ناصر علي فقيه – خاص الناشر |
يختلف علماء الاجتماع على تصنيف الشتيمة، فبين من وضعها في إطار تحقير الآخر، ومن حصرها بالبذاءة، ومن أدخل اللعن في دائرتها، خاصة في الأدبيات السياسية والاجتماعية الحديثة، وهو ما عكسته بعض القوانين التي صادقت عليها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
لكن الأكيد أن معظم المجتمعات تنبذ الشتيمة بوصفها طورًا من أطوار العنف، وإن كان بصورة لفظية، كما هو استخدام السلاح أو الضرب، كأداة من أدوات السلطة والسيطرة، لا بل يعتبر البعض أن الكلمات ـ الشتائم أحيانًا أقوى من الرصاص، وهي ظاهرة ليست وليدة الشارع فقط بل استخدمت في السياسة والإعلام منذ أزمان بعيدة نطق بها زعماء أوروبيون في الحربين العالميتين تحقيرًا لأعدائهم، وتفوه بها رؤساء أميركيون ببذاءة ضد نظرائهم السوفيات خلال الحرب الباردة.
” هيلا هيلا هيلا هيلا هو” و”كول ـ ـ ـ” و”خود”، ثلاثة نماذج أتحفتنا بها “الثورة” اللبنانية، ودافع عنها الناشطون في هذه “الثورة” تحت مسمى الحرية، الحرية في قول ما يشاؤون، والحرية في شتم المقدس سياسيًا أو دينيًا أو غيرهما، والحرية في تحطيم كل الأعراف تحت عنوان ما يطلق عليه “كسر التابو (المحرم)”، بل بالغ البعض في اعتبار الشتيمة سلاحًا من أسلحة “النضال اللا عنفي” (بصيغته الغربية تحديدًا) كما هو الحال بأعمال قطع الطرقات وتحطيم الممتلكات الخاصة أو العامة أو أي من الأساليب الأخرى التي لا تصنف أعمالًا حربية.
إذًا، تحولت الشتيمة إلى سلاح في السياسة، فهل يعني أن السلاح حلال عند طرف وحرام على آخر؟ قد يقول قائل “تلك أخلاقياتهم وأخلاقنا تمنع”… نعم أخلاق المقاومة تمنع أن يستخدم السلاح بغير وجهته الصحيحة، لكن تسمح باستخدامه دفاعًا عن الأعراض، فهل من شرف يسمو على الدفاع عن أعراض شعب المقاومة؟ ألم تهتك أعراض فتيات ونسوة فقط لأنهن أبدين آراءهن علنًا من دون أي تجريح (زهراء قبيسي مثالًا)؟ ذُبحت بعض السيدات على منبر منصات التواصل الاجتماعي بأبشع سكاكين النعوت تحقيرًا وبذاءة ولعنًا من دون أن يرف جفن لأي من مدّعي مكافحة التنمر والعنصرية أو دعاة “أخلاقنا وأخلاقهم”.
في المقلب المعادي للمقاومة، يدعي البعض مظلوميةً بعد تحوّله هدفًا للشتيمة، وهو نفسه من رفع لواء “هيلا هيلا هيلا هيلا هو” واخواتها (ديما صادق نموذجًا). كيف يمكن أن يوجه هذا الفريق لجمهور المقاومة سلاحًا، باعترافه هو، وينتظر منه أن لا يواجه بنفس السلاح؟! على الرغم من أن أغلبية الردود لها الحد الأدنى من أدبيات الحرب التي يستخدم فيها السلاح ـ الشتيمة، ومع لحاظ أن بعض هذا الجمهور غير متدين أو غير ملتزم بالأخلاقيات نفسها (يمكن اعتماد مراجعة علمية للحملات في الفضاء الالكتروني).
المفارقة، أنه يحق لوسيلة إعلامية أن تصف رمزًا من رموز التحرر والمقاومة بنعت لا يليق، لكنها تبكي من ردود محبيه وأنصاره على صاحب هذه الوسيلة الإعلامية، فإن كان نعت الرمز المقاوم حريةً في التعبير، فلمَ لا يكون نعت صاحب القناة أيضًا حرية تعبير؟ وإن كانت “فشة خلق” قناة مسموحة لماذا لا يكون رد فعل الجمهور مسموحًا؟
نعم هو اعتداء، لا ينظر إليه جمهور المقاومة إلا على أنه اعتداء، والاعتداء يلزمه رد. وبما أن المنطق يقول “ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم”، فإن الأولى الرد على الشتيمة ـ السلاح بنفس النوع على قاعدة “الجزاء من جنس العمل”، بما أن القضاء غائب عن الإهانات وإثارة النعرات ومحاولات الإخلال بالاستقرار التي تكاد تكون خبزًا يوميًا لمحطات لا تملك من رصيد الحقيقة شيئًا فلجأت إلى الشتيمة واجهة لخطابها الإعلامي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.