اشتهرت السينما العربية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بكثرة المشاهد الجنسيّة، وبرز ذلك في الأفلام العربية المشتركة، التي أُنتجت في عهد الأزمات السياسيّة والاقتصادية المصرية، حيث سعى المنتج المصري لإيجاد سوق عربي يضمن له مكسبًا ماديًا عاليًا، فكانت مشاهد التعرّي والقبلات هي الضمان لفتح سوق جديد وتحقيق المردود المادي.
شهدت السّينما العربية مجموعة من الأفلام التّي قدّمت جرعة زائدة من المشاهد الحميميّة وتمّ تنفيذها بين لبنان وسوريا ومصر ومنها : “أعظم طفل في العالم” بطولة ميرفت أمين ورشدى أباظة، فيلم “سيدة الأقمار السوداء” بطولة حسين فهمي وناهد يسري، فيلم “ذئاب لا تأكل اللحم” بطولة ناهد شريف وعزت العلايلي، فيلم “ليل الرجال”، وفيلم النصابين الخمسة..”. وتطول قائمة الأفلام التي تضمّنت كمًّا كبيرًا من اللقطات الجنسيّة والقبل الحارّة.
استمرّت السّينما المصرية بتقديم المشاهد الساخنة. وتعتبر “نادية الجندي” و” نبيلة عبيد ” من أبرز الممثلات اللاّتي قدّمن مشاهد مثيرة في أفلامهن في الثمانينيات، وكان المسوّغ الدائم لمثل هذه المشاهد أن “اللّقطات الجنسيّة في الأفلام مبررة دراميًا، والجنس أمر واقعي لا يمكن تجاهله سينمائيًا”. أمّا النقاد فيعتبرون وجود المشاهد السّاخنة في السّينما ما هو إلا اتجاه بعض المخرجين لتقليد السّينما الغربية.
ظهر مصطلح “السينما النّظيفة” في التسعينيات. ويعني هذا المصطلح وجود سينما تناسب جميع أفراد العائلة، إنتاج أفلام خالية من القبلات ومشاهد التّعري. وقد روَّج لهذا المصطلح النجوم الشباب في حينها أمثال: “منى زكي، حنان الترك، محمد هنيدي، يوسف الشريف…”. وبالفعل سيطر هذا النوع من الإنتاجات على السّاحة المصرية، وتم تقديم مجموعة من الأفلام التي يدخل كافة أفراد العائلة من صغير وكبير لمشاهدتها في الوقت نفسه. مع ذلك كان هناك بعض الاستثناءات لأفلام قدّمت كمًّا بسيطًا لبعض القبلات والمشاهد السّاخنة.
انحصر تقديم المشاهد الساخنة في الأعمال السينمائية وبحدود معينة خاصة مع ازدياد حدّة مقص الرقابة، وباعتبار أن رواد السينما يحقّ لهم اختيار ما سيشاهدون، إلى أن ضجّت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بقبلات المسلسل الدرامي السوري “شارع شيكاغو” بطولة سلاف فواخرجي ومهيار خضور، إذ قدّم هذه العمل وجبة خفيفة من القبلات السّاخنة في عمل تلفزيوني سوري، بعد أعوام من الأعمال المحتشمة سواء في السينما أو التلفزيون، وواجه العمل الكثير من الانتقادات، لتبرر بطلة العمل سلاف فواخرجي تلك القبلات بأنها ضمن السياق الدرامي لقصّة حب ملحمية.
وفي الإطار نفسه، وضمن المسلسلات الدّرامية السورية، أثار الممثل عبد المنعم عمايري الجدل بظهور جزء من مؤخرته وهو يجلس على كرسيّ الحمام في أحد مشاهد مسلسل ” قيد مجهول”، فاعتبره البعض مشهدًا خادشًا للحياء، ليرد العمايري أيضًا بأن المشهد: “هو ضمن السّياق الدّرامي للأحداث، وبأن الدراما الغربية لا تخلو من مثل هذه المشاهد فلماذا لا يقبلها المشاهد العربي؟”.
ليعود وينصدم الجمهور بمشهد آخر لعبد المنعم عمايري والممثلة السورية كندا حنا، وهما يتبادلان القبل في لقطة من فيلم “الإفطار الأخير”، وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بهذا المشهد، وانتقد روادها كلًّا من العمايري وحنا واعتبروا ما ظهر من الفيلم مشهدًا خادشًا للحياء وللنّظر، ليكون الرّد أيضًا بأن القبلات هي ضمن السّياق الدّرامي للعمل ومبررة دراميًا حيث يقدّم العمل قصة زوج يسترجع التفاصيل الرّومانسية التّي جمعته مع زوجته قبل وفاتها.
بين المشاهد العربي، وصنّاع الدراما، والنقّاد، جدل كبير حول ضرورة وجود المشاهد الجنسيّة والقبلات في السينما أو الدراما العربية، وتنقسم الآراء بين مؤيد ومعارض، فهناك من يعتبر الجنس من واقع الحياة ويجب إظهاره في الدراما التي تجسّد صورة مَعيشةً لبعض الأشخاص بكادر تلفزيوني، بينما يعتبر القسم الآخر أن المشاهد الحميمية لا تناسب أخلاق وبيئة المجتمع العربي.
لعلّ المشكلة تكمن بكيفية إبراز المشاهد الجنسيّة في الدراما العربية، وكأن المخرج والمؤلف والممثل يقولون لك انتبه هذا مشهد جنسيّ، وقد يستغل بعض صنّاع الدراما العربية المشاهد الحميمية للترويج لأعمالهم وخلق ضجة حولها، بينما تمر مثل هذه المشاهد في السينما الغربية مرور الكرام وبشكل تلقائي وعفوي، دون الحاجة لإبرازها بإطار مبالغ وحاد يؤدي إلى خدش الحياء والنّظر.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.