المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي، وبعض مقاييس الرأي العام الأخرى، يلمس نوعًا من العتاب لدى بعض القطاعات على القيادة السورية بسبب فتحها الأبواب لوزير الخارجية الإماراتي واستقباله وخروج بيانات رسمية ترحب بعودة العلاقات والتعاون.
وهذا العتاب من البعض مصدره الدور الاماراتي التطبيعي والتخريبي والممارسات الإماراتية الخادمة للاستعمار وللمشروع الصهيو-اميركي، والمعادية للمقاومة ومحورها، والذي كانت سوريا من ضحاياه هذا.
ونرى أن هذه الحالة من العتاب يمكن تفهمها من منطلق الحماسة والإخلاص للمقاومة والأذى الذي طال أنصارها، ولكن يجب مناقشتها موضوعيًا لأن تفشيها قد يضر، ولأن العتاب قد يصبح بعد توضيح بعض الأمور في غير محله:
أولًا: القيادة السورية صمدت أمام حرب بشعة استخدمت فيها كافة الأسلحة الدعائية والسياسية والعسكرية، وكانت هذه الحرب بمثابة عقاب لها على خياراتها وتمسكها بالثوابت، وكان بإمكانها تفادي هذا الحصار والاستهداف لو سارت في الركب الخليجي والعربي الرسمي عمومًا.
وبالتالي فإن ما لم يتم التنازل عنه بالحرب، لن يتم التنازل عنه بالزيارات واللقاءات والتسويات.
ثانيًا: منطق الدول يفرض التعاطي السياسي مع كافة دول العالم بما فيها المتنافسة بل والمتصارعة، والعبرة تكون بالاستقلال الوطني وعدم التفريط في التوجهات والخيارات والثوابت.
ومن ناحية المبادئ، فلا يوجد مبدأ يفرض القطيعة إلا مع الكيان الصهيوني، باعتبار التواصل معه يعني اعترافًا، والاعتراف يعني خيانة وتفريطًا في الحقوق، لأن المعركة مع العدو صفرية، أما أي دولة أخرى فالتواصل أو العلاقات معها لا تعتبر إخلالًا بالمبادئ طالما ظلت الثوابت راسخة والمبادئ لا مساس بها.
ثالثًا: الامارات هي التي طرقت الباب السوري، ومحور المقاومة لا يغلق أبوابه في وجه من يطرقها، وإنما لا يسمح باقتحامها عنوة، وينفتح دومًا على الحوار، بينما يرفض الإملاءات وليّ الذراع.
وعودة الإمارات أو أي دولة أخرى للتواصل مع سوريا أو غيرها من دول وحركات المقاومة لا تعد إخلالًا بالمبادئ أو خطرًا على خيارات المقاومة، بل على العكس تعد إعلانًا للانتصار وفرض الأمر الواقع والاحتفاظ بموطئ القدم والبناء عليه لمزيد من الانطلاق والتكريس لثقافة المقاومة والبرهنة على قوتها وصحة خيارها.
رابعًا: يخشى البعض من أن تكون هذه الزيارات بمثابة التفاف ومناورة وجزءًا من سياسة الاحتواء ومحاولة انتزاع سوريا من محور المقاومة واغرائها واستقطابها للمحور الخليجي، وهو ما نراه تصورًا ظالمًا ومعيبًا في حق دولة لم تتورط في تفريط من جهة، ويشهد التاريخ والحاضر أن سياستها حكيمة وعاقلة ودبلوماسيتها ذكية وماهرة وليست بالسذاجة التي تقع بها في فخاخ الاحتواء أو الوقيعة.
خامسًا: وربما هو الأهم، وهو التوقيت وسياق الحوادث والمستجدات التي طرأت على التوازنات، والتقارير الأميركية المتواترة عن تنامي محور المقاومة وبداية فكه لقيود كانت مؤجلة بفعل الأولويات، مثل استهداف قاعدة التنف وتطوير الدفاعات الجوية والانتقال لتموضعات هجومية في بعض الجبهات، وهو ما يشي بأن التحركات الإماراتية قد جاءت في توقيت يميل به ميزان القوة لصالح المقاومة، وهو ما يشي بأن هذه التحركات ربما تكون وقائية بغرض التهدئة أو خشية الارتدادات او لغسيل يد الامارات من الملف السوري كما تحاول ان تفعل في الملف اليمني.
الخلاصة هي أن لقاءات المقاومة والدولة السورية هي لقاءات من موقع القوة وليست من موقع الضعف، وهو ما يعني أن نتائجها تسير باتجاه مصالح المقاومة لا باتجاه التنازل أو التفريط. كما إن الثوابت والمبادئ التي صمدت المقاومة ومحورها لحمايتها بالدم وفي جبهات الحرب، لن تفرط بها بالدبلوماسية وفي الغرف المكيفة.
لا تزال المقاومة تفتح ابوابها لكل من يمد يده للتعاون معها على قاعدة الاحترام ورفض الاملاءات، بل ورفض حتى مناقشة الطلبات المتعلقة بأي ملف ذي صلة بالثوابت، وعلى جمهور المقاومة الثقة التامة في صلابتها وعدم القلق من أي أفخاخ أو محاولات خبيثة، فالوعي والحنكة سلاحان من أسلحة المقاومة المتنوعة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.