شوقي عواضة* – خاص الناشر
طرحت عمليّة توقيف النّائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينيّة المحتلّة وراعي أبرشية حيفا للموارنة المطران موسى الحاج، خلال عودته إلى لبنان، العديد من علامات الاستفهام والتّساؤلات لا سيّما بعد توقيفه من قبل جهاز الأمن العام، قبل يومين على معبر الناقورة حيث ضبط بحوزته مبلغ 460 ألف دولار و4000 يورو وكمية من الأدوية. مرفقة بقائمة أسماء ادّعى الحاج أنّها تضمّ أسماء المتبرعين بالأموال ليتبيّن لاحقاً وبعد التدقيق بالأسماء أنّها تضمّ أسماء عددٍ كبيرٍ من عملاء جيش العميل أنطوان لحد الذين فرّوا عام 2000 إلى فلسطين المحتلّة على أثر اندحار الاحتلال الصّهيوني عن جزءٍ كبيرٍ من جنوب لبنان، وليتضح أنّ الأموال أرسلت لذوي العملاء وأقربائهم في لبنان. وعلى وقع ذلك ثمّة تساؤلات تطرح حول مهمّة المطران الحاج لا سيّما وأنّها ليست المرّة الأولى التي ينقل فيها أموال العملاء من فلسطين إلى لبنان في ظلّ تسجيل سابقة له العام الماضي بعد توقيف القضاء العسكري العريف أوّل (ي. الفاخوري) بعد الاشتباه به بالتّواصل مع عملاء داخل فلسطين المحتلّة واعترافه خلال التّحقيق معه بتواصله مع أرملة العميل جان جورج أبو راشد العميلة الفارّة ليلى مطر وابنها الياس جورج أبو راشد الذي لا زال يخدم في جيش العدوّ «الإسرائيلي»، مؤكّداً استلامه من العميلة مطر مبلغًا من المال من ضمنه دفعة بقيمة 400 دولار استلمها من مطرانيّة انطلياس ودفعة أخرى بقيمة 300 دولار استلمها من المدّعى عليه المطران (م. ط. ح) الذي دخل إلى فلسطين المحتلّة ليتسلّم المبلغ من العميل الفارّ جريس الياس ريشا في فلسطين المحتلّة، وفقاً لما أكّدته شقيقة العميل الفارّ ريشا الشّاهدة في القضية حيث أخبرها شقيقها العميل الفارّ بأنّ مطراناً يدخل إلى “إسرائيل” سيسلمها المبلغ مع دواء كانت طلبته منه. وفعلاً التقت ريشا بالمطران الحاج بزيّه الدّيني وتسلّمت منه المبلغ.
لُملمت القضية وأفرج عن المطران الحاج ليعود الاثنين الماضي بمهمّةٍ جديدةٍ لا بزيارة رعوية كما أشاعت بعض وسائل الإعلام التي اعتبرت أنّ توقيف الحاج هو استهداف للمسيحيين وللبطرك الرّاعي تحديداً لتغيير مواقفه من الوضع في لبنان، علماً أنّ موقف الراعي الأخير كان متقدّماً نسبياً حول السّياسات الأميركيّة، مع الإشارة إلى نقاط أساسيّة لم يلتفت إليها أصحاب الأبواق الطّائفية وهي كما يلي:
1 – إنّ عمليّة توقيف المطران الحاج للمرّة الثانية تمّت على أيدي جهاز الأمن العام اللّبناني الذي قام بواجبه الوطني لحماية لبنان.
2 – توقيت الزّيارة في ظلّ ارتفاع حدّة التّصعيد مع العدوّ حول الحدود البحريّة والثّروات النّفطيّة والغازيّة.
3 – تقديم تفسير لإصرار المطران الحاج على المضي بنقل الأموال من العدوّ إلى لبنان.
4 – استغلال المطران الحاج لمركزه الدّيني وتشويه صورة الكنيسة، وما الغاية من ذلك؟
رغم وضوح المسألة وفقاً لما أوردته مصادر التّحقيق شُنّت حملة طائفيّة بغيضة استهدفت جهاز الأمن العام الذي لم يألُ جهداً في الحفاظ على الوطن. ولا يعني توقيف المطران الحاج أي استهداف للمسيحيين الذين خرج منهم قادةٌ مقاومون خلّدهم التّاريخ كتخليد القرآن للحواريين، أولئك الرّجال الذين ساروا على طريق الجلجلة منتهجين درب السّيد المسيح عليه السّلام في مواجهة الظّالمين والمستبدين ونصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض، ليكون دورهم أشبه بدور الحواريين في نصرة الحق ومواجهة الباطل رغم تفاوت مواقف رؤساء الكنائس تجاه القضية الفلسطينيّة. وهنا لا بدّ من إعادة التّذكير ببعض المواقف الكنسيّة التي لم تغرّد خارج السّرب المقاوم للاحتلال الاسرائيلي لفلسطين متخذة موقفاً واضحاً منه وفي بعض الأحيان متبنية لقضية فلسطين والمقاومة، ومنها على سبيل المثال مواقف الكنيسة القبطيّة التّاريخية في مصر، فرغم توقيع مصر السّادات اتفاقية كامب ديفيد إلّا أنّ الكنيسة بقيت ملتزمة حتى اليوم بقضية فلسطين رافضة الوجود الصّهيوني منذ البابا كيرلس السادس البطريرك 116 للكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة الذي رفض زيارة القدس المحتلّة بعد هزيمة 1967 وتلاه إصدار قرار عام 1980 صدر عن المجمع المقدس للكنيسة القبطيّة وهو أعلى سلطة فى الكنيسة، منع بموجبه الأقباط من زيارة القدس، وذلك بعد خلاف بين البابا شنودة والرّئيس أنور السّادات بعد اتفاق توقيع كامب ديفيد في الوقت الذي كان بعض رجال الدّين المسلمين يطبّلون ويهلّلون لزيارة القدس والتّطبيع مع العدوّ المغتصب لفلسطين. حينها رفع المجمع الكنسي القبطي مقولة الأنبا شنودة الثالث شعاره الذي ما زال حتى اليوم “لن ندخل القدس إلّا مع أخوتنا المسلمين”. ولا بدّ هنا من استذكار مطران المقاومة هيلاريون كبوجي ذلك المهاجر من مسقط رأسه حلب الى القدس جاعلاً من عباءته متراساً للمقاومة ومن مدرسة الكنيسة اليونانيّة الكاثوليكيّة في بيت حنينا مدرسة للمقاومين مدافعاً عن فلسطين ومتصدياً للاحتلال الاسرائيلي الذي اعتقله عام 1974 وحكم عليه بالسّجن 12 سنة ثم أعيد اعتقاله وهو في الثّمانين من عمره في أسطول الحرّية المتوجّه لكسر الحصار عن غزّة، في عامي 2009 و2010.
هذه الحقائق التّاريخية التي خلّدت في صفحات الشّرفاء والمقاومين تقول إنّه عبر التّاريخ هناك مدرستان مدرسة حواريي السّيد المسيح عليه السلام التي خرّجت المقاومين والاحرار ومدرسة يهوذا الأسخريوطي التي أنتجت قبل موسى الحاج المعمّم محمد الحسيني الذي حكم عليه عام 2012 بالسّجن خمس سنوات بتهمة التّعامل والتّواصل مع العدوّ الاسرائيلي، حينها فرح الأحرار والشّرفاء في لبنان بقرار المحكمة ولم يخرج الشّيعة لإدانة الحكم أو الاعتراض عليه، ولم تثر ثائرتهم عندما تمّ استدعاء المعمّم علي الأمين إلى المحكمة على خلفية تواصله ولقائه بكبير الحاخامات في كيان العدوّ الصّهيوني شلومو عمار في البحرين عام 2019. وعلى هذا الأساس يجب محاكمة كلّ عميل بلا رحمة وعدم مذهبة العملاء وفقاً لقاعدة خطّها سيد المقاومة و الانتصارات تقول إنّه لا دين للعملاء والخونة فدينهم هو الخيانة.
*كاتب لبناني
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.