نشرت مجلة “ذي أتلانتيك” منذ أيام مقابلة أجرتها مع ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان، الذي يتنفس الصعداء كلما استضافته وسيلة إعلامية أميركية، لأن هذه الإطلالات العالمية تنفي نبذه عالميًا، وخاصة بعد الجريمة النكراء التي ارتكبها بحق الصحافي جمال الخاشقجي. لكن في هذه المقابلة خرج ابن سلمان كعادته بأكاذيب عدة، فما هي هذه الأكاذيب؟ وبماذا كان صادقًا؟
تفوه ابن سلمان خلال المقابلة بوابلٍ من الأكاذيب التي سنتطرق إلى بعضها، وذلك لعدم الإطالة على القارئ الكريم. ومن بين هذه الأكاذيب، التالي:
أولًا، قوله إنه “لا يهتم لأمر الرئيس الأميركي جو بايدن”، وهنا قمة الكذب من الأمير الشاب، الذي منذ وصول بايدن وتصريحه الشهير بأنه “لن يلتقي محمد بن سلمان وسيَحصر العلاقة الأميركية بالسعودية مع الملك سلمان حصرًا”، وهو يحاول جاهدًا استفزاز بايدن والقول له إنه هو الحاكم الفعلي في المملكة، وإن لديه البديل الممكن عن أميركا. فتارةً يلوح بعلاقته مع روسيا وتارةً أخرى بنمو علاقاته مع الصين، والدولتان خصمان لدودان للولايات المتحدة الأميركية. واليوم رفضُ ابن سلمان زيادة إنتاج النفط هو بمثابة رسالة واضحة لبايدن مفادها: إذا أردت مني التجاوب معك بخصوص روسيا لا بد لك من دعوتي لزيارة الولايات المتحدة الأميركية وكسر الوعد الذي أطلقته إبان الانتخابات الأميركية، فبدون ذلك لن تحصل على ما تريد. وكأن الأمير الشاب بيده فرض الشروط على أسياده ولا يدري أن الأميركي يستطيع بسهولة رده إلى بيت الطاعة أنّى شاء.
ثانيًا، عندما قال إن “السعودية تغيرت عما كانت عليه قبل سبع سنوات وهدفها العودة إلى الإسلام النقي”، وهنا النفاق بعينه. المراقب البسيط للوضع الديني في المملكة يجد أن هناك نسبة معتدًّا بها من الإلحاد، ومؤشرات عدة على عودة المملكة إلى عصر الجاهلية، ولذلك شواهد عدة منها:
- تكبيل يد المؤسسات الدينية وعلى رأسها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لصالح هيئة الترفيه التي تعيث فسادًا من خلال فعالياتها المنافية للدين الإسلامي وللقيم السعودية.
- منع الجوامع من رفع الأذان عبر مكبرات الصوت، وإطلاق العنان لمكبرات المراقص والأغاني والفعاليات المخلة بالآداب.
- انتشار الخمور في المملكة، فبعد الخمور الحلال في أحد بارات الرياض، بالأمس شاهدنا إفراغ الشاحنات المحملة بزجاجات (بيرة هنيكن)، وسط لا مبالاة من المارة، وكأن الأمر طبيعي في بلادٍ تدّعي أنها بلادُ الحرمين الشريفين.
- انتشار بيوت البغاء والمخدرات في أحياء عدة داخل المملكة، وتكفي إطلالة سريعة على الصحف السعودية لقراءة الكثير من الأمثلة على القبض على هذه الشبكات. والخافي طبعًا هو أعظم.
- انتشار السحر والشعوذة، فابن سلمان نفسه لا يعتبر السحر والشعوذة منافيَين للدين الإسلامي، وقد لجأ إليهما لتنحية خصومه ومن أجل حمايته من الاغتيالات التي تراوده هواجسها ليل نهار. وقد استعان بسحرةٍ عالميين منهم الفرنسيون وكذلك ساحرٌ إسرائيلي وسحرةٌ من أفريقيا من أجل أن يصنعوا له السحر الأسود.
ثالثًا، اتهم جماعة الإخوان المسلمين بــ”لعبها دورًا ضخمًا في صناعة التطرف وانتاجها لبن لادن والظواهري”، وكأن الأمير الشاب أصابه “ألزهايمر” ونسي أن هناك الآلاف من الانتحاريين السعوديين الذين فجروا أنفسهم في مناطق عدة في العالم، وهؤلاء اعتنقوا الفكر الوهابي الذي نشرته المملكة في العالم، ودأبت على نشره في أي مكان تستطيع. أراد ابن سلمان تحميل وزر الإرهاب إلى الإخوان المسلمين حصرًا وغسل يد مملكة الإرهاب من تصدير الإرهابيين، وطبعًا لن ينجح لأن ذاكرة الشعوب ليست بهذه السذاجة التي يتخيلها ابن سلمان.
رغم هذه العينة من الأكاذيب التي تفوه بها ابن سلمان، إلاّ أنه قال بعض الأمور الصادقة التي تستحق الوقوف عندها، والحديث عنها من باب الإنصاف والأمانة، ومن بينها:
أولًا، عندما قال “السعودية تحتوي سنة وشيعة بمختلف مذاهبهم ولا يوجد احتكار ديني”، فقد كان الرجل محقًا بأنه لا يميز بين السنة والشيعة وبدليل كل من يعارضونه سواء أكانوا سنةً أم شيعة فمكانهم الطبيعي السجن، وكذلك يساوي بينهم عند تنفيذ أحكام الإعدام، فهو لا يعدم شيعيًا إلا ويمدد إلى جانبه أخاه السني. كما أنه يساوي بينهم فيهدم منازل أبناء المنطقة الشرقية الشيعية، وكذلك يهدم الأحياء في الرياض، فهو يطبق المثل بحذافيره “ظلمٌ في السوية عدلٌ في الرعية”.
ثانيًا، قوله إن “السعودية وإيران جارتان ولا يمكن لإحداهما التخلص من الأخرى”، فقد صدق بأن لا السعودية ولا أميركا ولا الكيان المؤقت ولا أي دولةٍ في العالم تستطيع سحق إيران والتخلص منها. كذلك إيران لا تنوي التخلص من السعودية لأنها تعتبرها جارة ومكونًا إسلاميًّا يجب التعاون معه. وفعلًا لا يوجد خيار لدى السعودية سوى التعايش مع إيران لأن سياسة العداء أثبتت فشلها، والسعودية جل ما تخشاه هو ما بعد الانسحاب الأميركي، وهاجسها هو تركها وحيدة لمواجهة إيران.
ثالثًا، حينما قال “السعودية تنظر إلى إسرائيل كحليفٍ محتمل ولكن قبل ذلك عليها حل مشكلتها مع الفلسطينيين”. يمكن أن تكون هذه العبارة هي الأصدق في حديثه كله؛ فمملكته لم تعتبر يومًا أن الكيان المؤقت عدو لها، ولم تعتبر أن القضية تخص العرب والمسلمين، بل القضية تخص الفلسطينيين فقط، وهذا التصريح هو تمهيد طبيعي للتطبيع مع الكيان المؤقت ولو استغرق بعض الوقت لكي يصبح أكثر علانيةً.
وبناءً على ما تقدم، كشفت المقابلة عن مكنون ابن سلمان وخططه المستقبلية لمملكة آل سعود، ونظرته المتغيرة والمتبدلة لأمور عدة في المنطقة على وقع المتغيرات الحالية. وهنا نأمل أن يكون ابن سلمان قد تعلم حقًا من دروس الماضي السعودي الغابر وأن لا يكون التغير ضد صالح الأمة الإسلامية وفلسطين.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.