ما هو الـ Capital Control سلاح الدول النامية في وجه الأزمات الاقتصادية؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

يعتبر البعض أن الـ Capital Control، أو ضوابط رأس المال، أحد أهم أسلحة الدول النامية في مواجهة الأزمات الاقتصادية، خصوصاً مع كونه أثبت نجاحاً في بعض الدول النامية، سواء كنهج اقتصادي مستمر، أو كرد مؤقت على أزمة اقتصادية ما.

بطبيعة الحال، تواجه جميع دول العالم خطر الوقوع في فخ أزمات اقتصادية، فهذه الأزمات أصبحت جزءاً طبيعياً من الاقتصاد العالمي، ومن تاريخه، حتى أن إحدى النظريات الاقتصادية المهمة اليوم، وهي نظرية “دورة الاقتصاد Business Cycle”، تجعل من “الركود Recession” جزءاً طبيعياً من حياة الاقتصاد.

لكن اقتصادات الدول النامية أقل قوة من اقتصادات الدول المتقدمة، وهي بالتالي معرضة أكثر للمعاناة من آثار اقتصادية عميقة، وتحتاج لمواجهتها بإجراءات حكومية قد لا تطبقها الاقتصادات الرئيسية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

بل إن هذه الاقتصادات تعتبر إجراءات مثل الـ Capital Control، مخالفة تماماً لاقتصاد السوق الحر، وتعتبر تطبيقها مخالفة لما تعتبره النظريات الاقتصادية الناجحة.

ما هو الـ Capital Control؟
يمثل الـ Capital Control جميع الإجراءات المتخذة من الحكومات أو البنوك المركزية، والتي تهدف إلى تقييد تدفق رؤوس الأموال، من وإلى الاقتصاد المحلي.

تتضمن هذه الإجراءات فرض ضرائب، تعرفة جمركية، حدود عليا للأحجام، وغيرها من الإجراءات، طالما أنها مفروضة على التعاملات المالية، وتحقق هدف منع حركة رؤوس الأموال إلى الداخل أو الخارج، أو الحد من حجم هذه الحركة.

فمثلاً تستطيع الدولة أن تفرض حداً أعلى من الأموال الممكن أن تنقل خارج البلاد خلال فترة معينة، بألا يتمكن المستثمرون من إخراج أكثر من 10 آلاف دولار نقداً -مثلاً- كل شهر، أو أن تمنع المستثمرين من تحويل أكثر من مبلغ معين من عملتها المحلية، إلى أي عملة أجنبية أخرى.

وبالمثل، ينطبق ذلك أيضاً على ما يمتلكه المستثمرون والشركات من الأسهم والأصول المالية المختلفة، مثل سندات الدين، وغيرها، والتي تكون مقومة بالعملة المحلية خصوصاً، وتستطيع أن تفرض منذ البداية فترة من الزمان، قد تطول لعام أو أكثر، يمنع خلالها بيع هذه الأصول لأيٍّ كان، ثم تطبق أي قوانين أخرى عن الحد الأعلى للتحويلات المالية بعد فترة المنع هذه.

كما أن الدولة تستطيع أن تفرض ضريبة على مثل هذه العمليات المالية، بحيث تثبط من يريد إجراء هذه العمليات بسبب كلفة الضريبة، كما تستفيد الدولة من هذه الضرائب بكل الأحوال، وتستطيع الدولة أن تطبق واحداً من هذه الإجراءات وحده، أو يمكنها أيضاً تطبيقها جميعاً في نفس الوقت.

أيضاً يمكن لهذه الإجراءات أن تطبق على مستوى الاقتصاد ككل، أو على قطاعات محددة منه فقط، فقد تخشى الدولة من تأثر قطاع ما وحده من عمليات بيع كبيرة.

كما أن البلد قد يفرض مثل هذه الإجراءات على دخول الأموال إلى البلاد؛ أو الاستثمار داخلها؛ لكن هذه الإجراءات أقل شعبية في الاستخدام، وقد تكون أهدافها سياسية أكثر.

فلماذا تقوم الدول بتطبيق مثل هذه الإجراءات؟

الـ Capital Control وحمايته للاقتصاد المحلي
تفتح الدول النامية عموماً أسواقها أمام الاستثمار الأجنبي؛ لأنها لم تستطع تحقيق “تراكم رأسمال كبير Capital Accumulation” داخلي، على الأقل مقارنة بالدول المتقدمة، وتحديداً الدول ذات التاريخ الاستعماري الطويل.

لكن لماذا قد يرغب المستثمرون في الخروج من الاقتصادات المتقدمة، والتي تحقق ربحاً أكبر، ووضع استثماراتهم في الدول النامية؟ عموماً يحصل ذلك بسبب أن الدول النامية تضع برامج محفزة لهؤلاء المستثمرين، بحيث تمكنهم من تحقيق أرباح قد تكون هوامشها أحياناً أعلى من هوامش الربح في الدول المتقدمة، والسبب الأكثر انتشاراً لذلك هو أن الدول النامية توفر عمالة أرخص، وكُلفاً أقل بالمجمل.

يتغير هذا الأمر بشكل كبير عندما تبدأ نذر أزمة اقتصادية في البلاد، فالتضخم -مثلاً- يعني أن القدرة الشرائية للأموال التي ربحها المستثمرون داخل هذه البلاد، وانخفاض قيمة العملة من جهة أخرى يهدد مصالحهم وأرباحهم؛ فالمستثمر الأمريكي لا يهتم بالاحتفاظ بأرباحه بالجنيه المصري مثلاً، بل يرغب بتحويل الجنيهات إلى دولار، ونقلها في النهاية خارج البلاد.

والتضخم وانخفاض سعر العملة يعنيان أن القدرة الشرائية للأرباح ستنخفض، أو أن قيمة الأرباح بعد تحويلها ستكون أقل، لكن الأزمات الاقتصادية تسبب أيضاً انخفاضاً في الأرباح وارتفاعاً في الكُلف داخل الاقتصاد المحلي نفسه، زيادة على الخسائر بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة.

لذلك؛ وعند وقوع الأزمة أو توقع حدوثها في الفترة القادمة، يختار كثير من المستثمرين أن يُخرجوا أموالهم وأرباحهم من البلد، لتجنب تحقيق خسائر خلال الأزمة، وقد تسبب هذه الخطوة تبكير وقوع الأزمة، أو تفاقمها، عدا عن أن بعض الأزمات قد يمكن تجنبها لو لم تهرب رؤوس الأموال إلى الخارج، وهي بطبيعة الحال ستخرج من الدول النامية إلى الدول المتقدمة.

وهنا تكمن أهمية سياسات الـ Capital Control بالنسبة للدول النامية، فعلى عكس الدول المتقدمة، والتي تجذب الاستثمارات وتصنعها بشكل دائم نتيجة لاقتصاداتها القوية، لا توفر الدول النامية إغراءات كبيرة للمستثمرين إلا في حالات النمو الاقتصادي العالي.

فهذه الإجراءات تمنع خروج رؤوس الأموال من البلاد، وتبقيها داخلها، أو على الأقل تخفف من حجم وآثار خروج رأس المال، وقد تستفيد منه على شكل ضرائب مفروضة على هذه العمليات.

العملة والـ Capital Control
تتأثر العملة تحديداً بـ”هروب رؤوس الأموال Capital Flight”؛ لأن قيمة العملة تتحدد أساساً بعوامل العرض والطلب عليها، لكن العملة ليست سلعةً يمكن الاستفادة منها بشكل مباشر، ولذلك فإن التحويل النقدي من عملة لأخرى ليس الشكل الوحيد لبيع هذه العملة.

فبيع أصول مالية مقومة بعملة ما يعني تلقائياً زيادة عرض هذه العملة، فمثلاً إذا بدأت عمليات بيع ضخمة للأسهم المصرية، فهذا يعني أن عرض الجنيه سيرتفع في السوق، وبالتالي ستنخفض قيمة العملة.

تسهم إجراءات الـ Capital Control في منع هذا الأثر السلبي على العملة، فتقدم لها حماية كبيرة، وبالتالي فهي تحمي مواطني الدولة التي تطبق هذه الإجراءات من آثار انخفاض قيمة العملة.

خلاف بين الاقتصاديين حول جدوى هذه الإجراءات
ليست هذه الإجراءات محببة بالنسبة للمستثمرين الأجانب، فالطبيعي أنك ترغب بتحصيل كل ربح ممكن من استثمارك في أي مجال وفي أي بلد، وترغب أيضاً بتجنب أي خسارة قد تنتج من ذلك.

في المقابل، قد لا ترى الكثير من الدول أن مثل هذا المنطق مناسب لاقتصاداتها، فلا يمكن لهذه الدول أن تحتمل أن يربح المستثمرون على حسابها وقت الازدهار، ويخرجوا بأرباحهم عند أول لحظة تدق فيها نواقيس الخطر الاقتصادي.

فبينما توفر هذه الإجراءات حماية للاقتصاد، فهي تضر الأمن المالي للمستثمرين، وتجعلهم أقل رغبة بالتوجه للاستثمار في الدول التي تطبق هذه الإجراءات، وقد يمتد حذرهم من الاستثمار في هذه الدول لما بعد رفع هذه الإجراءات؛ لأنهم يعلمون بالتجربة أن هذه الدول قد تعود لتطبيق هذه الإجراءات، وبالتالي سيحقق المستثمرين خسائر بسببها في المستقبل.

التجربة اليونانية
خاضت اليونان تجربة تطبيق الـ Capital Control بسبب أزمتها الاقتصادية، والتي بدأت مع الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007-2009، ولكن آثارها امتدت في اليونان بعد ذلك بكثير، وتصاعدت الأزمة بعد انتخاب حزب “سيريزا” اليساري.

في نهاية شهر يونيو/حزيران 2015، جمّد البنك المركزي الأوروبي دعمه لليونان، ورد حزب “سيريزا” بتطبيق إجراءات Capital Control، فوضعت حداً أعلى للنقد الممكن سحبه من البنوك، سواء من المواطنين اليونانيين، أو من المستثمرين الأجانب والشركات بالعموم، كما قيدت حركة تحويل الأموال إلى الخارج.

لم تستمر هذه السياسة إلى لفترة قصيرة لم تتعدّ الشهر، بدأت بعدها الحكومة بتخفيف إجراءاتها، بهدف “رفع الثقة بالنظام المصرفي اليوناني”، خصوصاً وأن اليونان إحدى دول الاتحاد الأوروبي، ولا يمكنها التوسع بتطبيق سياسات غير مرغوب فيها أوروبياً.

لكن هذه الإجراءات ساعدت اليونان بالفعل في منع هروب رؤوس الأموال بشكل مفاجئ وكبير، وهو ما كان يمكن أن يحصل خلال فترة قصيرة، خصوصاً وأن من السهل جداً إخراج هذه الأموال ضمن دول الاتحاد الأوروبي.

التجربة الماليزية
في نهاية التسعينيات، مرَّت ماليزيا بأزمة اقتصادية عصفت بالبلاد، طبقت بسببها إجراءات الـ Capital Control، وبسببها استطاعت ماليزيا إدارة الأزمة بشكل أفضل من دول آسيوية مرَّت بأزمة اقتصادية مشابهة في نفس الفترة، بحسب Reuters.

ولا تزال ماليزيا تطبق جزءاً من هذه الإجراءات أيضاً، وهو ما يسهم حتى الآن في تحقيق استقرار العملة الماليزية “الرينغيت”.

في الأزمة، قررت ماليزيا بداية تثبيت قيمة عملتها، حماية للمواطنين والتجار الماليزيين، كما منعت بيع أصول مالية ماليزية في الخارج، أو تحويلها لعملات أجنبية، شمل ذلك النقود والأسهم، كما منع أي مستثمر جديد من القيام بهذه العمليات، وطبقت الإجراءات لمدة 12 شهراً.

بعد انتهاء مدة الشهور الاثني عشر الأولى، بدأت ماليزيا في السماح بالتعاملات المالية، لكنها فرضت نظاماً ضريبياً على هذه التعاملات، ما يعني أن من يُرد الخروج من السوق الماليزية، أو الاستغناء عن أصولها المالية، سيواجه كلفاً على شكل ضرائب تُدفع للحكومة.

واختلفت الإجراءات المطبقة بحسب الجنسية، فالإجراءات التي طُبقت على الماليزيين كانت مختلفة عن الإجراءات المطبقة على الأجانب.

الحالة الروسية
تواجه روسيا اليوم العقوبات الغربية عليها، والتي تسببت بهروب رؤوس الأموال الأجنبية منها، خوفاً من أزمة اقتصادية قادمة، كما أثرت العقوبات على قيمة الروبل، حتى وصل إلى قمة انخفاض تاريخية، عندما حقق 150 روبل مقابل الدولار الواحد.

لكن مجموعة من الإجراءات نفذتها الدولة الروسية، والبنك المركزي الروسي تحديداً، ساهمت في تخفيف حدة الأزمة، بل وإرجاع قيمة الروبل إلى ما دون 85 روبل مقابل الدولار.وبين هذه الإجراءات التي طبقتها روسيا، إجراءات Capital Control منعت من خروج كثير من رؤوس الأموال، كما حفزت الطلب -ولو بشكل اصطناعي- على الروبل، لرفع قيمته في السوق.

عربي بوست

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد