هو نموذج لـ”ثقافة” الحقد والتعصب الغبي التي تنتجها المدرسة الانعزالية الكيانية، والتي بنيت على التبعية بوهم أنها نخب جرى تأهيلها وتعليمها لتكون تقليدًا لنمط عيش المستعمر الغربي، على حساب تاريخها الاجتماعي وانتمائها القومي.
شارل جبور ليس إلا واحدًا ممن تفرزهم هذه المدرسة فيتصدرون المنابر بالتعبير عن المكنونات الحقيقية للمدرسة الانعزالية بدءًا من رأس الهرم وانتهاء بالتشكيلات السياسية. وهذا ينسحب أيضًا على مؤسسات أخرى تستحوذ على بيئات أخرى تطمح إلى تقليد المقلد.
ليست المشكلة بالتعبير الحاقد والاستفزازي الذي عبر عنه جبور وإن كان مقيتًا ومثيرًا للنعرات، إنما لكونه كشف في حديثه عن إفلاس النهج الفكري والسياسي وعبر عن سراب يعكس عجز المدرسة الانعزالية بكل أفرعها الطائفية والليبرالية وبكل ألوانها اليمينية واليسارية والمحافظة والتقليدية.
ما عبّر عنه جبور بالرؤية السياسية هو مكنون كل من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ودار الفتوى وما يسمّى مجتمعًا مدنيًّا ومَن لف لفهم.
وجد جبور ضالته في “الورقة الخليجية” باعتبارها إنجازًا يعبّر عن تقدم المحور الذي كانت ترتزق مدرسته منه وهو المحور الاميركي – الغربي والخليجي الصهيوني، معتبرًا أن ما أسماه “القضية اللبنانية” أصبحت على طاولة البحث خليجيًّا وأنها في مسار التبني الدولي لها، وأن على “لبنان” ملاقاة هذا التطور من خلال الاستحقاق الانتخابي لتأمين وصول أكثرية نيابية تنتج سلطة قادرة على مواجهة الحزب.
لا يعرف جبور أن ما يزعمه من اكتشاف ويتوهم أنه خشبة خلاصه ليس جديدًا، لا، بل ما يسميه مجتمعًا دوليًّا وعربيًّا، وبغض النظر عما يتخبط فيه الآن من أزمات دوليًّا وعربيًا وفشل وعجز وسقوط مشروع الهيمنة على الصعيد العالمي. إن القوى التي يراهن عليها إقليميًّا ودوليًّا لم تترك وسيلة أو أداة إلا واستخدمتها وعلى مدى عقدين من الزمن وأكثر خصوصًا تجاه حزب الله باعتباره ركنًا أساسيًّا في محور التصدي لمشاريع الهيمنة، منذ عملية “عناقيد الغضب” عام ١٩٩٦ والتي حظيت بدعم وتغطية دولية قل نظيرها في التاريخ، وكانت الهزائم تتوالى، وجاء بعدها التحرير في العام ألفين. وعندما توهم الصهيوني أن الظروف نضجت للثأر من حزب الله في العام 2006 كانت النتيجة أنه استجدى العالم لإخراجه من مأزق أطول حرب خاضها هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني في تاريخه. وفي هذا الوقت كان العالم برمته يخضع للإملاءات الأميركية.
أما النموذج الذي يعد نفسه به جبور فهو حكومة من طراز حكومة السنيورة، متجاهلًا ما حل بها وبفريقه السياسي في السابع من أيار. ويكفي أن نذكر اعترافات جنبلاط حول من دفعه إلى هذه المغامرة.
وإن لمحة موجزة لأي مراقب إلى الوضعيات الدولية والإقليمية وما يتخبط فيه محور الهيمنة والعدوان الأميركي والمأزق الوجودي للكيان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، تجعل المراقب الأكثر تعاطفًا مع جبور ومدرسته ينظر بعين الشفقة إليه وإليها.
ولأن جبور مجرد بوق يقول ما يُطلب منه لم يخبره معلموه أن أثر سياسة العقوبات والحصار بات وقعها عليهم أكبر وأن ضغط هذه السياسة عليهم أكبر منه على المستهدف فيها، حيث تتنامى وتتعاظم قوته وتفتح له ميادين ما كان ليعمل فيها لولا الحصار والعقوبات.
يعرف جبور أن كل ما أنفقته أميركا والخليج من مبالغ طائلة لفريقه، والتي بلغت حسب تصريح فيلتمان خمسة مليارات من الدولارات، بالإضافة إلى ما صرح به محمد بن سلمان من أن السعودية صرفت عليهم عشرين مليار دولار، كان كله من دون نتيجة، ويعلم ما وصل إلى معلمي فريقه السياسي، من أمين الجميل إلى وليد جنبلاط إلى جعجع، ويعرف أن ما من مال جديد إن لم يحققوا إنجازات واقعية ضد حزب الله، وبالتأكيد علم بالتوصيف الأخير لهم على لسان ابن سلمان من أنهم “ورق تواليت”، فهل فات جبور أوان تنظيف نفسه؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.