لينا وهب – خاص الناشر |
“حسيت حالي غريبة ببلدي وما صدقت رجعت علبنان كأنو هون بلدي” عبارة قالتها التلميذة السورية ص. ك. بعد أن زارت مؤخرًا بلدتها في حلب – سوريا، وعادت إلى لبنان الذي ترعرعت فيه منذ كانت طفلة لا تفقه من الحياة شيئًا وحتى أصبحت بعمر الورد شابة جميلة ومهذبة ومسلوبة من هويتها وثقافتها الوطنية بفعل اللجوء القسري الذي سببته الحرب السورية على مدى سنوات.
لعلّ هذه العبارة التي قد تمر مرور الكرام لدى أحدهم، هي في حقيقة الأمر تنذر بخطر مستقبلي قد لا يلتفت له كثر في الوقت الراهن؛ فالمواطن السوري وذريته أصبحوا مشتتين في كل بقاع الأرض، منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 وحتى اليوم. وعلى الرغم من انحسار المعارك واستعادة الأمن في أغلبية المناطق السورية، إلا أنه لا توجد فعليًا رغبة بالعودة إلى ديار الوطن عند عدد ملحوظ منهم، إذ لا يزال قسم كبير من المواطنين السوريين يهللوون ويفرحون لمجرد وصولهم خبر مفاده اللجوء من بلد إلى آخر، طالما أن هذا البلد يأخذهم بعيدًا عن سوريا الوطن وما فيه من مشاكل نغصت عليهم العيش الرغيد، وطالما أن هناك بالمقابل دعمًا ماديًّا واستشفائيًّا وتعليميًّا وغذائيًّا ومعيشيًّا تكفله الأمم المتحدة لكل لاجئ خارج الأراضي السورية، برعاية الدول الكبرى وضمنًا بوصاية أجنداتها الجيوسياسية.
وفي هذا المضمار، لا يمكن استشراف مستقبل مشرق للسوريين “النازحين إلى الأبد” دون كنف وطن، فإن الدعم المالي والمعيشي الذي يتلقونه خارج حدود وطنهم لا يكفي لشراء وطن وثقافة ومواطنة وعزّة وكرامة، وإن وقعت الواقعة وحصل أحدهم على جنسية أحد البلدان سيظل مسلوب الهوية والمواطنة، فهو لم يستطع الانتماء إلى وطنه الأم بالدرجة الأولى فكيف سيستطيع الانتماء إلى بلد جديد لجأ إلبه بحثًا عن سبل الرفاهية فقط لا غير وسرعان ما سيتخلى عن البلد الجديد الذي آواه ما إن تنقطع عنه كل أشكال الدعم المادي ومع أول مشكلة تطاله هناك، وهذا بديهي جدًّا فمن يتخلى عن وطنه وكرامته مقابل رغادة العيش هو فعليًا يتخلى بذلك عن نفسه كإنسان وعن مبادئه وثقافته وهويته، مصداقًا لمقولة من الموروث الشعبي “يلي ما في خير لبلده ما في خير لغيره”.
يبقى السؤال: ما هو المستقبل الموعود للحاضن والمحضون في ظل غياب استشراف مستقبلي لتبعات اللجوء الذي يكاد أن يصبح أزليًّا؟ وما قيمة الإنسان إن تخلى عن انتمائه وهويته وثقافته وجذوره؟ أيعي المواطن السوري مخاطر اللجوء دون عودة؟ وما هي خطة الأمم المتحدة والدول المستضيفة وكذلك الحكومة السورية لحث المواطنين السوريين على عودتهم إلى موطنهم؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.