تتراكم الأحداث السياسية والعسكرية على مسرح غرب آسيا الذي أصبح محضرًا لاندلاع حرب إقليمية. بالنظر إلى هذه الأحداث وتشابكها فإن ذلك يوحي بأن حالة وقف الأعمال الحربية والهدنة المقنعة قد استنزفت الى أقصى حد.
من الواضح أن المحور الأمريكي ومحور القدس يتجهان نحو الحرب، إنما كلّ منهما يريدها حسب توقيته. والواضح أن الوقت لا يجري لصالح المحور الأمريكي الذي يستعجل الحرب، وهذا ما يبدو من منطق تصرفاته وشن عمليات أمنية في الجمهورية الإسلامية وحربية في سوريا وغزة أو اقتصادية على لبنان.
يعتبر الأمريكي أن مجال سيطرته العسكرية الأساسية عدا الجزء الغربي من الكرة الأرضية (حسب عقيدة مونرو) تنقسم إلى ثلاثة مسارح وهي شرق آسيا ـ شرق أوروبا ـ غرب آسيا، وإن المسرحين الشرق آسيوي والشرق أوروبي يحويان دولتين عظميين مسلحتين نوويًّا وتمتلكان قدرة ردع إستراتيجية ونووية لم يعد باستطاعته تخطيها خاصة أن الصين وروسيا بالأصل من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وأن التعامل معهما خارج منظومة الأمم المتحدة أمامها عقبات كثيره وأبسطها حق النقض. ينظر الأمريكي الى مسرح غرب آسيا على أنه المسرح الباقي لديه الذي يستطيع التحرك فيه بحرّيه شبه مطلقه لعدم وجود دولة تمتلك الردع النووي الذي يمكن أن تهدد به أو تضع سقفا للأعمال الحربية التي قد تتعرض لها.
من هنا يأتي السباق مع الجمهورية الإسلامية حول ملفها النووي والخوف الأمريكي من امتلاكها السلاح النووي؛ فحسب رؤية الأمريكي أنه إذا امتلكت الجمهورية الإسلامية القدرة النووية فمن الطبيعي أنها ستنتقل إلى مصاف القوى العظمى على أساس أن القوى الخمس العظمى تشكلت نتيجة امتلاكها عوامل جيوسياسية، واقتصادية، وبشرية، وعسكرية (من بينها القدرة النووية)، مع قدرة بناء تحالفات إستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي.
فالجمهورية الإسلامية بحسب ما يراها الغرب أصبحت تمتلك معظم هذه العوامل وأصبحت متقدمة بشكل كبير في مشروع القدرة النووية التي تمكنها من صناعة السلاح النووي، وأن الموضوع هو عامل وقت فقط، ويرى الأمريكي أن امتلاكها كامل التقنية النووية سيقيد حركته أكثر فأكثر على مسرح غرب آسيا.
بعد العامل النووي ينظر الأمريكي إلى مستوى التحالفات المتقدمة التي كرستها الجمهورية الإسلامية في غرب آسيا التي تشكل عامل تهديد جدي وقوي لقوى المحور الأمريكي في المنطقة من الخليج إلى الكيان المؤقت. وهذه التحالفات أصبحت مع مرور الوقت تطوق القواعد العسكرية الأمريكية وتطوق إسرائيل ليس بالصواريخ فقط إنما بالقوة البشرية المتحفزة للحرب والمجربة فيها أيضًا.
مع استزاف الولايات المتحدة أوراقها الكثيرة في محاولة تأخير بناء وقيام محور القدس وتعزيز قدراته الردعية والهجومية، ومع لعبها ورقة الحصار الإقتصادي والعقوبات التي لم تؤدِ دورها بكسر إرادة الجمهورية الإسلامية وحلفائها وأصدقائها تكون قد وصلت الى المرحلة الأخيرة من ناحية الضغوط القصوى. لذا فإن تفعيل التوجه العسكري والأعمال الحربية قد بدأ بالتراكم وانتقل الى مستوى من يبدأ الحرب أولًا. فحساب خطوة المبادأة بالحرب شبيه جدًّا بلعبة الشطرنج بحيث في الكثير من الأحيان يضع الخصم أمامك هدفًا شهيًّا لتقتله مقابل فتح ثغرة كبيرة في توزيع قطعك الخاصة.
في الحسابات الأمريكية مقابل محور القدس تبين أن حالة المعارك الجانبية لن توصلهم إلى الهدف المنشود، إضافة لضيق عامل الوقت عندهم، خاصة بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي بدأت نتائجها العسكرية والإقتصادية تظهر أنها لم تسر وفق ما رسمه المخططون الغربيون وأن الاعتماد الغربي على سلاح العقوبات ضد روسيا جاء بمفعول عكسي واستنزف مقدرات القارة العجوز ووضع الولايات المتحدة في موقف صعب من ناحية تأمين الأمن الطاقوي لأوروبا، ومع انسداد الأفق بوجهها في المعركة الأوكرانية أصبح من الواضح أنها تتجه لإشغال العالم بحرب جديدة في غرب آسيا قد تحمل صيغة معينة لهربها من المستنقع الأوكراني، وهذه الحرب إذا انتصر فيها الأمريكي فإنه يؤمن السيطرة على مصدر طاقة مؤثر وجديد في العالم وهو غاز المتوسط. وعلى هذا السياق فإن المقامرة الأمريكية القادمة في غرب آسيا والاعتماد فيها بشكل كبير على الإسرائيلي محصورة بين عامل الوقت وعامل النصر، لذا تسعى الولايات المتحدة في مقاربتها لملف غرب آسيا إلى أن تستبق اللحظات المصيرية التي تراها قادمة لا محال، ويسعى الكيان المؤقت لتنفيذ ما يريده الأمريكي مع التفتيش عن ذريعه للاستعجال بشن حرب صيفية خاطفة قبل دخول فصل الشتاء، وتكون بديلة عن الحرب الأوكرانية، وتضمن عدم توسعها إلى كل أوروبا الشرقية.
من هنا رأينا ارتفاع منسوب العمليات السيبرانية والأمنية والاغتيالات المتبادلة بينه وبين الجمهورية الإسلامية، وارتفاع منسوب الهجمات الجوية على سوريا، والتصعيد العالي في الأراضي الفلسطينية ما بين غزة والضفة ومسلسل اغتيال المقاومين الفلسطينيين في جنين خاصة، وأخيرًا وليس آخرًا استقدام منصة استخراج الغاز إلى حقل كاريش مع تحدٍّ واضح للمقاومة في لبنان وحرب إعلامية ونفسية على جمهور المقاومة منذ انطلاقها الى حين وصولها.
حاليًّا تحول مشروع المقاومة مع التنامي اللامحدود للقوة البنيوية لمحور القدس إلى مشروع قيام الدولة القوية العادلة بشكل مختلف عما عهدناه من الأنظمة العالمية. وفي الطريق إلى إعلان قيام دولتنا لم يبق إلا إسقاط الجدار المشابه لجدار برلين أي الجدار الممتد من الحدود اللبنانية الفلسطينية إلى جدار الفصل العنصري ووصولًا الى السياج الشائك المحيط بقطاع غزة. وعلى هذا الطريق ستكون الحرب حدثًا مفصليًّا ضمن تراكم الأحداث.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.