لا يمكننا الحديث عن “أهل البقاع” إلّا بذكر معاناتهم، فالتعريف الجغرافي الذي يُخبر عن الموقع والبلدة والشارع والمنطقة لم يعد كافيًا. إنهم مجموعة من الناس الذين وُلدوا من رحم المعاناة والحرمان في منطقة لم تعرف النعيم يومًا، بل اختارت الدولة أن تطلق عليها تعريفات عدة أهمها: منطقة تعيش فيها مجموعة من المتمرّدين و”الحشاشين” أو حاملي السلاح غير الشرع. إنها نظرة موحّدة ومشتركة بين اللبنانيين نوعًا ما، تناقلوها قولًا أو فكرًا من جيلٍ لآخر مشوّهين بذلك، عن عمد أو غير عمد، وجه منطقة حضارية منذ الأزل، غنيّة بالعاصي والسهل، وأهلها “أهل الكرم” و”خزّان المقاومة”.
إن هذه الدولة نفسها، ترفض الالتفات لهذه المنطقة بما فيها من خيرات طبيعية وقدرات بشرية، فنرى تقصيرًا واضحًا وإهمالًا مُفتعلًا في مختلف المجالات التربوية والصحية والأشغال العامة والأمن والأمان وغيرها… وربما، من أكثر المشاكل صعوبة التي تواجهها هذه المنطقة هي طرقها المعبّدة بالحفر والدهاليز وغياب الإنارة وخاصّة طريق ضهر البيدر الدولية التي تفتقد لأدنى مقومات البنى التحتية والسلامة العامة.
ومن أجل إظهار شدّة المعاناة في هذا المجال، سنذكر بعض الأرقام والإحصاءات للحوادث التي تحصل على التوالي في هذه المنطقة نقلًا عن الوكالة الوطنية وموقع اليازا:
● قتيل و٧ جرحى بحادث سير مروع على طريق ضهر البيدر (٢٠ حزيران ٢٠١٦)
● سقوط جريحين نتيجة تصادم بين فان وسيارة على طريق عام ضهر البيدر مفرق فالوغا (١٣ تشرين الأول ٢٠١٦)
● جريحان في حادث سير على طريق ضهر البيدر نتيجة تصادم سيارتين (٢٨ تموز ٢٠١٥)
● إصابة سائقين جراء حادث سير على طريق زحلة- بعلبك (٢٦ أيار ٢٠١٦)
● سقوط قتيل نتيجة تصادم بين مركبة ودراجة نارية على طريق عام حوش النبي بعلبك (٢٩ حزيران ٢٠١٦)
● سقوط قتيل وجريح نتيجة اصطدام سيارة بعمود إنارة على طريق الهرمل (٢٠ حزيران ٢٠١٦)
● سقوط قتيل وجريح في حادث صدم على طريق نحلة بعلبك (٥ تموز ٢٠١٦)
● سقوط ٣ جرحى جراء حادث سير في زحلة (١٧ آذار ٢٠١٦)
● سقوط قتيل نتيجة حادث صدم على طريق عام بر الياس باتجاه المصنع (٢٩ كانون الثاني ٢٠١٦)
● سقوط قتيل وجريحين في حادث سير في الطيبة-بعلبك (١٣ تشرين الأول ٢٠١٥)
وتجدر الإشارة إلى أنه وفي خلال سنوات عدّة ومتتالية، قام نواب حزب الله بخطوات عدّة لمساعدة هذه المنطقة ومنها تقديم ٤٩ قانونًا في هذا المجال، إلّا أنه حتّى الآن لم يقرّ منها أي قانون.
وتصديًّا لهذا الواقع المزري، وضمن مبادرة أطلقها “تجمع شباب بعلبك الهرمل” ، قامت مجموعة من الشباب والفتيات من هذه المنطقة بمحاولة رفع الصوت مجددًا في وجه الدولة الحاضرة قولًا لكن الغائبة فعلًا لعلّ وعسى تشعر بالخجل من تقصيرها وإهمالها وتُعير المنطقة قليلًا من اهتمامها، فأطلقوا عبر تويتر هاشتاغ #ضهرالبيدرمنكوب تعليقًا على تردي وضع طريق ضهر البيدر، وجاء في بعض التغريدات: “أعوام من الإهمال بحق طريق ضهر البيدر الذي يصل البقاع ببيروت، سوف تنتهي قريبًا بهمة الوزير النشيط علي حمية الذي أعلن عن خطة لإعادة تأهيل الطريق يبدأ العمل بها قريبا”.
وفي لقاء أجراه التجمّع مع وزير الأشغال والنقل علي حمية، ذكر أن مسألة صيانة الطرقات هي مسألة صعبة في ظل الوضع الاقتصادي والمالي القائم في الخزينة العامة، ولكن موضوع السلامة العامة وصيانة الطرقات هو في وزارة الأشغال العامة والنقل من أولى الأولويات. وأضاف أن طول شبكات الطرق على كامل الأراضي اللبنانية يبلغ 6700 كلم، وكلفة الإنشاءات تقريبًا 3 مليارات و500 مليون دولار. وتقول المعايير العالمية إنه يجب على الدولة أن تنفق 3% من كلفة الإنشاء للصيانة وبالتالي حوالي 105 ملايين دولار، بينما موازنة وزارة الأشغال العامة والنقل هي 40 مليار ليرة. وقال الوزير إنه في شهر 11 من عام 2021 أُجريت مناقصة لتأهيل طريق ضهر البيدر، فتقدّمت شركة واحدة لدى إدارة المناقصات، ووفقًا لقانون إدارة المحاسبة العمومية يتوجب وجود شركتين على الأقل في المناقصة. لكن وزير الأشغال علي حمية راسل إدارة المناقصات مجددًّا، فردّت عليه أن الأمر ضمن الإطار القانوني، وفي 27 نيسان القادم يجري فضّ العروض لطريق ضهر البيدر لتلزيم تأهيل جور هذا الطريق.
أضاف الوزير: “في حال في المرة القادمة قمنا بإطلاق المناقصة عبر إدارة المناقصات ولم يتقدم إلا شركة واحدة، سوف نذهب في 28 نيسان القادم إلى عقد بالتراضي لأن موضوع طريق ضهر البيدر يجب حلّه وبشكل جذري””.
إنها منطقة مهمّشة، تضم مجموعة كبيرة من النخب والمتعلّمين وأصحاب المهن والهمم الذين رفضوا الاستسلام رغم كل ما يعانونه من حرمان وصعوبات حالت دون تحقيق أدنى أحلامهم، بل حقوقهم من عيشٍ كريم، فاختاروا قطع المسافات يوميًّا على طرقات غير سالكة تغيب عنها مقومات السلامة العامة، من أجل العلم وكسب لقمة العيش. إنها الطريق المعبّدة بدماء الشهداء حيث نُقلت عليها ومنها جثامين الشهداء وأجساد الجرحى الذين جاؤوا من أقصى الجنوب والبقاع ليحافظوا على سلامة أرضها وناسها الذين كانوا وما زالوا “خزّان المقاومة” وذخرها عند الصعاب. على أمل أن تنصفها الدولة يومًا، ليس بجهدها، بل من خلال أشخاص اختاروا العمل الدؤوب لتحصيل حقوق هذه المنطقة وتأمين الحياة الملائمة التي تليق بها وبأهلها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.