ليلى عماشا – خاص الناشر |
يحتفل الصهاينة باحتلال القدس الشرقية منذ عام ١٩٦٧ عبر “مسيرة الأعلام”. يتجمعون ويسيرون في الحارات والأزقة والشوارع حاملين أعلامهم ومكبرات الصوت ومطلقين الشعارات الاستيطانية وأناشيدهم القبيحة على مرأى ومسمع أهل الأرض.
وإن كانت هذه المسيرة تشكل من الأساس عملًا استفزازيًا، فقد عكست في هذا العام عجز الصهاينة المتفاقم حتى عن رسم مشهد واحد يسهم في ترميم بنيان كيانهم المهزوم. وما إصرارهم على القيام بمسيرة الأعلام إلّا شكل من أشكال المكابرة التي أرادوا منها الظهور بمظهر القويّ المستفِز فبدوا أكثر هشاشة وحكمًا أقرب إلى مسيرة يعودون فيها إلى بلدان منشأهم.
المسيرة التي تحشد سنويًا آلاف المستوطنين كانت اليوم عبارة عن تجمع لمئات يعيشون حال إنكار لحقيقة هزيمتهم. العدد الضئيل الذي سار حاملًا الأعلام مشى في مسار تمّ تعديله عن الأعوام السابقة خوفًا من استفزاز الفلسطينيين، إذ كان في السابق يتعمّد المرور في كلّ حيّ يقطنه الفلسطينيون، وفي كلّ مكان له رمزية وقدسية بعيون أهل القدس. وبهذا، تكون المسيرة التي تهدف أصلا إلى استفزاز الشعب الفلسطيني قد سارت بعكس هدفها، ولم ترد أكثر من الخروج إلى شاشات التلفزة العالمية بوجه غير مصفرّ رعبًا من صواريخ المقاومة.
سار المستوطنون بأعلامهم بحماية جندهم المغرقين برعبهم حدّ شنّ حملات اعتقالات واسعة ضد الفلسطينيين أبناء القدس قبل المسيرة وخلالها، ومحاولة تفريق التجمعات الفلسطينية التي تداعت منذ الأمس إلى يوم غضب كما منعوا وصول الحافلات الفلسطينية إلى أماكن التجمع. ارتكبوا كلّ ما اعتادوه من تنكيل بهدف تصوير مشهد يبدون فيه أقوياء ومسيطرين و”أصحاب أرض”، وفشلوا.
يحاول البعض تصوير المسألة كصراع بين قوميتين أو جماعتين في “دولة” واحدة، لا سيّما في يوم كهذا اليوم. يخرج مطبّعون ويُبدون، كاذبين، رفضهم لمسيرة الأعلام على اعتبار أنّها عمل “عنصري” يزيد الفرقة بين أبناء “دولة إسرائيل” أو لكونها عملاً يستفز فيه فريق فريقًا آخر بمؤازرة جيش وشرطة! ومجرّد النظر للأمر من هذه الزاوية هو عمل خيانيّ فاضح. فالصراع اليوم وفي كلّ يوم هو صراع متواصل بين أهل الأرض وبين الاحتلال، بين أبناء فلسطين وبين قاتلهم وسارق أرضهم، بين شعب أعزل وموقن بحقّه وجمع أوباش مدججّين بالأسلحة وبمواثيق دولية تبيح لهم سرقة الأرض والبيوت.
سارت “مسيرة” أعلامهم هذا العام لكنها بدلًا من أن تظهرهم أقوياء رفعت صوت هزيمتهم وجبنهم عاليًا، واقتربت بهم من يوم سيرحلون فيه عن أرضنا، من يوم سيستقبل فيه أهل الأرض مسيرة العائدين إلى كامل التراب الفلسطيني على وقع صرخات الحرية وصيحات النصر العظيم.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.