الرئاسة الأميركية والإنجيلية الصهيونية

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عباس عثمان – خاص الناشر |

يعدّ انتخاب الرئيس الأميركي من أبرز الاحداث التي تتفجر خلالها ينابيع الإعلام والسياسات الدولية التي تتمحور حول من سيتربع على عرش سياسة النظام العالمي، والذي بدوره سيكون قاعدة تبنى عليها مشاريع الدول وطرق تعاملها مع الولايات المتحدة الأميركية. لكن وسط كل هذه العوامل والأحداث البارزة والتغيرات الدولية التي ترصد كل فترة انتخاب هذا الشخص، تبقى الخلفيات الثقافية والقناعات الداخلية الخاصة به طي الكتمان.

الرئيس “رونالد ريغان”، أحد الأشخاص الذين التفّت حولهم أذرع أبراج السياسة الأميركية، هو من اكثر الاشخاص الداعمين للنبوءات التي تسردها كتابات المبشرين الإنجيليين، الذي سكنوا البيت الابيض. ويمكن التأكيد على هذه الصفة التي تبرز عند الرئيس الأسبق من خلال حديث له في إحدى جلسات عشاء أقيمت في منزله في كاليفورنيا عام ١٩٧١ نقله رئيس مجلس الشيوخ الاسبق “جايمس ميلز”، طرح فيه الرئيس ” رونالد ريغان” اقتباسًا من إصحاح حزقيال في العهد القديم يقول “إن ارض “إسرائيل” سوف تتعرض الى هجوم تشنه عليها جيوش تابعة الى دول لا تؤمن بالله والتي تمثل محور الشيطان الذي تتمسك به قوى شيوعية منها الاتحاد السوفياتي وليبيا. فهل تفهم ماذا يعني ذلك؟” (وجّه هذا السؤال للأشخاص المحيطين به محاولًا إثارتهم للحديث في هذا الشأن). بُث هذا الحديث من أحد المقربين للرئيس في ضوء موجة كراهية سوِّق لها من قبل معظم اصدقاء “رونالد ريغان” ذوي النفوذ الديني والسياسي في حملة وُسمت بشعارات عدة لا يمكن تجاهلها واعتبارها شعائر “انفعالية” بسبب ارتباطها الوثيق مع ما يطفو على ناصية العهد القديم والصهيونية، أبرزها “محور الشيطان” و”اعداء الله” و”الشيوعية”.

يتبين لنا في خضم تلك الاندفاعات المتولدة عند الرئيس “رونالد ريغان” مدى تأثير هذا الفكر اليميني المسيحي في القرار السياسي لأبرز دولة تسيطر على المنظمات الانسانية الدولية، وتلعب قراراتها دورًا محوريًّا في العالم، وتعد مواقفها مرجعًا تستند إليه خطوات نشوء المبادئ والقوانين في جميع الدول بشكل عام والدول العلمانية بشكل خاص، انطلاقًا من مبدإ أن التجربة الأميركية هي التجربة الناجحة، ويتم ذلك ولو بطريقة غير مباشرة. وهنا يمكننا أن نذكر أن كل هذه الفروع الصهيونية تعود الى جذور زرعتها الافكار المسيحية الانجيلية والعقائد التدبيرية التي تستقي افكارها من انجيل “سكوفيلد” الذي لا يواجه الكثير من الانتقادات في “مجتمعات الله”. فقد وضع “سكوفيلد ” النبوءات التوراتية في مركز افكاره واحاديثه الدينية. وهذا الامر كان العامل الرئيسي في رفع النبوءات بشكل خاص -والتي تلعب الدور الفاعل في الاحاديث الدينية التي توجه المجتمعات نحو جهة سياسية محددة- الى خانة التقديس والاستسلام لها. وفي هذا المجال لا يمكن عدم ذكر أن آراء وتحليلات “سكوفيلد” كانت تتراقص بين سطور كتابه، وهذا ما جعل ذلك الكتاب موضع تأثير في مسار الفكر الأميركي المسيحي، حيث تتسرب تلك التوجيهات التي يبثها “سكوفيلد” في كتابه من مسامات الاعتناق المسيحي في المجتمع الأميركي لتنتشر داخل “عقله” بطريقة سلسة سهلة.

خلاصة لما سبق، يمكن القول -على الرغم من كل الاختلافات- إن المجتمع الأميركي يتشابه و”نظيره” العربي بصفة واحدة ألا وهي تقديسه لقضية عقائدية فكرية سياسية يسعى الى فرضها بطريقة علانية على عكس ما يتداول في المجتمعات العربية من معلومات “تكشف الغطاء” عن سرية بعض المخططات الأميركية. لكن ما يميز هيكلية القضية الأميركية هو تواجدها في كافة اقسام الهرم الاجتماعي الأميركي على عكس الهرم العربي الذي اصبح هرمًا تراثيًّا كأهرام مصر، هرمًا تفككت طبقاته لتبقى قاعدته ثابتة تعانق الشعوب التي لا تزال -وسط كل الضغوط- تجدد ولاءها للقضية الفلسطينية.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد