر عام 2007 عن وزارة الخارجية الأمريكية” إلى أن السعوديين والجمعيات الخيرية غير المنظمة مصدر رئيسي لتمويل الجماعات المتطرفة والإرهابية على مدار الـ 25 عامًا الماضية”. وفي العام ذاته أشارت دراسة أكاديمية للسفير الأميركي الأسبق Curtin Winsor كورتين وينزر تم التحدث عنها في أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م أن الحكومة السعودية “أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم”.
وتأكيدًا على كذب الأمير نايف ( ١٩٣٤/١٠/٩-٢٠١٢/١/١٦ ) فقد حدثت مجزرة منذ أيام في مدينة شيراز الإيرانية استهدف فيها المصلون وراح ضحية العمل الإرهابي وفق التقديرات الأولية ٢٠ مواطنًا إيرانيًّا وعشرات الجرحى. وتُشير المصادر غير الرسمية إلى أن تنظيم داعش هو من يقف خلف العملية الإرهابية التي يتضح فيها القتل على الهوية المذهبية والذي هو نتاج المدرسة الوهابية التكفيرية السعودية. وعن الصورة الجديدة للحكومة السعودية وفي عهد الملك غير المتوج محمد بن سلمان فقد حطم الرقم القياسي في مستوى العنف الدموي السياسي ضد كُل تيارات المجتمع والمناطق، فهو كان لحد كبير عادلًا في طغيانه، فقد أعطى الضوء الأخضر لكافة الأجهزة الأمنية للتعذيب الوحشي الممنهج وأحكام السجن التي يعجز العقل البشري الطبيعي عن استيعاب الأحكام القضائية التي تتوزع بين اعدام وسجن لعشرات السنوات تتجاوز ٥٣ عامًا، هذا مع التأكيد على وجود سجناء مُنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وقد أطلق عليهم المجتمع الشيعي في شرق السعودية اسم السجناء المنسيين وهم ٩ حيث مضى على سجنهم ما يقارب ٢٨ عامًا دون أي مُحاكمة، فهل يُفرج عنهم محمد بن سلمان هذا إذ ما علمنا أن بعضهم تجاوز عمره ٥٥ عامًا. شخصيًا أشك أنه يعرف عنهم شيئًا، فهل بقي شي لحياتهم أم هو سجن مؤبد حتى الممات.
وفي المشهد الاجتماعي فقد كسر محمد بن سلمان كُل المحرمات التي كانت تُقررها المؤسسة الدينية وأجهزتها والتي تُطبق بالقوة والإكراه لتُصبح حلالًا بل ويُشجع عليها. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى أن يُصبح موضوع الجنس محل قبول على حسابات شبكات التواصل الاجتماعي وعلى وجه الخصوص تويتر حيث يغلب على السعوديين استخدامه. وليت الأمر يرتبط بالتوعية والحوار البنّاء وعرض المشاكل المرتبطة به، بل هو للترويج في كل ما يرتبط بالإباحية، والعلاقات غير الشرعية، وبصور متعددة، والتي تُدار من داخل السعودية، كما تبين بالأدلة التي عرضت على المختصين التقنيين.
وأما كوارث هيئة الترفيه ومسؤولها تركي الشيخ فأمرهما أمر يندى له الجبين، لا يسر صديقًا ولا عدوًّا، فقد أصبحت المرأة السعودية سِلعة جنسية يتم توظيفها وبالطريقة الغربية تمامًا. وهنا أشير إلى الشخصية الكوميدية الساخرة غانم الدوسري المُقيم في بريطانيا حيث عرض في برنامجه وعبر حسابه على تويتر العديد من المشاهد الصادمة وغير المتوقعة عن مجتمع لطالما كانت الصحافة والإعلام السعودي تصفانه بأنه “مجتمع مُحافظ”. وهنا لا أقصد فرض رؤية اجتماعية أو ثقافية على المجتمع السعودي ولا أستنقص من قدره، إنما أريد التأكيد على أن ما تم نشره من مشاهد مصورة في فعاليات هيئة الترفيه، أو حتى القتوات الإخبارية العربية الدولية التي عرضت تقريرًا مصورًا ولقاء من داخل السعودية عن الرقص على العمود، والذي يُعرف عنه أنه يستخدم في أماكن الدعارة الجنسية كنوع من الاغراء الجنسي للرجال الذين يرتادون هذه الأماكن. كل هذا ما كان يحدث لولا وجود إرادة سياسية ومصدرها الدولة العميقة في أمريكا. ولا شك أن الطرفين مستفيدان، وذلك من أجل اشغال الشباب لا سيما الجيل الناشئ عن التركيز على الاستحقاقات الوطنية لا سيما بعد فرض الضرائب على كاهل المواطنين دون وجود أي تمثيل سياسي حقيقي، إضافة لمشكلة ارتفاع التضخم الاقتصادي فضلًا عن الفساد المالي الذي جاء على لسان تركي الشيخ حينما عجز عن التصريح عن الكُلفة المالية لفعاليات هيئة الترفيه التي يُشرف عليها، فضلًا عن القضايا الأخلاقية التي يُتهم بها في مصر على وجه التحديد.
فهل بعد كُل هذا يمكن لشخص يقول إن الدولة سوف تبقى إسلامية سلفية؟ يا لهُ من واقع ساخر جدًا، بعدما كانت الحكومة السعودية تضع المُتفجرات في أماكن خاصة في جسد الانتحارين الإرهابين ليفجروا أجسادهم النتنة بين المواطنين العراقيين الأبرياء لا سيما مع بروز تنظيم داعش الإرهابي، أصبحت تروج وتُشجع لهز الأرداف والمؤخرات تحت عنوان الرقص والموسيقى في الأماكن العامة وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، إنها المملكة السلمانية بامتياز.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.