المجتمع الاستخباراتي الاسرائيلي: التاريخ، الهيكلية والصلاحيات، والنفوذ والتنازع

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مدخل مفاهيمي ونقدي

يهمل البحاثة والدارسون “عنصر” الاستخبارات في مناقشتهم وتحليلهم للنظرية الأمنية الاسرائيلية التي باتت في العقود الأربعة الماضية عرضة للترميم كل سنة تقريباً، وفي بعض الأحيان كل 6 أشهر كما يحدث في العقدين الماضيين.

ويهتم معظم البحاثة بالعنصر العسكري والسياسي في “نظرية الأمن الاسرائيلي” باعتبارهما من الموضوعات البارزة وذات الأولوية في التمحيص والتحليل لأدق تفاصيل هذين العنصرين، باعتبار أن “إسرائيل” هي عدو داهم ومجتمع حرب قائم على إيديولوجية “توراتية دينية” أساسها مرتبط بأفكار التوسع والاستعلاء، والتي تتطلب خوض حروب دائمة. لذا تراهم يركزون على المهم وهو العسكري، ويهملون الأهم وهو الأمني. وإذا ما تطرقوا في أبحاثهم وتحليلاتهم للعنصر “الأمني والاستخباراتي”، تراهم يعالجون فقط ما يرتبط بالعسكري ويتجاهلون كل شيء آخر. وقد يكون هؤلاء على صواب إذا كان البحث في الموضوعات الأخرى ترفاً ليس لباحث أو محلل إشغال نفسه به طالما أنه (المحلل) يعيش ويتنفس في منطقة الأحداث وفي مجال التهديدات العسكرية على مدار الساعة، إلا أن ما سنعرضه في هذا البحث سيُظهر أن أعمال التفكير والبحث والتحليل في هذا المجال أي “عالم الاستخبارات الاسرائيلي”، جدير بوضعه ضمن أولويات كل باحث أو مهتم في هذا المجال، انطلاقًا من أن مجهود مجتمع “الحرب الإسرائيلي” للهيمنة على المحيط والأعداء يمثل العامود الفقري للهدف الاستراتيجي “للأمن القومي الإسرائيلي”.

فالحرب اللينة الـ soft war التي دخلت في العقود الأخيرة في صميم جهد الكيان الصهيوني الجمعي هي المكمّل بل هي الحرب الحقيقية التي تجري في ميادين الوعي (الفكر – الثقافة – الدين والمعتقد – العلم والمعرفة – وإرادة القتال أو الدفاع) ومن أجلها تسخّر طاقات وأموال تستهلك موارد هائلة من موارد “الدولة” وتعاظم ذلك في العقود الثلاثة الأخيرة مع ثورة الاتصال والاعلام الجديدة والحروب السيبرانية الناعمة، التي باتت تعتبرها “إسرائيل” أسلحة أمضى من الأسلحة الخشنة لأنها تستطيع من خلالها إسقاط دول وشعوب بحرب الوعي.

فبقراءتنا لكل تحديثات نظرية “الأمن القومي الإسرائيلي” الثلاثة عشر من النسخة الأولى التي وضعها “دايفيد بن غوريون” عام 1948 إلى التحديث الأخير الذي صدر في الأول من حزيران عام 2021، وشارك في إعداده عشرات المفكرين والجنرالات ومسؤولين سابقين في أذرع الاستخبارات المختلفة. نرى بأن النظرية (المحدثة والقديمة) على حد سواء، وضعت التفوق الاستخباري في المثلث الأول في عقيدة “الامن القومي الإسرائيلي”، وهو الأمن الذي يتكون من ثلاثة أضلاع هي، الردع، الإنذار، والحسم. ووضعت عنصر الاستخبارات في مكان ثانٍ كمكوّن تالٍ للرد على التهديدات يأتي بعد مكون الردع مباشرة، ينبغي تحقيقه كما الردع وبنفس الأولوية والأهمية.

تقول النظرية (في آخر تحديثاتها) التي نشر معهد واشنطن مؤخراً فصلين منها[1]:

  • يتمثل المكون الثاني من الرد “الإسرائيلي” على التهديدات، بالتفوق الاستخباراتي الذي يمكن أن يوفر إنذاراً مبكرًا لإحباط نية العدو بشكل استباقي لإلحاق الأذى بالأمة. إن ذلك يمنح “دولة إسرائيل” وقتاً كافياً لصياغة ردّ مناسب على التهديد وتجنب حالة الاستعداد الدائم، مما يؤدي إلى استنزاف موارد الأمة.
  • يتعين على “جيش الدفاع الإسرائيلي” والمؤسسات الأمنية الأخرى، تزويد صنّاع القرار بمعلومات استخبارية محددة حول عوامل التهديد ونوايا العدو لاتخاذ خطوات معادية للدولة. وهذا أمر ضروري لتوفير الوقت اللازم لإعداد رد عسكري مناسب وعملي، من حيث الاستخدام الفوري للقوة أو بناء القوة على المدى الطويل.

مما تقدم يتبين أن نظرية “الأمن القومي الإسرائيلي” منحت دورًا مركزيًّا لأجهزة المخابرات، في تكليفها بمهمَّة الإنذار[2] ويأتي هذا الدور الأساسي للمؤسسة الأمنية في ضوء أن الجزء المحوريّ من “قوة إسرائيل” ليس منخرطًا في الخدمة العسكرية، ولا يُزاول مهامَّه القتالية بساحة المعركة، يضاف إلى ذلك أيضاً أن “إسرائيل” تفتقر إلى العمق الاستراتيجي؛ مما يجعل قدراتها الأمنية الاستخبارية حزامًا دفاعيًّا بالدرجة الأولى.

لذلك تحوَّل الإنذار من “حرب قادمة تستهدف إسرائيل” إلى مهمَّة أساسية لأجهزة المخابرات؛ وقد ازداد ذلك أهمية وخطورة في العقود الاربعة الماضية لأن الحروب مع الجيوش النظامية في معظم دول شرق آسيا باستثناء إيران لم تعد تشَكِّل عملية مفاجئة لصُنَّاع القرار في المستويين السياسي والعسكري، بخلاف الحرب مع المنظمات التي تتخذ من عقيدة حرب العصابات أو الحرب غير المنظمة مدرسة قتالية أو صراعية لها. لذا، بات واقع التهديدات المتغيرة يتطلب وضع تصور دائم وفي الوقت الحقيقي لمفهوم الإنذار المبكر. وينطبق الأمر نفسه على نوايا استخدام الأسلحة الشائعة والكاسرة للتوازن في جميع مراتبه وأساليب حرب العصابات أو الحرب اللامتماثلة كما يحلو “للإسرائيليين” وأتباع المدرسة الغربية في الحرب تسميتها.

إضافة إلى ما تقدم، يحدد صانع القرار “الأمني الإسرائيلي” مفهوم التفوق الاستخباراتي بخاصيتين رئيسيتين:

  • التفوق الاستخباراتي البعيد: وهو قدرة الوكالات الاستخباراتية “الإسرائيلية” على توفير إنذار مبكر لنشر قوات خارج حدود “البلاد” – على سبيل المثال، تحذيرات استخباراتية في لبنان أو تحذيرات استخباراتية محددة بدقة في قطاع غزة. وفي كلتا الحالتين، على مجتمع الاستخبارات توفير الإنذار المبكر في ظل غياب وجود بري دائم. ويعتبر توفير إنذار مبكر خارج حدود الكيان، صعباً بحدّ ذاته عندما يتعلق الأمر بالنيران العالية المسار، مثل الصواريخ قصيرة المدى، أو نشر قوات غير رسمية تديرها منظمات تستخدم تكتيكات حرب العصابات. وأثبتت محاولة تحقيق نتيجة مرضية في غزة ولبنان مدى صعوبة توفير معلومات استخباراتية فعالة من بعيد.
  • التفوق الاستخباراتي المترافق مع تواجد على الأرض: يتميز قتال “الجيش الإسرائيلي” في الضفة الغربية المحتلة خلال العقود الاربعة الماضية من الصراع بالقدرة على إصدار تحذيرات استخباراتية مبكرة فعالة. وهذه القدرة مبنية على الوجود الناتج عن الاحتلال الدائم “للجيش الإسرائيلي” في تلك المنطقة. وهناك، يعمل “الجيش” و”الشاباك” على الحد من نطاق العمليات فيما يسميه الاجراءات الوقائية.

وتعمل المؤسسات الأمنية على تزويد صناع القرار في “إسرائيل” بتحذيرات استخباراتية مبكرة بشأن التقلبات الاستراتيجية التي يمكن أن تحدث في المنطقة، فضلًا عن الاستخبارات الضرورية لتكييف بناء قوة “الكيان العبري” وضبطها.

وعلى مر السنين، سعت “إسرائيل” إلى تطوير خبرة استخباراتية متفوقة لتحديد قدرات العدو ومعرفة نواياه لاستهداف الكيان. ويتم تطبيق هذه الخبرة على سيناريو تتعرض فيه “المدن والمستوطنات الإسرائيلية” لهجوم من قبل قوات عسكرية لا نظامية. ولمثل هذه الحالات، لم تنجح المؤسسة الأمنية بعد بإنتاج لغة مشتركة من المفاهيم التي تصنف مؤشرات نية الخصم للهجوم[3].

وكمثال حي قريب، فلقد شكلت حرب تموز 2006 الحالة الأحدث في الحرب اللامتماثلة كثيرة الأبعاد وكثيرة القدرات، إضافة إلى أنها مثّلت ولا تزال أحد أكثر الأحداث التي هزّت “إسرائيل” في العقود الأخيرة، حيث ترسخت عميقًا في الإدراك “الإسرائيلي”، ليس فقط بسبب المظاهر المثيرة للقلق التي ظهرت بشأن حصانة التجمع الاستيطاني “الإسرائيلي”، وبسبب ضعف القدرة التنفيذية “للجيش”، وعدم أهلية البنى التحتية الطارئة، وطريقة سلوك القيادة السياسية، وإنما لأن هذه الحرب تركت “تأثيرا شاملًا” أظهرت تحقيقات لجنة فينوغراد أنه لم يكن محسوباً.

كان العمى الاستخباراتي الكبير، واحداً من العناصر القاتلة في تلك الحرب، امتد إلى صعوبة تخمين فعل وردة فعل الخصم “حزب الله” وحقيقة إرادته القتالية، فضلاً عن توقع أو على الأقل تخمين أسلحته ومفاجآته. وهنا ينبغي التنويه إلى الفقر والضعف الاستخباراتي الفظيع الذي تمثّل في عدم كشف أهم سلاحين مؤثرين وحاسمين في حرب تموز 2006 وهما “صواريخ الكورنيت” التي فتكت بدبابات الميركافا وصواريخ السطح – بحر التي أطاحت بساعر 5 وحيدت سلاح البحرية “الإسرائيلية” من المعركة في المراحل الابتدائية للحرب.

كما أن الشكل الذي ظهر فيه التحدي، جسّد للكثيرين في “إسرائيل” حدوث تغيير طويل الامد في قوته وتحوله إلى تهديد خطير ممتد على أمن “إسرائيل” بسبب قدراته على الصعيد الاستخباراتي ونجاحه في تحديد نقاط الضعف القاتلة للتجمع “الاستيطاني الصهيوني”، وتركيز الهجمات عليها.

وفي محاولة للتعمية على الأسباب الحقيقية، سلط جهاز “الدعاية الصهيونية” وعلى مدى 15 عاماً وبشكل تلقيني الضوء على “معضلة انعدام التنسيق المزمنة بين أجهزة العدو الامنية” وإذا ما تم التعمق بما وراء هذه الحجة أكثر من خلال دراسة وتحليل فشل المنظومة كاملة، يجعل حجة عدم التنسيق أقل الاسباب تأثيراً على الاختلال الاستخباراتي الكبير بين حزب الله من جهة وبين فيلق أجهزة “الاستخبارات الإسرائيلية” المكون من عدد كبير من الأجهزة والأقسام والوحدات التي يعمل 95% منها على حزب الله.

ففي دراسة حملت عنوان “أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية – إلى أين؟ تحليل، اتجاهات وتوصيات” صدرت عن معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، مطلع نيسان 2012، سلط المعهد الضوء على تنظيم أجهزة “الاستخبارات الإسرائيلية”، وانتقد بشدة أداء هذه الأجهزة وخصوصًا انعدام التنسيق فيما بينها.

واشارت الدراسة، إلى أنه ينبغي إجراء تغييرات في شكل هذه الأجهزة لتتمكن “إسرائيل” من مواجهات “التحديات الإستراتيجية”. وأكدت الدراسة أن “البنية التنظيمية لأجهزة الاستخبارات واهية، وليست مناسبة بصورة كافية لمواجهة التحديات الأمنية الجديدة “لدولة إسرائيل”، لأنه ليس لمجمع أجهزة “الاستخبارات الإسرائيلية” مركز أو رئيس أو مدير، وليس لديها منظمات للإشراف عليها باستثناء لجنة رؤساء الأجهزة، وهي هيئة تطوعية لا تملك صلاحيات ولا نظامًا للحسم، ونتيجة لذلك فإنه ليست لدى الأجهزة خطة عمل مشتركة، ولا تنسيق في مجال بنية القوة بين أجهزة الاستخبارات المختلفة ولا نظرة شاملة لرصد الموارد لهذه الأجهزة”.

ورأى معدّا الدراسة أن الصعوبة في عدم التعاون بين أجهزة “الاستخبارات الإسرائيلية” مرتبطة الى حد كبير بانعدام الوضوح النابع من مشاكل جذرية في جهاز الأمن القومي بمجمله.

وفي إضافة أخرى رأت صحيفة “هآرتس الإسرائيلية” في الذكرى السادسة لحرب تموز، أن ضبط شبكات التجسّس التي يشتبه في أنها عملت لحساب “إسرائيل” في لبنان، يعكس الاحتكاكات بين أجهزة “الاستخبارات الإسرائيلية” التي تنشط في لبنان، وهي “الموساد” وشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” وجهاز الامن العام “الشاباك”.

وكتب محلل الشؤون الاستخبارية والإستراتيجية في الصحيفة يوسي ميلمان، ان “محاولات عقد معاهدة لتوزيع العمل بين أجهزة “الاستخبارات الإسرائيلية” لم تنجح دوماً في حلّ الاحتكاكات بينها”.

ونقل عن محللين في “إسرائيل” تقديرهم أن أحد الأسباب التي أدت إلى القبض على أعضاء شبكات التجسّس “الإسرائيلية” في لبنان بين عامي 2000 و2006، هو “الخلل في إخفاء معلومات”، أي الخلل في العلاقة بين العملاء التي أدت إلى سقوط الشبكات في أيدي أجهزة الأمن اللبنانية.

وأوضح أنه بموجب توزيع العمل بين أجهزة “الاستخبارات الإسرائيلية”، يشغّل “الموساد” عملاء بواسطة وحدة “تسوميت” المسؤولة عن تفعيل العملاء ووحدة “قيساريا” التي تنفذ عمليات عسكرية، اذ يجري تجنيد العملاء في “دولة القاعدة” ومنها يرسلون لتنفيذ مهمات في “دولة الهدف” التي غالباً ما تكون “دولة عدوة” أو ضمن منطقة مسؤولية “منظمة إرهابية”.

وتشغل “الوحدة 504” التابعة لـ “أمان” عملاء، وبموجب توزيع العمل بين هذه الوحدة و”الموساد”، تتحمل “الوحدة 504” المسؤولية عن تفعيل العملاء في المناطق الحدودية “لإسرائيل” مع كل من سوريا ولبنان ومصر وفي مناطق السلطة الفلسطينية. فيما يشرف الموساد على تجنيد وتشغيل العملاء خارج الحدود وفي داخل مساحة دول الطوق لا حدودها.

وهنا لا بد بعد هذا العرض، من التنويه إلى أن التطور التكنولوجي الهائل في العقدين الأخيرين الذي يمكن وصفه بالطفرة في مجال بروتوكولات وأساليب وأدوات حرب الاستخبارات الحديثة، استفادت منه القوة الأضعف (المقاومة) التي تنتمي إلى مدرسة الحرب اللامتماثلة بنفس طريقة استفادتها منه في المجال العسكري، حيث استطاعت تكييف نفسها ببراعة مع الفوارق الهائلة في الامكانات التكنولوجية التي تميل بشدة نحو “الإسرائيليين” تمهيداً لحرمانهم من عناصر التفوق في هذا المجال، مما أعطى القوة الأضعف (المقاومة) مجدداً أفضلية وأرجحية على خصمها.

وتنطلق حرب الاستخبارات اللامتماثلة من عدة مفاهيم يمكن أن نجملها بالتالي:

  • ليس هناك ميدان يتقابل فيه المتحاربون أمام بعضهم بالمواجهة أو بالالتفاف.
  • إن السلاح المستخدم في ميادين الاستخبارات ليس “متماثلا” وإن كانت طرائق تشغيله “لا متماثلة” حتى وإن اختلفت درجات قوته.
  • ليس هناك صلة بين فعل ورد فعل تجري ممارسته على ساحة معينة يدور فوقها اشتباك أو اتصال، ويترتب على ذلك أن حفظ السلاح أو فعله هنا يصبح خارج حساب أي منطق أو تصور يمكن توقعه.
  • o       سرعة الحركة، فمع أن سرعة الحركة والمفاجأة أساليب مطلوبة في كل أنواع الحروب إلا أنها في حالة حرب الاستخبارات اللامتماثلة، تصبح مطلوبة أكثر لأنها لازمة لمدرسة التشغيل المبتكر التي تميزها، أي التفكير فيما لا يمكن التفكير فيه مما لا يحكمه قيد أو أحد، لأنه معتمد على الابداع وعلى الأفكار “الغريبة” أو غير الموجودة في صفحة التاريخ، ولا يؤدي إليه العلم أو توازن القوة مهما كانت دقة حساباته.
  • إن هذا النوع من الحرب ليس مقيداً بمذاهب مصنفة في الحرب، إنما هو يلتقط الرسائل التي يفكر فيها بمصادفات الظروف التي غالباً ما تصنعها ردات فعل أو مبادرات العدو، لكنه عندما يقابلها بالمصادفة يدرسها بعناية، مما يجعل التنبؤ المسبق بأعماله مهمة شاقة وعسيرة.
  • هذا النوع من الحرب جاهز في بعض الأحيان لأعلى درجات المخاطرة، لأن الخسارة بالنسبة إليه في الحالتين واحدة، وبالتالي فإن أعلى المخاطر تتساوى عنده مع أقلها.
  • هذا النوع من الحرب يمارس دمجاً بين ما هو “مادي” وما هو “نفسي”، وذلك أكثر ما يخدمه في الأساليب اللامتماثلة التي يستعملها حيث يمتاز المتصدي في هذه الحرب بروح معنوية عالية لدى أفراده وتكتيك متقدم في عملياته، واستعداده لأقصى المخاطر بجعل ما لا يجوز التفكير فيه وارداً وممكناً حتى ولو كان في المقاييس الطبيعية من المستحيلات أو من ضروب الجنون، كما تقتضي هذه الحرب “إرادة قوية” و “تنظيماً جديداً” و “صبراً” يراقب على مهل، لأنه ليس رد فعل يتحتم عليه (لدواعٍ كثيرة)، أن يواجه عدوه حيث يتوقع أن يـأتيه زماناً ومكاناً.

مسرد تاريخي

تتعدّد أجهزة الاستخبارات الصهيونية وتختلف فيما بينها، وفق نوعية المهمات الملقاة على عاتقها، وحجم الدور الذي تقوم به، إضافة إلى طبيعة المؤسسة المنتمية إليها سواء كانت عسكرية (الجيش)، أو سياسية (وزارة الخارجية)، أو أمنية (الشرطة)، ونعرض في هذا القسم تأسيس وتطور أنشطة وهيكليات أجهزة المخابرات الصهيونية، وإنتاجها الاستخباري، والمراحل التي مرت بها.

الجاسوسية مبدأ صهيوني أساسي

اعتمد العدو الصهيوني في عمله الأمني على قاعدة، أنّ: “الجاسوس هو الجندي الأول في بناء الدولة الصهيونية”، ولهذا فإنَّ التجسس يُعتَبر من العقائد الثابتة في الفكر اليهودي والصهيوني، وفي الواقع فإنَّ الدولة العبرية لم تحقِّق انتصاراتها على الفلسطينيين والدول العربيَّة من خلال جيشها أو أسلحتها فحسب، ولكنها أيضاً تغلّبت وانتصرت عليهم من خلال المعرفة والاهتمام بكيفيَّة الحصول على المعلومات الاستخباراتية التي وفِّرت رؤية واضحة الأهداف والمعالم لشكل الصراع وأبعاده وأولوياته، ولم يتحقّق ذلك إلاَّ من خلال جهاز استخبارات قويّ تتوافر له جميع وسائل التكنولوجيا والأموال والإمكانيات والأفراد من ذوي الكفاءات والمؤهلات اللازمة، وقد كان للجاسوسية دوراً مركزياً في إنشاء الكيان الصهيوني واحتلال فلسطين.[4]

منذ نشأة الوكالة اليهودية، وهي : التنظيم الصهيوني، الذي أخذ على عاتقة مهمة تأسيس الدولة اليهودية الصهيونية في فلسطين، تجسّس اليهود على العرب والأتراك والإنكليز، كما عملوا كجواسيس مزدوجين لصالح الإنكليز تارة، وضد الأتراك والألمان تارة أخرى، وانتشرت شبكات التجسس الصهيونية في مصر وسوريا ولبنان والأردن وتركيا وفلسطين وغيرها، لخدمة أهداف الوكالة اليهودية وما تفرّع عنها من منظّمات عسكرية، أخذت على عاتقها مهمّة تنفيذ أهداف المشروع الصهيوني بالقوّة، وقد أنشأت الوكالة اليهودية شبكاتها العالمية للوصول للهدف الأكبر، وأقامت فروعًا لها في باريس وروما وبرلين ولندن وزوريخ وفيينا وموسكو وغيرها.

تعدد الاجهزة ليس حديثاً

ويعكسُ تعدد أجهزة الاستخبارات الصهيونية الحالية بمختلف مسمياتها ومهامها حجمَ الاهتمام البالغ الذي تُوليه قيادةُ الكيان الصهيوني لأجهزة جمع المعلومات؛ حيث إنَّ الاعتقاد السائد منذ إنشاء دولة الكيان الصهيوني أنّ: أجهزة جمع المعلومات اللبنة الأولى في إنشاء الدولة، ولها الفضل في تحقيق أهدافها التوسعية، ومعرفة نوايا البيئة الإستراتيجية المحيطة بها وحمايتها[5].

وإذا كان لتيودور هرتزل وعائلتي روكفلر وروتشيلد دوراً أساسياً في إحياء فكرة إسرائيل الافتراضية فإن لدافيد بن غوريون الدور الأكبر في جعل إسرائيل الافتراضية واقعاً حقيقياً أدى إلى تأسيس دولة الاحتلال في أيار 1948، فمنذ توليه منصب رئاسة الوكالة اليهودية، وقف بن غوريون أثناء الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء، وأدار الوكالة اليهودية لتأمين قيام الدولة العبرية، وجلب اليهود من خارج فلسطين وتهريب الأسلحة، وتنفيذ عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين والعرب، وكذلك ضد البريطانيين داخل فلسطين للتعجيل في رحيلهم، ولهذا فقد قسَّم بن غوريون عمل الوكالة اليهودية استخباراتيًا إلى ثلاثة أقسام، هي:

  • القسم الأول: القسم العامل في المجال العربي، واختصّ بأمور الاستخبارات في صفوف الفلسطينيين والمواطنين العرب عامة[6].
  • القسم الثاني: القسم السياسي، وكانت مهمّته جمع المعلومات السياسية في المجالين الداخلي والدولي.[7]
  • القسم الثالث: القسم العسكري، للقيام بأعمال التجسّس والتصفيات الجسدية بحق البريطانيين واليهود الشرقيين والعرب.[8]

مرّت الاستخبارات الصهيونية منذ بداية القرن العشرين بخمس مراحل، وهي:

  • المرحلة الأولى: كانت تعبّر عن علاقة الاستخبارات الصهيونية مع القوات البريطانية وما قدّمته من عونٍ وتمهيد لغزو الحلفاء لفلسطين. وأنشئت منظّمة «بيلو» السريّة عام 1904 من مجموعة من المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية لإمداد بريطانيا بالمعلومات عن أوضاع السلطات العثمانية ونشاط الفلسطينيين، وفشلت المحاولة عندما اكتشفت السلطات العثمانية هذه المنظمة عام 1907.
  • المرحلة الثانية: كانت قبيل الحرب العالمية الأولى وفي أثنائها، وبعد إنشاء منظمة سريّة باسم «نيلي» (أقامت اتصالًا مع الاستخبارات البريطانية في المنطقة)، ونشرت شبكات تجسّسها في مختلف أنحاء فلسطين، وساهمت هذه المنظمة مساهمة فعّالة في حسم معركة جنوب فلسطين لمصلحة الحلفاء، عن طريق المعلومات التي زوّدتهم بها حول استعدادات الجيش العثماني في غزوة بئر سبع، إلا أنّ السلطات العثمانية اكتشفت أمرها وقامت بتصفيتها عام 1917.
  • المرحلة الثالثة: بدأت بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى، وصدور وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود، والتي أخذت فيها الاستخبارات بعدًا أكثر تطورًا بحيث أصبحت مستقلّة عن العلاقة ببريطانيا أو غيرها. وأنشأت الوكالة اليهودية في العام 1920 فروعًا لها في القدس ولندن ونيويورك وجنيف والقاهرة وباريس وبرلين، كما أُنشئ لها قسم خاص هو “المكتب السياسي”، وتولاه الكولونيل كيسي الذي قام بتنظيم شبكة الجاسوسية اليهودية التي نشرت فروعها، مختبئة وراء ستار هيئات مختلفة، وكان بعضها عبارة عن نوادٍ رياضية أو منظّمات عالميّة، أمّا الاسم الرسمي لهذه الشبكة فهو “الهاغانا” والتي كانت تتشكّل من ثلاثة أقسام:
  • قسم وحدات الهاغانا” العسكرية للقتال.
  • قسم وحدات البالماح” لأعمال التخريب والعمليات الخاصة.
  • قسم وحدات شاي”، أي خدمات الاستخبارات.

ويعود إنشاء جهاز الاستخبارات الخارجية الصهيونية «الموساد» إلى ما بعد قيام الكيان الصهيوني، وكان في السابق قد أُنشئ كجيشٍ سري تابع لـالهاغانا، وتركّز عمله في تنظيم الهجرة اليهودية غير الشرعية إلى فلسطين وتهريب الأسلحة، ثم توسّعت مهمّاته لتشمل جميع أنواع التجسّس خارج حدود فلسطين، إضافة إلى أعمال مكافحة الجاسوسية المضادة، ومعاقبة اليهود الخارجين على سياسة “الهاغانا” وأهدافها.

  • المرحلة الرابعة: عكست الصراع بين العصابات الإرهابية الصهيونية استعدادًا لإنشاء الكيان الصهيوني، حيث نشب في العام 1947 صراعاً بين أجهزة الاستخبارات الصهيونية المختلفة، والتي بدأت بتصفية بعضها البعض بتشجيع من بريطانيا أحيانًا.
  • المرحلة الخامسة: بدأت بعد إعلان قيام الدولة العبرية في 15مايو /أيار 1948 حيث تمّ الاتفاق على حلّ معظم التشكيلات السابقة للاستخبارات، وتشكيل جهاز مركزي. وقام بن غوريون بانتخاب معظم عناصر هذا الجهاز من “الهاغانا” ليتأكد من تسلّمهم المناصب القيادية، ولكنه استفاد أيضًا من العناصر الممتازين الموجودين في التنظيمات الأخرى، وتم تقسيم الجهاز إلى ثلاث دوائر متخصصة في أول اجتماع للجهاز:

الدائرة الأولى: الاستخبارات العسكرية.

الدائرة الثانية: الدائرة السياسية في وزارة الخارجية، ومهمتها الحصول على المعلومات من السفارات في الخارج.

الدائرة الثالثة: الأمن الداخلي “الشين بيت” وتشمل مهمتها ملاحظة الجواسيس الأجانب، والناشطين اليساريين من اليهود.

ولم تنجح هذه التنظيمات في مهماتها على أكمل وجه، مما أدى إلى حدوث عدد من التقلبات في تنظيم الاستخبارات وأجهزتها وإداراتها، حتى تمت إعادة تنظيمها مرة أخرى برئاسة الجنرال مئير عميت، وكان أهم إنجاز للاستخبارات الصهيونية، هو التحضير لحرب 5 يونيو / حزيران 1967، ثم توالت التغييرات على الجهاز بمختلف تشكيلاته، خصوصًا بعد حرب 6 أكتوبر / تشرين أول 1973 المجيدة، مما أدى إلى إنشاء (لجنة الأمن القومي التابعة لرئاسة الحكومة الصهيونية.

ومرَّ العمل الاستخباري للكيان الصهيوني بمراحل عديدة منذ نشأته، يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل:

أولًا- المرحلة الأولى (التأسيس): عُرِفَ في الأيام الأولى لِما قبل قيام الدولة العبرية، وحتى نشوب حرب عام 1948م، ما يُسمى بـ : مخابرات المستوطنات، وكانت تتكون من منظمتين رئيستين، تُعرفُ الأولى بـ : القسم السياسي للوكالة اليهودية، الذي تأثر في أعماله وأنشطته ومبناه الإداري بالمخابرات البريطانية، وإثر إقامة الدولة العبرية تم دمج هذا القسم في وزارة الخارجية، على غرار ما حدث في المخابرات البريطانية، وعمل في مجال جمع المعلومات عن العلاقات بين الفلسطينيين والدول المجاورة، والعلاقات بين الدول العربية والدول العظمى، والعلاقات العربية ــ العربية، والتطورات الداخلية في الدول العربية التي كان لها تأثيراً على العدو الصهيوني، كما عمل هذا القسم على جمع معلومات عامة: أمنية وسياسية، وإقامة علاقات مع عناصر استخباراتية غربية، وشن عمليات تخريبية لعرقلة الأعمال العدائية، وراقب هذا القسمُ العملياتِ الاستخباراتية الأجنبية في فلسطين.

أما المنظمة الأخرى، فكانت تُعرفُ بـ: هيئة المعلومات لمنظمة الهاغانا العسكرية التي كانت النواة الأولى والأساسية لاستخبارات الجيش الصهيوني، وتركزت أنشطتها حول الجبهة الداخلية، وعرب الداخل الفلسطيني، والبريطانيين، والبلدان العربية، وقامت الهيئة بتجنيد شبكات من المتطوعين والمتعاونين، وعندما تم إنشاء الجيش الصهيوني تفككت هذه الهيئة، واستُخدمت وحداتُها المختلفة لتشكيل هيئة استخباراتية عسكرية داخل الجيش.

ثانيًا- المرحلة الثانية: في ذروة اشتعال الحرب عام 1948م، شكلت المخابراتُ الصهيونية الهيئاتِ الآتية:

  1. هيئة المخابرات في جيش العدو، وتحوَّلت في يونيو/ حزيران 1949م، إلى قسم استخباراتي في شعبة العمليات التنفيذية بالجيش، وفي نوفمبر/تشرين ثاني 1949م، تم تشكيل سلاح المخابرات كإطار مهني خاص لجميع رجال المخابرات بالجيش.
  2. قسم سياسي في وزارة الخارجية الصهيونية خاص بالأنشطة الاستخباراتية في الخارج.
  3. هيئة المعلومات الداخلية، وتختص بالأمن الداخلي، وخاصة في إحباط المؤامرات السياسية والعمليات الإرهابية، وتحولت الهيئة فيما بعد إلى جهاز (الشاباك) الذي أُنشئ في فبراير 1949م. وفي أبريل/ نيسان 1949م تشكَّلَت لجنة التنسيق بين الهيئات العليا برئاسة رأوبين شيلوح، أمين سر رئيس مجلس الوزراء دافيد بن غوريون، وتتكون من رؤساء الأقسام السياسية، والشاباك، والمخابرات العسكرية، وشرطة الكيان الصهيوني.
  4. المؤسسة المركزية لتركيز وتنسيق الخِدْمات المخابراتية والأمنية التيتشكلت في 13 ديسمبر/ كانون أول عام 1949م، وترأسها روبين شيلوح أيضًا، والهدف منها تطوير أنشطة المخابرات وتنسيقها، واختار بن غوريون رئيسًا واحدًا للمنظمتين لتفهمه أهمية التنسيق بين أجهزة المخابرات والسيطرة المركزية عليها، إضافة إلى الدروس التي استفاد منها بن غوريون من الصراعات التي نشبت بين وزارة الخارجية والمخابرات العسكرية، لاسيما فيما يتعلق بجمع المعلومات من الخارج.
  5. في صيف عام 1949م تم نقل تبعية جهاز (الشاباك) من هيئة أركان الجيش الصهيوني، إلى وزارة الحرب، لأسباب إدارية بيروقراطية، حيث قال (الشاباك)، أنَّ الجيش لا يعطيه حقه فيما يتعلق بتخصيص الموارد.

ثالثًا- المرحلة الثالثة والأخيرة: في مارس/ آذار 1954م تحولت المؤسسة المركزية لتركيز وتنسيق الخِدْمات الاستخباراتية والأمنية إلى هيئة مستقلة بذاتها، ولم تعُد تابعة لوزارة الخارجية، وأصبحت تابعة لرئيس الوزراء مباشرة، وحدث تغير جوهري في مهامها، حيث أُنشئت هيئة مركزية مستقلة داخلها، منوطة بكل العمليات الاستخباراتية خارج الكيان الصهيوني، التي مثلت فيما بعد الجزء الرئيس من جهاز (الموساد)، واشتملت الهيئة على ممثلين من جهازي الاستخبارات الآخرين، سواء على مستوى القيادات العليا أو القيادات الميدانية، وبرزت شخصية رأوبين شيلوح الذي نجح في تطوير مجموعة من العلاقات الخارجية السرية، ونسج علاقات خاصة مع أجهزة مخابرات غربية ومن بينها المخابرات المركزية الأمريكية، وتم عام 1952م تعيين إيسارهرئيل رئيسًا للموساد (المؤسسة المركزية للمخابرات)، وكان مسؤولًا أمام بن غوريون عن رئيس الشاباك، أي إنه كان المسؤول المباشر عن جهازي المخابرات (الموساد، والشاباك) في الفترة من 1952م وحتى 1963م.

وتحول قسم المخابرات في 28 ديسمبر/ كانون أول 1953م، إلى شعبة في هيئة أركان الجيش الصهيوني، والتي تحولَت إلى (جهاز أمان: المخابرات العسكرية الصهيونية)، وكانت أهم الاعتبارات الأساسية وراء هذه الخطوة، هي طبيعة عمل هذه الهيئة المتعلقة بالمجال العسكري؛ ما يستدعي ربطها مباشرة برئيس الأركان ووزير الحرب، ومن ثم تأسس (أمان) كأكبر هيئة استخباراتية عسكرية مركزية في الكيان الصهيوني في مجال جمع المعلومات والبحث الاستخباراتي، كما تعززت مكانته نتيجة للتطورات التي شهدها كونه هيئة كبيرة في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية التكنولوجية.

وظهرت أنشطة أمان في مجال العمليات القتالية السرية، التي كان لها أيضاً أهدافًا سياسية، وتركزت على التسلل سرًا إلى مناطق (العدو) بوساطة مجموعة من المقاتلين أو العملاء اليهود؛ بغرض جمع معلومات استخباراتية أو القتال سرًا.

ويمكن الجزم بأن العام 1952 كان عاماً حاسماً ففيه أنجز تشكيل مجتمع المخابرات الصهيوني على شكله وأجهزته الحالية باستثناء جهاز استخبارات الشرطة الصهيونية الذي تم تأسيسه بعد عشرات السنين لأسباب عملية.

واقع أجهزة المخابرات الصهيونية

بعد التطور السريع الذي مرت به أجهزة استخبارات الكيان، وما صاحبه من قصور في بعض المراحل، ونجاحات في مراحل أخرى، تم وضع رسم نهائي وواضح لتلك الأجهزة بما يحقق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، وبما يتناسب مع حجم التطور الهائل الذي شهده العالم في مجال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة.

تتعدد أجهزة المخابرات الصهيونية وتختلف فيما بينها؛ وَفْقًا لنوعية المهام الملقاة على عاتقها، وحجم الدور الذي تقوم به، إضافة إلى طبيعة المؤسسة المنتمية إليها، سواء كانت عسكرية (الجيش)، أو سياسية (وزارة الخارجية)، أو أمنية (الشرطة).

وتشمل أجهزة المخابرات وجمع المعلومات في الكيان الصهيوني حاليًا خمسة أجهزة وهي:

  1. جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان).
  2. جهاز المعلومات الداخلية- الأمن العام (الشاباك).
  3. جهاز المهام والعمليات الخارجية (الموساد).
  4. مركز الأبحاث السياسية بوزارة الخارجية (مماد).
  5. مخابرات الشرطة الصهيونية.

تختلف نوعية إنتاج كل جهاز استخباراتي صهيوني عن غيره، وفق المحددات التي يعمل في إطارها؛ ويمكن التمييز بين ثلاث حزم أساسية لنوعية الإنتاج الاستخباراتي، في ضوء المهام التي تقوم بها؛ وتتمثل هذه النوعيات في:

  1. المعلومات الاستخباراتية اللازمة لبلورة السياسات العامة واتخاذ القرارات المصيرية، فيما يتعلق بالمستويات الاستراتيجية السياسية والعسكرية؛ حيثُ تقومُ المخابرات ببلورة الواقع السياسي والاستراتيجي أمام أصحاب القرار لمواجهة التهديدات المختلفة، لاسيما المتعلقة بحجم القدرات العسكرية للأعداء.
  2. المعلومات الاستخباراتية اللازمة لتفعيل تكتيكات القوات الأمنية والعسكرية، مثل جمع معلومات دقيقة حول مواقع القيادة، وأماكن نصب الصواريخ للعدو، بشكل يسهل من قصفها، أو جمع معلومات دقيقة تمكن قوات الجيش والشرطة الصهيونية من إحباط هجمات عدائية، واعتقال المتورطين فيها.
  3. تنفيذ عمليات قتالية وإحباط الأعمال العدائية، كتنفيذ هجمات سرية على الأسلحة غير التقليدية للعدو، وإحباط المؤامرات ضد الدولة العبرية، وإفشال الأعمال التجسسية للعدو.

ومن خلال هذه التقسيمات السابقة، يمكن تمييز العمل الاستخباراتي الصهيوني بتقسيمه إلى مستويين أساسيين، وهما:

  •  مهام استخباراتية “كلاسيكية: وهي المهام التقليدية التي تقوم بها أي أجهزة استخباراتية في العالم.
  • مهام استخباراتية “فعَّالة: استخدام المخابرات كمقاتل مشارك في الحروب، وهي تلك الاستخبارات التي ترتبط بالاستخبارات التكتيكية والعملياتية.

كما تعد عملية (إعداد المعلومات الاستخباراتية الأمنية القومية)، إحدى أهم نتاجات المخابرات الصهيونية؛ فمن المنوط بها إعداد معلومات استخباراتية قيمة، متعلقة بالمناخ الاستراتيجي المحيط بالكيان الصهيوني، وحول المخاطر الآنيَّة والمستقبلية المحيطة به في منطقة الشرق الأوسط، وتقديمها إلى القيادة السياسية لبلورة القرارات واتخاذها في مجال الأمن والسياسات الخارجية، ومن المهم أن تتمحور هذه المعلومات ويجب ألا تتعرض هذه المعلومات للأوضاع الداخلية للدولة العبرية، وتعرض هذه التقديرات أمام الحكومة الصهيونية مرة واحدة في السنة على الأقل، وتعرف بـ (التقديرات السنوية للمخابرات الصهيونية)، ويتم استحداث هذه التقديرات وما يتعلق بالقضايا المطروحة بها تطرح على رئيس الوزراء بشكل متتابع خلال السنة، سواء من خلال الوثائق المخابراتية، أو من خلال التقارير، أو من خلال وسائل أخرى بديلة.

مجتمع الاستخبارات الصهيوني

يعتبر جهاز المخابرات العسكرية (أمان) أكبر جهاز استخباراتي صهيوني من بين جميع الأجهزة الأخرى، والأكثر قوةً من بين بقية الأجهزة في مجالات التنصت والتقاط الصور الجوية، والبحث والمهام الخاصة، أما جهازي (الموساد والشاباك) فلهما تميز أكبر في المجال البشري، أي تجنيد العملاء وإجراء التحقيقات مع الجواسيس، والعمليات الوقائية والتنفيذية الخاصة بهما، ويمتاز (الموساد) بديناميكية خاصة فيما يتعلق بالعمليات السرية خارج البلاد، بينما يمتاز (الشاباك) بهذه الديناميكية في العمليات داخل الأراضي المحتلة. وسنتناول في هذا المبحث كل جهاز من تلك الأجهزة بشيء من التفصيل، يتضمن نشأته، والمراحل التي مر بها، وأبرز مهامه، وأهم وحداته، وأقسامه.

أولاً جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان):

يُعدّ “أمان” هيئة عسكرية تقوم بتقديم خدمات استخباراتية، وصلاحية وجودها الأساسية تتمثّل في مساعدة الجيش الصهيوني في تنفيذ مهماته، وبفضل قدراته الكبيرة في مجال جمع المعلومات، يقوم بتنفيذ مهمات خارج إطار الجيش، وهو جهاز تابع للهيئة العامة لأركان الجيش الصهيوني، ومن الناحية التنظيمية، يتبع هذا الجهاز مباشرة لرئيس الأركان، المؤتمر بأمر الحكومة، والتابع بدوره لوزير الحرب الصهيوني، ومهمته الأساسية العمل الأمني والاستخباري لصالح الجيش ومختلف الأجهزة الرسمية الإضافية العاملة في مجال الأمن والعلاقات الخارجية، وجوهر عمله البيئة الاستراتيجية المحيطة بالكيان، ويترأسه عادة ضابط برتبة جنرال، ولطالما كان نشاط هذا الجهاز حيوي لكيان العدو نسبة لما يقوم به من دور في عمليات التجسس الإلكتروني، وعمليات التنصت، سواء في قطاع غزة أو في أراضي السلطة الفلسطينية أو الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة.

  • تأسيس جهاز “أمان: خلال النصف الأول من العام 1948م تمّ تكليف قائد شعبة العمليات في جيش العدو آنذاك يغآل يدين بتأسيس الاستخبارات العسكرية، وكانت تبعيتها في حينه لشعبة العمليات، وألقيت على عاتقها مسؤولية جمع المعلومات العسكرية؛ تمهيدًا لتنفيذ الهجمات العسكرية، وإحباط التجسس، والرقابة العسكرية على النشر، والتنصت، وساد اعتقادٌ لدى المنظرين العسكريين والسياسيين الصهاينة بعد نكبة عام 1948م،، أنَّ الاستخبارات هي خط الدفاع الأول عن الكيان الصهيوني، ففي ظل غياب عمقٍ استراتيجي جغرافي يفصل ساحات القتال عن التجمعات السكنية المدنية، يصبح الإنذار المبكر بحربٍ وشيكة أمرًا في غاية الأهمية.

وفي العام 1949م وفي إطار إعادة هيكلة الاستخبارات العسكرية، تقرّر اعتبار الاستخبارات قسمًا منفصلًا داخل قسم العمليات، وتحويلها إلى قسم يتبع له ضباط الاستخبارات في الوحدات المختلفة كافة. وتمّ تحديد مهام الضباط، وأصبح رئيس الاستخبارات يقدّم تقاريره مباشرة إلى رئيس أركان الجيش الصهيوني، بدلًا من قائد قسم العمليات.

  • من دائرة استخبارات إلى شعبة استخبارات: لم تتجاوزْ عمليةُ تنظيم الجيش الصهيوني في السنوات التي تلت إقامة الكيان سلاحَ الاستخبارات، ففي ديسمبر / كانون أول 1953م أعطيت دائرة الاستخبارات مكانة شعبة مستقلة في رئاسة الأركان بعد أن استُبْدل البناء البريطاني للجيش الصهيوني بالبناء الفرنسي المُكوَّن من أربع شعب، الذي يحتفظ بمكانة مستقلة للاستخبارات. وعشية تحويل دائرة الاستخبارات إلى شعبة في رئاسة الأركان، لم يزد حجم قوات سلاح الاستخبارات عن ألف شخص؛ حيث خدمَ حوالي 200 ضابط وجندي في دائرة الاستخبارات في رئاسة الأركان العامة، وحوالي 600 شخص في وحدات السلاح المختلفة، وقد شملت شعبة الاستخبارات العسكرية عدة أقسام في حينه، وهي:
  • قسم الجمع الذي كان مسؤولًا عن تشغيل وحدات الجمع في سلاح الاستخبارات وتوجيهها.
  • قسم البحث الذي كان يقسم إلى “مقاعد سياسية وعسكرية وميدانية وفنية”.
  • قسم أمن الميدان المسؤول عن السرية في داخل الجيش.
  • قسم التخطيط والعمليات الخاصة.
  • أبرز مهام جهاز “أمان”: تكمن المهام الأساسية لجهاز أمان في الآتي:
  • توفير المعلومات الأمنية والاستخبارية للحكومة، وخصوصاً لمجلس الوزراء الأمني المصغر كابينيت، ووزير الحرب وقادة الجيش الصهيوني، ولجهات رسمية أخرى معنية بالشؤون الأمنية والعلاقات الخارجية والإستراتيجية الإسرائيلية، والتي من شأنها تقدير قدرات قوة العدو العسكرية وانتشار قواته، وفهم دوافعه، وتوقع توجهاته، والتعرف على نقاط ضعفه وقوته، ومحاولة استكشاف أهدافه ونواياه تجاه دولة الكيان.
  • تقديم التحذيرات والإنذارات للقيادتين السياسية والعسكرية من مغبة نشوب حروب، أو تنفيذ عمليات فدائية وعمليات عدائية ضد الكيان الصهيوني، وإمدادهم بتقديراتٍ أمنية، وعسكرية، وسياسية بصورة دائمة.
  • الحرص على إمداد الجيش الصهيوني ووحداته بالمعلومات الاستخبارية التي تلزمه في ساحة المعركة؛ من أجل تقديم أفضل أداء من قبل مختلف الأسلحة ووحدات القتال، وتوفير معلومات استخباراتية للعمليات القتالية ـ الميدانية للجيش الصهيوني، والأجهزة الأمنية الأخرى.
  • تحليل المعلومات الاستخبارية وفحصها، ورفعها لصناع القرار؛ لتحسين مستوى فهمهم للواقع؛ لاتخاذ أنسب القرارات.
  • إبلاغ الجهات المختصة في الكيان الصهيوني بنوايا دول معادية الحصول على أسلحة غير تقليدية.
  • تنفيذ بعض المهام الاستخبارية الخاصة، وتنفيذ عمليات خاصة.
  • تطوير المنظومات والوسائل التكنولوجية والقدرات التكنولوجية في مجال جمع المعلومات من خلال الاختراق الالكتروني وتقنيات التجسس الحديثة.
  • تقديم المادة الإعلامية المناسبة للمراقب العسكري، التي تتعلق بطبيعة عمله، وفقًا للظروف القائمة.
  • دعم مجال الأمن المعلوماتي وتجهيز وتوفير تقنيات مهنية لأجهزة الاستخبارات الأخرى في الجيش الصهيوني.
  • التحذير من تطوير العدو أسلحة ومعدات قتالية غير تقليدية، وتوفير المعلومات الاستخباراتية اللازمة للمساعدة على تحييد هذه الأسلحة.
  • عرض معلومات استخباراتية على أصحاب القرار السياسيين والعسكريين بمهاتهم المختلفة، وتجميع المعلومات الاستخباراتية على اختلاف أنواعها، وعرضها للأغراض الاستخباراتية المختلفة.
  • أهمية جهاز أمان: تبرز أهمية أمان من طبيعة المهام التي يقوم بها؛ ومن الصعب على أي جهة صهيونية أن تنكر الكم الهائل من المعلومات الاستخبارية التي يوفرها “أمان”، وما يقوم به من جهد في مجال التحليل والتقييم للمعلومات الأمنية كذلك، وإنَّ الوصف المتعارف عليه لجهاز “أمان” لا يتوافق مع كينونته؛ إذ إنه يعد شعبة “شاذة” داخل الجيش الصهيوني؛ نظرًا لحجم المهام التنفيذية الكبيرة التي يقوم بها من خلال وحدات جمع المعلومات والبحث، إضافة للمهام التكنولوجية والتنفيذية الأخرى التي يقوم بها، وبالتالي فهو يشبه ذراعًا عسكريًّا مثل: ذراع سلاح الجو؛ ولكنه ذراع يعمل في مجال المعلومات، ويعد “أمان” بمساعدة أذرع استخباراتية أخرى “الدينامو” الأساسي داخل منظومة المخابرات الصهيونية فيما يتعلق باستخلاص التقديرات الاستخباراتية ووضعها؛ كونه الهيئة الوحيدة التي تقوم ببحث كل عناصر التقديرات الاستخباراتية؛ مما يؤهله للقيام بعملية “فلترة” لها، وتقديم تقدير استخباراتي قومي شامل، في حين أنَّ الوحدات البحثية في الأجهزة الاستخباراتية الأخرى تقوم بوضع تقديراتٍ استخباراتية في مجالات أخرى، غير متعلقة بما يقوم به “أمان”؛ إلا إنّه في جزء منها يوجد ارتباط بين جميع المجالات البحثية في الأجهزة الاستخباراتية كافة.
  • البناء التنظيمي لجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”: بعد التطور المتسارع الذي طرأ على  أمان، تنوعت الأقسام والوحدات داخله؛ ليتمكن من مواكبة المخاطر الأمنية المتزايدة ؛ حيث تم إدخال تحديثات عديدة عليه، ويشمل جهاز الاستخبارات أمان حاليًا وحدات وأقسام عديدة تعمل في مجالات جمع المعلومات وبحثها وتحليلها، وفي مجال التطوير التكنولوجي، ومن أهم الإدارات والأقسام الاستخبارية التي تتبع مهنيًّا أو فنيًّا لجهاز الاستخبارات العسكرية ما يأتي:
  • دائرة البحوث: وهي من أهم الدوائر في جهاز الاستخبارات العسكرية؛ حيث إنها تقوم برسم الصور الاستخبارية الكاملة، وتقدم تقارير عن مختلف الساحات بما فيها الساحة الدولية والساحات المحلية، ومهمتها الرئيسة رسمُ خريطة الخصومات، وتحديدُ الفرص والسيناريوهات التي تنتظر الكيان الصهيوني، ووضع بنية تحتية للرد التنفيذي والسياسي الصهيوني على السيناريوهات المتوقعة، وتقوم بتزويد التقييمات الاستخبارية الشاملة إلى المستوى السياسي، في إطار التقييم السنوي، وكذلك في الأحداث المعقدة والحروب، التي تتطلب تكاملًا بين مواضيع عديدة: عسكرية، وسياسية، واقتصادية، وتجاه جميع الدول والمنظمات المشاركة. فقط في وحدة البحث يتم إجراء بحث عميق تجاه جميع هذه المواضيع، وتشمل دائرة البحوث خمسة قادة لساحات مركزية، وهي: الساحة الفلسطينية، والساحة اللبنانية، والساحة الشمالية الشرقية: سوريا، والعراق، وإيران، وساحة دول المنطقة والقوى العظمى، وساحة أخيرة فنية مسؤولة عمليًّا عن كل العالم، ويرأس وحدة البحوث العميد درور شلوم؛ حيث تم تعيينه في الربع الأول من هذا العام خلفًا للعميد ايلي بن مائير.
  • دائرة المُخابرات البحريةNaval Intelligence Department:  ويرمز لها بالعبرية أف أتش  / FHوتعدُّ الدائرة تابعة مهنيًا إلى جهاز الاستخبارات العسكرية أمان ويُديرها رئيسُ سلاح البحرية الصهيوني، وتعمل الدائرة على صياغة الصور، وتقديمها إلى أجهزة الاستخبارات الأخرى، وتُشارك في خلق صورة الوضع الاستخباراتي الشامل في أجهزة الاستخبارات الصهيونية، ومِن مهام الدائرة أيضًا توفير الإنذار ضد الأعمال الهجومية والحربية في البحر، وتقييم صور المخابرات العامة، والتنسيق والاتصال، وتدريب الموظفين في سلاح البحرية على مُختلف المجالات الاستخبارية.
  • وحدات المُخابرات القتالية Combat Intelligence Collection Corps: أحدث سلك استخباراتي لجيش العدو، تأسست في أبريل / نيسان سنة 2000م؛ لجمع المعلومات الاستخباراتية والقتالية، وللمُحافظة على شبكات الرصد، ويديرها العميد إيلي بولاك منذ سنة 2009م، وتتكون من وحدات عديدة، من بينها: كتيبة “النسر 414“، التي تعمل على الحدود مع قطاع غزة، وكتيبة “النورس 869التي تعمل على الحدود مع لبنان والحدود المصرية، وكتيبة “نيتسان 636التي تعمل في الضفة الغربية، ويُعد الجهاز المسؤول الأول عن وحدات الاستخبارات من مستوى الكتيبة حتى القوة بأكملها، وهو تابع مهنيًا لجهاز الاستخبارات العسكرية.
  • وحدات الاستخبارات البرية The intelligence units: وحدات استخباراتية تابعة للقيادات الإقليمية الأربعة للجيش الصهيوني: الوسطى، الشمالية، الجنوبية، والجبهة الداخلية، ومن مهامها جمع المعلومات وتهيئتها لجيش العدو.
  • وحدة الرقيب العسكري الصهيوني Israeli Military Censor: تعمل على نشر المعلومات بشأن الشبكة العسكرية وأمن الكيان العبري، ومراقبة المعلومات الصادرة من وسائل الإعلام، وحذف أجزاء منها في كثير من الأحيان، وتقوم بجميع الأنشطة والإجراءات المضادة للحرب النفسية التي تمارسها أجهزة استخبارات معادية.
  • وحدة جمع المعلومات من المصادر العلنية المفتوحة (حتساب): تتابع المصادر العلنية للمعلومات، مثل: وسائل الإعلام المختلفة، وسائل التواصل الاجتماعي، المنتديات الحوارية، وشبكة الأنترنت بشكلٍ عام، وتستنبط من خلالها المعلومات الاستخبارية وتجمعها، وتصنِّفها وتتابعها، وتقوم بإرسال هذه المعلومات إلى جهة الاختصاص الصهيونية.
  • وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة في جيش العدو (سييريت ماتكال)/ Sayeret Matkal  تأسست سنة 1957م، تتبع لجهاز الاستخبارات العسكرية، ومن مهام الوحدة: جمع المعلومات الاستخبارية، والاستطلاع في عمق الأراضي المعادية؛ للحصول على المعلومات الاستراتيجية، ومُكافحة العمليات المُسلحة، ويديرها قائد سري لم يُكشَف عن اسمه منذُ تعيينه سنة 2010م، حيث أنَّ الوحدة تُخفي أسماء مُديريها منذُ انتهاء فترة خدمة مديرها السابق العقيد هرتزل ليفي سنة 2004م، وتُعَد الوحدة هي اليد الضاربة في أجهزة الاستخبارات الصهيونية، واشتهرت بالعديد من العمليات التي نفذتها، منها على سبيل المثال:
  • تخريب محطة توليد الكهرباء والجسور في مصر سنة 1968م.
  • تخريب 14 طائرة عربية في مطار بيروت الدولي في لبنان سنة 1968م.
  • تخريب أسلاك الجهد العالي وهوائي للمراقبة والاستيلاء على رادار في مصر سنة 1969م.
  • نفذت الاستخبارات العسكرية الصهيونية، العديد من عمليات الاغتيال التي استهدفت قيادات سياسيّة وعسكرية للثورة والمقاومة الفلسطينية، ومن أهمها، اغتيال العديدة من كبار قادة الثورة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح، وخصوصاً اغتيال القادة الثلاثة لحركة فتح: الشهداء أبو يوسف النجار، كمال عدوان، وكمال ناصر بمهاجمة منازلهم في حي الفردان في العاصمة اللبنانية بيروت في 10/4/1974، وكان إيهود باراك يترأس الوحدة الخاصة التابعة لرئاسة الأركان ساييرت مطكال، في ذلك الوقت، وشارك في العملية وتخفى بملابس امرأة.
  • خطف خمسة ضباط مُخابرات سوريين سنة 1972م، عندما ترأس الوحدة ايهود باراك في 1969م.
  • محاولة قنص الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات في حرب لبنان سنة 1982م.
  • اغتيال القائد الفلسطيني الراحل الشهيد خليل الوزير أبو جهاد في تونس سنة 1988م.
  • اختطاف أحد قادة حزب الله الشيخ عبد الكريم عُبيد في لبنان سنة 1989م.
  • اختطاف القائد في المقاومة اللبنانية، وزعيم حركة أمل الإسلامية، المنشقة عن حركة أمل اللبنانية الحاج أبوعلي مصطفى الديراني في لبنان سنة 1994م، بسبب دوره في اعتقال الطيار الصهيوني رون أراد، ومحاولة الحصول منه على معلومات، حول مصير هذا الطيار، الذي فقدت أثاره منذ أواخر الثمانينات.
  • جمع عينات من التربة السورية لقصف المفاعل النووي السوري سنة 2007م.
  • وحدة الحرب النفسية: تشكلت هذه الوحدة لتخدم أهداف الجيش الصهيوني؛ والقيام بمهام استخبارية هجومية، تهدف إلى كَيِّ وَعْيِّ العدو والخصم، وتثبيط وكسر معنوياته، ونشر الدعاية الصهيونية المضللة والإشاعات داخل صفوف من تصفهم الدولة العبرية بـ الأعداء، وصودق لها مؤخرًا بإضافة عشرات الكوادر الجديدة، وذلك في إطار تطبيق توصيات الحرب الأخيرة على قطاع غزة واستخلاصاتها، كما وقام وزير الدفاع السابق موشي يعلون بمنح الوحدة مكانة قسم، وجعل على رأسها ضابط استخبارات برتبة عقيد، وتخضع وحدة الحرب النفسية مباشرة لشعبة العمليات في هيئة الأركان؛ ولكن الموجه المهني فيه هو جهاز الاستخبارات العسكرية أمان.
  • فيالق الاستخبارات الصهيونية The Israeli Intelligence Corps:تأسست سنة 1976م بعد هزيمة العدو الصهيوني والمُخابرات الصهيونية في حرب أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1973م البطولية المجيدة، ويدير هذه الفيالق العميد أرئيل كارو منذُ سنة 2009م، وتُعرف باسم هامان  Hamanوتتبع لِمُديرية الاستخبارات العسكرية لجيش العدو، وتعمل على جمع المعلومات وتهيئتها لهيئة الأركان الصهيونية العامة والأجهزة الاستخبارية الأخرى، ويُشارك أفرادها في الاستخبارات المُضادة، وتقديم التقديرات العامة، وتحذير القيادات السياسية والعسكرية في الوقت الحقيقي للحرب، فضلًا عن كشف النشاطات المُضادة للكيان الصهيوني.

وتشمل الفيالق:

  1. فيلق الاستخبارات البشرية وحدة 504: تم تأسيسها عام 1949م برئاسة دافيد كارون، وكانت تسمى حينها بـاستخبارات 10، ورقمها 154، وتعتبر الوحدة 504، أو المعروفة حديثًا، باسم: فيلق الاستخبارات البشرية من أكثر الوحدات سريّة في الجيش الصهيوني، وهي من وحدات جهاز الاستخبارات التابع للجيش أمان، وتم تشكيلها لتعمل في المناطق الحدودية؛ من أجل تجنيد سكان الحدود في المناطق المختلفة، والتعرف على تطورات الأوضاع فيها، ويراوح النشاط السري للوحدة بين محورين، وهما:
  2. تجنيد واستعمال عملاء في أراضي الضفة الغربية وفي الدول المحاذية لفلسطين المحتلة، مثل لبنان، ومصر، وسوريا، والأردن.
  3. التحقيق مع الأسرى في الحياة العادية وفي الحرب.
  4. تقاسم العمل مع جسمي جمع المعلومات الآخرين: الموساد، والشاباك جغرافيًا، فالموساد يعمل في أماكن أبعد، والشاباك في أماكن أقرب، وتعمل الوحدة 504 في منطقة الوسط، وتشترك مع جهازي الشاباك والموساد في طريقة ووسيلة جمع المعلومات التي تعتمد بالدرجة الأولى على العنصر البشري اليومنت، بخلاف بقية وحدات أمان التي تعتمد على وسائل مختلفة، ويرأس هذه الوحدة ضابط برتبة عميد، ويُسَمّى الضباط العاملون في هذه الوحدة كَتَميم: ضباط للمهمات الخاصة؛ ويتم تأهيل هؤلاء الضباط في مساريْن بحسب المهام حيث إن جزءًا من الضباط يُؤهَّل لمهام تشغيل العملاء، والآخرين يُؤهلون لمهام التحقيق مع الأسرى.
  5. مهام فيلق الاستخبارات البشرية 504 :
  6. التحقيق مع الأسرى: يتم الحصول على المادة الاستخبارية التي يجمعها المحققون من الأسرى في أثناء القتال، بخلاف مستعملي العملاء، ويكون معظم جهد الوحدة وقت القتال في مجال التحقيقات الميدانية؛ لصعوبة استعمال العملاء في هذه الأوقات من جهة، ولعِظَم حجم المعلومات وأهميتها التي تُستَخلَص من الأسرى أثناء القتال من جهةٍ أخرى، والمعلومات التي يستخرجها المحققون من الأشخاص الذين يعتقلهم الجنود الصهاينة في مناطق المعارك، يمكنها أن تغير خطط الهجوم أو الدفاع الصهيونية، وتتم التحقيقات في الميدان، وغالباً في بيوتٍ يسيطر عليها الجيش الصهيوني تحت إطلاق النار أحيانًا، وإذا كان الأسير مُطَّلِعًا على معلومات استخبارية محتملة يُنقل للتحقيق معه في داخل الكيان أو إلى أماكن أكثر أمنًا.
  7. تجنيد العملاء: تعكف وحدة “504على تجنيد العملاء واستخدامهم في نطاق عملها في المناطق الحدودية، التي تشترك فيها حدود الكيان الصهيوني مع عدد من الدول العربية الشقيقة، ويعتبر جنوب لبنان بشكلٍ خاص، ولبنان بشكلٍ عام، من أبرز المناطق التي نشطت فيها وحدة “504في تجنيد العملاء. وكانت هذه الوحدة حتى وقتٍ قريبٍ تدير العملاء وتستخدمهم في جمع المعلومات عن حزب الله والمقاومة والفصائل اللبنانية والفلسطينية في لبنان.

ويعتبر مسؤولو فرع التحقيق في الوحدة، أنَّه: لا بديل عن اللقاء الشخصي في عمل جمع المعلومات الاستخبارية، وإنَّ استعمال العملاء والتحقيق مع الأسرى في الميدان هما أساسا جمع المعلومات البشرية السرية الميدانية، ويوجد الكثير من المجسات في المجال؛ لكن “اليومنت” هو الذي يعطي الصبغة والرائحة آخر الأمر، وأنت تستطيع بالاتصال بالشخص فقط أن تعرف أشياء ليس من المحتمل أن تعرفها بالجمع التقني للمعلومات، وكان هذا الإدراك موجودًا دائمًا.

  • وحدة النخبة التكنولوجية: تُعتبر هذه الوحدة المعروفة باسم الوحدة “8200، من أشهر الوحدات الخاصة التي شكلها الجيش الصهيوني، وتعتبر أحد أهم نقاط التسلل الصهيوني إلى عالم التكنولوجيا الرفيعة والمتطورة هاي تيك، وتعتمد الوحدة على عدّة أنواع من العمل في المجال الاستخباري وهي: الرصد، والتنصت، والتصوير، والتشويش، وتهتم بجمع المعلومات الالكترونية واللاسلكية، ويتطلب هذا النوع من المهمات وسائل تقنية متقدمة، وتتصدر خط الجبهة الإلكترونية للعدو الصهيوني، وتزوِّد متخذي القرار في الكيان الصهيوني بالمعلومات القيِّمة التي يحتاجونها، وأنشأ مؤسسوها الكثيرَ من الأقسام والوحدات الالكترونية الرديفة العاملة في مجال حماية المعلومات وشبكات الاتصال، وكان الهدف من تأسيسها تتبع المقاومة الفلسطينية وتحركات المقاومين، من خلال التنصت وتقنيات التجسس الإلكتروني؛ وتطور عملها مع تطور وسائل التكنولوجيا في العالم والتوسع الذي يشهده في مجال التكنولوجيا الرقمية؛ واستقطبت الدولة العبرية العديد من المؤهلين في المجال المعلوماتي والرقمي، وضمتهم إلى صفوف هذه الوحدة، واهتمت الوحدة بالطلاب الصهاينة الذين لديهم قدرات خاصة في القرصنة والحوسبة، واعتنت بهم حتى وصولهم إلى الوحدة والعمل فيها، وأصبح خريجوا وحدة “8200” رديفًا لكلمة عبقري، وأصبحت الخدمة فيها جوازَ سفرٍ للشبان الصهاينة؛ ليصبحوا من أصحاب الملايين؛ بسبب استيعابهم في شركات التقنيات الرائدة، أو بفعل قيامهم بتدشين شركات. ومنذ ثلاثة عقود دشن جهاز «أمان» الذي يعتبر أكبر الاجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، قسمًا متخصصًا في مجال التجسّس الالكتروني، سُمّي «الوحدة 8200». وقد اعترف الجنرال المتقاعد أوري ساغي، الرئيس السابق لجهاز «أمان» بوجود هذه الوحدة، اعتبرها: من أهم الوحدات الاستخبارية في الدولة العبرية. وقال إنَّ: اهداف هذه الوحدة تتلخص في المساهمة في تقديم رؤية استخبارية متكاملة مع المعلومات التي توفرها المصادر البشرية القائمة على العملاء. ويقوم مجمع الصناعات العسكرية الصهيونية الذي تملكه حكومة العدو، بتطوير أجهزة إلكترونية، بناءً على طلبات خاصة من مسؤولي الوحدة التي يقودها ضابط كبير برتبة عميد.
  • أهمية الوحدة: معظم التقارير الصادرة عن طبيعة العمل، والدور الذي تقوم به وحدة 8200، التابعة لاستخبارات العسكرية الصهيونية أمان، جعل الكيان الصهيوني ثاني أكبر دولة في مجال التنصت في العالم، بعد الولايات المتحدة، وتوازي هذه الوحدة نظيرتَها في الولايات المتحدة الأمريكية “وكالة الأمن القومي”، وإنَّ التقدم الهائل الذي حققته الدولة العبرية في مجال صناعة التقنيات المتقدمة قد وُظِّف بشكل كبير في تطوير عمليات التنصت التي تقوم بها الوحدة وتوسيعها.
  • أبرز مهام هذه الوحدة: التنصت على الهواتف، الفاكسات، والتسلل إلى الحواسيب، واعتراض الوسائط الرقمية، وحل الألغاز، وقتال السايبر، وسأقوم بتفصيل بعض هذه المهام لخطورتها.
  • التنصت: تشرف الوحدة “8200” على محطات تنصت عديدة، شمال فلسطين وجنوبها، ويُعدُّ التنصت على أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية من المهام الأساسية لها، فالهواتف الأرضية والنقالة، وأجهزة اللاسلكي يتم التنصت عليها بشكل دائم، الذي يساعد الوحدة على أداء مهمتها بشكل تام، ولا يقتصر التنصت على فلسطين المحتلة والدول العربية المجاورة فقط؛ بل يمتد لدول عديدة بعيدة جغرافيًا عن الكيان الصهيوني. وتعمل وحدة “8200” بشكلٍ وثيق مع وحدة سييرت متكال، وهي الوحدة الخاصة الأكثر نخبوية في الجيش الصهيوني، التي تتبع مباشرة لرئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، وبالإضافة إلى تخصصها في تنفيذ عمليات الاغتيال التي تتم في العالم العربي، فإنَّ سييرت متكال تلعب دورًا مركزيًّا في جمع المعلومات الاستخبارية عبر زرع أجهزة تنصت وتصوير، بناءً على تنسيق مسبق مع وحدة “8200”، وتوجد أكبر قاعدة تجسس وتنصت على مستوى الشرق الأوسط شرق قطاع غزة، على بعد 16كيلو متر عند الحدود مع القطاع.
  • المتنصت: وظيفة مهمة في وحدة “8200” وهي للذكور والإناث، وتتطلب مزيجًا من إتقان اللغة العربية، والقدرة على التحليل، والمتنصت أول من يتلقى المعلومة، وهو المسؤول عن تحديد قيمتها الاستخبارية، هل ستصبح معلومة استخباراتية أم لا ؟، ويمتلك المتنصت الجيد طلاقة في اللغة العربية، ويؤدي وظيفة المتنصت في أجهزة استخبارات بلدان مختلفة حاملو الشهادات الجامعية؛ ولكن الجيش الصهيوني هو الجيش الوحيد في العالم الذي يُدرِّب جنودًا صغار السن لتأدية هذه الوظيفة، ضمن جهاز استخباراتي عالي التكنولوجيا. وقدرات هذه الوحدة المتقدمة في مجال التنصت قديمة، ودلت الوثائق الجديدة التي كشف عنها مخزن الأرشيف الرسمي الصهيوني بمناسبة مرور أربعين عامًا على حرب أكتوبر / تشرين أول 1973م المجيدة، أنَّ الوحدة مسؤولة عن الوسائل الخاصة، التي تتضمن زرع أجهزة تنصت في مكاتب ومرافق حيوية في عمق البلدان العربية، خصوصًا البلدان التي تكون في حالة عداء مع الكيان الصهيوني.
  • الاختراق الإلكتروني هيئة السايبر: حدد عام 2009م رئيس هيئة الأركان الصهيونية في حينها الجنرال غابي إشكنازي الفضاء السبراني أنه فضاء حرب إستراتيجي وعملياتي هام للدولة العبرية، وأُنشِئَت لاحقًا هيئة السايبر التابعة للجيش الصهيوني؛ لتشكِّل مكتب تنسيق تابع لهيئة الأركان العامة، مهمته التنسيق، وتوجيه أنشطة الجيش في المجال السبراني، وأنشئ المكتب داخل الوحدة “8200”.

وقتال السايبر هو سلسلة من الأعمال يقوم بها الأفراد والمنظمات والدول، والمنظمات فوق دولية، وهدفها مهاجمة أو إلحاق ضرر بحواسيب العدو، ومنظومات المعلومات لديه، ويمكن أن يكون لمثل هذا الهجوم هدفان أساسيان: الحصول على معلومات وإلحاق ضرر بالحواسيب ومنظومات المعلومات، يُحدِث رد فعل متسلسل ويمس بالبنى التحتية الاستراتيجية أو غيرها.

وتمثل هيئة السايبر في وحدة “8200” الأنشطة الهجومية، بينما تمثل هيئة السايبر في الشاباك الأعمال والأنشطة الدفاعية الهادفة للتحصين ومنع هجمات السايبر المعادية، وتُعدُّ الجهود المشتركة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني للمس بالبرنامج النووي الإيراني مثالًا على هذا القتال، وكانت ذروة هذه الجهود، برنامج فيروس فتاك لُقِبَ بـ ستوكسنت، أُدخِلَ إلى منظومات حواسيب موقع لتخصيب اليورانيوم في ناتانز في إيران عام 2010م، وكان البرنامج والحملة مشروعًا مشتركًا للمخابرات الصهيونية الموساد والأمريكية  NSAوكلف رئيسا وزراء العدو أرئيل شارون، وإيهود أولمرت الجنرال مائير داغان الذي ترأس الموساد لثماني سنوات بتنسيق الجهود الصهيونية؛ من أجل إحباط وتشويش وإبطاء البرنامج النووي الإيراني؛ وقد سرَّبَّ إدوارد سنودن موظف الـ NSA وثائق كشفت أنَّ وحدة “8200”، هي الجهة الإسرائيلية التي كانت مسؤولة عن الفيروس، وحسب وثائق “سنودن” : يجري بين الوحدتين تعاون وثيق للغاية، نص عليه في اتفاق وقع قبل بضع سنوات وعمق العلاقة بينهما، وازداد التعاون في العقد الأخير.

  • 3-    شعبة المعلومات الصورية visnit وحدة 9900: تختص بتحليل الصور، ووضع الخرائط والاستخبارات القائمة على معلومات ضوئية متوقعة، وتشمل الوحدة 9900 العوالم الجغرافية، والضوئية القائمة في جهاز الاستخبارات التابع للجيش الصهيوني أمان؛ وتضم عدة أقسام متخصصة في مجال عملها، وتعمل أيضًا في مجال خلق حالة من تراكم التكنولوجيا، ويخدم فيها مئات الجنود، وبقيت هذه الوحدة طيلة السنوات الماضية بعيدة عن أعين الإعلام مختفية في ظلال المنطقة الرمادية الواقعة بين المعلوم والسري، ولم تكشف النقاب سوى عن النذر اليسير من نشاطاتها، وطرائق عملها، وتعدُّ بالنسبة للعاملين في مجال جمع المعلومات ومجالات التكنولوجيا والأجسام القيادية المتخصصة عالمًا مصغرًا قائمًا بذاته، ويختص هذا العالم بجمع المعلومات الضوئية القادمة من مصادر متنوعة، مثل: الأقمار الصناعية، وطائرات المراقبة، والاستشعار، إضافة إلى المعلومات الظاهرة والمعروفة للجميع “المنشورة”؛ ليقم بعدها بنقل وتحويل رؤيته الاستخبارية وتنبؤاته لمتخذي القرارات في الكيان الصهيوني والقوات العاملة في الميدان، وتتكون الوحدة 9900 من عدة وحدات وأقسام، وهي :
  • مركز المعلومات المتخصص: يعنى بدراسة المعلومات وتحليلها، وجمع المعلومات الميدانية؛ لتشكيل صورة تنفيذية واعية ومدركة، تشمل أعمال تحليل محاور المواصلات، وجمع معطيات ميدانية، والخروج بفهم وإدراك جوهري لطبيعة التهديدات، ويعرف “محللو” الوحدة كيفية تشخيص أنواع الوسائل القتالية من خلال الصور الجوية، وتصل المعلومات التي تخضع للتحليل عبر مجسات فضائية، ونقاط رقابة أرضية، ومجسات جوية داخل الطائرات التي تعمل بنظم المعلومات الجغرافية GIS، فيما يتم استخلاص جزء كبير من المعلومات من خلال دراسة وتحليل معلومات غير سرية ومكشوفة.
  • وحدة الخرائط وتحليل المعلومات: متخصصة برسم الخرائط للعمليات التنفيذية، وبقية احتياجات الجيش الصهيوني.
  • وحدة الأقمار الصناعية: مسؤولة عن أقمار التجسس الاصطناعية، وتستخدم جميع إمكانيات هذه الأقمار ووظائفها، لخدمة الأقسام والجهات التي تحتاج إلى معلومات فورية، تبدأ من لحظة إطلاق النار أو الصواريخ.

ويقف مشروع “نبني العوالم” وراء واحد من التطويرات المركزية التي شهدتها الوحدة، ومنحها جائزة من رئيس أمان لعام 2014م، وهي الجائزة الأولى التي تمنح بفضل الرؤيا والإنجاز، وأطلق على المشروع إسم “نبني العوالم”، ويقوم على رؤية ربط عالم الخرائط، وتحليل المعلومات، وإنتاج نموذج يسمح باستخدام نظارات واقعية من طبقات، مثل: نظارة غوغل؛ بهدف تزويد القوات الميدانية بمعلومات استخبارية في الوقت الحقيقي على خلفية صورة من الواقع الميداني، ما يسمح للقوة العسكرية برؤية ما يوجد داخل مبنى أو منزل، ويتم تحديد الجنود بإشارة معينة، والعدو بإشارة أخرى؛ للتمييز بينهما، كما يمكن للجنود تلقي أكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بطبيعة المنطقة؛ وهذه التكنولوجيا تسمح حاليًا للجنود بالاستعداد قبل الخروج لتنفيذ عملية، وقبل وصولهم إلى الميدان.

ويُعدُّ جهاز أمان هيئة عسكرية، تقدم خِدْمات استخباراتية، وتتمثل صلاحية وجوده الأساسية في مساعدة الجيش الصهيوني في تنفيذ مهامه؛ وبفضل قدراته الكبيرة في مجال جمع المعلومات، فإنه يقوم بتنفيذ مهام وطنية خارج إطار الجيش؛ لمساعدة القيادتين السياسية، والأمنية الصهيونية للقيام بمهامهما.

ثانياً: جهاز المخابرات العامة (الشاباك أو الشين بيت)

تتألف تسمية الشاباك بالعربية اختصارا من اجتماع الأحرف الأولى للاسم العبري “شيروتي بتحون كلالي”، الذي يعني “خدمة الأمن العام” واختصاره بالعبرية “شين بيت”.

يوصف (الشاباك) بأنه هيئة أمنية قومية مستقلة بذاتها، ويتشابه مع الجيش الصهيوني في كونه مسؤولًا عن الحفاظ على أمن “الدولة” في مواجهة التهديدات السرية، وعلى هذا الأساس فإنّه يُعدّ هيئة استخباراتية قومية نظرًا لامتلاكه قدرات في مجال جمع المعلومات والبحث والعمليات الاستخباراتية التي تساعد معظم أجهزة الاستخبارات الصهيونية الأخرى، ويتلخص دوره في الحفاظ على أمن الدولة العبرية، واستقرار النظام ومؤسساته المختلفة، في مواجهة التهديدات والمخططات المختلفة التي تتعرض لها، والحفاظ على أسرارها العليا، والعمل على تحقيق المصالح “الوطنية الحيوية” الأخرى للأمن القومي الصهيوني، وفق ما تحدده الحكومة، التي يخضع لسلطتها ويتبع لرئيس الوزراء الصهيوني مباشرة.

  • إنشاء جهاز الأمن العام: تم يوم 18 شباط 1949م إضفاء الصفة الرسمية على (جهاز الأمن العام الشاباك)، ولكن استمر التكتّم على وجوده حتى عام 1957م، ويُعدُّ جهاز (الشاباك) جزءًا مهمًّا من المنظومة الأمنية الصهيونية، ويتبع مباشرة لسلطة وأوامر رئيس الوزراء الصهيوني، وحددت مهامه الرسمية تحت عنوان واسع وهو: (حماية الدولة من المؤامرات والتآمر الخارجي، وحماية أمنها الداخلي).
  • مهام جهاز الأمن العام: وكانت المهام التي كُلف بها الجهاز عند تأسيسها هي كالآتي:
  • مكافحة التجسس الذي تمارسه قوى خارجية.
  • مكافحة التجسس والمؤامرات السياسية.
  • المسؤولية عن حماية أمن المؤسسات، والمنشآت الحيوية للدولة، وممثلياتها في الخارج، وتأمين الأشخاص والمعلومات والأماكن وفق ما تحّدده الحكومة.
  • إحباط ومنع الأعمال غير القانونية، التي تهدف للإضرار بأمن الدولة، واستقرار النظام الديمقراطي ومؤسساته المختلفة.
  • تحديد المعلومات السرية الأمنية المتعلقة بالمناصب والوظائف العامة في مختلف الهيئات، وتنفيذ عمليات الفحص والاستقصاء الأمني السرية.
  • إجراء أبحاث استخباراتية وإعطاء استشارات وتقديرات للحكومة وللهيئات الأخرى التي تحدّدها الحكومة.
  • العمل في مجالات أخرى تحدّدها الحكومة، وذلك بموافقة (لجنة الكنيست لشؤون الخدمات)، والتي تم تشكيلها للعمل على تحقيق المصالح الحيوية للأمن القومي للدولة.

وكان جهاز الأمن العام (الشاباك) منتشرًا في جميع أنحاء الكيان الصهيوني، وعمل فيه بضع مئات من المستخدمين، ومنهم: ضباط استخبارات ميدانيون، ومحققون، ورجال عمليات، ومتنصّتون، ومحللون للمعلومات الاستخبارية، وخبراء التكنولوجيا، وأفراد الإدارة، وضباط أمن وحراس، وتمحورت نشاطات جهاز الأمن العام خلال عقدَي الخمسينيات والستينيات حول إحباط المخططات الإرهابية، والمؤامرات السياسية في الوسط اليهودي، والتصدي لمحاولات التجسس الأوروبي الشرقي والعربي، ودعم الحكم العسكري الذي كان مفروضًا آنذاك على المواطنين الفلسطينيين العرب في الدولة العبرية، ويتركز عمل جهاز الأمن العام في الحفاظ على أمن دولة الكيان، وحماية مؤسساتها من أي تهديد معادٍ، أو أعمال تخريب، أو تجسس؛ تؤدي إلى كشف أسرار الدولة، كما يقوم بالحفاظ على المصالح الرسمية لدولة الكيان، لا سيما الحيوية، منها وكل ما يتعلق بالأمن القومي للكيان، وَفقًا لما حددته القوانين الحكومية، وتتلخص أهم الأدوار والوظائف الأساسية فيه وفقاً للمهام المحددة إليه قانوناً بالآتي:

  • إحباط أي عمل مقاوم أو معادٍ يهدف إلى المس بأمن الكيان ومؤسساته المختلفة.
  • جمع المعلومات وتحليلها بغرض تنفيذ المهام الموصى بها لخدمة مصالح الكيان.
  • توفير الحماية للشخصيات المهمة في دولة الكيان.
  • توفير الإجراءات اللازمة لحماية الجهات التي تحددها الحكومة.
  • المراقبة والحماية: مراقبة الإجراءات الأمنية المتعلقة بالمنشآت الاستراتيجية في الدولة، مثل: طائرات الركاب، والمطارات، والسفارات الصهيونية في الخارج، وحماية المعلومات الأمنية والسياسية.
  • الموافقة الأمنية: منح الموظفين العموميين والعاملين في القطاع العام التصنيف الأمني؛ استنادًا لقرارات الحكومة المتعلقة بكل وظيفة وشخصية.
  • تجنيد مصادر المعلومات كافة وتشغيلها، سواء من خلال العناصر البشرية، أو من خلال وسائل التكنولوجيا المختلفة؛ بهدف الحفاظ على أمن الكيان.

يعمل ” الشاباك” وفقاً لنظامين (جغرافي وتخصصي) ويتكون جهاز الشاباك جغرافياً من ثلاث مناطق:

  • منطقة القدس والضفة الغربية: وهي أكبر منطقة في جهاز (الشاباك)، ومتخصصة بإحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من المناطق المذكورة.
  • المنطقة الشمالية: وهي مسؤولة عن مكافحة العمليات السرية والتنظيمات السرية المعادية في المنطقة، وقد تسلَّمَ (الشاباك) مسؤوليةَ منطقة لبنان بالتعاون مع جهات استخبارية أخرى خلال الاحتلال الصهيوني للبنان منذ العام 1982م حتى الانسحاب عام 2000م.
  • المنطقة الجنوبية: وهي ثاني أكبر منطقة في الشاباك وتقع قيادتها في مدينة عسقلان/ المجدل المحتلة عام 1948، ومسؤولة ضمن أشياء كثيرة منها القسم الجنوبي من الأراضي المحتلة عام 1948 م ومسؤولة أيضاً عن إحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة.

أقسام جهاز الشاباك (المتخصصة): ويضم جهاز الشاباك أقسام متخصصة عديدة، وهي:

  • القسم العربي: وهو أكبر أقسام الشاباك، والمسؤول عن اكتشاف خلايا ومنظمات معادية داخل المجتمع الفلسطيني العربي في الداخل الفلسطيني المحتل.
  • قسم مكافحة التجسس ومنع الاختراقات: ويعرف أيضًا باسم (القسم اليهوديأو (القسم غير العربي)، وتراجع حجم هذا القسم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي؛ كونه متخصصًا بمكافحة التجسس اليهودي عمومًا، وخلال الحرب الباردة خصوصًا.
  • قسم الحماية: ويضم الوحدة الرسمية لحماية الشخصيات والوفود، والمسؤولة عن حماية الشخصيات، والمطارات، وطائرات الركاب، والسفارات الصهيونية.
  • قسم التحقيقات: مسؤول عن التحقيق مع المعتقلين داخل أقبية التحقيق الخاصة بالجهاز.
  • القسم التكنولوجي: مسؤول عن تطوير وسائل تكنولوجيا لمكافحة “الإرهاب”، وجمع المعلومات.
  • قسم الهيئة الحكومية لحماية المعلومات: والمعروفة باسم (رام)، وأقيمت بناء على قرار حكومي صدر عام 2002م، وترتبط مباشرة بجهاز (الشاباك)، وتمتلك صلاحية توجيه الأوامر والتعليمات لهيئات وجهات تمتلك منظومات معلوماتية حساسة، مثل: مكتب رئيس الحكومة، ووزارة المالية، ووزارة الداخلية، والبنك المركزي الصهيوني، وتتركز مهام جهاز (الشباك) على الصعيد القومي لدولة الكيان وليس على قطاعات الداخلية فحسب، ويمكننا من خلال التمعن بالمهام السابقة معرفة القدرات البارعة التي يتمتع بها (الشباك) في مجال جمع المعلومات، وتنفيذ المهام التي تساعد أمن الكيان وتدعمه.
  • ضباط (الشاباك) ومنسقوه: يقوم (الشاباك) ويستند أساسًا على الأكتاف العريضة (للمنسقين)، المنشغلين طيلة وقتهم في تجنيد العملاء وتشغيلهم، ورسم الصورة الاستخبارية الكاملة، المكونة من حجم كبير من المعلومات، ويشكل (المنسقون) الذين يشترط فيهم إتقان اللغة العربية، وهم (عيون الدولة العبرية) في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وغور الأردن، والحدود المصرية، والإعداد المهني لمنسقي (الشاباك) ومشغلي العملاء والجواسيس يمر بمراحل عديدة، تبدأ بترشيحهم وتوزيعهم على مختلف الأعمال والأقسام بحسب قدراتهم ومجالات إبداعهم؛ وبسبب أهمية أجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات لدى الكيان الصهيوني، فإنها تهتم باستثمار مختلف مقدرات الدولة وتوظيفها في خدمة أجهزة الاستخبارات، سواء على صعيد الإعداد، أو توفير ما يلزم من إمكانيات؛ حيث يخضع الملتحقون بـ (الشاباك) لدورات تدريبية وتأهيلية مرهقة جدًا ومتقدمة، من بينها دورات في علم النفس، وتبدأ مراحل تعليمهم داخل معهد تابع لمدرسة (ألسُن) لـ (الشاباك)، المُقام منذ أكثر من 50 عامًا، وفيه يتعرفون على ثقافة العرب جيدًا، من أمثال وحكم وما شابه؛ لكي يستخدموها مع العرب خلال تجنيدهم للعمل لصالح (الشاباك)، وتبدأ المرحلة الأولى في المعهد بتكثيف تعلم اللغة العربية، ويستطيع المتدرب في نهايتها إدارةَ حوار باللغة العربية مع رجل أعمال عربي، أو مع مزارع بسيط، وفي المرحلة الثانية من التأهيل التي تستمر عشرة شهور، يتم توزيعهم على مناطق مختلفة بمرافقة معلم، ويتم منح المتدرب لقبًا ليتمكن من إدارة محادثاته مع الجواسيس والعملاء الآخرين، وكذلك داخل جهاز(الشاباك) نفسه، وفي الأغلب تكون الألقاب عربية، ويصحبهم مدرب إرشادي ليساعدهم على فهم المنطقة والتغلب على تحدياتها، فكل عنصر يرافقه معلم خاص لتعليمه الثقافة العربية والإسلامية، ويُطالب المتدرب باحترام الدين الإسلامي ومراعاة الثقافة الإسلامية؛ حتى يستطيع التأثير على من يريد تجنيده، ويتعلمون اللغة العربية بجميع لكناتها، كما يتعلمون لغات أخرى متعددة، بالإضافة إلى تعلم علوم الشرق والقرآن الكريم.

ورغم أنَّ (الشاباك)، هو أصغر الأجهزة الاستخبارية في الكيان الصهيوني ؛ إلا إنَّه من أكثر الأجهزة الأمنية الصهيونية حضورًا وتأثيرًا على عملية صنع القرار السياسي والعسكري في الكيان الصهيوني، ولا يمكن مقارنة تأثيره الطاغي بتأثير أي جهاز أمني صهيوني آخر، خاصة عندما يتعلق الأمر في منطقة اختصاصه، سواء في قطاع غزة، أو الضفة الغربية، أو الداخل الفلسطيني المحتل، ويوصف (الشاباك)، بأنه هيئة أمنية قومية مستقلة بذاتها، ويتشابه مع الجيش الصهيوني في كونه مسؤولًا عن الحفاظ على أمن الدولة العبرية في مواجهة التهديدات السرية؛ إذ إن أساس أنشطته هي “السرية”، ويعد هيئة استخباراتية قومية؛ نظرًا لامتلاكه قدرات في مجال جمع المعلومات، والبحث، والعمليات الاستخبارية التي تساعد معظم أجهزة المخابرات الصهيونية الأخرى.

ثالثاً: فرع الاستخبارات في الشرطة الصهيونية:

في أعقاب العدوان على العراق سنة 2003م، أوصت اللجنة الأمنية الصهيونية بإعادة هيكلة الأجهزة الاستخبارية، وتوزيع العمليات عليها، فكان من مهام فرع الاستخبارات في الشرطة الصهيونية جمع المعلومات وتحليلها، والعمل بصورة مكثفة في المناطق المُضطربة مع حدود الضفة الغربية، بالإضافة إلى دوره الرئيس في (مُكافحة الأنشطة المعادية، وتنفيذ أهداف الشرطة في مكافحة الجريمة وحماية النظام العام)؛ حيث يعد فرع استخبارات الشرطة، أو مباحث الشرطة، مسؤولًا عن بلورة صورة استخبارية كاملة، وترفع إلى هيئة قيادة الشرطة، وبذلك فإنها تلعب دورًا بارزًا في إحباط، وكشف النشاطات الأمنية والأعمال الجنائية.

  • أقسام فرع استخبارات الشرطة الصهيونية: ويشمل فرع استخبارات الشرطة داخل الشرطة الصهيونية العديد من الأقسام، أهمها:
  • قسم الأبحاث: يحمل مسؤولية إعداد صورة الاستخبارات وتوزيعها، وتقديرات الاستخبارات والتوقعات المستقبلية في مجال الإجرام، والأمن اليومي والنظام العام، كما يعمل في البحث الاستراتيجي التطبيقي، الذي يهدف إلى التشخيص، والإشارة إلى التوجهات، والعثور على التهديدات الأساسية التي تواجه الشرطة، من خلال توجيه التجميع لردم فجوات في المعلومات، وتستعمل بنية البحث التحتية في تنظيم قاعدة لتعيين السياسة في مجال بناء القوات، وتخصيص الميزانيات مقابل التفضيل والنشاطات العملية اليومية.
  • مركز الأمان – قسم الاستخبارات: وظيفة مركز الأمان (قسم الاستخبارات) تحضير صورة استخبارية يومية في زمن حقيقي في مجالات النشاط الفدائي المعادي والنظام العام، بما في ذلك توزيع تقرير يومي لتلخيص أحداث اليوم الماضي والتوقعات الاستخبارية للزمن القريب، ويتحمل القسم المهامَ الخاصة والمسؤولية الكاملة لتطوير وإدارة العلاقات الاستخبارية الخارجية لشرطة الكيان الصهيوني مع سلطات وعناصر تطبيق القانون الأجنبية، والتنسيق الإداري في المجال الخارجي لوحدات الشرطة الصهيونية الأخرى، والتنسيق العملي مع جهات في خارج البلاد وشرطة الكيان الصهيوني في مجال عمليات الكشف والتحقيق، كذلك يحمل مسؤولية بلورة سياسة تبييض الأموال، وتوجيهات العمل لجهاز ضباط الحجز في الألوية وتنفيد التعميمات في الممرات الحدودية.
  • قسم الجمع والتكنولوجيا: يتحمل المسؤولية القيادية في تشغيل وسائل الجمع، والمصادر، والعملاء، والتنصت السري، والمراقبة الفنية، والشرطة السرية، والمتابعة، والاستخبارات ومصلحة السجون، كما يقوم بالتوجيه المهني لوحدات الشرطة السرية والجمع، وتطور وسائل تكنولوجية وأساليب عمل متطورة في جهاز الشرطة السرية والجمع.

رابعاً: مركز البحوث السياسية The Centre for Political Research “مماد“:

ويُعرف اختصارًا باسم (ACPR)، ويُعدُّ المركز فرعَ المُخابرات في وزارة الخارجية الصهيونية، ويعمل في مجالات تقدير المواقف السياسية فقط في ضوء ما يصله من معلومات أمنية واستخبارية وسياسية من المكاتب والقنصليات التابعة له في مختلف عواصم العالم، وهو جهاز صغير نسبيًّا، مقارنةً بمراكز الأبحاث التابعة لجهازي (الموساد) و(أمان)، ويتم الاستفادة من أبحاثه في مجال العمل الدبلوماسي الذي تضطلع به وزارة الخارجية، ومع ذلك فإن العاملين فيه وممثليه يشاركون في أحيان كثيرة في اجتماعات الحكومة؛ لتقدير المواقف الأمنية، ويقدمون توصياتهم ومقترحاتهم في مختلف القضايا التي تخص دولة الكيان.

ومن مهام المركز الدعاية ونشر الإعلانات الداعمة للكيان الصهيوني في الصحف العالمية والأمريكية، كما يعمل على إنتاج الأفلام الوثائقية، ونشر الكُتب، وتنظيم المؤتمرات العالمية التي تحمل عناوين (مكافحة الإرهاب) و(التطرف الإسلامي).

تم تأسيس جهاز داخل المركز سمي بـــ (كمان)، معظم العاملين فيه من النساء، ولديهنَّ مهام تشابه مهام عميلات (الموساد)؛ وما يختلف أنَّ معظم النساء العاملات في الجهاز هنَّ من عالم السياسة وديبلوماسيات، ويملكن شبكة علاقات واسعة مع مسؤولين سياسيين وعسكريين وأمنيين ودبلوماسيين ومعارضين من العرب ومن دول أجنبية كثيرة، ولعب (كمان) دورًا مهمًّا في توطيد العلاقات بين الكيان الصهيوني ودول العالم في أوروبا وآسيا بصفةٍ عامة، وفى إفريقيا بصفةٍ خاصة، ولعب دورًا في عقد محادثات بين السياسيين الصهاينة ونظرائهم العرب والأفارقة خلال العشر سنوات الماضية.

خامساً: مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة أو جهاز استخبارات المهام الخارجية – الموساد:

يعد (الموساد) هيئة استخباراتية قومية صهيونية، ويختلف عن (أمان) في كونه هيئة مستقلة بذاتها، ويختلف عن (الشاباك) في كون مهامه ليس بها مسؤوليات محددة فيما يتعلق بالأمن القومي الصهيوني ؛ وتتمثل مسؤوليته في كونه ذراعَ عمل سري خارج الكيان الصهيوني، وتنفيذ مهام تلقى على عاتقه من جانب رئيس الوزراء الصهيوني مباشرة، وتسهم قدرات (الموساد) المختلفة في عمل أجهزة المخابرات الصهيونية الأخرى، ويُطلق اسم «الموساد» على جهاز الاستخبارات الخارجيَّة الصهيوني، واسمه الكامل هو «مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة»، وحرصت الدولة العبريَّة منذ تأسيسه على إضفاء هالة من الغموض وستار من السريَّة والتكتُّم الشديدين على تنظيمه وأعماله وأنشطته التجسُّسيَّة وعملياته الخاصة.

  • التأسيس:

استنادا لما يذكره الكاتبان الصحفيان يوسي ميلمان ودان رافيف، في مؤلفهما النادر الذي يسرد “التاريخ الشامل” لنشاطات اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بفروعها المتعددة والذي صدر ونشر في اسرائيل في العام 1990 تحت عنوان “امراء الموساد”، فقد تشكل جهاز “الموساد” اول ما تشكل “على أنقاض الدائرة السياسية” التي عملت في نطاق وزارة الخارجية الاسرائيلية في حينه، وكانت مهمتها الرئيسية جمع المعلومات خارج اسرائيل.. وقد عمل “الموساد” في البداية تحت تسميات مختلفة، منها “المركز الرئيسي للتنسيق”، ثم “المؤسسة الرئيسية للاستخبارات والامن” وانتهى لاحقا بظهوره باسمه الرسمي الحالي “مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة”.. ويعتبر الاول من نيسان عام 1951، من ناحية رسمية، يوم تأسيس “الموساد”، حيث قام رئيس وزراء اسرائيل “بن غوريون” بتعيين مستشاره ومساعده الخاص للشؤون الخارجية “روبين شيلوح”، واسمه الحقيقي “روبين زاسلانسكي”، ليكون اول مدير (رئيس) لجهاز “الموساد”..

ولما كان “شيلوح” من بين الناشطين الصهيونيين الذين اوكلوا بتأدية مهام سرية وتجسسية منذ الثلاثينيات، بما في ذلك في دول عربية، وأحد الذين عهدت اليهم المنظمة العسكرية المركزية في الحركة – الصهيونية (الهاغانا) في اواسط الثلاثينيات بمهمة اقامة “دائرة مخابرات محترفة لحماية المصالح البعيدة المدى للييشوف اليهودي” في فلسطين، لتظهر بعد ذلك بفترة وجيزة اول مؤسسة استخبارات في الحركة الصهيونية عرفت في حينه باسم “شاي”، وهو الاسم المختصر لـ “خدمة المعلومات”، فقد كلف “بن غوريون” مساعده المقرب “شيلوح” بإعادة تنظيم وهيكلة جهاز الاستخبارات الخارجية “الموساد” على اسس جديدة، تضع حدا لحالة الفوضى والتخبط التي سادت العمل الاستخباري الاسرائيلي الخارجي ابان تلك الفترة، فقام “شيلوح” بحل الدائرة السياسية الخارجية، وبإعادة تنظيم العمل الاستخباري الخارجي، في اطار الجهاز الجديد (الموساد) الذي اصبح منذ ذلك الحين يخضع مباشرة لمسؤولية رئيس الوزراء، ملغيا بذلك النمط السابق للتجسس الخارجي الذي كان يخضع لمسؤولية وزير الخارجية، وفق نموذج المخابرات السرية في بريطانيا (ام – اي – 6) ليحل بدلا من ذلك نموذج وكالة المخابرات المركزية الاميركية (السي – اي- ايه) التي تتبع مباشرة إلى المكتب البيضاوي – مكتب الرئيس الاميركي.

وبخلاف الـ “سي – اي – ايه” لم تكن لدى “الموساد” خلال الفترة الاولى من عمله شعبة عمليات، حيث اقتصرت مهامه على انشطة التجسس وجمع المعلومات، لكن رؤساءه عملوا مع ذلك ضمن لجنة مشتركة مع قادة شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي “امان” اشرفت خلال سنوات الخمسينيات والستينيات على تنفيذ عمليات ومهمات خاصة خلف خطوط المواجهة مع دول الطوق العربية عن طريق وحدات عسكرية سرية اقامها الجيش الاسرائيلي..

وبحسب ما يسرده كتاب “امراء الموساد” فقد استطاع روبين شيلوح، رغم الفترة القصيرة التي اشغلها كأول رئيس للموساد (18 شهرا)، ان يكرس المبادئ الاساسية التي وجهت عمل الجهاز لعقود مقبلة..

وقد ظلت نشاطات “الموساد” الذي شهد منذ ذلك الحين العديد من التغييرات والاضافات الوظيفية والبنيوية الداخلية، تخضع من حيث المبدأ للرقابة العسكرية في اسرائيل التي كانت تفرض بقاء اسم رئيس الجهاز سريا حتى العام 1996، حيث كشفت للمرة الاولى عن اسم رئيس “الموساد” الجنرال داني ياتوم عقب تعيينه في اذار من العام المذكور في المنصب الذي اضطر للاستقالة منه بعد مرور اقل من سنتين على توليه لرئاسة الجهاز.

إذاً فقد تأسس جهاز الأمن الخارجي الصهيوني، الذي يطلق عليه اختصارًا اسم (الموساد)، في العام 1951م، بقرار صدر عن رئيس الوزراء الصهيوني الأول، دافيد بن غوريون، ليشكِّل ذراع الاستخبارات الخارجيَّة الرئيس ضمن أجهزة الاستخبارات الصهيونية السريَّة المتعدِّدة التي عملت في حينه على خدمة الحركة الصهيونيَّة والكيان الصهيوني، ويعنى بجمع المعلومات، وإجراء البحوث، وتنفيذ المهام الخاصة والاغتيالات، وعلى الرغم من أن دور (الموساد) محدودٌ وغير مباشر في العمل الاستخباري في الضفة الغربية وقطاع غزة خصوصًا، والأراضي الفلسطينية عمومًا؛ إلا إنَّ ساحات عمله خارج حدود الكيان الصهيوني واسعة وغير محدودة، ويتبع (الموساد) بصورة كاملة لرئيس الحكومة، وتشكَّل (الموساد) على أنقاض الدائرة السياسيَّة التي عملت في نطاق وزارة الخارجيَّة الصهيونية، وكانت مهمتها الرئيسة جمع المعلومات خارج الكيان الصهيوني، وعمل «الموساد» في البداية تحت تسميات مختلفة، منها «المركز الرئيس للتنسيق»، ثم «المؤسَّسة الرئيسة للاستخبارات والأمن»، وانتهى أخيرًا بظهوره باسمه الرسمي الحالي «مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة – الموساد» وهو أهم أجهزة الاستخبارات الصهيونية ويتبع مباشرة لرئيس الوزراء وهو المسؤول عن جمع المعلومات الخارجية وتوفير المعطيات السياسية لاتخاذ القرارات ومكافحة الدور التنموي والتحرري الفلسطيني والعربي، ويمكن تصنيف (الموساد) على أنَّه جهاز أمني يقدم خدْمات قومية ثمينة للكيان الصهيوني، وهو بذلك يختلف عن جهاز (أمان) الذي يعدُّ جزءًا رئيسًا من أجهزة الجيش الصهيوني، فالموساد جهاز أمني مستقل عن سواه من الأجهزة، ويختلف عن (الشاباك) في عدم تبعيته المباشرة لجسم سياسي معين؛ وتُنفذُ جميع مهامه الأمنية والخاصة خارج حدود الكيان الصهيوني، وتقتصر تبعيته على مكتب رئيس الحكومة فقط دون سواه، ويتلخص دور «الموساد» في تجميع المعلومات والبحث الاستخباراتي وتنفيذ العمليات السرية الخاصة خارج الكيان الصهيوني.

  • o       مهام جهاز الموساد:

تتركز أبرز مهام جهاز الموساد في الآتي:

  • إحباط عمليات تطوير الأسلحة غير التقليدية، وإحباط أي محاولة للحصول على أسلحة غير تقليدية لدى الدول المعادية.
  • إحباط العمليات ضد الأهداف اليهودية والصهيونية في مختلف أنحاء العالم.
  • القيام بمهمة جمع المعلومات السرية خارج حدود الدولة.
  • ‌د-       إدارة الشركات الأمنية والخاصة، التي تتبع بشكل سري للموساد، وتنفذ سياساته، وتسهل مهامه كشركة “G4S”، وشركة “بنيتل إنترناشيونال سكيوريتي”، وهي شركات تحظى بتغطية قانونية دولية، وتعمل في العديد من الدول.
  • توفير المعلومات الاستخباراتية، والاستراتيجية، والعملياتية، والسياسية النافذة.
  • تطوير العلاقات السرية الخاصة، السياسية وغيرها مع جهات خارج حدود الكيان.
  • تنفيذ المهام والعمليات الخاصة خارج حدود الكيان.
  • العمل على تهجير وجلب اليهود من خارج حدود الكيان، وخصوصاً من الدول التي تكون الهجرة منها غير ممكنة، وذلك عن طريق مؤسسات الهجرة في الكيان الصهيوني، وبذل كل الجهود لذلك، بالتنسيق مع مختلف المؤسسات ذات الصلة.
  • o       أقسام جهاز (الموساد) ووحداته:

هناك أقسام ووحدات عديدة تعمل داخل جهاز الموساد، ويتشكل الهيكل الوظيفي لجهاز «الموساد» من عدة دوائر لكل منها دورها ووظيفتها المحددة وأهمها:

  • الإدارة العامة: تقع في أطراف تل أبيب، ويعمل فيها نحو مائة موظف ومكتب المدير وبعض المساعدين وسكرتارية خاصة بالمدير الذي يتم تعيينه عن طريق رئيس الوزراء مباشرة.
  • قسم التخطيط للعمليات والتنسيق: مهمته الإدارة والتطوير ووضع الخطط المستقبلية وتنسيق عمل الشبكات.
  • قسم العمل السياسي والخارجي: المسؤول عن الاتصالات في الدول الأجنبية التي لها علاقات مع الكيان الصهيوني.
  • قسم المهمات الإدارية: المختص بتدريب وتوظيف العاملين وترقياتهم واختيارهم.
  • قسم البحوث: يقوم بإعداد بحوث لتطوير العمل ومكافحة التجسس والاختراق.
  • قسم التكنولوجيا والتقنيات: خاص بكل الأجهزة العلمية، والأجهزة الحديثة التي يحتاجها (الموساد) وإدخالها في هذا القسم؛ من أجل استعمالها في المهمات، مثل: أجهزة التنصت، وأجهزة الكمبيوتر، وأجهزة التصوير الدقيقة والتزوير، ويتضمن هذا القسم أيضًا التزوير، والتصوير، والشيفرة، وأجهزة الاتصالات، ويتم تدريب العملاء والجواسيس على تلك الوسائل.
  • قسم العلاقات: يُعنى بالتنسيق مع الأجهزة الاستخباراتية الأخرى.
  • قسم العلاقات التكتيكية والفنية: يضم ضباطًا محترفين في القتل والتخريب وإخفاء الجريمة والملاحقة.
  • قسم جمع المعلومات: من أكبر أقسام (الموساد)، ويتولى جمع المعلومات واستقراءها وتحليلها، ووضع الاستنتاجات بشأنها.
  • قسم العمليات: ويتولى وضع خطط العمليات الخاصة بأعمال: التخريب، والخطف، والاغتيال.
  • قسم الحرب النفسية: ويشرف على خطط العمليات الخاصة بالحرب النفسية وتنفيذها، مستعينًا بجهود القسميْن السابقيْن عن طريق نشر الفكرة الصهيونية.
  • وحدة النفوذ: لتدريب عناصر من (الموساد) نفسه، ومن عملائه؛ لاختراق (العدو)، وتنفيذ المهمات الموكلة إليهم، ومن أبرز النفوذيين الذين اخترقوا البلاد العربية الجاسوس “إيلي كوهين” المولود في مصر بالإسكندرية 1924م؛ حيث أرسله (الموساد) إلى سوريا باسم كامل أمين ثابت سنة 1962م؛ من أجل عقد صداقات مع ذوي النفوذ في المجتمع السوري، لجمع المعلومات حول القوات السورية والمواقع الحدودية والتسليح الجديد، وبعض المهام الأخرى، فعقد كوهين صداقات وثيقة مع سالم سيف مذيع الراديو، واللواء أمين الحافظ، وعدد كبير في هيئة أركان الجيش السوري، فتمكن من الحصول على الخطط السورية والمصرية، وحصل على معلومات حول شراء أسلحة من الروس، ومعلومات تفصيلية عن المواقع السورية، وأرسلها إلى الكيان الصهيوني، ثم انكشف كوهين وأعدم شنقًا في دمشق سنة 1965م.
  • وحدة التدريب والتخطيط: المختصة بتدريب العاملين في (الموساد)، على الأجهزة التكنولوجية والمعلومات، ويخضع العاملون في الموساد وبعض العملاء إلى دورات تدريبية خاصة من خلال مدارس تدريب يُعطى فيها الدروس النظرية والعملية، ويرفع مستوى العاملين في هذا الجهاز، الذين سوف ينفّذون مهمات معيّنة، بالإضافة إلى التخطيط الجيد الذي له دور كبير، خصوصًا في نجاح العمليات، مع مراعاة التفاصيل غير المتوقعة، مع ترك الحرية لقائد العملية في اتخاذ التعديلات التي يقتضيها الموقف، ويمكن الاستعانة بالخرائط ذات المقياس الكبير، والنماذج المجسمة لمسرح العملية، حتى يعرف القائمون في التنفيذ واجباتهم بالتفصيل.
  • وحدة مكافحة التجسّس: مهمتها كشف النفوذيين الذين يحاولون اختراق أجهزة المخابرات الصهيونية، مثلما حصل لرجل المخابرات المصري البطل رأفت الهجّان، حيث فشلت أجهزة الاستخبارات الصهيونية في كشفه، وتمكن من دخول الكيان الصهيوني على أنه رجل أعمال يهودي، وتغلغل في عمق الكيان الصهيوني الأمني، والسياسي، والعسكري، والاجتماعي.
  • ملاحظات على مهام واقسام الموساد:

بحكم التداخل والاختلاط الشديد الذي ساد خلال السنوات الاولى عمل اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية حديثة التأسيس، لم تكن هناك لسنوات عديدة لاحقة مهام واقسام ثابتة، محددة وواضحة المعالم، تضبط وتنظم عمل جهاز “الموساد” وانشطته.. وطبقا لما تذكره مصادر اسرائيلية مختلفة فقد اقتصرت مهام “الموساد” في البداية على جمع المعلومات في الخارج والمساعدة في تنظيم هجرة اليهود الى اسرائيل، خاصة الجاليات اليهودية التي كانت تقيم حينذاك في الدول العربية.

وفيما يتعلق بمهمة جمع المعلومات، فان الطريقة التي تميز العمل التجسسي للموساد، وفقا لما ذكره يوسي ميلمان في تقريره المنشور في صحيفة “هآرتس” في 26 شباط 1998، تستند الى العنصر البشري (العملاء) وهي طريقة تدعى باللغة المهنية “humnit”، وتعني الاستخبارات البشرية. ويقوم “الموساد” بموجب هذه الطريقة بزرع عملاء (جواسيس) اسرائيليين يحصلون على هوية جديدة في دولة او تنظيم يتحولان الى مصدر مباشر لجمع المعلومات. وبحسب ما يذكره فيكتور اوستروفسكي عميل “الموساد” السابق في كتابة “عن طريق الخداع”، فان استخدام هؤلاء العملاء يتم بواسطة وحدة ميدانية في (الموساد) يطلق عليها اسم “متسادا”.. ويقول “ميلمان” ان 90 في المائة من جهود وطاقات جهاز “الموساد” توجه نحو مهمة “جمع المعلومات”، وان جزءًا ضئيلًا من انشطته وفعالياته يكرس لتنفيذ “عمليات خاصة” او حسب وصف ميلمان “عمليات عنيفة وصاخبة” في اشارة لمسلسل طويل من اعمال الاغتيالات والتصفيات الجسدية التي وقف “الموساد” مباشرة او اشترك مع اجهزة وفرق استخبارية وعسكرية اخرى في تنفيذها، وعلى الاخص منذ مطلع السبعينيات، دون ان تعترف اسرائيل او تنسب لهذا الجهاز التجسسي المسؤولية عنها، تمشيا مع قواعد السرية شبه المطلقة التي احيط بها عمل “الموساد” منذ تأسيسه وحتى الان، ضمن نسق ونهج ينسجمان مع تقاليد الدولة العبرية في “تمجيد الاغتيالات السرية” وسعيها الدؤوب إلى ابقاء جهازها الاستخباري الخارجي محاطا بهالة من الغموض تضفي عليه هيبة و “جبروت الذراع الخفية” القادرة على التسلل والوصول الى كل مكان في العالم.

ويتحدث افي دغان، الذي قدمته صحيفة “يديعوت احرونوت” في مقابلة اجرتها معه ونشرتها في عددها الصادر بتاريخ 12.4.1998 على انه مسؤول كبير سابق في “الموساد” تحول لاحقا الى “العمل الخاص والحياة المدنية” بعد ثلاثين عامًا امضاها في العمل السري، عن تجربته في مجال تجنيد العملاء.. يقول “دغان”، الذي ترأس بين السنوات 1990- 1997 القسم الاكثر اهمية في الموساد، قسم جمع المعلومات: “.. ليست هناك اداة لجمع المعلومات أفضل من تشغيل العملاء… صحيح ان التنصت والكاميرات الخفية هامة الا ان المعلومات التي يحملها العميل هي التي تساعد على فهم المعطيات وتحليلها”.

ويضيف “دغان”، الذي كان من بين الذين ترددت اسماؤهم كمرشحين لرئاسة “الموساد” بعد استقالة الجنرال داني ياتوم في شباط 1998، ان “العمل في مجال تشغيل العملاء معقد جدًا لأنه يتعامل مع النفس الانسانية وهذه مهارة يتم اكتسابها بعد سنوات طويلة من العمل الميداني، وهي اشبه بلعبة شطرنج لا تنتهي ابدا”.

ويتحدث المسؤول الكبير السابق في “الموساد” عن ان تجنيد العملاء يتم عن طريق اكتشاف واستغلال نقاط ضعفهم. ويعترف “دغان” في تفس الوقت ان “من الصعب العمل في هذا المجال والبقاء نظيفا” لكنه انتقد بشدة من ناحية اخرى وسائل الاعلام الاسرائيلية بسبب نشرها للفضائح والاخفاقات التي تعرض لها “الموساد”، مشيرا الى ان “سبب حظر نشر عمليات الموساد لا يكمن في الخوف من الانتقادات بل لأن كل عملية نشر تتناقض تناقضا تاما مع طابع العمل الذي يعتمد نجاحه بشكل مباشر على السرية”.

وبالعودة الى مرجعيات تبلور مهام ووظائف “الموساد”، كما تسردها المصادر الاسرائيلية، يتضح ان الجهاز اضطلع منذ تأسيسه، الى جانب مهمته الاساسية في جمع المعلومات في الخارج، بوظيفة ودور هامين في تنظيم حملات تهجير لليهود من الدول العربية، ومن بين الحملات الشهيرة التي اشرف “الموساد” على تنظيمها كعمليات احيطت بالسرية، احيانا من خلال عقد “صفقات” وتقديم رشاوى واحيانا اخرى تحت طائلة ممارسة الابتزاز والتخويف والترهيب، تهجير القسم الاكبر من يهود المغرب واليمن والعراق في الخمسينيات، وتهجير اليهود (الفلاشا) من اثيوبيا اواسط الثمانينيات، وقد تمت هذه العمليات والحملات بواسطة وحدة خاصة في ” الموساد” يطلق عليها اسم “بتسور”.

وخلال السنوات الاولى من بدء مزاولته لعمله وانشطته، لم تكن لدى “الموساد” شعبة عمليات خاصة، لكن مثل هذه الشعبة التي تعرف الان بـ “قسم العمليات” بدأت تتشكل وتتبلور منذ العام 1963، عندما قام رئيس “الموساد” في ذلك الوقت، الجنرال مائير عميت، الذي كلف بإعادة تنظيم هيكلية الجهاز، بضم وحدة الجيش السرية رقم 131، والتي عملت كذراع للعمليات الخاصة في اطار شعبة الاستخبارات العسكرية “امان” التي جمع “عميت” لفترة من الوقت بين قيادته لها وبين رئاسته للموساد، لتصبح جزءا من وحدات “الموساد” ونواة اسست بعد دمجها مع وحدتين صغيرتين ادارهما الجهاز، لإقامة وتشكيل قسم جديد، تحت اسم “قسم العمليات” الذي يعد الى الان القسم الأكثر اهمية وحيوية من بين سائر الاقسام التي يتكون منها “الموساد”.

وبحكم الطابع السري الذي اتسمت به غالبًا ولا تزال دبلوماسية اسرائيل وسياستها الخارجية، كنتاج بديهي منبثق عن طبيعة تكوينها ونشوئها، فقد كان من الطبيعي ان يضطلع جهازها التجسسي “الموساد” بمسؤوليات ووظائف هامة في نسج وارساء علاقات وصِلات اسرائيل الخارجية، وحتى في مجال عقد اتفاقيات وصفقات عسكرية وتجارية واقتصادية واحيانًا سياسية، لحسابها مع دول وجهات مختلفة في انحاء العالم.

وللتذكير، فان جهاز الموساد اقيم، كما أسلفنا استنادًا لما ورد في كتاب “امراء الموساد”، “على أنقاض الدائرة السياسية” التي عملت في نطاق وزارة الخارجية الاسرائيلية، كما ان الجهاز ذاته عمل في المرحلة الاولى من نشاطه وتأسيسه تحت مسؤولية وزير خارجية اسرائيل.

وقد اقام “الموساد” لهذا الغرض، في وقت لاحق، قسمًا رئيسيًا خاصًا ضمن صفوفه ليكون مكلفًا ومسؤولًا عن ملف العلاقات الخارجية.. ولا يزال هذا القسم الذي يطلق عليه اسم “تيفيل” يدير الى الان عشرات الممثليات والمحطات الثابتة والمتنقلة في العديد من دول العالم، يعمل بعضها بصفة رسمية وبعضها الاخر الى جانب سفارات اسرائيل او تحت غطاء بعثاتها الدبلوماسية والتجارية والاقتصادية وغيرها. وكثيرًا ما تسببت النشاطات الموازية لممثليات ومراكز هذا القسم في “الموساد” باحتكاكات واحتجاجات، طفت على السطح احيانًا، مع وزارة الخارجية الاسرائيلية وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج، التي رأت في نشاطات “الموساد” هذه ليس فقط مصدر منافسة لوظيفتها بل تجاوزًا وتهميشًا لصلاحياتها ودورها كممثل وناطق رسمي لإسرائيل في الخارج.

وبحسب ما يسرده كتاب “امراء الموساد” فقد تحول “قسم الاتصال والعمل السياسي” في الموساد منذ العام 1963 الى ما يشبه “وزارة خارجية سرية ثانية، كانت تتفوق في بعض الاحيان على الوزارة الاصلية”.

ومهمة هذا القسم تتمثل في اختراق المؤسسات والدوائر التجارية والصناعية والمعلوماتية، خاصة الامنية والعسكرية، وغيرها من المؤسسات والاجهزة الحساسة في الدول المستهدفة عن طريق ارسال مستشارين او دس “عملاء محليين” يتمتعون بمراكز نفوذ وتأثير، ليس بهدف جمع المعلومات عن برامج وخطط وتوجهات هذه الدول فقط، بل ولممارسة التأثير على سياسات حكوماتها بقصد توجيهها في اتجاهات معينة بما يخدم مصالح واهداف اسرائيل والحركة الصهيونية.

وعمومًا، وبحسب مصادر مختلفة، فان جهاز “الموساد”، الذي شهد في عهد رئيسه الثالث الجنرال مائير عميت (1963- 1968) اوسع اصلاحات وتغييرات في بنيته وهيكله التنظيمي أصبح، ولا يزال تقريبًا، يتكون من مجموعة اقسام ودوائر رئيسية تتبعها شعب ووحدات ومحطات ميدانية وفرعية، تعرف وفق التسميات التالية:

  • قسم جمع المعلومات، ويدعى “تسومت” (مفترق) وهو منظم على اساس اقليمي ووظيفي تخصصي، تتبع له وحدة ميدانية رئيسية تسمى “متسادا” (حصن، قلعة) تنظم وتضم في صفوفها الجواسيس الاسرائيليين(اليهود).
  • قسم العمليات، ويعد من الاقسام الرئيسية الاهم في “الموساد”، وتتبع له دائرة للتخطيط العملياتي والتنسيق، كما تخضع لمسؤوليته المباشرة وحدات وفرق التنفيذ الميدانية المتخصصة في عمليات التجسس المعقدة والاغتيالات والتصفيات الجسدية وعمليات “الاختطاف” وما شابه.
  • قسم الاتصال – الارتباط- والعمل السياسي، ويطلق عليه اسم “تيفيل” وتعني في تعريبها (المعمورة) او (الكون). وهو قسم واسع وكبير مكلف بمسؤولية العلاقات الخارجية بما يشمل اقامة وادارة روابط وعلاقات التنسيق والتعاون مع اجهزة الاستخبارات والتجسس في دول العالم وتنظيم الاتصالات مع الجاليات والاقليات اليهودية في “الدول المعادية”، كما ومن مهمة هذا القسم المنظم اقليميا ووظيفيا على اساس تخصصي مساعدة حكومات الدولة العبرية عن طريق ممثلياته ومحطاته العلنية والسرية الخارجية، في اقامة وعقد الاتفاقات والروابط السياسية والدبلوماسية والامنية وغيرها مع جهات وحكومات في دول اخرى..
  • قسم الادارة والتنظيم: ويعنى بشؤون العمل والتنظيم الداخلي للموساد.

وتعمل الى جانب هذه الاقسام الرئيسية، مجموعة دوائر مساعدة، متخصصة في مجالات البحث والتخطيط والعمليات الفنية والتكنولوجيا والتدريب والتنظيم، اضافة الى شعب ووحدات ميدانية تنفيذية.. وبحسب ما يذكره الصحافي يوسي ميلمان، في تقريره المنشور في صحيفة “هآرتس” في 26.2.1998، فان جهاز “الموساد”، وفي إطار تكليفه بمسؤولية “تنظيم هجرة اليهود الذين يمرون في ظروف صعبة ويقعون تحت تهديد انظمة معادية، وكذلك المساعدة في الدفاع عنهم إذا ما دعت حاجة لذلك”، قام بتشكيل وحدة ميدانية هامة لهذا الغرض تعمل تحت اسم “بتسور” وتعني (تحصين)…

وتشرف على قيادة عمل “الموساد” وانشطته هيئة قيادية عليا تضم رؤساء الاقسام وقادة الدوائر والوحدات الكبيرة، وتعمل هذه الهيئة التي يكون اعضاؤها عادة من ذوي الالمام العالي والخبرة والتجربة الشخصية في مجال العمل الاستخباري والتجسسي الميداني، كـ “هيئة اركان الموساد” وتعادل رتب اعضائها الرتب العسكرية لأعضاء هيئة الاركان العامة للجيش الاسرائيلي – جنرال وميجر جنرال (عميد)..

  • العلاقة بين (الموساد) والاستخبارات الأميركية والدولية:

يرتبط «الموساد» بعلاقات حميمة مع الاستخبارات الأميركية، كما أنّ له علاقات مهمّة مع استخبارات حلف شمال الاطلسي، فهو يشارك بشكل دائم في التحقيق مع الموقوفين العرب في الدول الغربية ويستغل ذلك لكسب عملاء له. وقد أقام علاقات مع «السافاك الإيراني» في عهد الشاه بهدف خلق مناخ مؤيد لإسرائيل في إيران. أمّا علاقة «الموساد» مع الاستخبارات التركية، ومركز الأمن التركي القومي، فتعُرف بـ “المثلث الرهيب”، وقد تعهد «الموساد» بتقديم تقارير إلى مركز الأمن القومي التركي حول النشاطات التجسسية المعادية لتركيا، وتعهّد الأتراك أيضًا بتقديم تقارير حول نشاطات العرب التجسسية ضد إسرائيل وتقديم تقارير خصوصًا حول النشاطات المصرية بالذات ضدها. كذلك فإنّ علاقة الموساد باستخبارات الدول الإفريقية (زائير وليبيريا، كينيا، غانا وجنوب افريقيا)، هي علاقات قوية جدًا. وثمّة علاقة للموساد مع استخبارات دول أميركا اللاتينية (مثل البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، كوستاريكا، بنما، البيرو، السلفادور وسواها)، ومع دول آسيا الصغرى (مثل كوريا الجنوبية، وتايوان وتايلاند واندونيسيا)، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الاستخبارات المركزية الاميركية.

أدت سلسلة من الفضائح والعمليات الفاشلة، التي مني بها جهاز المخابرات الاسرائيلي الموساد خلال السنوات الاخيرة، والتي كان آخرها قضية الشكوك القوية حول وجود جاسوس إسرائيلي في وزارة الدفاع الأميركية المرشحة للتفاعل هذه الأيام وقبلها قضية إلقاء القبض على عملاء لهذا الجهاز في نيوزيلاندا وتقديمهم إلى المحاكمة بتهمة انتهاك سيادة تلك الدولة وتفاعلاتها المستمرة حتى الآن، الى تسليط قدر كبير من الاضواء الصحافية والاعلامية على هذا الجهاز الذي حرصت اسرائيل منذ تأسيسه في العام 1951، على اضفاء هالة من الغموض، وستار من السرية والتكتم الشديدين، على عمله وأنشطته التجسسية وعملياته الخاصة.

وكجهاز استخبارات خارجي، فان نشاطات وعمليات “الموساد” لم تقتصر على ساحة الدول العربية ومنطقة الشرق الاوسط التي لا تزال اسرائيل وبعد مرور اربعة وخمسين عاما على قيامها تعتبر انها تعيش وسطها “كجزيرة مهددة في محيط دائم العداء والتربص بها”، بل امتدت وتشعبت لتصل الى ما وراء البحار والمحيطات، مما جعل جهاز “الموساد” يتمتع بمرور السنوات بصيت وشهرة واسعين وضعاه في مصاف أفضل اجهزة التجسس والاستخبارات على مستوى العالم.

ولعله لم يكن من باب المصادفة ان يستهل الرئيس السابق للموساد، افرايم هليفي، مهام منصبه بعد يومين على صدور القرار الرسمي بتعيينه في الرابع من اذار 1998، بنشر مقالة مذيلة بتوقيعه في احدى الصحف العبرية الاوسع انتشارًا في اسرائيل، قيمت على انها محاولة من جانب “هليفي”، الذي امضى سنوات طويلة من الخدمة في “الموساد”، لخطب ود الاسرائيليين ولإصلاح صورة الجهاز وسمعته التي اهتزت في نظرهم بفعل سلسلة الفضائح والاخفاقات المتتالية التي تعرض لها، وأدت تداعيات اثنين منها مُني بهما الجهاز على التوالي عام 1996، بفشل فريق من عملائه في تنفيذ محاولة اغتيال في الاردن استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية “حماس” خالد مشعل، (في ايلول 1996)، واخفاق فريق آخر من عملاء الجهاز في تنفيذ عملية تجسس في سويسرا (في شباط 1997)، الى الاطاحة برؤوس عدد من كبار قادة ومسؤولي “الموساد” بينهم رئيسه الجنرال داني ياتوم، الذي اضطر مرغما الى تقديم استقالته من منصبه، ورئيس قسم العمليات في الجهاز الذي استقال طوعًا (قبل ياتوم) بعد فترة قصيرة من تكشف فضيحة فشل محاولة اغتيال مشعل، فضلًا عما تسببت به فضيحتا الفشل من ضرر واساءة كبيرين لسمعة اسرائيل وموقفها عربيًا ودوليًا وعلى الاخص علاقاتها مع الاردن..

وقد اعاد رئيس “الموساد” السابق، افرايم هليفي، بنشره في صحيفة “يديعوت احرونوت” (عدد 6 اذار 1998) مقالته الدفاعية النادرة بالنسبة لجهاز يعول في عمله على السرية المطلقة، التذكير بان اسرائيل مازالت في حاجة الى جهاز استخبارات خارجي قوي للحفاظ على توازن القوى في منطقة الشرق الاوسط..

ورغم ان ” هليفي” تحاشى في مقالته الخوض مباشرة في موضوع الجانب الخفي الاخر من نشاطات “الموساد” السرية – عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية لخصوم اسرائيل واعدائها- وهو ما اكد عليه بوضوح شديد الصحافي والخبير الاسرائيلي في شؤون اجهزة الاستخبارات السرية الاسرائيلية، يوسي ميلمان، بقوله في مقاله المنشور في صحيفة “هآرتس” بتاريخ 26 شباط 1998: ” لغاية الآونة الاخيرة لم يكن ثمة احد في المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة يعارض قيام تنظيم تجسس كالموساد بعملية اغتيال، الا ان ذلك اثير الان بعد فشل محاولة اغتيال (خالد) مشعل”، غير ان “هليفي” بربطه في مقالته بين العمل الاستخباري – التجسسي المناط بالجهاز في الوقت الحالي وبين التاريخ القديم لليهود واللاحق قبل وبعد قيام الدولة العبرية، بقوله ان “التوراة تحدثت عن الاثني عشر جاسوسا الذين ارسلوا الى ارض كنعان” وان “اسرائيل منذ قيامها اعتبرت المخابرات الخارجية جدارها الشرقي المنيع.. وشرطًا اساسيًا ليس فقط لوجودها المادي كدولة، بل ولمناعتها الاجتماعية والحضارية..” وتشديده على ان “العمل الاستخباري شمولي”، انما اعاد بذلك بقصد او دونما قصد، التأكيد والاعتراف بحقيقة ان جهاز الاستخبارات الاسرائيلية “الموساد” لا يعكس فقط ماضي اسرائيل “الذي قام على العنف” بل ويعكس ايضًا “حاضرها القلق” رغم انها كانت تحتفل في تلك الايام (تاريخ كتابة المقال) بالذكرى السنوية الخمسين على تأسيسها، وأنها رغم توقيعها خلال العقدين الماضيين على معاهدتين للسلام مع مصر والاردن وعلى اتفاق سلام مؤقت مع الفلسطينيين، لا زالت تعتبر نفسها “في حالة حرب مع جيرانها العرب..”. وهكذا، فقد ولَدت اهمية الدور الذي ما انفكت اسرائيل توليه لجهاز استخبارات “الموساد”، لا سيما على ضوء سلسلة الفضائح والاخفاقات التي تعرض لها وكان لها وقع الصدمة الشديدة بين الاسرائيليين عموما، والهزة القوية داخل الجهاز نفسه على وجه الخصوص، الحاجة الى القاء الضوء مجددًا على طابع تكوين ومجالات عمل ومهام “الموساد”، ماضيا وحاضرا، بما له وعليه، مع التنبيه المسبق بالطبع الى ان كل محاولة من هذا القبيل، حرصت على توخي قدر من الدقة والمصداقية، سواء تمت في السابق او ستتم مستقبلا، وبضمنها هذه المحاولة، كانت وستبقى محكومة ومقيدة في حدود المصادر القليلة المتاحة، وما سمحت الرقابة الاسرائيلية الصارمة المفروضة على عمل الجهاز، بنشره في اسرائيل..

  • الاغتيالات كأحد أهم أساليب عمليات الموساد:

درجت إسرائيل على استخدام كلمة اغتيال لوصف عملية التصفية الجسدية التي تقوم بها أجهزتها الأمنية ضد قادة ومقاتلين فلسطينيين وعرب تتهمهم بالتورط في نشاط أو عمليات ضدها، وقد بقي هذا الاسم متداولا حتى العام 2000 حيث قدم القاضي في المحكمة العليا إلياكيم روبنشتاين الاسم “الأقل إجحافا” بحق إسرائيل حسب وصفه، وهو إحباط موضعي والذي يوحي بإلحاح وعدم القدرة على الاستعاضة عن التصفية لمنع عملية وشيكة، ليصبح هذا التعريف (المحايد) هو الاسم المعتمد لدى نائب رئيس الشاباك يوفال ديسكين في ذلك الوقت، والذي يعتبر مهندس هذا الأسلوب في مواجهة الانتفاضة، ليتبناه الإعلام والدوائر الرسمية بشكل حصري وذلك لتحقيق عدة أهداف تمت بلورتها مع الزمن وتطويرها إلى أن تحولت إلى نظرية قائمة بذاتها.

يعتبر الدكتور بنحاس يحزقيلي، وهو رئيس سابق لقسم الأبحاث الاستراتيجية والسياسات في الجيش الإسرائيلي، أن كلمة اغتيال هي “صيغة ملطفة للقتل العمد والإعدام دون محاكمة” وأن الدول تلجأ إلى هذه السياسة ضد جهات تعتبرها (إرهابية) لتحقيق عدة أهداف تتراوح بين أغراض عسكرية بحتة مثل الردع ومنع تنفيذ عملية وشيكة أو ما يوصف إسرائيليًا بالقنبلة الموقوتة، وصولا إلى أغراض معنوية مثل رفع معنويات الجمهور والانتقام والرد على عملية موجعة.

يقر يحزقيلي في تلخيصه حول الأهداف من وراء سياسة الاغتيالات، أنها لن تنهي ظاهرة (الإرهاب) وإنما، وفي أحسن الحالات، وعندما يكون هدف الاغتيال شخصية مركزية في شبكة يعتمد وجودها على هذه الشخصية، “إدخالها (الشبكة) في حالة من الفوضى لفترة من الزمن” قبل أن تستعيد عافيتها وربما على نحو أكثر عنفا كما حدث مع اغتيال عباس موسوي، أمين عام حزب الله السابق، الذي خلفه حسن نصر الله والذي “حول الحزب من جماعة صغيرة إلى جيش منظم” كما يصفه ألون بن دافيد، او كما في حالة الدكتور فتحي الشقاقي الذي لم يمنع اغتياله من تحول التنظيم الذي أسسه إلى قوة أكثر تهديدا لأمن إسرائيل.

رغم حضور عنصر العقوبة والانتقام كأحد مبررات اللجوء إلى سياسة الاغتيالات، إلا أن المنظومة الإسرائيلية تفضل التعريفات التي تصور الاغتيال على أنه مجرد أداة تنبع من اعتبارات وقائية ضد حالات استثنائية (تضطر) فيها إلى استخدام قوة قاتلة بشكل موجه ومقصود ضد أشخاص معروفي الهوية بشكل واضح ومسبق.

التعريف أعلاه تعوزه الدقة ولا يغطي مئات حالات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل إما بدافع العقوبة أو الانتقام وتدفيع الثمن، إلى جانب المس بمواطنين أبرياء لا علاقة لهم بالقضية وبعائلات وممتلكات من تصفهم بأنهم مطلوبون.

  • تاريخ الاغتيالات

ارتبطت سياسة الاغتيالات لدى المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية بشعار “يد إسرائيل الطويلة” القادرة على الوصول إلى كل مكان، والتي أدت إلى جعل “المقابر تمتلئ” بالضحايا ممن وصلت إليهم هذه اليد وقادت إلى تصفيتهم في مختلف أرجاء العالم، وفق تعبير ألون بن دافيد.

يمكن التأريخ لسياسة الاغتيالات التي يتم فيها استهداف شخص معين محدد الهوية، يتم اختياره بشكل مسبق بهدف تصفيته بقرار رسمي، بالعام 1972 حين قررت رئيسة حكومة إسرائيل غولدا مائير ملاحقة واغتيال منفذي عملية ميونيخ التي نفذتها منظمة أيلول الأسود التابعة لحركة فتح ضد رياضيين إسرائيليين كانوا يشاركون في الأولمبياد في ألمانيا.

قرار مائير حوّل إسرائيل، وفق ألون بين دافيد الذي أعد سلسلة من أربع حلقات عرضها في القناة 13، إلى “الدولة الوحيدة في الغرب التي يأمر فيها رئيس الحكومة بإعدام شخص دون أن يعود لأحد أو أن تشرف على قراره لجنة رقابية برلمانية” لتتواصل بعدها عمليات الاغتيال والتصفية وتطال أدباء مثل غسان كنفاني وقادة أمنيين مثل أبو علي حسن سلامة وأمناء عامين مثل الشقاقي وعباس موسوي ومفكرين وقادة سياسيين في أصقاع الأرض المختلفة.

أخذت سياسة الاغتيالات بعدا جديدا أكثر كثافة وتركيزا مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في العام 2000 حيث “تحولت إلى سياسة ممنهجة وعلنية وجزء أساس من الحرب على الإرهاب” وفق معهد الاستراتيجية الصهيونية، والذي أحصى خمسين عملية اغتيال عن بعد عبر استخدام الطائرات والمروحيات في عام واحد (2005) وهو ما يكشف عن الوتيرة الكبيرة التي تم استخدام هذا الأسلوب فيها ضد المقاتلين الفلسطينيين في هذه الموجة التي اعتبرت الأعنف منذ احتلال العام 1967 داخل الأراضي المحتلة.

تميزت الاغتيالات في فترة الانتفاضة الثانية ليس بكونها أكثر كثافة، بل بكونها أصبحت بديلًا مريحًا عن الاعتقال وكمحاولة تقديم المشتبه به إلى المحاكمة، كما أنها طالت عناصر وجهات ميدانية غير مركزية لا يترك غيابها الفردي (بحد ذاتها) أي أثر جدي على الواقع السياسي والأمني، إلا أن استهدافها بشكل مكثف يخلق حالة من الترهيب والردع والانشغال في الحماية الشخصية ومحاولة التخفي بدل المبادرة لتنفيذ أو التخطيط لعمليات جديدة.

كثافة اللجوء إلى سياسة الاغتيالات وتوسيع دائرة ومستوى المستهدفين وردود الفعل العنيفة التي قادت إليها، كما حدث مع اغتيال القيادي في كتائب شهداء الأقصى في طولكرم رائد الكرمي في العام 2002 الذي أدى إلى موجة عمليات تفجير في قلب المدن الإسرائيلية وانضمام حركة فتح للعمليات التفجيرية داخل الخط الأخضر، أثارت جدلا كبيرا في إسرائيل حول قضيتين أساسيتين: جدوى وأخلاقية وقانونية الاغتيالات.

  • الجدل حول سياسة الاغتيالات: الجدوى

يجزم ألون بن دافيد أن سياسة الاغتيالات “لا تؤدي إلى انتهاء ظاهرة الإرهابيين بل استبدالهم بآخرين فقط” وأنها قد تقود إلى نتائج عكسية وإلى تغذية دوامة الدم والعنف وتوسيعها، كما أنها لا تشكل بديلا عن الوسائل الأخرى، بالإضافة إلى ضررها على صورة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وتعريض ضباط وقادة إسرائيليين للملاحقة قضائيًا في المحاكم الدولية، إن لم يكن بسببها مباشرة فبسبب الأضرار الجانبية التي تنتج عنها والمس بالمدنيين الأبرياء كما حدث في عملية اغتيال القيادي في حركة حماس صلاح شحادة الذي أدت عملية اغتياله بإلقاء قنبلة تزن طنا من طائرة حربية على المبنى المكتظ الذي يقيم فيه إلى مقتل 14 مواطنًا بريئًا، وتقديم دعاوى ضد قائد سلاح الجو دان حالوتس.

نتج عن هذا الجدل بين من يؤيد السياسة ويعارضها وضع معايير لتقييد والحد من استخدامها، نشر موقع (واللا) في العام 2019 ملخصها بالتشديد على أن تتم بشكل مدروس وفي حالات استثنائية وبعد استنفاد الوسائل الأخرى وامتلاك معلومات تؤكد أن الهدف المنوي اغتياله سينفذ فعلا عملية وأن اغتياله فقط يمكن أن يوقفها، إلى جانب التأكد من عدم المس بالآخرين. الدكتورة رونيت مرزن، المستشرقة والمحاضرة في جامعة حيفا، تقول إن “الاعتبارات تتداخل” ولا أحد يمكن أن يضمن أن لا “يدخل عامل الرغبة في الإذلال القومي والانتقام” لدى متخذ القرار الذي لا يمكن إلزامه بهذه المعايير في ظل غياب الرقابة التي يقابلها “ضغط الجمهور” الذي يريد أن يرى نتائج. وتقترح إضافة ثلاثة أسئلة للمعايير السابقة، وأنه فقط في حال الإجابة عليها بشكل إيجابي يمكن اللجوء إلى اغتيال الشخص وهي: هل غياب هذا الشخص سيؤدي إلى إحداث ضرر لا يمكن إصلاحه للمنظومة التي يقودها؟ وهل سيزيد غيابه من فرص التقدم في المسار السياسي؟ والأهم، هل من سيحل مكانه معتدل أكثر منه أم لا؟

إن تجربة السنوات الماضية تثبت ليس فقط أن هذه الأسئلة لم تطرح، بل ان النتائج جاءت عكسية في الكثير من الحالات.

  • الجدل حول قانونية الاغتيالات

الإدانة الواسعة دوليًا لسياسة الاغتيالات وتحديداً في الانتفاضة الثانية، والجدل الإعلامي والسياسي الداخلي الذي رافقها في إسرائيل، دفع اللجنة العامة ضد التعذيب إلى تقديم التماس ضد استخدام الجيش لهذه السياسة بدعوى أنه “وسع استخدامها أكثر من الغاية الأصلية التي حددها لها” وأن اللجوء إلى هذه السياسة، بهذه الكثافة، والتسبب في وقوع ضحايا في صفوف المدنيين يتعارض مع القانون الدولي.

القضية وضعت على طاولة أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، هي المحكمة العليا، في ذروة الانتفاضة الثانية في 2002، إلا أنها بقيت تماطل وتتجنب البت في القضية لأربع سنوات متواصلة، وفقط بعد أن هدأت الانتفاضة وتراجعت عمليات الاغتيال، أصدرت قرارها المخيب للآمال، والذي لم يتضمن إدانة واضحة لسياسة الاغتيالات ولا وضع قيود للحد منها، معتبرا أن “من يشارك في تنفيذ عملية إرهابية، يجب أن يـأخذ بالاعتبار أنه سيكون عرضة للمس من قبل الجيش”.

المحكمة العليا التي ترأس هيئتها التي بتت في القضية رئيسها الأسطوري المعروف بمواقفه الليبرالية أهارون باراك، تعاملت مع الجيش بأكف من حرير، واكتفت بتقديم توصيات عامة تطالبه “بتفضيل الاعتقال والتحقيق مع المتورطين وتقديمهم إلى المحاكمة، وعدم استهدافهم، إذا كان هذا الاستهداف سيؤدي إلى المس بأبرياء قريبين منهم” وتوخي توفر معلومات دقيقة حول الشخص المستهدف والتأكد استخباراتيا أنه متورط بشكل مباشر في عمل “إرهابي”، لا بل إنها فوق ذلك، قدمت تفسيرا للقانون الدولي يشرعن هذه السياسة، عندما حددت أن المقاتل “هدف شرعي” وأن أعضاء المنظمات (الإرهابية) ليسوا مواطنين ولا يلتزمون بقوانين الحرب وبالتالي “لا تنطبق عليهم الحماية الدولية الممنوحة للمواطنين”.

إن موقف المحكمة العليا المنحاز للمؤسسة مكن الجيش من امتلاك مظلة لتبرير سياسة الاغتيالات وإقفال الباب حول الجدل القانوني حول شرعيتها ومدى أخلاقيتها، وهو ما عززته الكثير من الدراسات اللاحقة وأبرزها دراسات معهد أبحاث الأمن القومي والذي أعد دراسة في العام 2018 اعتبر فيها أن قضية الاغتيالات التي يتم اللجوء اليها في سياق الحرب على (الإرهاب) تجسد التصادم بين قيميتين أساسيتين هما الأمن الشخصي للمواطنين وحقوق الإنسان، وأن ضمان الأمن يبرر اللجوء إلى هذه السياسة التي وصفها الباحث عيدو روزنتسفايغ بأنها الأداة التي “ابتدعتها إسرائيل وتحولت إلى ظاهرة دولية وأداة مركزية في الحرب على الإرهاب على مستوى العالم” وهو الأمر الذي يمكن الاستدلال عليه من خلال الإحصائية التي قدمها المعهد الذي وجد أن “ثلاث دول غربية متقدمة تستخدم سياسة الاغتيال ما بعد العام 2000”.

لا يوجد بحث واحد ولا تجربة تثبت أن سياسة الاغتيالات حققت الردع أو ساهمت في تخفيف حدة العنف، بل على العكس من ذلك تثبت التجربة العملية أن هذه السياسة قادت إلى تأجيج العنف وتوسيع دائرة المنخرطين فيه وتوسيع نطاقه، وأن من تم اغتيالهم شغل مكانهم أشخاص أكثر راديكالية اعتبروا أن مهمتهم الأولى الثأر لقادتهم الذين تمت تصفيتهم.

  • جواسيس وجنرالات في رئاسة “الموساد

يخضع “الموساد” منذ تأسيسه في العام 1951 لمسؤولية رئيس الوزراء الاسرائيلي المباشرة، وهو الذي يقرر في مسألة تعيين رئيس الجهاز، كما يصادق على عملياته وخططه الهامة.. وقد ابقت اسرائيل اسماء رؤساء الجهاز سرية يحظر نشرها لغاية العام 1996، حيث سمح للمرة الاولى بإشهار واعلان اسمي رئيسي الجهازين الاستخباريين السريين، الاستخبارات الخارجية (الموساد) والمخابرات الداخلية (الشين بيت) ضمن تقليد جديد صادق عليه الكنيست (البرلمان) الاسرائيلي.

فترة الولاية القانونية المحددة لمنصب رئيس “الموساد”، مدتها خمس سنوات لكن عددا من الذين تولوا المنصب، وهم غالبًا إما “جواسيس محترفين” عملوا في خدمة اسرائيل واجهزتها الاستخبارية سنوات طويلة او جنرالات عسكريين لامعين استقدموا مباشرة من الخدمة في الجيش الاسرائيلي لرئاسة الجهاز، شغلوه في عدد من الحالات لفترات اطول، وأحيانًا اضطروا للاستقالة قبل انتهاء فترة ولايتهم المحددة، بسبب فضائح او اخفاقات مني بها “الموساد” تحت رئاستهم.. وتشمل قائمة الذين اشغلوا رئاسة “الموساد” منذ تأسيسه الاسماء التالية:

  • روبين شيلوح: الرئيس الأول للموساد الصهيوني وهو من مواليد القدس، أتقن شيلوح اللغة العربية وكان خبيرًا في شؤون الشرق الأوسط بثقافته وعمله. كان شيلوح أول رئيس لجهاز الموساد بين الأعوام 1952-1949 ورجل المهامّ السرية فيه، بعد أن أوكل إليه رئيس الوزراء ووزير الحرب الصهيونية دافيد بن غوريون تولّي هذا المنصب، وبعد استقالته من رئاسة الموساد كان شيلوح مستشارًا في سفارة الكيان في واشنطن والمستشار السياسي لوزير الخارجية.

منذ شبابه اهتمّ شيلوح بالأمور السرية للمجتمع اليهودي في البلاد قبل إقامة دولة الكيان، وكان مقربًا من القيادة اليهودية بصفته رجلًا يوثق به لدى كل من دافيد بن غوريون وموشيه شاريت. واعتنى شيلوح بالنشاط السري خاصة في المجال السياسي، وذلك تطلّعًا منه إلى تخليص دولة الكيان من العزلة الإقليمية والدولية التي عاشتها في السنوات الأولى بعد إقامتها، وبغيةً في تحقيق هذا الهدف أقام شيلوح علاقات مع حركة التحرير الكردية ومع أجهزة استخبارات غربية، وأهمها الـ CIA. كما حقق شيلوح انجازات في مجال جمع المعلومات، ومن أهمها حصوله على خطط الجامعة العربية الخاصة بالاجتياح العربي لدولة الكيان.

وفيما كان شيلوح رجلا غير اعتيادي ومثيرًا للجدل في أساليب عمله ونمط تفكيره، إلا انه لقي تقديرًا لا يختلف فيه لقوّته الإبداعية، وأهمية مبادراته، ومساهمته في النشاط الاستخباراتي لدولة الكيان.

  • إيسار هرئيل: الرئيس الثاني للموساد وقد ولد ايسار هرئيل في روسيا البيضاء عام 1912، وحينما بلغ الثامنة عشرة من عمره قدم هرئيل إلى دولة الكيان، حيث اعتنى بشؤون أمنية واستخباراتية خلال سنوات كثيرة في خدمة الكيان إبان الفترة التي سبقت إقامتها والتي تلتها.

بعد ذلك كان رجل أعمال، كما كان عضو كنيست لمدة ولاية واحدة من قبل “القائمة الوطنية”.

وألف هرئيل كتبًا كثيرة، عرض فيها قضايا استخباراتية وأمنية وحلّل أبعادها في نظام ديمقراطي.

وتذكر بين المناصب التي اشغلها هرئيل والتي تشكل المحطات الرئيسية في خدمته للدولة، تنفيذ مهام في إطار خدمة المعلومات لمنظمة “الهاغانا” (1947-1944)، ورئيس جهاز الأمن العام – الشاباك (1948-1963)، ورئيس الموساد المسئول عن أجهزة الأمن (1963-1952).

ورغم الثقة التامة التي ميّزت العلاقات بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع دافيد بن غوريون وإيسار هرئيل، فقد استقال هرئيل من منصبه عام 1963 نتيجة ظهور خلافات مبدئية بين الرجلين في قضية “العلماء الألمان” الذين عملوا في مصر على تطوير صاروخ بعيد المدى. واعتبر هرئيل هذا المشروع تهديدًا مباشرًا على وجود دولة الكيان، ولذلك أيد اتخاذ موقف شديد حيال أولئك العلماء وألمانيا الغربية.

وكان هرئيل رجل مرهف الحواسّ ذا مواهب نادرة في مجال العمل الاستخباراتي، ودرج على أن يقود شخصيا عمليات هامة، وأكثرها شهرةً عملية اختطاف النازي أدولف إيخمان ونقله من الأرجنتين إلى دولة الكيان.

وقام هرئيل في أيام ولايته بصياغة أسس العمل للموساد، وبتكييف الموساد للواقع والأهداف الجديدة التي واجهته، بما في ذلك الانتقال من جهاز يعمل في مرحلة تبلور الدولة إلى جهاز رسمي، واتسم إيسار هرئيل في أداء عمله بالتشبّث بالهدف، وبإخلاص تام للمستوى السياسي.

  • مئير عميت: الرئيس الثالث للموساد وقد عين على رأس الموساد العام 1963وقد ارتبط اسمه بكثير من قضايا الجاسوسية في العالم العربي وأوربا، وفي زمنه تم الكشف عن الجاسوس الصهيوني ايلي كوهين في دمشق وأعدم هناك، كما تنسب إليه عملية زرع جاسوس آخر في لبنان هو مسعود بيطون، وكاد مئير أن يطويه النسيان لولا تدخله في قضية أشرف مروان مدافعًا عنه ومتهمًا الجنرال إيلي زعيرا رئيس الاستخبارات العسكرية “أمان” الأسبق بكشفه، ومع كل نجاحاته فان عدم قدرة الموساد على التنبؤ بالهجوم المصري السوري أثناء حرب أكتوبر – تشرين الأول عتم على الكثير من انجازاته لكنه حاول دومًا أن يلصق الأمر بالجنرال إيلي زعيرا.

وخلال تولي عميت مسؤولياته في الموساد، حط طيار عراقي العام 1966 بطائرته من طراز ميغ 21 سوفياتية الصنع في دولة العدو الصهيوني، ما اعتبر إحدى ابرز العمليات التي نجحت فيها الاستخبارات الصهيونية، وقيل أن مئير عميت هو الذي أغوى الطيار العراقي بالهروب بطائرة سوفيتية حديثة بكامل معداتها.

وورد اسم عميت أيضا في قضية المعارض المغربي مهدي بن بركة، بعدما اشتبه بأن الموساد كشف للاستخبارات المغربية عنوان بن بركة الذي قتل بعد بضعة أيام اثر خطفه في باريس، وكان الموساد حينها ولا يزال وثيق الصلة بالاستخبارات الفرنسية التي تعاونت حسب ما يبدو من السياق مع الموساد والمخابرات المغربية في تصفية المهدي بن بركة الذي شكل هاجسًا للملك الحسن الثاني.

انتخب عاميت عضوا في الكنيست العام 1977 على قائمة حزب داش الوسطي، وتولى في العام نفسه لوقت قصير وزارة النقل والمواصلات في الحكومة اليمينية برئاسة مناحيم بيغن. لكنه انسحب من الحياة السياسية العام 1980.

وأعلن الرئيس الصهيوني شيمون بيريز أن: “أجيالًا من الصهاينة تدين له بامتنان كبير للخدمات الكبيرة التي أداها لأمن البلاد والتي لا تزال طي الكتمان”، وتوفي بتاريخ 18/7/2009 عن 88 عامًا.

  • تسفي زامير: الرئيس الرابع للموساد من مواليد بولندا عام 1925، وقد قاد تسفي مائير جهاز الموساد الصهيوني ما بين عم 1968 إلى عام 1974، وقد كانت هذه الفترة من أحلك الفترات والتوتر بين العرب والصهاينة حيث كان الاحتلال في يمر بأزمة بعد حرب أكتوبر.

كان أبرز حدث في فترة قيادته للموساد هي حرب أكتوبر 1973 والتي شنت بها جمهورية مصر العربية حربًا لتحرير سيناء، عبر قناة السويس تجاه سيناء وقاموا بتحريرها.

ظهر بينه وبين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “امان” إيلي زعيرا خلاف حاد أثناء حرب تشرين عام 1973 وهو يعتبر الأشد إثارة في تاريخ الدولة الصهيونية.

كانت أشد حرب استخبارية في عهده أطلق عليها “غضب الرب” وقد دارت بين الموساد الذي يقوده ومنظمة التحرير الفلسطينية في أوربا والتي اشتهرت فيها عملية ميونخ التي قتل خلالها 12 لاعب صهيوني كانوا ضمن الاولمبياد العالمية هناك.

أرسل العشرات من رجالات الموساد إلى الدول الأوربية لتصفية من نفذوا هجوم ميونج وكان يدير هذه العمليات من غرفة متقدمة في النرويج.

بعد عملية ميونخ شكّلت غولدا مائير رئيسة الوزراء الصهيونية الشهيرة فرقة اغتيالات خاصة أطلق عليها “كيدون” وبالتحديد قد أشرف عليها بنفسه وكان على رأس الفرقة (مايك هراري) المرتزق الصهيوني.

في 17/10/1972 شارك بنفسه باغتيال وائل زعيتر ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في روما حيث أطلق عليه 12 طلقة من مسدسات كاتمة للصوت.

كان يقود محاولة اغتيال أبو حسن سلامة القيادي في منظمة التحرير لكن تشخيصاً خاطئاً أدّى إلى مقتل نادل مغربي، ونجح بعدها اللذان أطلقا النار من الموساد بالفرار ومعهم ثمانية من أعضاء الموساد من بينهم مايك هراري قائد العمليات في الموساد وقتها ورئيس الموساد تسفي زامير.

  • يتسحاق حوفي: رئيس الموساد الخامس هو عسكري عمل مديرًا لجهاز المخابرات الصهيونية الموساد بين 1974 و1982.

ولد إسحاق حوفي سنة 1927 في تل الربيع المحتلة، وخدم في منظمة البلماخ الإرهابية من سنة 1944 حتى نهاية حرب 1948 وعين نائب قائد وحدة المظليين في سنة 1956 خلال العدوان الثلاثي.

عمل بعد ذلك قائد مدرسة الضباط العسكريين، ومن ثم رئيس قسم العمليات في هيئة الأركان العامة خلال حرب 1967، ورئيس قسم الإرشاد وقائد لواء الشمال أثناء حرب 1973.

عُين بعد انتهاء الحرب رئيسًا لقسم العمليات العسكرية وقائمًا بأعمال رئيس الأركان العامة بعد استقالة دافيد إلعازار من رئاسة الأركان.

عين سنة 1974 رئيسا للموساد وكان يحظى بإعجاب مناحيم بيغين رئيس الوزراء الصهيوني.

اهتم إسحاق حوفي بتوثيق العلاقات مع حزب الكتائب اللبناني وكان من بين المعارضين لضرب المفاعل النووي العراقي، رغم أنه أظهر موافقته على العملية فيما بعد كمحاولة لتصحيح ما اعتبره خطأ في تفكيره.

توجه نحو الأعمال بعد تركه العمل السياسي والأمني فعين مديرًا عاما لشركة الكهرباء. عاد لينخرط في العمل السياسي لفترة وجيزة من صيف 1994 حتى نهاية 1995 ضمن حركة الطريق الثالث التي تمكنت من الوصول إلى الكنيست ولكن حوفي لم يكن عضوًا فيه.

  • ناحوم ادموني: رئيس الموساد الصهيوني السادس ولد في القدس العام 1929، ودرس في جامعة كاليفورنيا فنال الماجستير في موضوع العلاقات الدولية، انضم إلى قلم الاستخبارات خلال حرب 1948 ونفذ سلسلة من العمليات الاستخبارية.

عين مساعداً لرئيس الموساد اسحق حوبي بين 1976-1982، وعين رئيسا للموساد في العام 1982، وبقي في منصبه هذا حتى العام 1989.

عند إنهائه خدمته في الموساد عين مديراً عاماً لشركة المياه مكوروت، وعين عضواً في لجنة “تشخانوفر” للتحقيق في ملابسات محاولة اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في عام 1997، ولكنه قدم استقالته إثر تعرضه لانتقادات لاذعة وشديدة لكونه دافع عن الموساد قبل أن تشرع اللجنة المذكورة في التحقيق في القضية.

تورط في أكبر عملية نهب في بريطانيا طالت متجرًا للمجوهرات، افلح فيها اللصوص في سرقة غنائم قدر ثمنها بـ 40 مليون جنيه إسترليني، وعجزت الشرطة البريطانية في العثور على أي أدلة أو آثار تقودها إلى منفذي العملية.

  • شابتاي شافيت: هو رئيس الموساد السابع ولد العام 1939 في “نيشر” بالقرب من حيفا. درس موضوعي اللغة العربية وتاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، ثم تابع دراسته في جامعة هارفرد بالولايات المتحدة. انخرط للعمل في الموساد ابتداء من العام 1964، وتولى رئاسة الموساد بين 1989 و1996. حاول الحفاظ على سرية عمل الموساد إلا أن كتاب فيكتور اوستروفسكي أدى إلى كشف بعض الجوانب المهمة حول تركيبة الموساد وعمله. ووجهت إليه أصابع اللوم الشديدة لعدم تمكنه من معرفة التحركات العراقية نحو الكويت وانه اهتم بجمع معلومات حول دول لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ما أدى إلى ازدياد الاحتكاك مع وزارة الخارجية. وعين مديرًا لشركة (مكابي) للخدمات الصحية فور انتهاء عمله من الموساد.

وشافيت من أتباع مدرسة السرية للحفاظ على الخصوصية، فيرفض نشر أي معلومات سرية عن أي وحدة في الجيش الصهيوني، ويعتبر واحدًا ممن عملوا في وحدة سرية الأركان “سييرت متكال”.

في عهده تم اغتيال القائد الفلسطيني عاطف بسيسو، بأوامر من إسحاق شامير حيث التقى رئيس المخابرات الفرنسية مع شبيط وهدده بقطع العلاقات مع إسرائيل في حال كرر الموساد عمليات اغتيال في فرنسا. وعايش شبيط رئيس الوزراء اسحاق رابين وكان يتابع معه قضية الجندي المفقود رون أراد. كان يؤمن شافيت بان الوقائع الجديدة هي التي تفرض ثقافات جديدة في إشارة إلى أن الواقع العربي بعد هزيمة العراق سيعزز المعسكر الداعي لثقافة التطبيع مع إسرائيل.

يعتبر شبيط أن حرب تموز، 2006م كانت مركزيتها في إيران، ويقول أن العراق وإيران وسوريا ولبنان هي محور الانتشار الديني.. المواجهة الإيرانية الصهيونية آخذة في الاقتراب.

يرى شافيت انه يمكن اللجوء لخيارات غير عسكرية مع حماس لكن الوقت غير ملائم في الوقت الحالي وقال: “برأيي أنه ممنوع شطب توجه براغماتي لخدمة مبادئ على المستوى الإيديولوجي.

  • داني ياتوم: هو رئيس الموساد الثامن وعينه شمعون بيريس رئيسًا للموساد في آذار 1996 واضطر إلى تقديم استقالته في شباط 1998 بسبب تداعيات فضيحتي الفشل في الأردن وسويسرا.. وكما هو معروف فقد عين رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتياهو، افرايم هليفي، نائب رئيس “الموساد” السابق، خلفًا لداني ياتوم في رئاسة الجهاز وذلك لفترة انتقالية، عول عليه خلالها إعادة تنظيم وإجراء إصلاحات في صفوف وهيكلية “الموساد” التي أصابها الكثير من الترهل والوهن مع مرور الزمن.

كان أول رئيس للموساد تعلن الدولة الصهيونية عن توليه مهام رئيس جهاز الموساد بدلًا من “شاباتاي شافيت” الذي استقال من منصبه في مارس 1996م. حيث جرت العادة على عدم الإفصاح بشكل رسمي عن هوية رئيس جهاز المخابرات (الموساد) واعتباره من أحد الأسرار الأمنية المحظورة.

عين بعد استقالته رئيسًا لوكالة الهجرة الصهيونية واستثمر موقعه في وكالة الهجرة ليعود مجددًا إلى زيارة مرابعه القديمة في أوروبا والاتحاد السوفيتي السابق.

وأصبح يرسل مبعوثين رسميين للعمال على غرار الموساد ومهمة هؤلاء عقد علاقات مع جاليات اليهود المحليين، وقد حول العاملين في وكالة الهجرة “ناتيف” «يجمعون معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية، وأن عملهم الفعلي هو التجسس».

وضع وكالة ناتيف في صراع مكشوف مع “الموساد”، لكن جهاز “الموساد” الذي يعاني من ضعف المعنويات خسر المعركة معه، وأرسله بارك كمبعوث خاص من اجل بحث القضايا الحساسة من رؤساء أجهزة المخابرات الأوروبية.

شغل منصب عضو الكنيست منذ عام 2003، وهو عضو في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وكان قدّ رشّح نفسه لرئاسة حزب «العمل» في الانتخابات التمهيدية السابقة، لكنه حصل على نسبة متدنية.

خدم في سرية قيادة الجيش «سييرت متكال»، وتولّى مناصب عديدة، وبعدها وصل إلى رتبة جنرال في الجيش الصهيوني، وكان قائداً لمنطقة المركز.

فشل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل كانت أهم ضربة له وللموساد في العام 1997م، وقد استقال على إثرها وخلف بعده افرايم هاليفي.

  • افرايم هليفي: هو الرئيس التاسع للموساد الصهيوني وقد ولد عام 1934 في لندن ومن ثم هاجر إلى فلسطين في العام 1948، ودرس الحقوق في الجامعة العبرية في القدس، وانضم إلى الموساد وتولى مهام متابعة أحوال الجاليات اليهودية التي تعيش في ضائقة.

اهتم بكيفية تنظيم عمليات الهجرة الصهيونية إلى الأراضي المحتلة، وقد كان مسئولا عن عملية موشيه لتهجير يهود الفلاشا من أثيوبيا إلى دولة الكيان في الثمانينيات، وشارك رابين في مفاوضاته السرية أولاً مع الأردن، ولعب دوراً بارزاً في تحضير التسوية السلمية مع الأردن.

بعد انتهاء مهامه في الموساد عُين سفيراً لدولة الكيان في الاتحاد الأوروبي، واستدعي إلى دولة الكيان لمعالجة فضيحة الموساد في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل العام 1997 فعين بعد حلّها رئيساً للموساد أي بعد داني ياتوم.

  • مئير داغان : الجنرال مئير داغان هو الرئيس العاشر والحالي للموساد الصهيوني وقد ولد في قطار كان في طريقه من سيبيريا إلى بولندا، ووصل إلى دولة الكيان الصهيوني في سن الخامسة، وحين تطوع في الجيش غير اسمه من هوبرمان إلى دغان، وهو بجانب القتل بدم بارد، يحب اللغة الناعمة، اللغة المعقمة، ففي خطته إلى شارون لقمع الانتفاضة الفلسطينية، لا يتحدث أبدا عن القتل والتصفية والاغتيال، بل عن “الإصابة الجسدية”، و”المعالجة الموضعية للشخصية”، والمعروف أن شارون يحب هذه اللغة كثيرا، وقد تميز داغان عن غيره من قادة الموساد انه كلما استلم رئيس جديد للحكومة الصهيونية فإنه يمدد له في إشارة للإعجاب بقدرته دون غيره بالإضافة لدقة المرحلة التي تمر بها دولة العدو الصهيوني وخصوصاً فيما يتعلق بملف إيران وصراع حرب الأدمغة في الخارج.

– في عام 1970 قطاع غزة أصبح ضابطاً تحت إمرة أرئيل شارون الذي تولى عام 1970 قيادة العمليات العسكرية في القطاع، وهناك راح داغان يمارس قتل الفلسطينيين بما في ذلك قتل المدنيين بالجملة.‏‏

– في عام 1971 أصبح داغان ملازماً أول ومسؤولًا عن وحدة دوريات أطلق عليها اسم (ريمون).

– في عام 1980 وحين تولى شارون وزارة الحرب، قرر مع شريكه رفائيل إيتان تعيين صديقهما داغان قائداً لمنطقة جنوب لبنان، ويقول يورام هامزراحي عضو القيادة العسكرية في الجنوب إن داغان كان يحب الغموض وطموحاً إلى حد أدرك فيه أن هذا المنصب سيدفعه إلى منصب أعلى.‏‏ ولذلك قام داغان بنشاطات في جنوب لبنان يخاف الكثيرون ذكرها الآن أو الاعتراف بها مثلما لا تقبل الرقابة الصهيونية السماح بنشرها عنه، وتذكر الصحفية ايلانه دايان أنه نفذ عمليات للتصفية الجسدية، واستخدم سيارات مفخخة متفجرة.‏‏

– في عام 1988 غاب داغان أسبوعاً كاملاً وارتدى ألبسة مدنية لترتيب مهام خاصة في الجنوب اللبناني. ويقول العميد احتياط في الجيش الصهيوني وصديقه رافي نافي أن داغان يحب العمل التجسسي والتخفي.

– قتل داغان الكثيرين في الجنوب اللبناني، وهذا ما جعله مرشح شارون المعتمد لرئاسة الموساد، ولأن محور نشاطه الأهم يتمثل في لبنان، فقد عين نائبيه الأول والثاني من القادة الذين نفذوا معه عمليات تصفية جسدية للمناضلين في لبنان.‏‏

– في مقابلة مع التلفزيون الصهيوني -القناة الثانية 2004 قال يائير رابيد مسؤول قسم المعلومات عن لبنان في الموساد إنه على يقين أن مئير داغان لم يتسلم قيادة الموساد للعمل على طريقة من سبقه في رئاسة الموساد، بل من أجل العمل بطريقته هو أي لقتل أكبر عدد من الفلسطينيين.‏‏

– من أهم العمليات التي قام بها مئير داغان كانت العملية الوحيدة المعترف بها من قبل الصهاينة، تمثلت في اغتيال الشهيد عز الدين الشيخ خليل أحد قادة حماس بتفجير سيارته في دمشق في العام 2004.

– الجنرال داغان وقبل أن يكلف برئاسة الموساد، وضع خطة لاغتيال الرئيس العراقي السابق صدام حسين في بغداد، ووضع خطة لمواجهة الانتفاضة الفلسطينية الراهنة، وأرسل الخطة إلى شارون واعتمدها شارون فوراً.

– وفي عهده تم اغتيال القائد العسكري للمقاومة اللبنانية عماد مغنية في عملية تفجير عبوة في سيارته في العام 2008.

كما تم قصف قافلة الأسلحة في السودان في 2009 والتي قال عنها العدو الصهيوني أنها أرسلت للمقاومة في قطاع غزة وقد لمح رئيس الوزراء السابق إيهود اولمرت بوقوف إسرائيل وراء قصفها.

فضيحة داغان، 2010:

أخيراً عملية اغتيال القائد في كتائب القسام التابعة لحماس محمود المبحوح في دبي والتي لا زالت تداعياتها تتفاعل حتى نشر هذا الملف، حيث مثلث فضيحة جديدة للموساد وبالأخص لمائير داغان الذي كان يصوره البعض بالسوبرمان، فقد طالبت الصحافة الصهيونية باستقالة داغان لفشل عملية دبي من الناحية الإستراتيجية بسبب دخول دولة الكيان الصهيوني في أزمة دبلوماسية مع بعض الدول التي تم استخدام جوازات سفر خاصة بها، بالإضافة للصور التي نشرتها شرطة دبي كشفت أعضاء الوحدة التي نفذت العملية وعددهم وأساليب عملهم، وكما قال غوردون المعلق لشؤون الأمن والاستخبارات في صحيفة “ذي ديلي تلغراف” البريطانية أن عملية المبحوح حرقت ثلث أعضاء وحدة “كيدون” المتخصصة في القتل في جهاز الموساد.

  • تامير باردو: الرئيس الحادي عشر للموساد، ولد (1953 من أصول سفاردية إسبانية)، تخرج تامير باردو من جامعة تل أبيب في شعبة العلوم السياسية والتاريخ وهو يحمل ألقاب علمية وحاصل على شهادات جامعية في مجالات الرياضيات والفيزياء والعلوم السياسية والتاريخ. تامير باردو متزوج وله ابن وابنه وحفيدة. هو مدير جهاز الموساد الإسرائيلي من عام 2011-2016، شارك في العديد من العمليات السرية خارج إسرائيل. تم اختياره في نوفمبر 2010 مديراً للموساد خلفاً ل مئير داغان بعد 30 عام من الخدمة في دائرة العمليات والتكنولوجيا.

كان باردو ضابط اتصال في وحدة الأركان الخاصة (ساييرت متكال). وعمل إلى جانب يوني نتنياهو شقيق بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الإسرائيلي السابق الذي قتل في عام 1976 في العملية التي نفذتها القوات الخاصة الإسرائيلية في عنتيبي (أوغندا) للإفراج عن مائة رهينة كانوا على متن طائرة مخطوقة تابعة لـ (إير فرانس) ويشيع المعلقون الاسرائيليون بأن خدمته العسكرية مع شقيق “نتنياهو” منحته نقاطا للفوز بمنصبه الجديد.

بعد خدمته العسكرية دخل باردو إلى الموساد في منصب تكنولوجي، وفي إطار خدمته ترقى ووصل إلى منصب رئيس شعبة (نفيعوت) التقنية الفنية، وهي شعبة عملياتية تنفيذية مسؤولة عن التسلل إلى أهداف مختلفة بهدف زرع أجهزة للتنصت والتصوير. عام 2004 عين مساعداً لرئيس الوساد مائير داغان إلا أنه استقال من منصبه عام 2006 حينما رفض مائير داغان التوصية به كمرشح لخلافته، ثم عاد للمنصب بعد استقالة نائب آخر، لكنه عاد وقدم استقالته مجددًا عام 2009 بعدما مددت ولاية داغان عامًا إضافيًا.

وبعد استقالته من الموساد، التحق باردو بمجال الأعمال، بما فيه إدارة شركة للقمار على الإنترنت يملكها رجل الأعمال نوعم لنير.

وخلال خدمته في الجهاز، شغل باردو عدة مناصب تقنية وإدارية وعملياتية طيلة 30 عامًا كان آخرها عمله نائبًا لرئيس الجهاز، وقبلها قيادة وحدة “نفيعوت” المسؤولة عن زرع أجهزة تنصت وتصوير.

وبحسب ما ذكرته صحيفة يديعوت أحرونوت- فإنه وبالرغم من خبرته الطويلة في مجال العمليات يفتقر للتجربة في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية.

عام 2010 تجددت حظوظه بمجيئ نتنياهو إلى الحكم وعلى الرغم من تنافس عدة مرشحين على منصب رئيس الموساد أبرزهم يوفال ديسكين رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) حتى العام 2011، والجنرال عاموس يدلين رئيس شعبة الاستخبارات العامة (أمان) حتى العام 2010. إلا أن نتنياهو اختار باردو. وفور إعلانه هوية رئيس الموساد، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إن تمير باردو يمتلك تجربة غنية تمتد على مدى عشرات السنين، الأمر الذي يجعله الرجل المناسب لقيادة الموساد في ظل “تحديات مركبة من المتوقع أن تواجهها إسرائيل” في السنوات الخمس القادمة.

وخلافًا لما كان سائدًا في الماضي ومنذ تعيين داغان رئيسًا للموساد، لم تعد هوية الرجل الذي يقود هذا الجهاز سرية، حتى إن موقع “نيوز إزرائيل” العبري ذهب إلى حد الإشارة إلى أن الرئيس الجديد للموساد يقيم في مدينة كفار سابا شارع هكليع 2 ورقم هاتفه 097653018.

وأجمع المعلقون الإسرائيليون وقتها على أن مهمة باردو الأساسية ستتركز على تحييد المشروع النووي الإيراني ومواصلة التعاون مع أجهزة المخابرات في العالم، وهي المهمة التي فشل فيها سلفه داغان الملقب بـ “الرامبو الإسرائيلي”. وقال المعلق في الشؤون الاستخباراتية أمير أورن إن باردو يمتلك تجربة غنية في المجال العملياتي ستساعده في مواصلة “تراث داغان” القائم على فكرة تحويل الموساد إلى تنظيم ذي قدرات عملياتية. أما مهمة الرئيس الثانية فسوف تتركز على تهدئة رؤساء الأقسام داخل الموساد الذين كانوا هددوا بالاستقالة إذا استمرت تقاليد تعيين رئيس عليهم من خارج صفوف منظمتهم السرية.

في الأشهر الستة الأولى من ولايته، أجرى باردو تغييرات واسعة بالموظفين في المنظمة، حيث أطاح بكل من: رئيس مديرية العمليات الخاصة، ورئيس مديرية الاستخبارات الإلكترونية، ورئيس مديرية العلاقات الخارجية. ورئيس مديرية المخابرات ورئيس التكوين الشخصي. كانت المهمة الأساسية للموساد خلال فترة باردو هي مواجهة تهديد البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك الاستعدادات لهجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية. في 6 يناير 2016، سلم باردو إدارة الموساد إلى خليفته يوسي كوهين وتقاعد.

بعد تقاعده أسس وترأس باردو شركة “إكس إم سايبر”، التي نشطت في سوق اختبارات اختراق تهديدات سايبر، وعملت من أجل رصد نقاط الضعف في هذه البنية التحتية البالغة الأهمية والتحذير منها.

بدأت “إكس إم سايبر” نشاطها مع البنوك الكبرى في الولايات المتحدة وكذلك في أوروبا الغربية، في دول بينها بريطانيا وسويسرا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا، ودخلت مؤخرا إلى السوق الفرنسية، وبين زبائنها ميناء هامبورغ وشركة التأمين الأميركية “بلايموث روك”.

وتعمل “إكس إم سايبر” حالياً بعد اتفاقات أبراهام في دبي بعد أن حصلت على اتفاق تعاون مع شركة “سباير سولوشنز” من دبي، التي تديرها مجموعة خبراء هنود، وتمثل “إكس إم سايبر” شركات سايبر إسرائيلية أخرى، بينها “سايبر آرك” و”تشيكبوينت”. من خلال مجمع الشركات الذي أقامته “رفائيل” أيضا، في مجال حماية البنية التحتية الوطنية، مثل منصات الغاز وآبار النفط والموانئ والمطارات. ويهدف مجمع الشركات الإسرائيلي إلى إبرام صفقات مشتركة مع الحكومات المحلية، بحيث تُمنع أي شركة إسرائيلية من إجراء مفاوضات مستقلة، إلا بعد أن ترصد “رفائيل” الاحتياجات وبيع البرامج بشكل مشترك.

  • يوسي كوهين.. الرئيس الثاني عشر للموساد (2016-2021): وصف كوهين بـ “عارض الأزياء” لحرصه على الظهور بثياب أنيقة. شغل يوسي كوهين مناصب تنفيذية واستخباراتية وإدارية بالموساد لنحو 31 عامًا، تولى خلالها مهام سرية، وشارك بعمليات “خطيرة”.

المولد والنشأة: ولد كوهين في مدينة القدس المحتلة عام 1961 لعائلة “متدينة”. نشط والده آرييه كوهين في عصابة “إرغون” الارهابية الصهيونية التي نشطت قبل 1948. تُعرف عائلة كوهين بأنها من (الماسورتي)، وهي مجموعة من اليهود المحافظين التقليديين، على الرغم من أنه لا يرتدي الـ “كيباه” (الطاقية الصغيرة)، باستثناء يوم السبت، وذلك قد يرجع إلى أن ضباط الموساد معتادون على إخفاء مظهرهم في تحركاتهم.

الدراسة والتكوين: درس كوهين علوم الديانة اليهودية في مدرسة “أور عتصيون يشيفا” الدينية بالقدس تحت إشراف الحاخام حاييم دروكمان. وفيها أيضا أكمل أبناؤه تعليمهم. نال شهادة في العلوم الاجتماعية من جامعة بار إيلان وحاز اللقب الأول في العلوم الاجتماعية. ويلاحظ أن للدين دوراً هاماً في حياة رئيس الموساد؛ فهو يحرص على زيارة الكنيست في الأعياد اليهودية لأداء الصلاة، ويحافظ على أسلوب حياة رياضية فهو يهوى الركض لمسافات الطويلة، ويحافظ على نظام غذاء صحي.

التجربة العسكرية والأمنية: التحق بالجيش، لواء المظليين تحديدًا عام 1979، ومن الجيش إلى الموساد عام 1983، ليتدرج وظيفيًا في معظم الترقيات المتعلقة بالاستخبارات البشرية وتوظيف التكنولوجيا في أغراض جمع المعلومات، فعمل رئيسًا لبعثة الموساد في أوروبا.

شارك منذ تجنيده في الموساد عام 1983 في عشرات العمليات السرية، وقام بتجنيد مئات الجواسيس، وتجول في العالم بعشرات جوازات سفر وبشخصيات منتحلة.

عين كوهين عام 2006 رئيسا لوحدة “تسومت” بالموساد، وهي الهيئة المسؤولة عن تجنيد الوكلاء، وتم تعيينه عام 2011 لمنصب نائب رئيس الموساد وقائم بأعمال رئيس “مديرية العمليات”.
خلافاته مع رئيسه تامير باردو دفعته إلى البحث عن عمل آخر خارج صفوف جهاز الاستخبارات، فعيّن مستشاراً للأمن القومي الإسرائيلي، وراح يوسّع علاقاته مع نظرائه في الولايات المتحدة وأوروبا.

وذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية أن هذا المنصب أتاح لكوهين الفرصة ليلتقي بشخصيتين كان لهما تأثير في حياته، حيث أدرك أن التقرب من زوجة نتنياهو، سارة نتنياهو، سوف يقربه من منصب رئيس الموساد، وأيضاً رجل الأعمال الأسترالي جيمس باكر، الذي رافق نتنياهو عام 2015 لإلقاء خطابه في الكونغرس الأمريكي.

منذ 2013 وحتى العام 2016، شغل منصب رئيس هيئة الأمن القومي ومستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن القومي.

اكتسب خبرة دبلوماسية خلال عمله رئيسًا لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي لعدة سنوات، ارتبط خلالها بشبكة علاقات مع الإدارة الأميركية وتولى ملف المفاوضات السرية مع البيت الأبيض الأميركي حول المشروع النووي الإيراني.

وأنيطت به مهمة رعاية وتطوير علاقات مع دول أوروبية هامة، كما شارك من خلال وظيفته الأخيرة بمفاوضات سرية مع السلطة الفلسطينية، وبرعاية اتصالات سرية مع دول عربية. وشكل تعيينه على رأس جهاز الموساد محطة هامة في تاريخ تلك الشخصية.

أشاد به نتنياهو، وقال إن الموساد جهاز عملياتي واستخباراتي، وأحيانا هو يشق الطريق إلى إقامة علاقات سياسية خاصة مع دول لا علاقات رسمية معها.

وتابع “حين جئت لتعيين رئيس الموساد القادم أخذت بالحسبان الجوانب الثلاثة الآنفة الذكر.

وبرأي محللين أمنيين في إسرائيل، يحتاج كوهين لتعميق القدرات العملياتية للموساد بعدما ركز سلفه على الاستثمار بالناحية التكنولوجية.

بالمقابل، شككت أوساط إسرائيلية عملت بالأمن سابقا بقدرة كوهين على التحليل في قضايا إستراتيجية إقليمية وعالمية. ووفق تسريبات نشرت، فقد تحفظ رئيس الموساد الحالي باردو على تعيين كوهين.

بحسب تقرير قديم عن يوسي كوهين، فقد نال الرجل جائزة “أمن إسرائيل” أثناء خدمته ضابطًا في الموساد، بعد ابتكاره طريقةً (لم يكشف طبيعتها) تساهم في جمع معلومات استخبارية من دول مجاورة وتمريرها لدولة الاحتلال، دون الحاجة إلى العنصر البشري أو في حالة تعثر الاستعانة بالعملاء التقليديين.

يتصل ذلك بوضوح بما نقلته بعض الصحف العبرية عن زملائه في العمل خلال فترات مبكرة من التحاقه بالموساد بخصوص تحليه بالقدرة على العمل الاستثنائي في مجاله، حيث تتنافى هذه الطريقة المبتكرة، مبدئيًا، مع عمله في الاستخبارات البشرية وتقترب من مجال عمل وحدات أخرى في الموساد تتولى مهام التجسس عن بعد.

على المستوى المؤسسي، أنشأ كوهين الذي تسلم رئاسة الجهاز يناير/كانون الثاني 2016، وحدة إلكترونية جديدةً ضخمة، يصل عدد أفرادها إلى 2000 عنصر، ليزيد أعداد العاملين في الجهاز ومنتسبيه إلى أكثر من 9000 عنصر، وتتضاعف معهم ميزانية الجهاز منذ عام 2014، كما عمق علاقة الجهاز بالمجتمع المدني، وبالأخص في مجال التكنولوجيا، ليصبح تحت قيادته “آلة قاسية تعمل في الساحة الإيرانية، وتنشط في جهود إضعاف حماس عسكريًا، وتقنع مزيدًا من الدول العربية والإفريقية بالإفصاح عن علاقتها بإسرائيل”، كما قالت جيروزاليم بوست، وذلك مقارنةً بالفترة التي تولى فيها مهمته، حينما كانت إيران تتمدد في سوريا والعراق واليمن، بشكل مهدد لمعادلات الأمن الإسرائيلية.

ترجح بعض التقارير العبرية أن نتنياهو، في أوقات سابقة من عمر الدولة، لم يكن مرتاحًا بالتعامل مع رؤساء الموساد السابقين، خاصة مائير داغان وتامير باردو، ولكنه كان مضطرًا للتعامل معهما، وفقًا للأعراف المؤسسية الحاكمة لموقع كل شخص في الدولة.

أما يوسي كوهين فقد قدم نفسه لنتنياهو على أنه نقيضٌ لأسلافه في كل شيء، قدم نفسه على أنه رجل نتنياهو القوي في الموساد وحليفه الموثوق وجزء من مشروعه السياسي، حيث يلتقي المؤسسي بالشخصي.

تقرب كوهين من سارة نتنياهو ونجلها يائير، إلى الدرجة التي جعلتهما معًا متهميْن. توطدت علاقة الطرفين، نتنياهو وكوهين، عند نقطة الخلاف مع تامير، ليس من جهة المواقف فحسب، بعد أن عرف كوهين نفسه في الموساد باعتباره الرجل الذي يستطيع تنفيذ مصالح الدولة ونتنياهو في نفس الوقت، ولكن زمنيًا أيضًا.

في عام 2016، اتُّهم كوهين في قضية فساد سياسي تتمحور حول علاقته مع جيمس باكر، المقرب من عائلة نتنياهو، وكشف ذلك عن العلاقة أيضاً بين باكر ونجل نتنياهو، يائير نتنياهو.

استطاع كوهين عام 2016 أن يرأس جهاز الموساد، أحد أبرز مؤسسات دولة الاحتلال الأمنية، خصوصاً المرتبطة بالتهديدات الخارجية التي قد تتعرض لها، بالإضافة لعمليات الاغتيال والتجسس، والمهمات الخارجية المرتبطة بتوسيع دائرة العلاقات الدبلوماسية والعسكرية لتل أبيب.

وخلال سنوات أربع أنجز كوهين مهمات متعددة؛ بينها عمليات اغتيال في إيران وسوريا وتونس وماليزيا ودبي، وفق “هآرتس”.

وأظهر تقرير “هآرتس” أن ميزانية الموساد قد تضاعفت في العقد الأخير؛ حيث ارتفعت بشكل تدريجي من 4.98 مليارات شيكل عام 2008 أيام رئاسة مئير داغان، إلى 7.63 مليارات شيكل عام 2014 أيام رئاسة تامير باردو، إلى 8.67 مليارات شيكل عام 2018 أيام رئاسة كوهين للموساد. ومع أزمة تفشي وباء كورونا انخرط الموساد بشكل كبير في مساعدة الحكومة لتوفير المعدات الطبية وتكنولوجيا التصنيع من الخارج، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أن الموساد فعّل شبكة علاقته وعملاءه في الخارج من أجل توفير كافة احتياجات الأطقم الطبية الإسرائيلية، من دون أن يؤكدوا لها صحة ما أوردته تقارير عن أن بعض المعدات وصلت من دول خليجية لا ترتبط بعلاقات مع “إسرائيل”.

لكن تامير باردو سلف كوهين في الموساد، كان قد أشار ضمنًا في أحاديث صحافية من قبل إلى أن أحد أسباب استبعاد كوهين كان ضعفه الفني من الجهاز في الأمور التي تبعد عن تخصصه في الاستخبارات البشرية وإدارة العمليات، مثل التحليل الإستراتيجي وتقدير الموقف.

في الساحة الخليجية كان لكوهين دوره المباشر في التوصل لاتفاق التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل” الذي رعته الولايات المتحدة، حيث ذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، في يونيو 2020، أن كوهين عمل على تخفيف معارضة الدول العربية لخطة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، القاضية بضم أجزاء من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.

بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، 13 أغسطس 2020، التوصل لاتفاق “سلام تاريخي” بين “إسرائيل” والإمارات برعاية واشنطن، ذكرت وسائل إعلام “إسرائيلية” وإماراتية أن رئيس الموساد وصل إلى الإمارات لإجراء محادثات مع المسؤولين في أبو ظبي، والتقى مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد.

وكان تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” في 12 فبراير 2020، قد كشف أن كوهين، برفقة رئيس مجلس الأمن القومي مائير بن شبات، ومسؤولين آخرين، ينظّمون رحلات إلى عدة دول خليجية في إطار مساعي نتنياهو للتطبيع علانية معها.

ويبدو أن تمديد فترة رئاسة كوهين لمنصب رئاسة الموساد حتى يونيو 2021، تم في إطار ملف التطبيع الذي قد يتجاوز الإمارات لدول خليجية أخرى، خاصة أنه قد أنشأ وحدة جديدة في الجهاز تختص بإدارة العلاقات مع الدول العربية، في خطوة تهمّش دور وزارة الخارجية في إدارة علاقات الدولة العبرية الخارجية.

وكان من بين اللقاءات التي رتبها اللقاء غير المسبوق لنتنياهو مع السلطان العُماني الراحل، قابوس بن سعيد، عام 2018، ومتجاوزاً الخليج إلى ترتيب اللقاء الذي جمع رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان بنتنياهو، في فبراير 2020.

يخطط يوسي كوهين إلى توظيف خبراته الاستخبارية والدبلوماسية، وظهوره الإعلامي المتكرر بشكل إيجابي مؤخرًا، لمساعدته في الانتقال إلى مربع السياسة، رئيسًا لوزراء الاحتلال، وحاكمًا فعليًا للدولة.

عبّر كوهين عن هذه الرغبة في أكثر من لقاء قال خلالهم: “الناس يقولون إنني أستطيع ارتداء حذاء نتنياهو”، “ويمكن القول إن من صفاتي الانجذاب للإدارة والقيادة السياسية، أنا أنجذب كثيرًا للموضوع الإستراتيجي، ومن الممكن أن أفكر في هذا الموضوع، بعد ما رأيته من آلاف التعليقات الإيجابية”، وقد أبدى نتنياهو تفهمًا وتأييدًا مبدئيًا لهذه الرغبة من خلال تركه يعبر عنها أولًا، وإفساح المجال لحضوره الإعلامي ثانيًا، ثم تلميحه لجدارة كوهين السياسية مؤخرًا.

قدّم الرئيس السابق لجهاز “الموساد” الإسرائيلي، يوسي كوهين، تفاصيل محددة عن عمليات، قام بها جهاز المخابرات الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، ضد البرنامج النووي الإيراني.

وعادة، لا يتحدث قادة “الموساد” إلى وسائل الإعلام إلا بعد سنوات طويلة من إنهاء خدمتهم، ولكنّ كوهين، الطامح لموقع سياسي، تحدث إلى القناة الإخبارية الإسرائيلية “12” فقط بعد أسبوع من إنهاء مهامه.

وتسلّم دافيد برنيع رئاسة “الموساد” من كوهين، الذي أشار إلى أنه لا يستبعد أن يصبح رئيسًا للوزراء يومًا ما، رغم أنه لا يفكر للوصول لهذا الموقع، في الوقت الحالي، حسب قوله.

وألمح كوهين إلى أن “الموساد” الإسرائيلي هو من فجّر منشأة للطرد المركزي الإيرانية تحت الأرض، في مدينة نطنز الإيرانية.

وقال “كانت أجهزة الطرد المركزي هناك تدور”.

وعند سؤاله “لم تعد كذلك؟” أجاب كوهين “بالفعل”.

ولم يؤكد كوهين صراحة مسؤوليته عن التفجير في نطنز، لكنه تحدث بشكل عام “نقول بوضوح شديد (لإيران): لن نسمح لكم بالحصول على أسلحة نووية. ما الذي لا تفهموه؟

ورداً على تسريبات “كوهين” قال الخبير العسكري الإسرائيلي عمير ربابورت إن “الأوساط الأمنية الإسرائيلية تعول كثيرًا على أن تكون الفترة القادمة من حقبة رئيس الموساد الجديد ديفيد برنيع أقل إثارة وأكثر صمتًا وهدوءً من سلفه يوسي كوهين، لأنها ترغب بأن يمارس الجهاز مهامه في صمت إعلامي خلال السنوات القادمة، لأن ما كشفه كوهين في الفترة الأخيرة عن بعض مهام الموساد السرية لم تلاق استحسان هذه الأوساط”.

وأضاف ربابورت في مقاله بمجلة يسرائيل ديفينس، أن “تسريبات كوهين في الآونة الأخيرة، وهو يستعرض سنوات عمله في رئاسة الموساد، أثارت غضب موظفي الجهاز المخضرمين والمتقاعدين، لأنه كسر أحد الرموز المهمة للجهاز منذ عقود طويلة، وأهمها أنه لا يتم إجراء مقابلات مع مسؤولي الموساد بشأن عملهم فيه، ولذلك كان هناك من اعتقد أن كوهين ارتكب مخالفات أمنية ميدانية خطيرة”.

وأوضح أن “رجل المخابرات المخضرم يوسي لانغوتسكي يعتزم تقديم شكوى ضد كوهين لدى الشرطة في هذا الشأن، رغم أن هناك من رؤساء الموساد السابقين من كتبوا مذكراتهم بعد سنوات طويلة من تقاعدهم، مثل شبتاي شافيت وتسافي زامير، لكنهم اهتموا بشكل أساسي بإعطاء تحليل استراتيجي أكثر من كشف معلومات سرية، ومنهم المسؤول السابق في الموساد ميشكا بن دافيد”.

 وأكد أن “الصحافة الإسرائيلية دأبت على الاعتماد على “مصادر أجنبية” حين تتحدث عن عمليات أمنية سرية تجري خلف الحدود، لكن كوهين خرق كل القواعد حين تحدث بصراحة عن العمليات في أعماق إيران، وكأنه يتحدث عن عملية للمظليين في حي القصبة بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، رغم أن هناك قوانين تمنع موظفي الموساد الأصغر رتبة من التحدث عن العمليات التي شاركوا فيها، بانتظار موافقة الرقابة”.

وأشار إلى أن “الموساد طالما امتنع عن التعليق على التقارير التي تحدثت عن عملياته”.

ونقل عن “العديد من مسؤولي الموساد أن وصف كوهين لتفاصيل العمليات جاء بغرض التفاخر الشخصي، بدليل أن فترته، حتى قبل تقاعده، اتسمت بمنشورات غير مسبوقة حول الموساد، ومنها الانفجارات الغامضة بمنشآت إيران النووية، مع أن نهج كوهين المنفتح معروفًا طوال حياته المهنية، جعل الآخرين يتوقعون منه هذه التسريبات منذ إنهاء منصبه رئيسًا لمجلس الأمن القومي، وتعيينه نتنياهو رئيسًا للموساد في 2016”.

وأوضح أن “الكثيرين من موظفي الموساد توقعوا أن يكون كوهين رئيسا للجهاز بتسريبات إعلامية غير مسبوقة، وقد حدث ذلك بالفعل، واعتقدوا أن الدافع وراء ذلك إنما هو بناء سمعته قبل محاولة مستقبلية لتنصيبه رئيسًا لليكود والحكومة، وليس بالضرورة لصالح الموساد، وهي اعتبارات خارجية، لا علاقة للجهاز بها، وخلافا للاعتقاد السائد، فلم يشجعه نتنياهو على التميز في الإعلام طوال فترة رئاسته، حتى لا يطغى عليه”.

وتوقع الكاتب بأنه “في السنوات الخمس المقبلة، سيكون الموساد في العناوين الرئيسية للإعلام أقل بكثير مما كان عليه في عهد كوهين، أولا وقبل كل شيء، لأن رئيسه بارنيع يختلف كثيرا عن سلفه، ويبدو أكثر شيبا، ليس فقط في شعره، بل في رزانته، دون أن يعني بالضرورة أنه أقل جرأة من كوهين، وقد نكون أمام عمليات جريئة في إيران أقل بكثير مما كانت عليه في أيام كوهين ونتنياهو نفسه”.

ولفت إلى أنه “كما هو معتاد في أجهزة الاستخبارات حول العالم، قد يستغرق التحضير لأي عملية في الجبهة الداخلية للعدو سنوات، حيث يتم زرع العملاء، وبناء قصص تغطية لا حصر لها، وعندما تكون البنية التحتية موجودة بالفعل، يقرر المستوى السياسي وقت تنفيذ العملية، وفي هذه الحالة يعتمد حجم العمليات على البنية التحتية القائمة، وليس على قرار رئيس وزراء أو رئيس الموساد أو أي أحد آخر”.

  • دافيد برنيع الرئيس الثالث عشر للموساد منذ 1-6-2021

السيرة الشخصية: ولد برنيع في عسقلان في 29 مارس 1965 وترعرع في ريشون لتسيون، هرب والده مع عائلته من ألمانيا النازية وهاجر إلى إسرائيل وهو في سن الثالثة. درس برنيع في المدرسة الداخلية العسكرية للقيادة في تل أبيب، وتجنّد في جيش الدفاع الإسرائيلي عام 1983. وأدى خدمته العسكرية في فوج الاستطلاع التابع لهيئة الأركان العامة (سايرت ماتكال). درس لاحقًا في الولايات المتحدة وحصل على درجة البكالوريوس من معهد نيويورك للتكنولوجيا وماجستير إدارة الأعمال من جامعة بيس. ثم عمل مدير أعمال في بنك استثماري في إسرائيل.

الانضمام إلى الموساد: في عام 1996، انضم إلى الموساد. تلقى دورة في ضباط التحصيل وخدم في فرقة تسوميت، وقاد وحدات العمليات في إسرائيل وخارجها. لمدة عامين ونصف شغل منصب نائب رئيس فرقة كيشيت، وفي عام 2013، عُيّن رئيسًا لقسم تسوميت، حيث جرى تقديم أربع جوائز عن الأمن القومي الإسرائيلي إلى القسم الذي يرأسه. في عام 2019، عُيّن نائبًا لرئيس الموساد، قبل أن يتقرر في عام 2021 تعيينه رئيسًا للموساد، وهو المنصب الذي تولاه في يونيو من هذا العام.

  • الموساد: سجل الفشل والاخفاقات

يرتبط اسم “الموساد” ايضا بسلسلة طويلة من الاخفاقات والعمليات الفاشلة التي هزت صورة الجهاز وتسببت مرارًا بحرج بالغ لإسرائيل، واحيانًا الحقت ضررًا بعلاقاتها على المستوى الدولي.. ولدى حديثها عن مسلسل الفشل في تاريخ “الموساد”، تذكر المصادر الاسرائيلية أبرز ما في قائمته على النحو التالي:

  • في تموز عام 1973 اغتال عملاء “الموساد” خطأ في منتجع “ليليهامر” الشتوي في النرويج نادلًا مغربيًا، اعتقدوا انه المسؤول الفلسطيني (ابو حسن سلامة) عن منظمة ايلول الاسود.. وقد اعتقلت السلطات النرويجية إثر الحادث عددًا من الاسرائيليين وحكم بالسجن على ثلاثة منهم ادينوا بالاشتراك في العملية الفاشلة..
  • ادت معلومات خاطئة قدمها “الموساد” الى قيام طائرة حربية اسرائيلية في آب عام 1973 باعتراض طائرة ركاب مدنية ليبية واجبارها على الهبوط في اسرائيل ظنا ان زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، د. جورج حبش، موجود على متنها، فتبين انه لا يوجد بين ركابها اي مسؤول في المقاومة الفلسطينية، ما سبب حرجًا بالغًا في حينه لإسرائيل و”الموساد”.
  • يتهم “الموساد” بانه ساهم في جر واقحام اسرائيل في المستنقع اللبناني (عام 1982) بتقديمه معلومات واحكام خاطئة ومضللة عن الوضع هناك، وخاصة ما يتعلق بقدرات حلفاء اسرائيل في “المليشيات المسيحية المارونية” في لبنان.
  • في نيسان عام 1991 ألقى شرطي قبرصي القبض بمفرده على اربعة من عملاء “الموساد” بينما كانوا يحاولون وضع اجهزة تنصت في السفارة الايرانية في نيقوسيا.. وافرجت السلطات القبرصية عن العملاء الاربعة بكفالة بعد اسبوعين بناءً على تسوية توصلت لها مع اسرائيل..
  • في تشرين الثاني 1985 اوقفت السلطات الاميركية جوناثان بولارد، اليهودي الاميركي، الذي اتهم بانه عميل سري لإسرائيل، وانه قام بحكم عمله كمهندس في البحرية الاميركية بتزويد الاستخبارات الاسرائيلية بوثائق ومعلومات سرية وحساسة، وقد ادانته محكمة اميركية في واشنطن بتهمة التجسس لحساب الدولة العبرية وحكمت عليه عام 1987 بالسجن المؤبد.. وفي منتصف التسعينيات منحت اسرائيل عميلها “بولارد” الجنسية الاسرائيلية في نطاق ضغوطها على السلطات الاميركية لإطلاق سراحه.
  • في كانون الثاني 1997، تم في اسرائيل توقيف يهودا جيل، وهو عميل سابق بارز في “الموساد”، اتهم بمد المسؤولين عنه في الجهاز طيلة سنوات عديدة بتقارير ومعلومات مضللة وملفقة نسب فيها الى سورية نوايا عدوانية لا وجود لها مما وضع البلدين في اواسط التسعينيات مرتين على حافة اندلاع حرب بينهما خاصة في صيف العام 1996.. واعتبرت قضية “جيل” بمثابة فضيحة كبيرة لجهاز “الموساد”..
  • عملية الموساد الفاشلة في الاردن: في 25 ايلول 1997 اعتقلت السلطات الاردنية في العاصمة عمان عميلين اسرائيليين من عملاء “الموساد” إثر مشاركتهما في محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية (حماس)، خالد مشعل. وقد استنكر الاردن بشدة محاولة الاعتداء التي تعرض لها المسؤول الفلسطيني على ارض الاردن، واحتجت كندا على استخدام عميلي “الموساد” جوازات سفر كندية مزورة اثناء تنفيذهما لمحاولة الاغتيال الفاشلة واضطرت اسرائيل الى الاعتذار للبلدين والى إطلاق سراح المرشد الروحي (الراحل) لحركة “حماس” الشيخ احمد ياسين بعد سجن دام ثماني سنوات مقابل افراج السلطات الاردنية عن عميليها.
  • سويسرا 1998: اخفاق فريق من عملاء “الموساد” في تنفيذ مهمة تجسسية خاصة، في مدينة “بيرن” استهدفت، حسب مصادر اسرائيلية، زرع اجهزة تنصت في شقة مواطن من أصل لبناني ينسب له الارتباط بعلاقة تعاون ونشاط لحساب منظمة “حزب الله” اللبنانية.. وقد اوقفت السلطات السويسرية وسجنت في 19 شباط 1998 أحد عملاء فريق “الموساد” الذين ضبطوا متلبسين بالمحاولة.
  • قضية نيوزيلاندا: فضيحة “الموساد” في نيوزيلاندا انفجرت في شهر تموز 2004، لكنها بدأت ترّوج قبل عدة شهور. ففي حينه قررت اسرائيل القيام بعمليات اغتيال ضد عدد من قادة “حزب الله” والتنظيمات الفلسطينية في مختلف انحاء العالم، وبشكل خاص في لبنان وسورية. ولهذا الغرض، كما يبدو، حاولت الحصول على جوازات سفر لدول محايدة لا تثير الشبهات، وبينها نيوزيلاندا. الا ان المحاولة انكشفت هنا، إذ ان موظفًا في مكتب التسجيل في وزارة الداخلية في نيوزيلاندا كان متيقظًا، فاكتشف محاولة لتزوير احد الجوازات لمواطن مقعد من نيوزيلاندا، وتم ضبط مواطنين اسرائيليين، هما ايلي فرا واريئيل زيسا، متلبسين. بينما فر مواطن اسرائيلي ثالث، يدعى زئيف وليام بركان، وجرى الحديث عن شخص رابع مجهول الهوية. وقد حكمت محكمة نيوزيلاندا على المتهمين الثلاثة بالسجن 6 أشهر، أحدهم (بركان) كان الحكم عليه غيابيًا. واستأنف الاسرائيليان الحكم بدعوى انه قاس. أما الشخص الرابع، فقد تبين انه مواطن اسرائيلي سابق من عائلة “رزنيك” حصل على الجنسية النيوزيلاندية منذ 11 عامًا، وهو يهودي، يعمل محاضرًا في معهد تكنولوجي ويتطوع في الخدمة في سيارات الاسعاف. وقد فر من البلاد الى هونغ كونغ فور انفجار الفضيحة. وحسب مصادر اعلامية، فإن “رزنيك” خدم في الجيش الاسرائيلي، وملفه يقول على انه خدم ممرضًا، مما يقوي الشكوك بأنه خدم في “الموساد”، اذ ان “الخدمة ممرضا” تستخدم كثيرا للتغطية على الجواسيس، لأنها تدل على ان صاحبها لا يخفي أمر خدمته العسكرية ولكنه في الوقت نفسه خدم في مجال خدماتي غير حربي. وذكرت مصادر اسرائيلية بالمقابل ان “رزنيك” في طريقه الى اسرائيل، حيث يريد ان يستقر فيها مع عائلته، التي هربت وراءه حالما غادر نيوزيلاندا الى هونغ كونغ. وتدل هذه المعلومات على تشعب فضحية “الموساد” في نيوزيلاندا، خصوصًا بعد تورط المواطن اليهودي فيها.

وكانت نيوزيلاندا قد طالبت اسرائيل بالاعتذار حتى تغلق هذا الملف، الا ان اسرائيل خشيت من ان الاقدام على خطوة كهذه سيثير القضاء في نيوزيلاندا، فيعيد محاكمة الجواسيس ويضاعف العقوبة عليهم عدة مرات. لذلك اختارت الصمت، وهذا، على ما يبدو، هو أكثر ما يغيظ السلطات الرسمية في نيوزيلاندا. وقد اتهمت مصادر في حكومة نيوزيلاندا اسرائيل بالعودة الى سياسة استخدام يهود العالم لخدمة جهاز “الموساد”، وهي السياسة التي كانت متبعة في الماضي وتقرر الغاؤها بعد ضبط المواطن اليهودي الاميركي جوناثان بولارد، يتجسس في سلاح البحرية الاميركي لخدمة “الموساد”. وتعهدت اسرائيل بعد اعتقال بولارد قبل 18 عامًا وأمام الولايات المتحدة بشكل خاص، وكذلك امام دول اخرى، بألا تستخدم اليهود فيها لمهمات تجسس او لخدمة أي جهاز مخابرات اسرائيلي. وقيل في حينه ان مثل هذا الاستخدام سيلحق الضرر الكبير بالمواطنين اليهود في تلك الدول. وطلبت المنظمات اليهودية من حكومة اسرائيل، بحدة وحزم، ان تتوقف عن تلك السياسة، مؤكدة انها تتسبب في كراهية اليهود وربما الاعتداء عليهم. وهكذا يأتي الاتهام من حكومة نيوزيلاندا حول نشاط “الموساد” على اراضيها ليثير ليس فقط دول العالم المختلفة التي تتعرض لهذا النشاط، بل ايضا المنظمات اليهودية في تلك البلدان.

  • ترهل وفساد

أصاب “الموساد” مع مرور الوقت، كجهاز تجسسي سري يعمل في “الظلمة” بعيدًا عن الاضواء وخارج اطر الرقابة القانونية والقضائية، الكثير من مظاهر الفساد والترهل والتضخم، كما اعترف العديد من كبار مسؤوليه السابقين، مما ولّد دعوات متكررة بين فترة واخرى، لا سيما بعد كل فضيحة كبرى او فشل ذريع تعرض له “الموساد”، وتسرب ذلك الى وسائل الاعلام، الى ضرورة اجراء اصلاحات واعادة تنظيم جذرية لأقسام وهياكل وحتى مهام ووظائف الجهاز الذي لا يتم الاعلان عن حجم الميزانيات والاموال التي تنفقها عليه خزينة الدولة العبرية، اذ تبقى ميزانيته السنوية كغيره من اجهزة الاستخبارات السرية الاسرائيلية، كبند سري ضمن الموازنة العامة للدولة…

ولكن هذه الاصلاحات والتغييرات التنظيمية والبنيوية التي كان الجهاز بحاجة ماسة لها خلال السنوات الاخيرة على وجه الخصوص، كما تردد في تقارير صحافية اسرائيلية عديدة، لم تتم او على الادق لم تستكمل خلال فترة الرئيس الثامن للموساد، داني ياتوم، الذي كان يعول عليه كثيرا كجنرال عسكري مرموق سابق، في انجاز هذه المهمة الصعبة، على ضوء استقالته المبكرة بعد اقل من نصف فترة ولايته المقررة..

  • تمجيد وتنصل

يقول مراقبون ان “الموساد” برهن بلا شك، خلال سنوات عمله الطويلة، على قسوته وفاعليته كجهاز للتجسس والعمليات الخاصة.. وبالرغم عن حرص اسرائيل الشديد على ابقاء هالة الغموض والسرية المتناهية حول “الموساد” ونشاطاته، الا ان الاسرائيليين عمومًا، والمطلعون منهم على وجه الخصوص، ما زالوا يذكرون بقدر كبير من التفاخر والاعجاب مسلسل عمليات الاغتيال والتصفيات الجسدية “الناجحة” وغيرها من العمليات المنسوبة للموساد فيما مضى، حتى في اثناء انشغال كبار مسؤوليهم في مراجعة وتفحص الاسباب والاخطاء التي ادت الى فشل عملية ما، نفذها “الموساد” وعملاؤه في بلد او مكان ما في الخارج، كما حدث بعد محاولة الاغتيال الفاشلة لخالد مشعل في الاردن، في ايلول 1997 وعملية “التجسس” الفاشلة في سويسرا في شباط 1998.

ومن الملاحظ واللافت للنظر ان “الموساد”، الذي يخضع النشر عن نشاطاته وعملياته لرقابة عسكرية مشددة في اسرائيل، ينشط دومًا لا سيما بعد كل فضيحة او فشل ذريع يرتبط اسمه بهما، في تسريب معلومات وتقارير الى وسائل الاعلام، احيانًا بواسطة صحافيين اسرائيليين واجانب “مقربين”، واحيانًا اخرى عن طريق عملاء ومسؤولين “سابقين” في الجهاز، وتتسم هذه التقارير والمعلومات المسربة غالبًا بطابع “التمجيد بمآثر ونجاحات” سابقة تنسب للموساد، و”الدفاع عنه” في غمرة فضيحة او فشل يمنى بهما..

بعد استقالة داني ياتوم من رئاسة “الموساد” (في اواخر شهر شباط 1998)، نشرت الصحف العبرية اليومية عشرات التقارير والمقالات التي تميز الكثير منها بهذا الطابع…

يوسي ميلمان استطرد، في واحد من تقاريره الدفاعية عن الجهاز، قائلًا: “90 في المائة من مهمات وطاقات الموساد توجه نحو جمع المعلومات، وهي عمليات سرية لا يعلم بها الجمهور. وقسم صغير فقط من نشاطاته يعتبر عمليات (عنيفة) و(صاخبة)، وفشل هذه العمليات او نجاحها يضع الموساد في صدارة العناوين”.

وعلى رغم ما يبديه “الموساد” والقائمون عليه من حرص شديد حتى الان على فرض قاعدتي “السرية والتنصل” حول نشاطات وعمليات الجهاز، كما شدد على ذلك رئيسه الاسبق افرايم هليفي، الذي اشار الى ان “الحالتين” (الفشلين في الاردن وسويسرا) اللتين اعترف “الموساد” بمسؤوليته عنهما “شاذتين عن القاعدة”، الا ان التسريبات، التي تمت بقصد او دون قصد، سمحت بتكوين اطلالة معينة على سجل “النجاح والفشل” للعمليات التي نفذها “الموساد” او نسب له الوقوف وراء تنفيذها..

مجتمع الاستخبارات وصناعة القرار الاسرائيلي

يغني الناتج الاستخباري الذي تقدمه أجهزة المخابرات الاسرائيلية المتعددة حجم المعطيات التي توضع بتصرف صانع القرار الاسرائيلي فحجم “داتا المعلومات” التي تقدمها 5 أجهزة مخابرات يجعل مدخلات القرار الاسرائيلي واحداً من أكثر المدخلات غنى في العالم، وذلك لأنه يعطي لصانع القرار الاسرائيلي معلومات مفلترة على جميع المستويات حيث يتحدد الموقف وفقاً للميزات التالية:

1ـ معظم السياسات في إسرائيل تبنى على تقييمات استخباراتية.

2ـ تتمحور وظيفة الأجهزة الاستخباراتية في إسرائيل في توفير المعلومات وتزويدها لصانع القرارات في المستويين العسكري والسياسي.

3ـ تولي إسرائيل أهمية خاصة للأجهزة الاستخباراتية والأمنية حيث تعتبر دولة عسكرية من طراز نادر.

4ـ هناك علاقة كبيرة بين المستوى السياسي والمستوى الاستخباري في صناعة القرار السياسي في إسرائيل.

5ـ وجود معلومات وتقدير موقف جيد من أجهزة الاستخبارات يساهم في دور فعال في اتخاذ القرار السياسي.

ولفهم أهمية ما تقدمه أجهزة المخابرات لصانع القرار الاسرائيلي سنستعرض بشكل سريع وموجز عملية صناعة القرار الاسرائيلي بشكل عام ودور أجهزة الاستخبارات الاسرائيلي في صناعة القرار بشكل خاص.

  • صناعة القرار في إسرائيل:

تخضع عملية صنع القرار في إسرائيل للعديد من المؤثرات الداخلية والخارجية والتي تساهم عمليًا في الضغط على أصحاب القرار كي يضعوا وجهات النظر المتعددة في حسابتهم وأحيانا يتم فرض بعض الآراء على أصحاب القرار نتيجة بعض التوازنات ـ وخاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي الإسرائيلي، واذا اعتبرنا أن الحكومة الإسرائيلية هي صاحبة القرار، بما كفلت لها القوانين العبرية ذلك فإنه لا شك فيه أن بعض القوى والمؤسسات وجهات الضغط أيضا تمارس هذه الدور بشكل أو بأخر فنجد أحيانا الدور الفاعل والمؤثر للمؤسسة العسكرية في حسم بعض القرارات والتي غالبا ما تخص قضايا الحرب أو الصراع فتكون الأكثر تأثيرا وحسما في هذه القضايا وعلى اعتبار أن المؤسسة الأمنية التي تمتلك كافة المعلومات في هذا المجال، أيضا يبرز بوضوح دور الأحزاب الإسرائيلية في التأثير على صناعة القرار وخاصة الأحزاب اليمينية الدينية حيث تستغل هذه الأحزاب وجودها في الحكومة من أجل سن بعض القوانين الخاصة والتي تؤدي إلى الحفاظ على قواعدها الحزبية.

ويبرز أيضا الدور المركزي لمراكز الأبحاث حيث أنها تلعب دورا مركزيا في توجيه الرأي العام باتجاه بعض القضايا الهامة والمصيرية وأحيانا بلجأ صانع القرار إلى تشكيل مراكز بحث لهذه الفرص والذي من خلاله يتوفر لصانع القرار المعلومات الكافية التي تساعده على اتخاذ القرار السليم، لذلك سنحاول بشكل مختصر إلقاء الضوء على دور القوى متخذة القرار الإسرائيلي.

  • دور الحكومة الإسرائيلية في اتخاذ القرار

بعد تكليف رئيس الحكومة من قبل رئيس الدولة يتم عرض الحكومة على الكنيست الإسرائيلي للمصادقة عليها، وبعد أن تمنح الثقة تعتبر حكومة قائمة ويباشر الوزراء مهامهم، ومنذ تلك اللحظة يمتلك رئيس الحكومة صلاحية تعيين الوزراء أو إقالتهم. ويعد رئيس الوزراء السلطة العليا التي تضع السياسيات وتنفيذها. وهاك أيضا مجلس وزراء مصغر أو داخلي ويضم عادة حوالي عشرة أعضاء مأخوذين من مجلس الوزراء الأكبر حجما، ويتكون من أهم الوزارات مثل الدفاع والشؤون الخارجية، والمالية. (جوبسر، 2001).

  • أهم اللجان في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي
    • لجنة الوزراء لشؤون الأمن:

رئيس الحكومة يرأس هذه اللجنة وتسمى الكابينت أو المجلس الوزاري المصغر ولها الصلاحية في صناعة القرار السياسي في القضايا الهامة أو المصيرية.

  • مجلس الأمن القومي

مؤسسة تابعة لديوان رئيس الحكومة، ويستمد مجلس الأمن القومي صلاحيته وقوته من الحكومة.

  • سكرتير الحكومة العسكري

يعتبر سكرتير الحكومة العسكري مركزا حساسا، لأنه حلقة الوصل بين رئيس الحكومة والمؤسسة الأمنية، ويحضر جميع اجتماعات رئيس الحكومة مع المسؤولين العسكريين والأمنيين.

  • المؤسسة العسكرية والاستخباراتية:

منذ تأسيس إسرائيل والمؤسسة العسكرية ممثلة بالجيش والموساد والشاباك تدار وفقا لمدونة سلوك تختلق عن تلك الخاصة بالمستوى السياسي حيث إن مدد شغل المناصب فيها طويلة نسبيا ومستقرة. وتعتمد التعينات فيها على درجة الاحترافية، والخطط التطويرية تمتد على مدى عدة مستويات وبالتالي فهي تملك القدرة على التخطيط وتنفيذ السياسيات على نحو أكثر فاعلية من الأجهزة الأخرى.

أصبحت المؤسسة العسكرية الحاضنة الأساسية للقيادات السياسية التي تتبوأ المناصب السياسية العليا والأهم في إسرائيل، فقد تولى في العقدين الأخريين ثلاث جنرالات سابقين لرئاسة الحكومة وهم يتسحاق رابين، ويهود بارك، أرائيل شارون، وفي العقود الخمسة الأخيرة شغل أكثر من 60 جنرال منصب وزير ونائب وزير في الحكومات الإسرائيلية المتعاقدة وأكثر من 100 جنرال عضوية الكنيست.

  • دور مراكز البحث والفكر في مساعدة صانعي القرار:

باتت إسرائيل تمتلك خلال العام 2020 العشرات من مراكز البحث ومعاهد الدراسات الاستراتيجية التابعة للجامعات والوزارات المختلفة، وبطبيعة الحال لكل مركز أو معهد اختصاص مناط بنشاطه من ندوات ومؤتمرات وصولا إلى إصدار تقارير وبحوث دورية، تتضمن نتائج وخلاصات على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو العسكري، تفيد في مجملها في اتخاذ قرارات استراتيجية تخطط إسرائيل لها مسبقا.

تعتبر مراكز الابحاث أحد أهم روافد عملية صنع القرار في الغرب، وفي دولة الاحتلال الإسرائيلي على وجه الخصوص، حيث أدركت مبكرا أهمية هذه المراكز خاصة في تحقيق مكاسب في صراعها مع العرب.

ويوجد في إسرائيل أكثر من 50 مركزا بحثيا ومعهدا للدراسات يقومون بمعالجة الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ويقدمون مقاربات وتوصيات لصانع القرار في إسرائيل لكيفية معالجة هذه الأزمات وأهم هذه المراكز:

  • .
  • .
  • .
  • .
  • .
  • .
  • .
  • .
  • .
  • دور الأحزاب الإسرائيلية:

تتميز الأحزاب السياسية بالتعدد الذي يعد من أبرز خصائص النظام السياسي الإسرائيلي ومرجع هذا التعدد هو تنوع الطوائف وتباين الاتجاهات وتضارب الأصول التي تسعى كل منها للتعبير عن نفسها بشكل حزب سياسي.

تظهر قوة تأثير الأحزاب الإسرائيلية في النظام السياسي في إسرائيل قبل وأثناء المفاوضات مع رئيس الحزب المكلف بتشكيل الحكومة حيث تظهر قوتها على التأثير في تشكيل الحكومة وتوقع اتفاقيات تحافظ على مصالحها سواء كانت اجتماعية أو سياسية.

  • دور أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في صناعة القرار في إسرائيل:

أولاً: دور الاستخبارات العسكرية أمان

يعتبر جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أمان أكبر الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على الإطلاق وأكثرها كلفة لموازنة الدولة، ويقدم الجهاز التقييمات الاستراتيجية للحكومات الإسرائيلية والتي على أساسها يتم صنع واتخاذ القرار في إسرائيل.

تقدم المخابرات العسكرية الإسرائيلية أمان تقارير استخباراتية فورية لها أهمية عملياتية وتوزع كمادة خام كما وردت مع بعض التعليقات عليها من كبار الباحثين، كما تقدم تقرير يومي إجمالي عن المستجدات مع تحليل لها، وتقارير خاصة في موضوعات مختلفة بين الفينة والأخرى خلال السنة، كما تقدم أحدث التقديرات الاستراتيجية لوزير الدفاع ورئيس الوزراء وغيره من صناع القرار في اجتماعات أسبوعية، ويصدر عن أمان التقدير الاستخباراتي القومي السنوي.

ثانياً: دور جهاز المخابرات العامة والأمن العام “الشاباك

على الرغم من أن الشاباك هو أصغر الأجهزة الاستخباراتية في دولة الاحتلال إلا أنه يعتبر أكثر الأجهزة الأمنية حضورا وتأثيرا على عملية صنع القرار السياسي والعسكري ولا يمكن مقارنة تأثيره الطاغي بتأثير أي جهاز أمني آخر في إسرائيل.

كل وسائل الإعلام الإسرائيلية تجمع على أن الحكومة تضرب بعرض الحائط توصيات بقية الأجهزة الأمنية الأخرى إذا كانت تتعارض مع التوصيات التي يقدمها الشاباك.

وقد دلت التسريبات التي تبرز من المداولات الأمنية السرية التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية منذ انطلاق انتفاضة الأقصى بشكل لا يقبل التأويل أن الشاباك هو الذي رسم سياسيات القمع التي مارستها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وهو الذي كان ينجح دائما في رفع سقف هذا القمع مستغلا إنجازاته لتبرير مطالبة الحكومة بتبني توصياته.

وهذا النفوذ الواسع الذي يحظى به الشاباك هو الذي جعل ناحوم برنيع كبير معلقي صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية يعتبر رئيس الشاباك هو الحاكم الحقيقي للدولة.

ثالثاً: دور جهاز الأمن الخارجي “الموساد

الموساد يلعب دورا مهما في سياسة الظل الخارجية لإسرائيل مع الدول ويعتبر جهاز الموساد عبر رئيسه السابق يوسى كوهين عرّاب العلاقات مع قادة عرب ورأس حربة التطبيع والهدف من تطوير هذه العلاقات والتدرج بتظهيرها للعلن هو الدفع باتجاه التعامل مع إسرائيل كدولة طبيعية.

رابعاً: مركز البحوث السياسية “مماد

يعمل ” مماد” التابع لوزارة الخارجية الاسرائيلية في مجالات تقدير المواقف السياسية فقط في ضوء ما يصله من معلومات: أمنية واستخبارية وسياسية من المكاتب والقنصليات التابعة له في مختلف عواصم العالم، وهو جهاز صغير نسبيًا إذا ما تم قياسه بمركز الأبحاث التابعة لجهازي: الموساد وأمان، ويتم الاستفادة من أبحاثه في مجال العمل الدبلوماسي الذي تضطلع به وزارة الخارجية، ومع ذلك فإن العاملين فيه وممثليه يشاركون في أحيان كثيرة في اجتماعات الحكومة لتقدير المواقف الأمنية، ويقدمون توصياتهم ومقترحاتهم في مختلف القضايا التي تخص دولة الكيان.

ومن مهام المركز إنشاء شبكة علاقات واسعة مع مسؤولين سياسيين وعسكريين وامنيين ودبلوماسيين ومعارضين من العرب ومن دول أجنبية كثيرة، ويلعب ” مماد” دورا مهماً في توطيد العلاقات بين إسرائيل ودول العالم في أوروبا وأسيا بصفة عامة، وفى إفريقية بصفة خاصة، ولعب دورا في عقد محادثات بين السياسيين الإسرائيليين ونظرائهم العرب والأفارقة خلال السنوات العشر الماضية.

  • أبرز وسائل جمع المعلومات لدى أجهزة الاستخبارات الصهيونية:

إنَّ القدرات التكنولوجية العالية والخبرة المتراكمة التي تمتلكها أجهزة الاستخبارات في مجال جمع المعلومات تحتم علينا اتخاذ إجراءات أكثر قوة لمنع أي عمل معادٍ والتصدي له؛ ولإحباط أنشطة هذه الأجهزة يجب التعرف على أساليبها وطرقها في جمع المعلومات، والتعرف على قدراتها الواسعة في مجال التجسس والتنصت والمراقبة، وسنتناول في هذا الفصل لمحة سريعة عن بعض وسائل جمع المعلومات لدى العدو ووسائله وأدواته المستخدمة في ذلك:

  • وسائل جمع المعلومات: تعتمد أجهزة استخبارات العالم بشكل عام على وسائل رئيسة عديدة في جمع المعلومات السرية أو المغلقة كما يطلق عليها في علم المخابرات، ومن هذه الوسائل:
  • التنسيق مع أجهزة مخابرات الدول الصديقة والحليفة : حيث تعيش أجهزة الاستخبارات اليوم ما يعرف بالتنسيق وتبادل المعلومات فيما بينها وبين أجهزة استخبارات الدول الصديقة، والدول ذات المصالح المشتركة، ويتم الاشتراك في العديد من الأنشطة الاستخبارية وأنظمة التجسس بما يحقق أهداف تلك الأجهزة، ويعقد في العديد من دول العالم اجتماعات لقيادات أجهزة الاستخبارات؛ لبحث قضايا الشأن المشتركة، أما أجهزة الاستخبارات الصهيونية فتحظى بدعم ومساعدة من دول عديدة في العالم، كما أنها تتبادل المعلومات أيضًا في الإقليم؛ حيث وردت تقارير وتصريحات رسمية عديدة، تشير إلى حجم ومدى التعاون الاستخباري بين العديد من الدول والكيان الصهيوني، ولكثرة الوسائل التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات في جمع المعلومات، والتي لا نستطيع أن نذكرها هنا بالكامل؛ سنُسلطُ الضوء على وسيلتيْنِ من أبرز تلك الوسائل، وهما:

العنصر البشري: تجنيد العملاء وزرع الجواسيس.

الوسائل التكنولوجية وتقنيات التنصت والمراقبة والاستطلاع.

  • العنصر البشري: تجنيد العملاء وتشغيلهم

على الرغم من اختلاف الوسائل، وتغير التقنيات، واختراع الآلات والأسلحة الحديثة بمختلف أنواعها الجوية والبحرية والبرية، وثورة الاتصالات والمعلومات والإعلام وتعدّد وسائلها، وتسخيرها لخدمة العمل الاستخباري أو التجسسي، من أقمار اصطناعية وطائرات بدون طيار، وشبكات الأنترنت، يبقى الإنسان هو العنصر الأساسي في أي عمل مخابراتي؛ لما يملكه من قدرة على التقييم والتحليل والحل والربط، والتكيّف مع كل حالة، وكذلك لما يملكه من إمكانات عقلية وفكرية تمكّنه من تقديم معلومات نافعة، ويمكن من خلال زرعه أن يقدم معلومات صادقة وموقوتة، وهو ما تلهث خلفه أجهزة استخبارات الاحتلال وتجتهد من أجله؛ ولذلك تكثف تلك الأجهزة نشاطاتها الهادفة لتجنيد عملاء لها من نوعيات خاصة، وتطور أساليبها الرامية للإسقاط والتجنيد، فهي لديها أقسام مختصة بالتجنيد فقط كما ذكرنا في الدراسة، ومن أكثر أساليب الاحتلال استخدامًا في الوقت الحالي، هي:

  • استغلال الملذات الجنسية (الكمائن الغرامية): تستغل أجهزة الاستخبارات الصهيونية الغرائز الجنسية والشهوات، وعادة ما تبدأ القصة بمكالمة من فتاة عبر الهاتف المحمول، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قصة حب زائفة مبطنة بسموم المخابرات الصهيونية، تمتد لأشهر دون طلب معلومة واحدة، ومن ثم يبدأ التوريط التدريجي من خلال المكالمات الجنسية، أو تبادل الصور وما شابه ذلك، ومن خلال بعض الأسئلة التي يتم انتقاؤها من ضباط التجنيد بعنايةٍ فائقةٍ بحيث لا تثير الشبهة أو الريبة، التي تُطرح على الشخص المُرَاد إسقاطه خلال المحادثات، والتي يتم توريطه بأجوبتها حتى لو كانت تلك الأجوبة من وجهة نظر المستهدف لا تضر أحدًا؛ إلا إنَّها تكون بمثابة بداية توريطه، ومن ثم ابتزازه لاحقًا، والضغط عليه بتلك المحادثات والصور.
  • استغلال الحاجات الإنسانية (العلاج، الدراسة، العمل..): يعتمد هذا الأسلوب على الحاجة الإنسانية الملحة التي يمر بها الشعب الفلسطيني عامة، وأهالي قطاع غزة بشكلٍ خاص، ولاعتبارات إغلاق المعابر والحصار؛ حيث تجد الاستخبارات الصهيونية التربةَ المناسبة لتقوم بألاعيبها الخبيثة، من خلال الضغط والابتزاز، واستغلال حاجات العلاج والدراسة؛ فتقوم من خلال المقابلة المباشرة أو من خلال الاتصال بعرض خِدْماتها، وتستهدف الأشخاص الأكثر حاجة للعلاج في الخارج أو المقربين من عائلاتهم، وتحاول إقناعهم بأنَّ ما سيقدمونه من خِدْمات سيمكنهم من إنهاء معاناتهم أو معاناة أهلهم، وأنَّ ما سيطلب منهم سيكون بحسب الاستطاعة، وهذا هو الطُعم الخبيث والسُم الذي يُدَس لمثل هؤلاء، كذلك تقوم تلك الأجهزة بعدة محاولات بهدف تجنيد الأشخاص الذين هم بحاجة لإكمال دراستهم في الخارج، وقد تستهدفهم في أثناء مرورهم على المعابر، أو حتى وهم في الخارج، أي بعد سفرهم من خلال مكاتب الموساد العاملة خارج دولة الكيان.
  • استغلال الحالة الاقتصادية: ومن خلال هذا الأسلوب تقوم أجهزة الاستخبارات باستهداف الأشخاص الأكثر حاجة للمال، الذين يمرون بأزمة مادية، وتقوم بابتزازهم من خلال التواصل معهم، وإغرائهم بالمال، وتعمد في ذلك إلى تكرار الاتصال والإلحاح، ورسم صورة وردية للمستَهدَف بأنه سيُكْمل حياته بشكل أفضل، وستنتهي كل مشاكله المادية؛ بل ويمكنه بعد تقديم بعض الخِدْمات أن يسافر إلى أي دولة يريدها، وما ذلك إلا لاستدراجه وتوريطه في الجرم المشهود؛ حتى يستيقظ على وهم كاذب، فيجد نفسه خائنًا لدينه ووطنه.
  • الأنترنت والخداع: يسعى ضابط المخابرات الصهيوني لنسج شباكه بطريقة مدروسة لإسقاط الشباب عبر الأنترنت؛ مستخدمًا في ذلك وسائل عديدة، أهمها:
  • الخداع الالكتروني.
  • الخداع العاطفي.
  • التوريط الجنسي.
  • ابتزاز المعلومات.

ويتم ذلك إما من خلال نصب الكمائن الغرامية التي تحدثنا عنها سابقًا، أو من خلال الهندسة الاجتماعية التي سنذكرها بشيءٍ من التفصيل من خلال ابتزاز المعلومات والخداع والإيهام.

  • الهندسة الإجتماعية: وتعني اكتساب المعلومات بطريقة الخداع والإيهام بدون إثارة ارتياب الضحية، وتُعرف بفن انتقاء الأفراد لفعل أشياء ما كانوا ليفعلوها في الوضع الطبيعي، والهدف هو خداع شخص ما لتقديم معلومات قيمة، أو الوصول إلى تلك المعلومات من خلاله، ويركز هذا الأسلوب على الطبيعة البشرية، مثل: الرغبة في المساعدة، أو الرغبة في الثقة بالآخرين، والخوف من الوقوع في المشاكل، ومؤشر الهندسة الاجتماعية الناجحة هو الحصول على المعلومات دون إثارة الارتياب، ويمكن تصنيف الهندسة الاجتماعية إلى نوعين، وهما: الهندسة الاجتماعية البشرية، والهندسة الاجتماعية الحاسوبية؛ حيث تعني الهندسة الاجتماعية البشرية التفاعلات بين فرد وفرد؛ للحصول على المعلومات المرغوبة، أما الهندسة الاجتماعية الحاسوبية فتعني استخدام برامج الحاسوب في الحصول على المعلومات المرغوبة.

وتستخدم أجهزة الاستخبارات الصهيونية هذا الأسلوب بكثرة؛ حيث ينتحل ضابط الاستخبارات الصهيونية صفة مواطن عربي على سبيل المثال، ويقوم بالدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، وإثارة بعض القضايا، والتحدث مع الآخرين، ونسج علاقات معهم، ويقوم من خلال تلك العلاقات بجمع المعلومات، كما تبين في حوادث أخرى قيام ضابط الاستخبارات بانتحال صفة المؤسسات الدولية؛ فيقوم بالاتصال على بعض الأفراد ويجمع منهم معلومات، بدعوى أنه يعمل موظفًا في إحدى الشركات، أو المؤسسات الخاصة، أو الدولية، أو جمعيات الإغاثة.

  • الوسائل التكنولوجية وتقنيات التنصت والمراقبة والاستطلاع:
  • الأقمار الصناعيةيعد الغزو الصهيوني للفضاء الخارجي أول الخطوات التأسيسية الصهيونية للحرب الإلكترونية، وأحد أهم مجالات الحرب المعلوماتية التي تشنها الدولة العبرية على العالمين العربي والإسلامي، فمنذ أوائل ستينيات القرن الماضي انصب الاهتمام النخبوي الصهيوني على تغطية الفضاء الصهيوني بالوسائل كافة، التي تمكنه من رصد أي تحركات على الأرض، وتبعًا لذلك طورت الدولة العبرية عام 1963م ما يعرف باللجنة القومية لبحوث الفضاء، التي أنشأتها كخطوة أولى في هذا المجال؛ لينشط العلماء والمتخصصون الصهاينة في إعداد البحوث والمؤتمرات والمشاركات المتعلقة ببحوث الفضاء، والتركيز على تطوير البنية الصناعية الفضائية الصهيونية كخطوة تبقى متجددة في الكيان الصهيوني، والتي أثمرت بانضمام الأخيرة إلى نادي الفضاء العالمي، وعمدت هذه المؤسسات والمصانع العاملة تحت إطار برنامج الفضاء الصهيوني، وبالتعاون مع بعض الجهات الداخلية والخارجية الحليفة للكيان الصهيوني، كأمريكا وبعض الدول الأوروبية، إلى إنتاج العديد من الأقمار الاصطناعية، والأدوات الغازية للفضاء الخارجية، وتمكن العالم الصهيوني يوفال نئمان في العام 1983م من البدء بلملمة مكونات برنامج الفضاء الصهيوني، ووضعه ضمن وكالة تعنى بشؤون الفضاء الخارجي والالكتروني، وهي وكالة الفضاء الصهيونية المعروفة باسم (سالا)؛ حيث كلفت (سالا) بالإشراف على برنامج الفضاء الصهيوني، وتنفيذ مخرجاته، وإنتاج المزيد من التكنولوجيات في هذا المجال وتطويرها.

 وضعت الدولة العبرية بنكاً من الأهداف المعلوماتية والأمنية التي ترغب بتحقيقها من خلال الأقمار الاصطناعية، ويقع التجسس على العالم العربي والاسلامي في مقدمة هذه الأهداف، ويضاف إليها مجموعة أخرى من الأهداف الاستراتيجية المنشودة التحقق، أهمها ما يأتي:

  1. تُخفِّض الأقمار الصناعية عنصرَ المفاجأة الذي تخشاه الدولة العبرية دائمًا؛ وذلك عبر مراقبة الأراضي التي تحيط بها، والتي تنشط بها تشكيلات معادية، وإرسال التقارير التي تتعلق بها بشكل دوري.
  2. توفر الأقمار الصناعية للكيان الصهيوني إمكانية الاستطلاع على المعلومات المهمة للدول المجاورة لها، وقد عززت الدولة العبرية من هذا الهدف الاستراتيجي خاصة بعد حرب الخليج الثانية؛ حيث تمكن العراق من ضرب الكيان الصهيوني بمجموعة من الصواريخ.
  3. لهذه الأقمار القدرة على توجيه الصواريخ النووية إلى أهدافها بدقة بالغة.
  4. إعاقة شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية للدول العربية والاسلامية؛ وذلك عبر وسائل الاستطلاع التي تمكن الكيان الصهيوني من اختراق هذه الشبكات الاتصالية والتواصلية.
  5. الطائرات بدون طيار: جعل التقدم الكبير الذي شهدته الدولة العبرية في مجال تصنيع الطائرات غير المأهولة وتطويرها، من الدول الرائدة في هذا المجال؛ بل أصبحت تلك النماذج من الطائرات تحظى باهتمام العديد من الدول التي تسعى لامتلاكها، وبالفعل قامت الدولة العبرية في السنوات الأخيرة بعقد صفقات مع عدة دول لتزويدها بتلك الطائرات؛ حيث تمتلك الدولة العبرية العديد من هذه النماذج منها ما هو مخصص للعمل الاستخباري والجمع المعلوماتي فقط، ومنها ما يمكن استخدامه في عمليات القصف وضرب أهداف، بالإضافة لاستخداماتها في مجال الجمع والاستطلاع.

وتم بالتعاون بين الكيان الصهيوني، وروسيا إنتاج عدد من طائرات التجسس من نوع (فالكون) التي تعتمد على تقنيات أمريكية متقدمة، وأنتجت الدولة العبرية في العقد الأخير وطورت أكثر من طراز مثل طائرة (هرمس 450)، و(هيرون)، والعديد من الطائرات ذات الإستخدامات المختلفة في مجال التجسس والتنصت والمراقبة.

أما أحدث طائرة إستطلاع انضمت للخدمة فهي (هرمس 900)، أو (الكوكب) كما يطلق عليها سلاح الجو الصهيوني، ولم يكشف عن إمكانيات هذه الطائرة وقدراتها؛ إلا إنَّ ما صُرح به هو أن (الكوكب / هرمس 900) سوف تؤدي إلى ثورة في عالم وسائل الطيران غير المأهولة فإمكانياتها مضاعفة، وتعتبر قفزة نوعية تكنولوجية، تمكن سلاح الجو الصهيوني من الحصول على قدرات جديدة، والتوغل في حلبات إضافية وآفاق بعيدة، وتقاس وسيلة الطيران غير المأهولة بحسب قدرتها على إحضار أجهزة حديثة ومتطورة أكثر بكميات أكبر إلى المساحة، وتنفيذ مهام نوعية أكثر؛ وشملت التحسينات المهمة في (هرمس 900) تطوير قدراتها التقنية والقتالية، وقدرات المراقبة والاستطلاع.

  • طائرات السطع والحرب الالكترونية: تسلَّم سلاح الجو الصهيوني في أوقات سابقة 2001 أحدث طائرة تجسس مأهولة في العالم من الولايات المتحدة، وجرى إطلاق اسم (ناحشون بن عميدور) على السرب الذي تشكل من هذه الطائرات، القادرة على تصوير بقع أرضية محددة بقطر يفوق ال 350 كيلومتر، وبهذا تكون قد حسَّنَّت من الأداء التجسسي لسلاح الجو الصهيوني، وتوفر معلومات بالغة الأهمية والفعالية، وأفضل صور دقيقة لأوضاع مختلفة الساحات، وأكد موقع سلاح الجو الصهيوني على الأنترنت على : (قدرة هذا السلاح على استيعاب الطائرة الجديدة وهضم تقنياتها العالية؛ إذ أمضى بعض طياريه أسابيع عديدة في الولايات المتحدة للتدريب على الطائرة. أما عن ميزات هذه الطائرة التي تم تطويرها أصلًا من طائرة رجال الأعمال (غولف ستريم Gulf stream)، والتي تعاقدت شركة (إيليتا) الصهيونية وشركة (غولف ستريم) الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2001م، على صفقة تتضمن نموذجًا للتجسس وآخر للمراقبة الجوية، ووصفت قدراتها التكنولوجية بأنَّها فائقة التطور، كما أنَّ لها قدرة التحليق على ارتفاعات عالية جدًا، والبقاء في الجو خمس عشرة ساعة متواصلة، فتقلع من الولايات المتحدة إلى الخليج العربي مثلاً بلا توقف ولا انقطاع، و قال موقع الجيش الصهيوني على الأنترنت إنَّ ” الطائرة الجديدة فائقة التطور تمنح سلاح الجو الصهيوني تفوقًا نوعيًّا لا نظير له، وإنَّ الجيش الذي كان يعتمد على وحدات في مهام المراقبة الجوية، صار يمتلك هذا النوع من الطائرات ذات القدرات غير المسبوقة؛ لإنجاز مهام التجسس والمراقبة الجوية بفاعلية ودقة كبيرتين”، تبلغ تكلفة كل طائرة من هذا النموذج التجسسي الذي لم يكن لدى الكيان الصهيوني، ما يضاهي نحو (مائة مليون دولار).
  • التجسس على الهواتف النقالة ومواقع التواصل الاجتماعيكان الاعتقاد الشائع عند انتشار الهواتف النقالة الخلوية بعد عام 1990م أنه يستحيل مراقبتها والتنصت عليها؛ لأنها تستعمل نظام (GSM)، وأمام هذه الصعوبة في المراقبة طلبت وكالة (CIA) وضع رقائق صغيرة داخل هذه الهواتف؛ لكي تيسر لها مراقبة المحادثات الجارية خلالها، وبينما كان النقاش يدور حول هذا الأمر ومدى مشروعيته، استطاعت شركة (Rode Schwarz) الألمانية، تطوير نظام أطلقت عليه اسم (Tmsl Catcher)، وهو اختصار لـ (Internato nal mobile scbscri ber Identity) استطاعت من خلاله التغلب على هذه الصعوبة، واصطياد جميع الإشارات الصادرة عن هذه الهواتف، وقلبها إلى كلمات مسموعة، ولم تكتفِ المخابرات الألمانية في حينه من اختراق المكالمات الجارية بالهواتف النقالة؛ بل توصلت إلى معرفة مكان المتحدثين أيضًا، كما طورت جهازًا إلكترونيًّا تستطيع بوساطته استخدام الميكروفون الموجود في الهاتف النقال؛ لكي ينقل جميع الأصوات والمحادثات الجارية، وسرعان ما انتقل هذا النظام الالكتروني إلى وكالة (NSA) الأمريكية، وغالبًا إلى وحدة (8200) الصهيونية، وكان هذا التقدم المذهل سببًا في اغتيال العديد من القيادات والمناضلين الفلسطينيين من خلال استخدامهم للهاتف النقال، كما وقع عبدالله أوجلان في الخطأ القاتل نفسه عندما قام بالاتصال بمؤتمر الأكراد في أوروبا؛ حيث تم تحديد مكانه واعتقاله، ولعدم قدرة أجهزة الاستخبارات في العالم التجسس على مليارات المكالمات الواردة على مقاسم الاعتراض والالتقاط، تم تصميم برامج تجسس حديثة تقوم على فلترة مليارات المكالمات، وتحديد بعض الأرقام الخاصة للرصد، أو من خلال بصمة الصوت، أو من خلال وضع كلمات مفتاحية يتم التقاط أي مكالمة تذكر فيها هذه الكلمات، ومن هذه الأنظمة نظام (إيشلون)، ونظام (ناروس)، ونظام (بريزم) الذي كشف عنه العميل السابق لدى وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، وهو اسم رمزي لمشروع تجسس ضخم تديره وكالة الأمن القومي الأميركية، وأقرته الإدارة الأميركية والنظام عبارة عن برنامج يحمل اسم (بريزم) يتم تنزيله على أنظمة الشركات؛ ليقدم لها وصولًا مباشرًا إلى الخوادم المركزية لمواقع، منها: (غوغل، وفيسبوك، وآبل، وياهو، وإيه أو أل، وسكايب، ويوتيوب، ومايكروسوفت)؛ لاستخراج رسائل بريد إلكتروني ومكالمات صوتية ومقاطع فيديو وصور واتصالات أخرى لعملاء تلك الشركات؛ دون الحاجة إلى أمرٍ قضائي، وبهذا تكون لأجهزة الاستخبارات السيطرة الكاملة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تقوم بمراقبتها ومتابعتها على مدار الساعة.
  • هواتف الجيل الثالث والرابعفي العالم الرقمي وعالم «القرية الصغيرة» التي تحتل فيها الدولة العبرية مكانة متقدمة على صعيد تكنولوجيا الاتصالات؛ فإنَّ الأمر يعني أنَّ كل من يحمل جهاز هاتف خليوي ذكي، وخصوصًا ما يعمل بأنظمة الجيل الثالث، التي تطورت وغدت وسيلة للتراسل الالكتروني، ولتصفح الأنترنت، ولمشاهدة التلفاز؛ بل والتعرف أيضًا على الطرقات من خلال برامج التوجيه، سهَّل الأمر على من يريد لعب دور «الأخ الأكبر» أن يراقب سلوك كل من يحمل هذا الجهاز وتصرفاته، وإذا كان معلومًا سابقًا بأن أجهزة «آي فون» والأجهزة العاملة على نظام «أندرويد» ترسل إلى موقع ما معلومات عن كل استخداماتك للهاتف وحركاتك، فإنَّ الجديد في الأمر أنه، وباستخدام برنامج يجري بيعه على شبكة الأنترنت يمكن لأي شخص تقريبًا أن يحظى بمعلومات كهذه عمن يريد، فأجهزة الهاتف التي تعمل بنظام الجيل الثالث والرابع يمكنها ببساطة، بفضل برامج متوفرة، أن تغدو أجهزة تجسس عليك لحساب من يريد، وبوسع المتحكم في البرنامج السيطرة على جهاز الهاتف المعني وفتحه لتسجيل ليس المكالمات فقط، وإنما ما يدور في مكان وجود الجهاز، واستخدام كاميرته للمراقبة وقتما شاء. ويوضع البرنامج في الجهاز بحيث لا يتغير من واقع الأمر شيء إذا قام صاحب الجهاز بتغيير شريحة الهاتف.
  • تطبيقات التجسس على الهواتف الذكيةإنَّ تطبيقات التجسس على الهواتف الذكية أصبحت متعددة، وتخدم جهات استخبارية وتجارية عديدة؛ حيث اكتشفت شركة (لوك آوت Lookout) المختصة بالحماية الالكترونية عن تطبيقات كانت موجودة على متجر أندرويد، تقوم بالتجسس على المستخدمين الذين يقومون بتثبيتها على هواتفهم، وذكرت أنَّ لتلك التطبيقات الخبيثة القدرة على تعقب موقع الهاتف الجغرافي بشكل دقيق، بالإضافة إلى معلومات عن الاتصالات التي تجرى عبر الهاتف، أحد هذه التطبيقات يدعى (Embassy)، ووظيفته المعلنة في متجر (Google Play) الخاص بتطبيقات (أندوريد) هي تقديم معلومات للمستخدم عن سفارات بلاده في الدول التي يزورها؛ لكن في الحقيقة يقوم هذا التطبيق، حسب شركة (لوك آوت)، بالتجسس على نشاطات الهاتف، ويرسل قائمة الاتصال على جهاز الضحية إلى (سيرفر) آخر على الأنترنت، وهناك تطبيقات أخرى، تقدِّم نفسها على أنها تطبيقات إخبارية؛ لكنها في الوقت ذاته تتضمن (مراقب) أو Overseer)) للقيام بمهام التجسس على المستخدمين.
  • قدرات الشركات الصهيونية على اختراق الهواتفتضمن تقرير نشر على (القناة العاشرة) العبرية معلومات مفصلة عن شركات صهيونية لتصنيع برمجيات التجسس وإنتاجها، وذكر التقرير إنَّ شركات السايبر الصهيونية تنتج تطبيقات وبرامج تجسس يتم تصدير العديد منها لدول صديقة للكيان الصهيوني، واستعرض التقرير عددًا من القصص المتعلقة بشراء أنظمة السايبر: عربيًّا ودوليًّا، منها ما حدث بدولة جنوب السودان؛ حيث لوحظ حسب بيانات الأمم المتحدة حملة اعتقالات واسعة قامت بها الدولة، طالت النشطاء والمعارضين السياسيين؛ ليتبين أنَّ هذه الاعتقالات بسبب برمجيات التجسس التي تنتجها شركات (السايبر) الصهيونية، التي استخدمتها دولة جنوب السودان في ملاحقة النشطاء والمعارضين، ومن أبرز تلك الشركات شركة (سلبرايت)؛ حيث تقدم هذه الشركات برامج وتطبيقات التجسس الأكثر تقدمًا للعالم، وتستعين بها الكثير من أجهزة المخابرات الدولية، فماذا تقدم لأجهزة الاستخبارات الصهيونية؟
  • تقنيات تجسس: تدرك دولة الاحتلال مدى أهمية تقنيات التجسس في جمع المعلومات، كما وتدرك جيدًا أنَّ هناك تطورًا في العمل الاستخباراتي المضاد لدى أعدائها؛ لذا فإنَّ أجهزة استخبارات العدو تبذل أقصى جهد لها لتطوير تقنيات تجسس متقدمة تمكنها من مجابهة هذا الوعي والتطور، وإحداث الاختراقات اللازمة لجمع المعلومات والاستخبارات النافعة، من خلال التطوير الذاتي، أو بعقد صفقات مع شركات كبرى في مجال تقنيات التجسس.

ونذكر هنا أبرز تقنيات التجسس والاختراق الفاعلة، التي تجمع أجهزة الاستخبارات الصهيونية معلوماتها من خلالها:

  • النسور التجسسية: أسلوب تجسسي صهيوني جديد مخصص للتمويه وصعوبة الكشف أو الضبط كمبدأ عمل الطائرة بدون طيار، وتتلخص آلية عمل هذا الأسلوب بتركيب أجهزة تصوير وتجسس تعمل بالطاقة الشمسية على أجنحة النسور البرية الطائرة؛ لتنقل الصور إلى الكيان الصهيوني بشكل مباشر عبر أنظمة الـ GPS ويتم التحكم بها من خلال الأقمار الاصطناعية الصهيونية، وتم ضبط مثل هذه النسور في السودان وتحديدًا في منطقة كرينك (KEREINEK) غرب دارفور (DARFUR)؛ حيث ضبطت الأجهزة الأمنية السودانية مجموعة من هذه النسور؛ لتقوم بتحليل المعدات التي تحملها، والتي تبين أنها صهيونية الصنع، وتحمل عبارة باللغة العبرية تعني (الهيئة الإسرائيلية للطبيعة)، وأنها صنعت في الجامعة العبرية في القدس المحتلة.
  • صخور التجسس: وهي صخور صناعية تشبه تمامًا الصخور الطبيعية، يتم وضع أدوات التنصت والتجسس والمراقبة والاختراق والتصوير بداخلها، ومن ثم التحكم بها بشكل آلي، وأحيانًا تكون صخور طبيعية بشكل كامل، واستخدمت مخابرات العدو هذا الأسلوب في إيران على وجه التحديد، كما تم ضبط هذه الصخور أيضًا في منطقة شمع وفي جبال صنين والباروك والعديد من الأودية والمناطق في لبنان وخصوصاً في مناطق الجنوب والبقاع الغربي، وبعد الكشف عن المنظومتين التجسسيتين في جنوب لبنان تبين أنَّ منظومة التجسس في أعالي صنين، هي عبارة عن صخرتين: واحدة مزودة بكاميرات تصوير تغطي لمسافة 20 كيلومترًا، وتقرب الهدف المنشود إلى حدود المتر الواحد، والأخرى عبارة عن بطاريات تزود الكاميرات بالطاقة وتؤمن هذه التغذية لسنوات طويلة، وعند تفكيك منظومة التجسس “صنين” تبين أنها تحتوي على خمسة أجزاء: نظام بصري، ونظام إرسال الصورة والبث عبر الأقمار الصناعية، ونظام استقبال إشارات التحكم، ونظام إدارة التحكم بالمنظومة؛ للتحكم به عن بعد، ونظام التغذية بالطاقة.
  • طائر البومباردير  CL-327: وهو جهاز للتجسس والمراقبة الالكتروني الدقيق استخدم كثيراً قبل تحرير جنوب لبنان، ويحتوي على أجهزة فحص وكشف بنمط مزدوج (uv/ir)، أي الأشعة تحت الحمراء، والأشعة الفوق البنفسجية، يؤمن مسحًا طبوغرافيًّا شاملًا؛ حيث يعتمد على أجهزة استشعار ورؤية الكتروبصرية/ حرارية، وينقل التحركات الدقيقة من الجو مباشرة بالصورة والصوت إلى مراكز الاستخبارات الصهيونية في السفن البحرية، وهو عبارة عن جسم أصغر من طائرة مروحية وله شكل دائري في أسفله وأعلاه، يربط ما بينهما أنبوب أسطواني، يحتوي على مروحتين تساعدانه على التحليق لساعات طويلة بدون الاعتماد على الوقود، ويكون مزودًا بأسفله بعيون كاشفة على شكل كاميرات فيديو، تعمل بالأشعة تحت الحمراء، مربوطة لاسلكيًا بمركز تحكم وتوجيه نحو الهدف المطلوب للتجسس عليه، ويستطيع الطيران لما يقارب الخمس ساعات بارتفاع يصل حتى 5500 متر، ويحتوي على خاصية التدمير الذاتي في حال تم إسقاطه أو السيطرة عليه؛ وذلك لعدم كشف تقنياته وما يحتويه من معلومات، وهو من إنتاج شركة (BOMBARDIER)، الكندية وقد ضمته أجهزة الاستخبارات الصهيونية للخدمة عام 2011م.
  • مناطيد التجسس: إحدى الطرق المتقدمة التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات الصهيونية لجمع المعلومات بوساطة استخدام نظام بسيط للغاية، وبتكلفة محدودة؛ حيث تستخدم قوات الاستخبارات البرية هذه المناطيد لجمع المعلومات، ولمتابعة النشاطات على مدار الساعة، وتعدُّ من أهم وسائل الجمع لديها.

إنَّ قوات الاستخبارات البرية هي المسؤولة عن جمع المعلومات، والتعرف على التهديدات الموجودة ميدانيًا، وإحدى الطرق الأكثر تقدُّمًا التي تقوم هذه القوات باستخدامها هي مناطيد التجسس التي ترفع لمسافات محددة في السماء، وهي مزودة بأدوات متابعة متقدمة، وكاميرات تصوير عالية الدقة، وتحتوي على تقنيات للرؤية الحرارية، ويتم تطوير تقنياتها بشكل مستمر؛ حيث تستخدم هذه التقنيات المتقدمة لجمع المعلومات، والقيام بدوريات على الحدود، ويمكنها المراقبة والتصوير في محيط دائري بقطر 5 كم، وما يُميِّز المناطيد قدرتها على البقاء في السماء لفترة زمنية طويلة ومتواصلة؛ حيث إنَّها لا تحتاج إلى الوقود بصورة دائمة مثل الطائرات؛ وتشكِّل مصدرًا دائمًا للاستخبارات على منطقة معينة، ومن أبرز المناطيد التي تستخدمها أجهزة استخبارات العدو منطاد مراقبة النظام التكتيكي (TAOS)، وينتشر العديد منها على حدود قطاع غزة.

  • تقنيات تجسس (تكنولوجيا النانو): تستخدم الدولة العبرية هذه التكنولوجيا في إنتاج وتطوير وسائل تجسس بحجم صغير، تتناسب واحتياجات أجهزة الاستخبارات، فكما تقوم أجهزة الاستخبارات في دول العالم بمضاعفة الجهد في هذا الحقل، عكفت أجهزة الاستخبارات الصهيونية على امتلاك أصغر أجهزة تجسس في العالم وأدقها.
  • ومن أمثلة تقنيات وأجهزة التجسس الحديثة ما يأتي، وتُسمى هذه الأجهزة (Micro Air Vehicles / الأجهزة الطائرة الصغيرة)، وتعرف إختصاراً بـــ (MAV)، ويتم تطويرها في قاعدة (رايت باتيرسون) في ولاية أوهايو الأمريكية:
  • جهاز تنصت على شكل موزع كهربائي، يقوم بشحن نفسه تلقائيًّا من المقبس الموجود به.
  • فلاش عادي جدًا، ولكنه بالإضافة لذلك جهاز تنصت، يمكنه التنصت لثلاث ساعات متواصلة، كما يقوم بالشحن بشكل آلي بمجرد وصله بالحاسوب.
  • بطارية جوال عادية لا تلفت الانتباه، عدا أنها ليست عادية!؛ حيث يمكن وضع شريحة جوال فيها، ومن ثم الاتصال بها، وسماع ما يدور في المكان.
  • جهاز يتم تركيبه ودمجه في النظام الكهربائي للسيارات، بحيث يمكن الاتصال عن بعد على شريحة الجوال داخل الجهاز، وسماع أي محادثات داخل السيارة.

ومن المعتاد أن تتجمع العائلات الصهيونية في الدولة العبرية في (يوم المخابرات) في مدرج يوجد به متحف بالمقتنيات والأدوات التي استخدمت في المخابرات، ومنها جهاز إرسال في قاعدة مكواة، وميكروفون في غلاية للقهوة، وحبر خفي في زجاجة عطر، وجهاز تسجيل سجل المحادثة السرية بين الملك حسين والرئيس جمال عبد الناصر، التي كانت نذيرًا بحرب العام1967، وجهاز اللاسلكي البلوري الذي استخدمه “بنت” و”موشيه مرزوق” في إدارة الموساد في مصر؛ وهما ماتا في السجون المصرية. والدولة العبرية بارعة في نسخ التكنولوجيا ونقلها، فما إن تصلها أي تكنولوجيا جديدة حتى تنسخها وتقلدها، وتقدمت كثيرًا في مجال الانترنت، ولديها الخبرة والتقنية معًا.

أزمات ومشكلات مجتمع المخابرات

تظهر التقارير والتسريبات الصهيونية العديدة وجود خلافات متزايدة بين قادة أجهزة المخابرات الصهيونية وتؤكد التقارير أن مجتمع المخابرات الصهيوني الذي يتكون من خمسة أجهزة، ثلاثة منها كبيرة واثنان صغيران، بدأ يفقد تماسكه بسبب التنافس وتباين التخمينات ووجهات النظر.

الخلافات المخابراتية الصهيونية الجارية

أشارت المعلومات إلى أن خلافاً متزايداً بدأ يظهر بين قادة أجهزة وفروع مجتمع المخابرات الصهيوني وأكدت التسريبات أن هذه الخلافات ليست من النوع العادي السطحي الذي يمكن تجاوزه، هذا ويمكن الإشارة إلى طبيعة هذه الخلافات ضمن النقاط الآتية:

• أبرز الأطراف التي تصاعدت بينها الخلافات هي مائير داغان رئيس جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) والجنرال عاموس يدلين رئيس جهاز المخابرات العسكرية (أمان).

• محفزات خلافات داغان – يدلين انعكست في عدم انسجام تخمينات جهاز الموساد وتخمينات جهاز أمان.

• الأسباب التي أدت إلى الخلافات بعضها يعود إلى الطموح الشخصي وبعضها الآخر يعود للأسباب المؤسسية بسبب تداخل الاختصاصات.

• لا توجد حدود واضحة لاختصاصات الأجهزة الأمنية وفي الوقت نفسه لا توجد حدود واضحة لنطاق سلطة الأجهزة الأمنية.

• أدى تداخل الاختصاصات إلى سعي كل جهاز إلى ممارسة سلطته ضمن نطاق يتداخل ويتقاطع مع نطاق واختصاصات وسلطات الأجهزة الأخرى.

الخلافات بين أجهزة المخابرات الصهيونية برزت مؤخراً بشكل واضح على خلفية تخمينات هذه الأجهزة إزاء ملف الخلافات الأمريكية – الصهيونية وملف تقدير النوايا الايرانية ومخططات محور المقاومة (معركة سيف القدس) وملف عملية التطبيع وملف مبادرة السلام العربية وملف الخلافات الأوروبية – الصهيونية، وبكلمات أخرى فقد تضاربت هذه التخمينات مع بعضها البعض إضافة إلى أن بعضها كان يتعاكس مع توجهات حكومة ائتلاف الليكود – إسرائيل بيتنا ومع كل حكومات الائتلافات الهشة التي تلتها بزعامة نتنياهو ولم تنتهي مع انتهاء حقلة نتنياهو وتشير الوقائع الثابتة منذ بداية ظهور هذه الخلافات بشكل علني إلى أن رئيس جهاز الموساد داغان سعى للقيام بدور الرجل القوي داخل مجتمع المخابرات بشكل أدى إلى تصاعد المواجهة بينه وبين رئيس المخابرات العسكرية (أمان) ورئيس جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) او الشاباك.

  • القوانين والأعراف الضابطة لعمل وهياكل مجتمع المخابرات الصهيوني:

أقرت دولة العدو الصهيوني بإنشاء مجتمع للمخابرات الصهيونية ليشكل فنياً وليس قانونياً الكيان المؤسسي الرسمي الموحد المعني بعملية إنتاج المخابرات، وتشير المعلومات إلى أن هيكل مجتمع المخابرات الصهيوني يتكون من عضوية الأجهزة الآتية:

  • جهاز المخابرات العسكرية (أمان)، ويضم الدوائر الآتية:
  • المخابرات البحرية.
  • مخابرات الجيش.
  • مخابرات الميدان.
  • o       مخابرات “سيريت ماتكال”.
  • وحدتي الجمع الفني والتقني (8200) و (9900).
  • جهاز المخابرات الخارجية (الموساد).
  • جهاز المخابرات الداخلية (شين بيت) أو الشاباك.
  • جهاز مخابرات الشرطة.
  • جهاز مخابرات وزارة الخارجية.

استغرقت عملية تكوين هذا المجتمع بشكله الحالي وقتاً طويلاً وتقول المعلومات أن أبرز المحطات في مسيرة تكوينه كانت في:

• تقرير لجنة “بادين – شيرف” 1963.

• تقرير لجنة “أغرانات” 1973-1974.

• تقرير لجنة “زامير” 1974.

• تقرير لجنة “ألوف أهارون ياريف” 1984-1986.

• تقارير ألوف رافائيل فاردي خلال حقبة التسعينات.

• لجنة تقصي شبكة المخابرات بعد حرب العراق 2004.

على خلفية معطيات خبرة التقارير التقييمية تم تشكيل مجتمع المخابرات الصهيوني بما يتيح الآتي:

  • تنظيم العلاقة بين أجهزة المخابرات الصهيونية.
  • تنظيم العلاقة بين أجهزة المخابرات الصهيونية والسلطة التشريعية (الكنيست).
  • تنظيم العلاقة بين أجهزة المخابرات الصهيونية والسلطة التنفيذية (مجلس الوزراء).
  • توحيد مجرى التخمينات الدورية والطارئة.

ويخضع مجتمع المخابرات الصهيوني بشكله المؤسسي الحالي إلى إشراف لجنة المخابرات والأنشطة السرية التي تعتبر لجنة فرعية تابعة للجنة الشؤون الخارجية والدفاع التابعة للكنيست الصهيوني، وعلى أساس الاعتبارات الوظيفية يقوم مجتمع المخابرات بالإشراف على أجهزة المخابرات إضافة إلى رفع التقارير والتخمينات لأجهزة الدولة العليا بما فيها الكنيست ومجلس الوزراء.

قواعد اللعبة المخابراتية في دولة العدو الصهيوني: إلى أين؟

تقول المعلومات أن أزمة الصلاحيات والاختصاصات أصبحت تأخذ بعداً أكثر تعقيداً وتشير المعطيات إلى أن صيغة توازن القوى بين أجهزة المخابرات ظلت لفترة طويلة تقوم على أساس اعتبارات الاختصاص المكاني الجغرافي:

  • الموساد الصهيوني هو المسؤول عن الأنشطة المخابراتية الخارجية.
  • الشين بيت هو المسؤول عن الأنشطة المخابراتية الداخلية بما يشمل دولة العدو الصهيوني والأراضي المحتلة.
  • أمان هو المسؤول عن الأنشطة المخابراتية الجارية في المناطق الحدودية وخصوم دولة العدو الصهيوني.

بمرور الزمن أصبح جهاز المخابرات العسكرية (أمان) يقوم ببعض الأنشطة المخابراتية الموازية لأنشطة الموساد والشين بيت، وبسبب تقاطع وتضارب الاختصاصات تم في عام 1999، وتحديداً في فترة وزارة إيهود باراك، إنشاء لجنة خاصة لدراسة كيفية تقسيم الصلاحيات والاختصاصات بين الأجهزة، وأعقب ذلك قيام رئيس الوزراء إرييل شارون في عام 2004 بتعيين دان ميريدور للقيام بالوساطة في حل أربع نزاعات كانت تدور بين أجهزة المخابرات:

  • نزاعان بين الموساد وأمان.
  • نزاعان بين الموساد والشين بيت او الشاباك.

وتقول المعلومات أن ميريدور الذي تولى وزير شؤون المخابرات والطاقة الذرية في حكومة نتينياهو سعى جاهداً إلى حل الخلافات الدائرة في مجتمع المخابرات الصهيوني.

إضافة لذلك تقول المعلومات أن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب قام برعاية دراسة بحثية عن أداء أجهزة المخابرات الصهيونية وتم إعداد الدراسة بواسطة فريق عمل بقيادة الجنرال المتقاعد والرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية أهارون زائيفي – فاركاش، وكان أبرز الاستنتاجات التي توصلت إليها هو أنه برغم توصيات واستنتاجات لجنة عام 2004 وبرغم توجيه رئيس الوزراء فإنه لم يحدث أي تحسن جوهري في التعاون بين أجهزة المخابرات الصهيونية. إضافة لذلك، فقد تحدث التقرير الذي أعده المحللان السياسيان الصهيونيان عاموس هاريل وأنشيل بفايفر أنه برغم التقارير العديدة فإن أجهزة المخابرات الصهيونية ما زالت تقوم بالمزيد من الأنشطة المتوازية في بعض المجالات بما جعل من الاحتكاك بين هذه الأجهزة ظاهرة تبدو بلا نهاية، وما أدى إلى النزاعات والخلافات والمشاجرات إضافة إلى التوتر الذي استمر طويلاً بين دايان ويالدين.

تقول المعلومات المتعلقة بالخلافات والمشاجرات بين رؤساء المخابرات الصهيونية والمسؤولين الصهيونيين الآتي:

خلال قيام يوفال ديسكين رئيس الشين بيت بتقديم إفاداته وتخميناته أمام مجلس الوزراء تدخل بنيامين نتنياهو وقاطعه طالباً منه السكوت وعدم الحديث عن عملية السلام، وتقول التسريبات أن عبارة نتنياهو كانت “… عندما يتعلق الأمر بعملية السلام يجب أن تبقى بعيداً…”، ثم أضاف نتنياهو “.. عليك أن تركز تقريرك على المسائل المتعلقة باختصاصك.. وأن تفهم أن المسرح الدبلوماسي لا يقع ضمن مسؤولية الشين بيت..”، أما ديسكين فقد رد على نتانياهو قائلاً “.. سيدي، في الماضي كنا أيضاً نشير إلى هذه المسائل.. وإذا كنت تريد الأمر بطريقة مختلفة فسوف يكون ذلك مختلفاً..”، وبعد ذلك توقف عن تقديم الإفادات لفترة من الوقت.

ونقلت التسريبات الصهيونية أن سبب مشكلة نتنياهو وديسكين يعود إلى عوزي اراد الذي يتولى منصب مستشار الأمن القومي وتقول المعلومات أن خلافات اراد ليست مع رئيس الشين بيت يوفال ديسكين وإنما مع مائير داغان رئيس الموساد وعاموس يدلين رئيس جهاز أمان، وتقول المعلومات أن سبب الخلاف يتعلق بالملف النووي الإيراني وأن مستشار الأمن القومي الصهيوني عوزي اراد ترأس وفداً صهيونياً زار العاصمة الأمريكية وخلال مباحثاته تبين له أن تخمينات المخابرات الصهيونية لم تكن مواتية بالشكل الكافي الذي يعزز منظور مجلس الأمن القومي الصهيوني.

وتشير التوقعات إلى أن اراد حاول التخلص من رؤساء المخابرات في ذلك الوقت ولكن المشكلة التي واجهته تمثلت في كيفية التغلب على الجنرال إيهود باراك الذي كان يتولى منصب وزير الدفاع ودوره المؤثر في تحديد مدى صلاحية رؤساء الأجهزة الأمنية.

تحديات مجتمع الاستخبارات الإسرائيلية

هناك جملة تهديدات محيطة بمجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، بعضها غير مسبوق، تتطلب إجراء فحص دقيق لها، وتتبع آثارها المستقبلية على أمن الكيان.

حيث يعتبر كبار الخبراء الأمنيين في الأوساط الاستخبارية الإسرائيلية، أن أهم التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل، هي وضعية الأمن الإسرائيلي في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعانيها المنطقة المحيطة بإسرائيل، ومدى قدرة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على تقييم المخاطر الأمنية التي تهدد إسرائيل، وإجراء تقييم داخلي للمجموعات الإرهابية اليهودية الناشطة في أوساط المستوطنين، ومدى نجاعة لجان التحقيق بمعرفة أوجه الإخفاقات الأمنية التي تقع لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية، وتحديات الأبحاث الاستخبارية التي تنفذها هذه الأجهزة.

إن عالم الاستخبارات الإسرائيلية مكون من ثلاث مسارات أساسية، كل مسار مختلف عن سواه.

 أولها: يتعلق بحسن جمع المعلومات الأمنية والاستخبارية المفيدة، وإجراء الأبحاث العملياتية، وتقييم الموقف لدى الخصوم والأعداء الذين يتربصون، والهدف الأساسي للمسار يتعلق بتوفير المادة المعلوماتية الخام المفيدة لدوائر صنع القرار في إسرائيل على كافة المستويات التنفيذية.

المسار الثاني: يتعلق بعمل رجال الاستخبارات الإسرائيلية أنفسهم، بما في ذلك وحدات جمع المعلومات، والمشاركين في الحروب الخفية، ومن ينشغلون بإعداد بنك الأهداف.

المسار الثالث: وهو المهام التي تقوم بها الوحدات السرية الإسرائيلية لتنفيذ هجمات أمنية داخل صفوف أعدائها، ومحاولات التأثير عليهم، بما في ذلك خوضها للحرب النفسية.

وقد شهدت العقود الأخيرة تحولات جوهرية في عمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في ظل التطورات الجيو-سياسية، وما يتعلق بالعولمة، وتفكك بعض الدول المحيطة لاعتبارات إثنية وقومية، بجانب حالات الضعف التي أحاطت بالدول الأم، والاعتبارات الأمنية، والبنى الاجتماعية، والمسائل التكنولوجية، بما فيها حروب السايبر والأقمار الصناعية. كل ذلك أدى في النهاية لعثور الجماعات المعادية لإسرائيل من المنظمات التي تمارس الحرب غير المتماثلة على ثغرات يمكن الاستفادة منها، والتأثير من خلالها على جدول الأعمال الإقليمي والدولي.

وقد أسفرت هذه التطورات مجتمعة إلى مخاطر على صعيد الأمن الإسرائيلي، حيث بات يواجه اليوم الخطر المتمثل بالمنظمات المسلحة، والصعوبة التي تعترض إسرائيل وحلفاءها في ذلك، كما وفرت حروب السايبر لهذه المنظمات مصادر جديدة لجمع المعلومات، ولتحسين أدائها واستخدامها في الحروب.

في مجال آخر ورغم توضيح كافة المهام لكل الأجهزة الأمنية والأذرع الاستخبارية، فليس هناك من تفصيل دقيق لأهداف كل منها، وطبيعة الأداء الذي يجب أن تقوم به في إطار الدور السياسي المناط بها، وهذا ما يدفع لطرح جملة من الفرضيات التي تبحث في الأهداف التي من أجلها أنشئت هذه الأجهزة، وطريقة عملها، لأن عالم المخابرات مكون من بناء تقليدي، قد لا يتناسب بالفعل مع حجم التحديات الأمنية والاحتياجات الإستراتيجية التي تواجه إسرائيل.

بمعنى آخر، فإن عالم المخابرات الإسرائيلية ليس لديه قيادة أو رأس أو مدير يديرها مجتمعة، وتفتقر للمؤسسات العامة، باستثناء لجنة رؤساء الأجهزة، التي تعتبر في بعض الأحيان جسما تنسيقيا بديلا، لكنها على أرض الواقع تفتقر للصلاحيات والوصول بهذه الأجهزة إلى قرار الحسم.

وبالتالي فلا يوجد في مؤسسة الاستخبارات الإسرائيلية خطة عمل مشتركة، وليس هناك تنسيق في مجال بناء القوة بين الأجهزة الأمنية المختلفة، وأكثر من ذلك تفتقر هذه الأجهزة المكونة لعالم الاستخبارات للرؤية العامة التي تحدد بموجبها التحديات الماثلة أمام الكيان الصهيوني.

ففي حين أن جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” تابع إداريا وتنظيميا لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، والموازنة المالية التي يحصل عليها جزء أساسي من موازنة الجيش، إلا أن جهازي الشاباك والموساد تابعان مباشرة لرئيس الحكومة، وتعتبر موازنتهما جزءا أساسيا من موازنة مكتبه، وبالتالي ليس هناك من جسم إداري تنظيمي يحدد طبيعة الموازنات، وآلية صرفها، ومجالات الإنفاق فيها.

هذا الواقع المليء بالتحديات الاستراتيجية والمخاوف الأمنية من شأنه زيادة مستوى التوتر بين تلك الأجهزة، والخلافات التي قد تعصف بـ “الرؤية الأمنية” للكيان العبري كله.

وإذا كانت سنوات الثمانينات من القرن العشرين قد أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الجيش الإسرائيلي هو الجسم الأكثر مركزية وأهمية في إسرائيل، لمواجهة التهديدات الأمنية الخطيرة القادمة من الخارج، فإن الأمر اليوم يبدو مختلفا جدا بعد التراجع النوعي في قيمة ووزن الجيش بعد سلسلة الحروب التي خسرها أو خسر فيها عنصري الردع والحسم.

ولذلك فثمة قناعات جديدة لدى أوساط إسرائيلية عديدة مفادها أنه لابد لتلك الأجهزة الأمنية من جسم تنسيقي بينها، يرعى مصلحة الأمن القومي من الخارج، وهذا الجسم من الأفضل أن يكون من خارج وزارة الدفاع، ومن الممكن أن يتحقق بالفعل إذا كانت هناك إدارة مركزية للعمليات الأمنية من جهة، ومن جهة أخرى وجود إدارات عامة تعمل على تنظيم أداء هذا الجسم التنسيقي.

يبدو من اللازم الإشارة إلى أن الكيان العبري يجهد منذ 50 عاماً لوضع آلية إدارية جديدة، تؤسس لإنشاء إدارة مركزية لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، تكون مسئولة عن تنظيم شؤونها مجتمعة، ويكون من مهامها الإحاطة بمختلف جوانب العمل الاستخباري، والاهتمام بتوفير الظروف الأمنية الأكثر ملاءمة لعملها، على أن يكون رئيسها تابعا بصورة مباشرة لرئيس الحكومة، ومقبولا من قبل وزير الدفاع، خاصة وأن إدارة من هذا النوع متوفرة في عالم الاستخبارات الأمريكية، وقد طالبت بها لجان تحقيق أمنية تم تشكيلها في إسرائيل.

في الحديث عن طبيعة العلاقة بين الواقع الذي تحياه المؤسسات الأمنية الإسرائيلية اليوم، وحجم الطلب المرجو منها، سواء من قبل المستوى السياسي والعسكري، بالإمكان الحديث عن أبرز الأدوار والتكليفات التي أنيطت بعالم الاستخبارات الإسرائيلية، وما يتعلق بها من مواصفات وشروط هامة.

ومن أبرز هذه المهام:

  • العمل السري في جبهة واسعة
  • o       مشاركة أكثر من جهاز أمني إسرائيلي خلال استخدام الجيش لنيرانه الحية،
  • انخراط أجهزة الأمن الإسرائيلية في مهام “الحرب على الوعي”
  • o       من خلال التأثير على الرأي العام في مكان ما
  • إحباط عمليات معادية عبر الاستعانة بأدوات ميدانية، والكشف عنها بوسائل سرية.

خاتمة: هكذا يحدد الإسرائيليون معضلتهم الاستخبارية

(التهديدات الأمنية الأساسية على إسرائيل في العقد القادم)

في العام 2009 صدر عن مركز أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي دراسة تقييمية مهمة للباحث الدكتور شموئيل إيفين بعنوان ” المخابرات الإسرائيلية: البيئة، التحديات، والفجوات القائمة” نعرض أهم ما ورد فيها لأهميتها ودقتها في دراسة مواضع الخلل في جسم مجتمع المخابرات الاسرائيلي.

وقبل عرض الدراسة سنعرض بشكل موجز لهوية المركز والباحث الذين صدرت عنهما الدراسة:

  • مركز أبحاث الأمن القومي: يعتبر من أهم المراكز الإسرائيلية، يستقطب المركز صناع القرار، وينشر دراسات غاية في الأهمية والخطورة، موجهًا جل عمله إلى دراسة التهديدات المحيطة بالكيان الصهيوني، والأوضاع المتغيرة في منطقة غرب آسيا والعالم بأسره، وأثرها على إسرائيل في مختلف المجالات، السياسية والعسكرية والإستراتيجية والاقتصادية، علماً بأن النخبة الأساسية العاملة في المعهد قادمة من الأوساط العسكرية والاستخبارية، وبالتالي فهم يضعون خبرتهم في خدمته، ولمتابعة أعماله يمكن الرجوع إلى موقعه على شبكة الانترنت باللغتين العبرية والانجليزية: www.inss.org.il
  • معد الدراسة: د.شموئيل إيفين، باحث في مركز أبحاث الأمن القومي، يعمل في إسرائيل متخصصاً في مجال الاقتصاد بالدرجة الأولى، وفي الدول الغربية يعد دراسات حول الموازنات الأمنية والعسكرية، وله عدة أوراق عمل متخصصة في مجال النظريات الأمنية في منطقة غرب آسيا، وقد صدر له عدد من الكتب والمؤلفات في مجالات: اقتصاد الشرق الأوسط، الموازنات الأمنية، سوق النفط العالمي، الاستخبارات والإرهاب. يعمل حالياً مديراً لشركة المجالات المتعددة للاستشارات، وعمل مستشاراً للشؤون الإستراتيجية والاقتصادية في مكاتب رؤساء الحكومات الإسرائيلية، وعدد من الشركات الخاصة الكبرى في إسرائيل. وهو حاصل على درجة الدكتوراه من معهد التخنيون في جامعة حيفا، أنهى خدمته العسكرية من الجيش بدرجة ميجر جنرال بعد خدمة طويلة في الاستخبارات العسكرية.

تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أجزاء:

أولاً: التطورات في البيئة الإستراتيجية لإسرائيل ويمكن استيضاح هذه التغييرات في طبيعة المواقف السياسية والأمنية التي ستقوم بها إسرائيل خلال العقد القادم، المر الذي يجب تنبيه الأجهزة الأمنية لما هو قادم، انطلاقا من وظيفتها والدور المناط بها.

وفي هذا الجزء سنعرض بعضا من توصيات أمنية تحاول التعاطي والتكيف مع الإستراتيجية الجديدة لإسرائيل.

ثانياً: التحديات الاستخبارية المهنية وطرق العمل في العهد الجديد وسينخرط هذا الجزء في بحث التحديات الأمنية المشتركة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية داخل البلاد وخارجها، ومن ضمن ذلك:

  1. التعامل مع التهديدات التي تفرضها المنظمات “الإرهابية” العابرة للحدود، التي تنتهج أساليب السرية والتمويه، والجهات المعادية الحريصة على حيازة أسلحة غير تقليدية سراً.
  2. تحديات مهنية مشتركة، تتطلب من أجهزة الأمن الإسرائيلية تطوير قدراتها وأساليبها وطرقها المتنوعة، للتعامل مع أعداء كهؤلاء، في ضوء إتقانهم للوسائل الاستخبارية المتقدمة، سواء كانت الوسائل البشرية أو التقنية، فقد كشف النقاب عن وسائل الكترونية متقدمة.

ثالثاً: الفجوات القائمة في عمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مصادرها وتبعاتها وسينشغل هذا الجزء في الوصول إلى استنتاجات وخلاصات.

  • التطورات في البيئة الاستراتيجية لإسرائيل
  • تطورات البيئة العالمية: ستواصل العولمة مفعولها في إعادة تصميم خارطة العالم خلال السنوات القادمة، وستبدو أهم معالمها في النواحي التالية:
  • استمرار غياب أثر الحدود الجغرافية على منع وصول المعلومات، السكان، التكنولوجيا.
  • تراجع الشرعية الممنوحة لتفعيل القوات العسكرية.
  • مواصلة المؤسسات الدولية للعب دورها الهام في السياسة العالمية والاقتصادية.
  • تواصل الثورة التكنولوجية وعصر المعرفة لتصبح المحرك الأساس للتقدم العالمي.

ظاهرة مناقضة لتوجهات العولمة لكنها تكمل الخارطة العالمية، تتمثل في ظاهرة الميليشيات، بمعنى تقوية وتنامي مفعول القوى العسكرية غير النظامية في ظل سلطات ضعيفة غير مركزية، أمثلة على ذلك: أراضي السلطة الفلسطينية، العراق، لبنان، السودان، أفغانستان، وباتت هذه البلاد تشكل أرضية خصبة للجهات المعادية لإسرائيل.

وفي ظل الصعوبة المتزايدة من تحقيق إنجازات ذات معنى وسط كثافة سكانية هائلة، فإن تحقيق الردع بوسائل القوة العسكرية المكثفة والفعالة، أمر غير قابل للتحقق بصورة تلقائية، الأمر الذي يحتم بالضرورة الحديث عن وسائل وأساليب أخرى تتجاوز الاستخدام العسكري البحت، والمقصود هنا أسلوب الاستخبارات.

وذلك بسبب أن الاستخدام المتواصل للوسائل العسكرية اليوم يبدو من يمسك بزمام مبادرته الغرب، والقوى الغربية عموما، التي تمتلك قوات عسكرية قوية إضافية، للدرجة التي جعلت قوى أخرى كالصين وروسيا مثلا، التي بدأت تفكر بالعودة للعب دور مفصلي في السياسة الدولية، فضلا عن الاتحاد الأوروبي.

إلى جانب أن الطفرة الاقتصادية آخذة في الازدياد لتصل إلى ذروتها في شرق آسيا، وتحديداً في كل من الصين والهند، مما أدى في نهاية الأمر إلى تقوية موقع ونفوذ شرق آسيا في السياسة الدولية، لكنها في ذات الوقت رفعت من حدة التحديات الداخلية في هذه البلدان، في ظل اتساع الفجوات بين مستويات الدخول بين سكانها.

كما أن تأثيرات الولايات المتحدة الأمريكية في شتى المجالات قد تأخذ بالتناقص رويداً رويداً، لكنها مع ذلك ستبقى الطرف الأكثر ترجيحا لتوجهات السياسة العالمية، في ظل تزعمها للحرب ضد “الإرهاب”، والحيلولة دون امتلاك السلاح غير التقليدي.

إلى جانب كل ما ذكر آنفا، فإن قوى الإسلام الراديكالي ومعها إيران، ستستغل تنامي الهوية الإسلامية لمحاولة محاربة الهيمنة الأمريكية وإسرائيل، التي تشكل لها تهديدات عسكرية، أيديولوجية وحضارية.

  • تطورات البيئة الإقليمية

سيبقى الصراع الإسرائيلي العربي متصدرا لجدول أعمال إسرائيل ودول المنطقة على المستويين الأمني والسياسي، ويأخذ في بعض أشكاله صراعًا قوميًا، دينيًا، وحضاريًا.

وفي قلب هذا الصراع يتمركز النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، وإلى جانبه النزاع بين إسرائيل وسوريا وحزب الله، وربما يشهد العقد القادم تطورات معينة في هذا الصراع، لاسيما على الصعيد السياسي.

وهنا يمكن الافتراض أن حلا ما قد تطرحه هذه العملية السياسية يتمثل في قيام دولة فلسطينية، مسالمة أو معادية غير مستقرة، إلى جانب إمكانية تحقق اتفاقيات سلام مع سوريا ولبنان، ومع دول عربية أخرى.

بالمناسبة، فإن الأنظمة العربية اليوم باتت تسلم بقيام دولة إسرائيل، لكن تنامي الصحوة الدينية والخط الأيديولوجي الذي يشكك في أحقية إسرائيل في الوجود، وإقامة علاقات سلام معها، ما زالت الصيغة الأكثر سيطرة على الشارع في العالم العربي.

نقطة صراع ثالثة تبدو بارزة بين إسرائيل والعرب تتمثل في إيران والمنظمات الإسلامية، المحلية والدولية، وهي أطراف تنظر لإسرائيل على أنها عدو يجب تدميره.

وإيران -كما لم يعد سرًا- باتت طرفًا رئيسًا في المواجهات العسكرية بين إسرائيل وسوريا وحزب الله، وهي ذات الأطراف التي قد تصبح طرفا فاعلا في أي مواجهة عسكرية مفترضة بين إسرائيل وإيران، إذا ما نشبت يوما ما.

وفي محاولة استخبارية لفحص البيئة الإقليمية لإسرائيل يتضح تنامي المعارضة الإسلامية، مما قد يعرض استقرار باقي النظم السياسية للخطر، لاسيما: السلطة الفلسطينية، مصر، الأردن، لبنان، سوريا، السعودية، باكستان.

وفيما يتعلق بالعراق، فما زال الأمر بعيدا عن اليقين في معرفة مدى الآثار والتبعات الإقليمية لما يحدث على أراضيه من نتائج ميدانية على البيئة الإقليمية لإسرائيل.

  • التهديدات الأمنية الأساسية على إسرائيل في العقد القادم

يمكن الخروج باتفاق عام على المستوى الأمني، أن التهديدات الأمنية على إسرائيل خلال سنوات العقد القادم تتلخص في الجوانب التالية:

  • تهديد السلاح غير التقليدي بأنواعه المختلفة، وإمكانية وصول أسلحة نووية إلى دول أو جهات متطرفة.
  • تهديد الصواريخ والقذائف على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لاسيما من الجهة الشمالية، وإيران والجبهة الفلسطينية.
  • تهديد تقليدي قادم من قبل جيوش نظامية في المنطقة، التي يمتلك جزءً منها أدوات تسليحية حديثة.
  • تهديدات عسكرية غير متناظرة على صيغة حرب الاستنزاف.
  • تهديدات “إرهابية” سواء من قبل قوى “إرهابية” في المنطقة، أو من قبل جهات عالمية.
  • تهديد الانتفاضة او الثورات الشعبية.
  • مخاطر ماثلة

هناك عدد من المخاطر القائمة في البيئة الإستراتيجية يمكن لها أن تتسبب بأضرار كارثية، من قبيل:

  1. خطورة سقوط أنظمة عربية “معتدلة”، مع إمكانية حيازتها على سلاح نووي، كما هو الحال اليوم دولة مثل باكستان.
  2. خطورة أن تتمكن قوى “إرهابية” من تنفيذ عمليات خارقة، إلى جانب نجاحها في الحصول على أسلحة غير تقليدية.
  3. خطورة قيام دولة فلسطينية معادية مع فرضية قيام ثورة شعبية في أوساط العرب “المتطرفين” في إسرائيل.

وبغض النظر عن التدقيق في طبيعة تلك التهديدات، التي جزء منها قائم اليوم، والمخاطر التي سبق الحديث عنها، فمن الصعوبة بمكان الحديث عن تهديد ما بمعزل التهديدات الأخرى، ودون الحديث عن آثاره بعيدة المدى، كما أن تحقق أي تهديد مما ذكر آنفا ليس بمعزل إطلاقا عن سياسة إسرائيل وأنشطتها في المنطقة.

  • تأثيرات التهديدات على العقيدة الأمنية الإسرائيلية

مما لا شك فيه، أن إمكانية حدوث تغيير ما في الخارطة الإقليمية من شأنه أن يترك نتائجه وتبعاته على العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يجب أن تنخرط فيه الأجهزة الأمنية، ولذلك فإن الحاجة تبرز لمزيد من العمل في المجالات التالية:

  1. التكيف مع جبهة واسعة من العناصر “الإرهابية” وحروب الاستنزاف: التي تنتهج أساليب باتت معروفة مثل: التخفي، التمويه، التستر، الغياب في أعماق الأوساط السكانية المدنية.

علما بأنه في مثل هذه الجبهات لا يوجد لدى العدو قدرات قتالية مثل الدبابات او الطائرات المقاتلة، ومع ذلك فقد باتت هذه الجبهات هي الأكثر سخونة في المواجهة مع إسرائيل، خصوصا مع الفلسطينيين ممثلين بحركة حماس وحزب الله والجهاد العالمي.

  • التكيف مع دولة في الطريق لحيازة سلاح غير تقليدي: وتتبع أساليب التخفي والتمويه مثل إيران، ولذلك فإن مناقشة حالات دول تم الكشف عن تجاربها التسلحية في هذه المجالات مثل سوريا وليبيا، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن تعود هذه الدول لسابق عهدها، مع فرضية انضمام دول أخرى إلى هذا النشاط، وهنا لابد من الأخذ بعين الاعتبار الاستعداد للانخراط في مواجهة عسكرية تقليدية.
  • التعامل مع أوساط معادية داخل كيانات سياسية غير مركزية: وأن يكون هذا الكيان السياسي ضعيفًا أو مهتزًا، كـ: لبنان، السلطة الفلسطينية، العراق.

وفي مثل هذه الساحات يبدو من الصعوبة بمكان الوصول إلى اتفاقات سياسية مستقرة، انطلاقًا من أن القوى المسلحة لدى الطرف الخصم لن تقبل بذلك، كما أنه من الصعب التكهن أيضا بحدوث أي تطورات معينة في ساحتها.

ولمواجهة هذه التهديدات والتحديات، يبدو من اللازم على القوى الأمنية الإسرائيلية التحضر جيدًا لملاءمة استعداداتها مع هذه المعطيات، ومدى قدرة إسرائيل على توفير المزيد من العناصر التي يجب ان تؤثر على صناع القرار، ومنها على سبيل المثال: إمكانية سقوط ضحايا كثر، الحصول على الغطاء الدولي لخوض مثل هذه المعارك، محدودية الموازنات المالية، وغيرها.

  • التأثيرات المتوقعة على المؤسسة الأمنية

في ضوء تلك التحديات، والقدرات التقليدية للمؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية، ينبغي النظر إلى ضرورة تنمية وتقوية الأدوات والوسائل التي تستخدمها، لاسيما عند لجوئها لتنفيذ عدد من المهام الخاصة، أهمها:

  • الشروع في حرب سرية في جبهة واسعة، في ضوء تنامي ساحة الأعداء، وفي ذات الوقت الافتقار للشرعية الدولية التي تمنح إسرائيل أحقية استخدام النار، كما أن اللجوء إلى الحروب السرية يحول دون امتداد القتال إلى جبهات أخرى، ومن ثم تصعيد الوضع الإقليمي.
  • القيام بتنفيذ بعض العمليات الخاصة، لاسيما المعقدة منها، وعلى المدى الطويل.
  • المبادرة إلى تنفيذ عمليات إحباط واسعة ضد محاولات الاختراق أو عالم الجريمة على صعيد الجبهة الداخلية في إسرائيل.
  • تطوير قدرات هجومية ودفاعية في آن واحد، لاسيما في ظل افتتاح عهد جديد للقتال في عالم المعرفة والمعلومات، وهذا العهد يمكن الأجهزة الاستخبارية في بعض الأحيان من الوصول إلى أمكنة قد لا تصلها الدبابات أو الطائرات، وإقامة جدار دفاعي محكم.
  • توفير حد أقصى من المعلومات الأمنية وبقدرة تكفي لتوفير السقف المطلوب للجيش الإسرائيلي، إذا ما قرر اللجوء لاستخدام نيرانه.
  • الحصول على معلومات استخبارية لخدمة المصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل، ومنها على سبيل المثال:
  • ردع الأعداء المحتملين من شن حرب ضد إسرائيل، وإحباط مخططاتهم العدوانية بحقها، من خلال الكشف عنها،
  • توفير معلومات أمنية “مضللة” ضد الأعداء العاملين تحت غطاء كثيف من التستر والتخفي،
  • أبرز مثال على ذلك تمثل في سيطرة سلاح البحرية الإسرائيلي على سفينة كارين A في شهر يناير كانون ثاني 2002، حيث أسفرت عن كشف هوية مسؤولي السلطة الفلسطينية المتورطين فيها، حين حاولوا تهريب كميات كبيرة من الأسلحة على ظهر هذه السفينة، من إيران على قطاع غزة.
  • هذه المعلومات الأمنية والجهود الاستخبارية من هذا النوع، من شأنها أن توفر حافزا ودافعا للأجهزة الأمنية لمحاربة الأعداء، إلى جانب توفير غطاء دولي يمنح إسرائيل الحق في استخدام قوتها ضدهم.
  • تقديم المساعدة في الحرب على المعلومة، بمعنى: الكشف عن معلومات وتوفيرها لكي تساعد في التأثير على باقي الأجهزة الأمنية الساعية لتحقيق أهداف أمنية قومية لإسرائيل، مثال على ذلك: نجاح أجهزة الأمن خلال عملية “السور الواقي” في الكشف عن وثائق هائلة تكشف تورط مسئولي في السلطة الفلسطينية في عمليات مسلحة، واستغلال شبان صغار فيها، ما ساعد إسرائيل في ترويج روايتها حول عملياتها ضد الفلسطينيين، على الصعيد العالمي.
  • المشاركة في إدارة الحرب النفسية التي تخوضها إسرائيل على عدة جبهات.
  • تهديدات أمنية في الساحة الداخلية الإسرائيلية

على صعيد الجبهة الداخلية بات مطلوبا من إسرائيل أن تتكيف مع عدد من التهديدات المتمثلة في محاولات اختراقها، أو توسع عالم الجريمة، من قبل جهات تحاول استغلال الواقع الديمقراطي الإسرائيلي.

من بين الجهات الأمنية الإسرائيلية المكلفة بمتابعة مثل هذه التهديدات: الشاباك، وحدات المخابرات في الشرطة، وهي التي ترى في الساحة الداخلية لإسرائيل هدفا أساسيا لعملها، وسيشهد عملها تغيرا ملحوظا:

  1. حيث سيشهد المستقبل عمل جهاز الشاباك في مجالات أكثر تخصصا تعنى بمحاولات اختراق الجبهة الداخلية، واتخاذ خطوات أشد صرامة وقسوة ضد محاولات تلك الأطراف،
    1. فإن وحدات المخابرات في الشرطة سترفع من وتيرة تعاملها مع خطر انتشار الجريمة المنظمة، لاسيما ظواهر الجريمة والفساد السلطوي، التي يمكن ان تهدد إسرائيل كدولة ديمقراطية، في ظل دخول بعض الأوساط المشتبه بها إلى عالم الحكم والسياسة، واتساع رقعة الجرائم المرتكبة للدرجة التي يمكن أن تهدد الأمن الشخصي للسكان الإسرائيليين.
  2. الحاجة للاستشارات الأمنية لاتخاذ القرارات الإستراتيجية

من المتوقع ان ترتفع الحاجة إلى الاستشارات الاستخبارية من أجل المساعدة في انتهاج سياسة معينة، واتخاذ القرارات في مستواها الاستراتيجي، سواء العسكري منها أو السياسي، وهذه الاستشارات لا تختلف كثيرا عما كان عليه الحال في الماضي.

لكن ما استجد من معطيات جديدة في وجه المخابرات الإسرائيلية جعلها أمام تحديات جديدة لم تكن معهودة لها من قبل، وبخلاف عما كان عليه الحال في ثمانينيات القرن العشرين، فإن الساحة الجيو-سياسية أخذت في التعقد أكثر فأكثر، وإلى جانبها تعاظمت التحديات الاستخبارية، ومنها على سبيل المثال توفير صورة واضحة من الناحية الأمنية، إلى جانب تقدير موقف دقيق لطبيعة الوضع في الشرق الأوسط، لاسيما على الصعيد الأمني.

يأخذ الوضع في التعقيد أكثر، إذا ما علمنا أن عددا من دول الشرق الأوسط تربطها بإسرائيل اتفاقيات سلام، وعددا آخر في حالة مواجهة عسكرية، والجزء الآخر في حالة حياد.

وفي عدد من هذه الدول توجد أنظمة سياسية مركزية قوية، وفي عدد منها يوجد نزاع سلطوي في غياب السلطة القوية، كما هو عليه الحال في لبنان والسلطة الفلسطينية والعراق.

إلى جانب عدد من التحديات الأمنية الجديدة أهمها:

  • ارتفاع حدة الحروب غير المتناظرة غير النظامية.
  • مخاطر تحديات العولمة.
  • صعود ظاهرة الإسلام الراديكالي.
  • التغيرات السياسية التي حلت في العالم العربي منذ انتهاء الحقبة السوفيتية.
  • ارتفاع منسوب القيمة الاقتصادية في القرارات السياسية.
  • بروز الدور الأكثر أهمية للأجهزة الأمنية في تلك البلدان، بما يزيد عن دور الجيوش.

وأكثر أهمية مما سبق، فإن أجهزة المخابرات الإسرائيلية مطلوب منها أن توفر ردا رادعا وإجابة مطمئنة لتحدي حيازة وإمكانية استخدام أسلحة نووية، في حال نجحت دولة معادية من الحصول عليه.

خلال ذلك، ستبقى أجهزة الأمن والاستخبارات تلعب الدور المركزي في “استغلال الفرص التاريخية”، فالمخابرات لا تعمل فقط في مجالا الحروب وجبهات القتال، وإنما طرفا مساعدا للمستوى السياسي لاستغلال فرص سياسية بعينها.

وبالتالي فإن أجهزة المخابرات تقدم هذه المساعدة للقادة السياسيين بواسطة المعلومات الأمنية، والتقديرات الأمنية للموقف، والعلاقات الخارجية، السرية على وجه الخصوص، وهنا يبرز الدور الهام للمخابرات في القرار السياسي.

ومنذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر، مرورًا بمؤتمر مدريد عام 1991، وصولًا إلى اتفاق أوسلو واتفاق السلام مع الأردن، طرأ تقدم ملحوظ في دور المخابرات في عالم السياسة داخل إسرائيل.

وفي نطاق ما بات يُعرف “مخابرات السلام” فإن الاستخبارات الإسرائيلية باتت خلال العقد القادم أمام مواجهة سلسلة من التحديات القومية التالية:

  1. إمكانية الوصول إلى اتفاق سلام مع سوريا، وما يعنيه ذلك من تراجع للتهديد الإيراني، وفي أعقابه حزب الله، ومن جهة المنظمات الفلسطينية لاسيما حماس، التي تحظى برعاية دمشق.
    1. فرضية التوصل إلى اتفاقات سياسية مستقرة مع الفلسطينيين.
    1. الرغبة في توثيق العلاقات مع مصر والأردن وتمتينها، والوصول إلى اتفاقات سلام مع العالم العربي، أو على الأقل مع الدول السنية منه.
    1. ضرورة الوصول إلى تقوية العلاقات الإسرائيلية مع دول أخرى في العالم، تمتلك تأثيرًا ملموسًا على منطقة الشرق الأوسط.
  2. المصادر المؤثرة على توجهات المؤسسة الاستخبارية في إسرائيل

هنا تبرز الحاجة إلى ضرورة تحسين قدرات المخابرات الإسرائيلية لتحقيق أكبر قدر من النجاحات والإنجازات، من خلال تحسين ظروف عملها داخل المؤسسة بشكل عام، ومع ذلك، لابد من الإقرار بـ “الاعتراف بالحاجة” لذلك التحسين، لاسيما في أوضاع الإخفاق والفشل الذي تقع فيه أجهزة المخابرات في بعض الأحيان.

ومن ذلك على سبيل المثال: الفشل الذي وقع فيه جهاز “أمان” خلال حرب يوم الغفران في 1973، والثمن الباهظ الذي دفعته الدول جراء اعترافها بالحاجة لتحسين قدراتها، ونتيجة لذلك ارتفع منسوب احتياجات “أمان” لمزيد من الوسائل والأدوات.

  • الوضع الاقتصادي وحاجة الدولة للبدائل المتاحة: لابد من ذكر حقيق هامة ربما تنفرد فيها إسرائيل عن باقي الدول، وهي أن سوء الوضع الاقتصادي من جهة، وصعود أهمية قطاعات أخرى في ذهن صناع القرار في الدولة كالتعليم مثلا، من شانه أن يرفع حدة التوتر بين الاحتياجات المدنية ومتطلبات الأمن، ما سينعكس بدوره حتما على موافقة الدولة على ضخ المزيد من القوات لأجهزة الأمن والاستخبارات.
  • الحساسية من الخسائر البشرية: وهنا لابد ان يكون واضحا ان الخشية الإسرائيلية المتزايدة من سقوط ضحايا بشرية في صفوف قواتنا الأمنية، ترفع من الحاجة الملحة لاستخدام الأدوات التكنولوجية والتقنية أكثر من إلقاء الجنود في ساحة المعركة على الفور، وبالتأكيد أجهزة الأمن جزء أساسي من قواتنا.

وبالتالي فإن صناع القرار في الدولة لابد ان يكونوا على اطلاع دائم على مختلف التطورات، نظرًا لحاجتهم الماسة لتقليص حجم الخسائر البشرية، إذا ما حصل خطأ في اتخاذ قرار ما سيدفع ثمنه أفراد الأجهزة والجيش.

في المقابل، فإن حساسية إسرائيل لسقوط ضحايا بشرية كثيرة في أوساط الخصم، لاسيما في صفوف المدنيين، يجعلها تفضل استخدام أدوات ووسائل أكثر دقة وحيطة، التي تتطلب بالتأكيد معلومات أمنية دقيقة وذات جودة عالية.

  • موقف الرأي العام الشعبي: تبرز الحاجة إلى القدرة على تجنيد قوات مهنية عاملة ذات كفاءة عالية، عنصرا هاما للتأثير على موقف قوات الأمن والأجهزة الاستخبارية من محاولة التوفيق بين الحاجة للقدرات البشرية بدون تعارضها مع حاجة الاقتصاد المدني لها، لاسيما في مجالات باتت تحتل أهمية متقدمة مثل: التكنولوجيا المتطورة.
  • التكنولوجيا: الهدف المتمثل بإحراز أكبر قدر ممكن من الإنجازات العالية، تحتم الحاجة لدى أجهزة الأمن بالمحافظة على قدراتها الفائقة في مجال التكنولوجيا العالمية.
  • ملخص مبدئي

في أعقاب التغييرات الهائلة التي حلت بالبيئة الخارجية لإسرائيل، فقد تعاظمت التحديات الأمنية أمامها، وكان لها تأثيرها المتوقع على النظرية الأمنية الإسرائيلية، من خلال تنامي الأدوار التي تقوم بها أجهزة الأمن، لاسيما من خلال ما تضطلع به من مهام خطيرة وحساسة في إطار الحروب التي تخوضها إسرائيل على الجبهات الأمنية والعسكرية.

بصورة أكثر وضوحا: باتت أجهزة المخابرات أعلى من درجة مقاتل ومساعد في القتال، إلى جانب دورها في دعم صناع القرار في الدولة على صعيد شتى المجالات.

وفي هذا الإطار، تنامى الدور الذي تضطلع به أجهزة الاستخبارات في سياق المعارك الدبلوماسية، وهذا التنامي من المتوقع أن يشهد تقدما مطردا خلال سنوات العقد القادم.

شكل رقم 1: أدوار المخابرات كطرف فاعل في المعارك الأمنية والعسكرية لإسرائيل

 طبيعة الدورالطرف المؤديالتغيير الحاصل
توفير حد أقصى من المعلومات لاتخاذ القرارات في مستواها الاستراتيجيالمستشار اللصيق بصانع القرار في المجال العسكري بصفة خاصةتغيير جوهري في طبيعة التحديات الأمنية عما كان عليه الحال في السابق، لكنه لا يتطلب في طبيعة من يؤدي المهمة: ومن ذلك إمكانية توقيع اتفاقية سلام مع سوريا، الفلسطينيين، دول أخرى، الوضع الجديد في العراق، وتوفير الردع الكافي من مغبة التعرض لهجوم نووي.
الاستخبارات كمكون رئيس في المعارك الأمنية والعسكريةتوفير ظروف عملياتية مناسبة لاستخدام حد أقصى من النيران، وأدوات قتالية أوسعالجهة المساعدة والمشاركة في إدارة العمليات القتاليةمطلوب تغيير حقيقي في ظل تغير ظروف الخصوم، من حيث القدرات التكنولوجية والسرية، وتطور في استخدام النيران الدقيقة، وإمكانية التعاون والتنسق مع أجهزة أجنبية.
 حروب سرية ذات طابع أمني في أوسع جبهة ممكنةالمشاركة كطرف مقاتل فعلا في ساحة المواجهةالاختلاف الحاصل في طبيعة الحروب التي قد تخوضها إسرائيل، من الحروب النظامية التقليدية إلى أشكال أخرى، وما حل في طرف الخصوم يحتم الحاجة إلى دخول عالم الحروب السرية.
  • التحديات الاستخبارية المهنية، وطرق العمل في العصر الجديد

هذا الجزء سينشغل في التعامل مع التحديات المهنية التي تقف في مواجهة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في العصر الجديد، والمقصود هنا تحديات مشتركة لمؤسسة الأمن الإسرائيلية، داخل البلاد وخارجها.

وهنا بالإمكان التطرق إلى سلسلة من التهديدات التي مصدرها المنظمات المسلحة التي تخترق الحدود، وتنتهج أساليب التمويه والتخفي، إلى جانب الدول التي تبدي حرصا ملحوظا على حيازة أسلحة دمار شامل.

  • تحديات مهنية: المنظمات الاستخبارية هي الجهة الوحيدة القادرة على كشف وتعقب التنظيمات المعادية، ومع ذلك فإنه تحد حقيقي وجاد، نظرا للأسباب التالية:
    • تمتلك القوى المسلحة التي تخوض حروب الاستنزاف مع إسرائيل قدرات بشرية وتقنية محدودة، وجوهر الأمر: أنه من الصعب العثور على هذه المنظمات وأنشطتها الميدانية بالوسائل الالكترونية، أو من خلال التصاوير الجوية، بسبب الإجراءات السرية التي تنتهجها في أوساط السكان المدنيين.
    • الإمكانيات التقنية التي تمتلكها بعض الدول المعادية الحريصة على حيازة سلاح نووي، وخاصة من الإجراءات التكتيكية التي تتخذها هذه الدول من خلال انتهاجها لوسائل التخفي والتمويه.

كما أن هذه الدول تنتهج إستراتيجية جديدة تتمثل في بذل جهود مضنية تأخذ طابع السرية في معظمها لحيازة أسلحة من ذلك النوع، وربما يكون ذلك استخلاصا لدرس هام مما حصل للمفاعل النووي العراقي على يد إسرائيل عام 1981.

ت- التطويرات التي أجرتها القوى الإسلامية الراديكالية على وحداتها البشرية الخاصة بجمع المعلومات من مصادر عادية من قبل الأفراد العاديين.

وبجانب الإشكاليات الآخذة في التنامي أمام المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، هناك نافذة حقيقية تشير إلى فرص جادة يمكن لهذه المؤسسة “اقتناصها”، ومنها:

  1. القدرات التكنولوجية الجديدة، والتطورات الحاصلة على السرعات المتزايدة في الاكتشافات والاختراعات المتواصلة في هذا العالم مثل: التنصت، الأقمار الصناعية، التصوير، وهو ما يفتح آفاقا جديدة لم تكن معهودة من قبل، لاسيما في مجال المصادر التقنية والبحث والتحليل.
  2. طرق العمل المشتركة الجديدة، لاسيما في ظل العولمة التي تتطلب تنسيقا في أقصى درجاته لم يكن معمولا بها في السابق، في ظل تنامي التهديدات الجديدة التي باتت مخترقة للحدود.
  • الإجابة الميدانية: وهنا بالإمكان الإشارة إلى أن “مزاعمنا” الأساسية في هذا المجال هي: في ظل التحديات الماثلة أمام المؤسسة الأمنية الاستخبارية والتغيرات الكبيرة في البيئة المحيطة بإسرائيل، والحاجة الماسة لإدارة مواردها البشرية والتقنية انطلاقا من تخطيط وفهم عام وشامل.

ولمحاولة تقديم نقاش جاد في هذه المسألة سنفحص ثلاث فرضيات متصلة ببعضها، وهي:

  • ساحة العمل: من خلال إدارة مشتركة للعمل الأمني، يمنح المؤسسة الاستخبارية القوة والقدرة على مواجهة ساحات العدو، التي باتت تعتبر هدفا قوميا لاسيما في إيران والمنظمات المسلحة وغيرها.
  • البعد العملياتي: وهي المعركة متعددة المجالات، من خلال إجراء تدقيق تفصيلي لمجالات العمل التنفيذي، لاسيما محاولة إشراك أكبر قدر ممكن من الوسائل والأساليب: البشرية، التقنية، الالكترونية، وغيرها، من أجل تسهيل الميدان أمام تنفيذ عمليات استخبارية معقدة.

هذا البعد بالذات، يعتبر حيويا بصورة خاصة من أجل إدارة الحروب غير المتناظرة، وهي الحروب التي تشكل العمليات المعقدة فيها عنصرا حاسما.

  • المجال متعدد الأغراض: من خلال إدارة مهنية جادة ومفيدة لكل مجال من مجالات العمل الاستخباري: البشري، التقني، العملياتي، التي باتت منتشرة في كل الأجهزة الأمنية، بعكس ما كان عليه الحال في الماضي.
  • الساحة الميدانية: وهي فرضية تحتل حيزا هاما للمساعدة في تحقيق أهداف كبيرة في ساحات العدو، التي تشكل اليوم هدفا قوميا من خلال اللجوء إلى جهود مشتركة.

وحتى سنوات السبعينات من القرن العشرين كان التعاون الأمني والتنسيق الاستخباري أمام ساحات العدو أمرًا هامًا، لكنه ليس ملحا كما هو حال اليوم، وحدث ذلك في ضوء التغييرات التي طرأت على البنى التنظيمية والأبعاد الجغرافية التي تحدد العمليات الأمنية.

ومن باب التفصيل: فإن جهاز الموساد على سبيل المثال يعمل جغرافيا خارج حدود البلاد، والشاباك يعمل داخل حدود إسرائيل، فيما يعمل جهاز “أمان” فيما هو خارج حدود الدولة، لاسيما أمام الدول العربية المجاورة لإسرائيل.

اليوم هناك الأمر الظاهر المتمثل في مشاركة كافة أجهزة الأمن في بعض العمليات الميدانية، وهو أمر بات ملحا وضروريا في أقصى درجاته، في ظل التغيرات التي طرأت على التحديات الأمنية، والتطورات التي طرأت على البيئة الإستراتيجية، لاسيما في المجال التكنولوجي، وإلى جانب كل ذلك تغير الدور والوظيفة المناطة بها الأجهزة الأمنية.

وبالتالي ونتيجة طبيعية لذلك، فلا يمكن بحال من الأحوال التعامل مع تهديدات بعيدة جغرافيا، كإيران مثلا، أو المنظمات المسلحة العابرة للحدود، دون أن يكون هناك تنسيق ميداني فعال في كافة القطاعات، بين الأجهزة الأمنية المختلفة التي سبق الحديث عنها.

شكل رقم 2: الفرضيات الإقليمية

  • الفرضية العملياتية متعددة المجالات: وهي الفرضية الأكثر أهمية كونها تكشف النقاب عن التحديات الأمنية الاستخبارية- العملياتية، انطلاقا من مبدأ “المعركة متعددة الأغراض”.

وهنا بالإمكان طرح عدد من الأمثلة والنماذج على ذلك:

  1. في عالم الاستخبارات اليوم نشأ أسلوب جديد يسمى “يوغينت”، يجمع بين “يومينت” و”سيغينت”، بغرض منح المخبرين القدرة على استخدام المصادر التكنولوجية المتقدمة، التي تعتبر نافذة حقيقية للوصول إلى إنجازات مذهلة للاستخبارات الالكترونية.
  2. ارتفاع مستوى أهمية الفرضيات العملياتية النابعة من مبدأ اكتشاف المزيد من عوالم التنصت التكنولوجية، وهو ما يقدم خدمات جليلة للعمل الأمني.
  3. اليوم بات من الصعوبة الوصول إلى تحقيق إنجازات مطلوبة بدون “التشبيك” المطلوب في القدرات البشرية والتكنولوجية، وهي المتوفرة لدى جميع الأجهزة الأمنية.
  4. تبرز حيوية الفرضية أكثر من سواها في إدارة إسرائيل للحروب غير المتناظرة، تحديدا مع المنظمات المسلحة التي تخوض حروب استنزاف ضدها.

شكل رقم 3: فرضية الاستخبارات المتعددة المجالات

  • الفرضية متعددة التخصصات

تمتلك هذه الفرضية أهمية خاصة، كونها تلقي مهام ثقيلة على كاهل المؤسسة الأمنية، من خلال تركيز جهودها في عدة مجالات في آن واحد معا، وجوهر هذه الفرضية أنها تتطلب من أجهزة الاستخبارات خوض المعارك الأمنية بمختلف الوسائل المتوفرة، البشرية والتقنية والالكترونية (سيغينت، يومينت، فيزينت، عمليات)، وهي وسائل منتشرة وموزعة في مختلف أجهزة الأمن.

وبالتالي فإن المطلوب اليوم من أي جهاز أمني يعمل على تطوير تلك الوسائل والأساليب أن يكون على تنسيق كامل مع سواه من الأجهزة منعا للتضارب وتعارض الصلاحيات والمهام، كجزء من استخلاص الدروس والعبر التي طالبت أكثر من مرة بتوحيد الجهود، وتركيز القدرات، من أجل البحث عن الحلول للإشكاليات التي تواجه المؤسسة الأمنية بصورة عامة.

خذ على سبيل المثال: وحدات “السيغينت”، كما وحدات “الفيزينت”، تقف أمامهما تحديات مشتركة، لاسيما في سبيل مواجهة تهديدات قادمة من قبل أعداء كثر.

شكل رقم 4: أوجه التعاون الاستخباري في المجال الالكتروني

  • الأهمية المتعاظمة للرؤية الشاملة والتخطيط العام: بخلاف الفرضية التي تطالب بتوحيد جهود المؤسسة الأمنية، والتعاون المطلوب في مختلف المجالات، فإن هناك لمسألة النظرة الإجمالية للعمل الأمني الذي تنطلق منه المؤسسة الاستخبارية بصورة عامة.

علما بأن هذه النظرة تستطيع أن تقدم الأدوار التالية:

  1. أن توفر للمؤسسة الأمنية إجابات كافية عن الكثير من التحديات التي تواجهها.
  2. تمنحها الأرضية المناسبة والبنية التحتية التي توفر لها صورة إجمالية عن كافة التهديدات التي قد تعترضها في عملها.
  3. العمل على تحديد إستراتيجية مشتركة لمواجهة أجهزة أمنية أجنبية.
  4. إفساح المجال لمزيد من النقاشات الحيوية حول دور ووظيفة عالم المخابرات الإسرائيلية، كجزء أساسي في صياغة نظرية الأمن القومي.
  5. أهمية النقاشات بين عالم الاستخبارات والقيادة السياسية للدولة

هناك أهمية متزايدة لدى قادة الدولة السياسيين بالدور الكبير الذي تلعبه أجهزة الاستخبارات، من أجل مساعدتهم في اتخاذ الخطوات الضرورية الهامة الخاصة بمستقبل الدولة، وبعض القرارات المصيرية التي ستؤثر حتما في توجهاتها، لاسيما تلك المتعلق باحتياجات الأمن القومي.

وقد تبدى هذا الدور الواضح لها من خلال التقارير النهائية التي كانت تصدرها لجان التحقيق بين الحين والآخر، لاسيما التوصية الدائمة بتعيين مستشار دائم لرئيس الحكومة للشؤون الأمنية.

وبالتالي، بات السياسيون على قناعة هامة مفادها أنه سينقصهم الشيء الكثير إن لم يبادروا إلى توثيق هذا النقاش، سواء بينهم مباشرة وبين باقي الأجهزة الأمنية، أم بين الأجهزة ذاتها، وبينها وبين الجيش، وكل هذه النقاشات تهدف لتحقيق أهداف عدة من بينها: التعرف على قدراتها وإمكانياتها، والتوصيات التي ترفعها مختلف الجهات لتطوير هذه القدرات.

إلى جانب التعرف على الحدود والقيود التي قد تقف في مواجهة المؤسسة الأمنية، لاسيما في مجال التقدير الأمني للموقف.

  • الأهمية المتزايدة للتعاون المشترك مع الأجهزة الأمنية الأجنبية: لاسيما في ظل تمدد العولمة والتهديدات المشتركة أمام عدد من الدول مجتمعة، خاصة تهديدي السلاح النووي والجهاد العالمي، الأمر الذي يحتم تقوية وتمتين التعاون بين مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ونظيراتها في الدول الأجنبية.

وتأتي هذه الأهمية في ضوء تبادل العلاقات التي يختص بها كل جهاز أمني، وتوفير أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخبارية، ما يمكنها جميعا من تحقيق إنجازات ونجاحات بصورة تفوق ما كانت قد تحققه إن بقيت منفردة.

  • الفجوات القائمة بين العمل الأمني ومصادره الخاصة

في الوضع القائم لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية هناك فجوات هائلة بين الدور المناط بها، وبين المعطيات الميدانية التي تعمل في ظلها، لاسيما من الناحية التنظيمية، ومن أهمها:

  • الفجوة الجغرافية: ليس هناك من إدارة ناجحة أمام ساحات الأعداء المعادية من قبل أجهزة الأمن الثلاثة المركزية: الموساد والشاباك وأمان، إن لم تكن هذه الجهود مشتركة ومنظمة.
  • الفجوة التخصصية: وهنا بالإمكان العثور على خلافات واضحة في المجالات التي تعمل فيها الأجهزة، لاسيما في تنفيذ العمليات الاستخبارية الخاصة.
  • الفجوة متعددة المجالات: في ظل غياب التنسيق والتنظيم الفعال لمختلف أساليب ووسائل العمل الاستخباري: السيغينت، اليومينت، الفيزينت.
  • الفجوة في النظرة الشاملة للعمل الأمني: خاصة على صعيد قراءة التحديات الماثلة من جهة، ووجهات نظر الجهات ذات الاختصاص، لاسيما في قيادة الدولة السياسية، وفي ضوء ذلك هناك غياب حقيقي لمفهوم الرقابة على العمل الأمني، التي من واجبها فحص أداء المؤسسة الاستخبارية، ومراقبة نتائجها الميدانية.

وبالإمكان هنا ملاحظة ثلاثة أسباب أساسية لهذه الفجوات الحاصلة، وهي بالمناسبة مرتبطة ببعضها البعض على النحو التالي:

  1. غياب إدارة مركزية لعالم الاستخبارات الإسرائيلي، يقف على رأسها رئيس معروف: وقد توقفنا مليا عند هذا السبب في الفصل الثاني من هذه الدراسة، ويمكن تلخيص الأمر على النحو التالي:
  2. غياب الرئاسة: في ظل غياب رئيس واحد معروف للمؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية، فليس هناك من إستراتيجية واحدة لها، تحدد طبيعة عملها، وستبقى مفتقرة لأدنى الخطط العملياتية لها، كما سيكون دورها مفقودا في صياغة نظرية الأمن والسلم في الدولة، إلى جانب أنها لن تجد لها مكانا واضحا في تحديد الأهداف القومية، كما حدد ذلك قيادات الدولة.
  3. عدم وجود أجهزة إدارية في ساحات جغرافية مختلفة: وفي غياب هذه الأجهزة يبدو من الصعوبة بمكان صياغة نظرية عملياتية منظمة في مواجهة ساحات معادية، كإيران مثلا، ما سينجم عن عدم إحداث تطوير مطلوب في منظومة “السيغينت” من النظرة القومية لها.

كما أنه في غياب رئيس محدد للأجهزة الأمنية يصبح متعذرا تحديد صلاحيات وتبعيات كل جهاز على حدة.

  • فجوة في مفاهيم التنسيق المشترك داخل عالم الاستخبارات: كما توضح في الفصل الأول، هناك تنسيق قائم بين الأجهزة الأمنية لكنه محدود، ولا يؤثر كثيرا في مجريات العمل الميداني، ولا يسفر عنه تغير في المصالح الأمنية بفعل بعض العلاقات الشخصية.

وفي ظل هذا الواقع، فقد تنشأ بعض الاحتكاكات إذا ما توافرت ظروف معينة، ولم توجد هناك قدرة على احتوائها أو تجاوزها، وبالتالي فإذا ما بقيت مؤسسة الاستخبارات بدون رئيس واحد محدد سيكون من الصعب السيطرة على مثل هذا الوضع، والتأسيس لواقع ميداني مغاير.

  • غياب المسئولية الرسمية عن جسر هذه الفجوات: لاسيما من قبل قيادات الدولة، ومنهم: رئيس الحكومة، المسئول الأول عن جهازي الشاباك والموساد، وزير الدفاع، المكلف بمتابعة جهاز أمان والجيش الإسرائيلي.

ذلك أن التاريخ يعلمنا أن الشخصيات التي تتوسط بعض المواقع القيادية، مثل “رؤوبين شيلوح” الذي عينه “بن غوريون” أو “إيسار هريئيل” الذي عينه “ليفي أشكول”، أو “رحبعام زئيفي” و”يهوشفاط هاركابي” اللذان عينهما “إسحاق رابين”، كلهم وجدوا صعوبات حقيقية في تطبيق توصياتهم، والانتقال بعالم الاستخبارات إلى واقع أفضل، اثنان منهم على الأقل قدما استقالتهما، بسبب ما قالوا أنه غياب للغطاء الكامل من قبل قيادة الدولة، وافتقادهم للصلاحيات الموكلة إليهم.

بكلمات أخرى، حتى لو تم بالفعل تعيين رئيس واحد للمؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية، وحاول هذا الرئيس أن يؤسس لميثاق عمل جديد بين الأجهزة الأمنية المختلفة، فلن يكون بالإمكان جسر هذه الفجوات على الفور، إذا لم يحصل على الدعم الكافي والغطاء الكامل من قبل رئيس الحكومة ووزير الدفاع.

كما أن الكنيست، بيت التشريعات، لم يقم بدوره في هذا المجال، لأن تشريعا برلمانيا من شأنه أن ينظم العمل الاستخباري بصورة أكثر شمولا.

إلى جانب تلك الجهات، مطلوب أيضا من رؤساء الأجهزة الأمنية الاضطلاع بأدوارهم المناطة بهم، وهم الذين لم يقوموا بمثل هذا الدور في السابق في ظل تنامي بعض الإشكاليات، واكتفوا حينها بإبلاغ رئيس الحكومة فقط.

شكل رقم 5: الفجوات القائمة في عمل الاستخبارات الإسرائيلية

  • الخلاصة

في نظرة مستقبلية، تأخذ صورة أجهزة الاستخبارات التنامي والتعاظم أكثر فأكثر، في تحديد الطبيعة العامة لنظرية الأمن الإسرائيلية، لاسيما في ضوء تغير البيئة الخارجية لإسرائيل، والتحديات الأمنية الماثلة أمام الدولة، خاصة وأن هذه الأجهزة باتت تشكل ذراعًا متقدمًا في معارك إسرائيل، العسكرية والأمنية، فضلًا عن دورها الواضح في دعم صناع القرار في الدولة وإمدادهم بالمعلومات اللازمة.

وبالتالي فإن الفجوات القائمة في عمل المؤسسة الاستخبارية: الفجوات الجغرافية، التخصصية، والنظرة الشاملة لطبيعة التحديات الماثلة، هي تحديات كانت وما زالت تقف في طريق المؤسسة الأمنية منذ السنوات الأولى لقيام الدولة، الأمر إذن مرهون بالسنوات القادمة التي يجب أن تجتهد فيها تلك الأجهزة بالبحث عن حلول عملية لجسر الهوة القائمة بين تلك الفجوات المهنية.

وحتى سنوات الثمانينات، فإن التغييرات التي طرأت على البنية التنظيمية والجغرافية لهذه الأجهزة كانت محدودة ومقيدة، وبقيت التقسيمات على النحو التالي: الموساد يعمل خارج حدود إسرائيل، والشاباك يعمل داخل إسرائيل، ويعمل جهاز “أمان” من خارج الحدود.

إضافة لذلك، فقد كانت المنظمات الأمنية في ذلك الوقت أقل عددًا وأخف تعقيدًا، وبالتالي كان بالإمكان إجراء التعديلات في تركيبتها الهيكلية، في ضوء السيطرة على طبيعة العلاقات الخصية لرؤسائها في ذلك الوقت.

ولكن في ظل التغييرات التي أحاطت بالبيئة الإستراتيجية والتحديات الأمنية، طرأ تنامي حقيقي لأعداد العاملين في الأجهزة الأمنية، وبدت طرائق عملهم أكثر تعقيدًا، لأن اختلاف الظروف والتحديات لم تجعل التركيبة السابقة ملائمة إطلاقًا للواقع الميداني الجديد، ولا حتى على صعيد العقد القادم.

لهذا كله، بات مطلوبًا اليوم إجراء تغيير حقيقي وجوهري في طبيعة النظرة الأمنية الإسرائيلية للأمور، على أن يتبعها تغيير في السلوك والإدارة الأمنية المتوقعة لها.


[1] https://www.washingtoninstitute.org/media/4614

[2] إسرائيل والقتال بطريقة أخرى.. وعقيدة الحرب الجديدة – المؤلفان: حاييم آسا، يديديا يعاري – دار النشر: تل أبيب- تاريخ الإصدار: تشرين الأول 2018

[3] https://www.washingtoninstitute.org/media/4614 (مصدر سابق)

[4] https://www.futureconcepts-lb.com/?p=160

[5] https://www.futureconcepts-lb.com/?p=160

[6] هذا القسم ورثه جهاز الشين بيت

[7] هذا القسم ورثه جهازي الموساد والشاباك

[8] وهذا القسم ورثه جهاز الاستخبارات العسكرية (الأمان ) وكل ملحقاته

مركز دراسات غرب اسيا

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد