لم تعد حاملات الطائرات لغة القوة العظمى في بلادنا. انتقلت من الصاروخ إلى التجنيد السياسي. إلباس زيِّها إلى ما يشبه التراجمة الأفغان أقل كلفة من صيانة الرؤوس البالستيَّة. “أطعِم عميلَك” أرخص من “أطلِق صاروخَك”. غلب القوةَ العظمى جهازُ تلفون صيني وبرّاد يعمل على الجيل الخامس بالريموت كونترول.
حتّى حلف الأطلسي بات لزوم ما لا يلزم. تكاليف إيجار المقرّ وحَرَد فرنسا وألمانيا وبريطانيا ستطيح بالناتو. ناتو لم يعترف يوماً بقرارات مجلس الأمن وفاتح على حَلّ شَعرِه. من فلسفة الدفاع عن الحلفاء تحوَّلَ إلى غرفة لحصار الدول… الحلفاء ضمناً.
منطقتنا تتحرّر. لا تنفع المكابرة. بقايا الخدّام الأوفياء سيُستَغنى عن خدماتهم من دون تعويض صرف من الخدمة. ربما معاش تقاعدي زهيد. كالعادة سينالون عندنا عقوبات مخفّفة تمامًا مثل المتعاونين مع الاحتلال في تحرير العام 2000 وربما أيضًا بمقاعد نيابية في المجلس المقبل.
إنسحابات بالجملة من المحور الآخَر. الحرب مع جمهورية الصين الشعبية هي الوجهة الجديدة. حلف أنكلوسكسوني جديد على ركام الناتو سيرى النور قريبًا. إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والعالم الحر ضد كلاب الحراسة في فلسطين المحتلة. هناك محور ربح ومحور خَسِر.
إنها الصورة بكل بساطة. الصهاريج أشبه بمعاهدة استسلام معدنية وقّعتها القوة العظمى. ليست أقل خزيًا من استسلام الألمان في 7 أيار 1945 . لقد غَرق آخر حفيد لهتلر في فوهة صهريج مازوت.
في لبنان كان المطلوب القضاء على حزب الله من خاصرته الرخوة؛ الشعب اللبناني. تبيَّن أنه خاصرة من فولاذ. آثار غسيل الأدمغة يحتاج إلى بعض الوقت لإزالتِه لأن فيه جراثيم متراكمة. قد لا ينفع لتنظيف المغسولين من البقَع الوطنية توزيع المقاومة المازوت على دور العجزة في عين الرمانة وفي جبل لبنان، على ما تحمله هذه الخطوة من انفتاح. حتى الهبات إلى رجال الدين لا تقنعهم. بالأمس القريب حمل المقاومون الراهبات في معلولا كأنهم يحملون أمهاتهم. لم ينفع ذلك مع بعض المغسولين. مغسولو الأدمغة لا يذهبون إلى الراهبات والرهبان إلا للصلاة انتقاماً من مقاومة حمت المقدسات المسيحية بأشفار العيون وجثامين الشهداء.
ويسألون بعدها عن جمرك الصهاريج. أيهما أقسى؟ أنين عجوز في دار عجزة أم معاملة جمركيّة؟ إنقاذ مريض يداهمه الموت بحقنة أو انتظار وصفة طبيب؟
كل أنواع الحصار جُرِّبَت في لبنان؛ عقوبات على الساسة. قطع الحليب عن الأثداء لو كان ممكناً. منع التنقيب عن النفط تحت طائلة العقوبات. توظيف الكارتيلات لحجب الوقود. منع تشكيل حكومة. مواكبة إعلامية تبث الأحقاد. ثلاثة آلاف جمعية بميزانية دول. كل شيء ما عدا إطلاق النار المباشر على لبنان لتعذّر ذلك.
يتمّ تناسي واقعة إستراتيجيّة. تحرُّر إيران من الحصار. أربعون سنة حصار تبخّرت على متن سفينة صارت أرضاً لبنانيَّة بخريطة ناقلة نفط. هذا اللبنان الذي يساهم في تحرّر دول كبيرة ومترامية بقرار من رجل لبناني. سوريا أيضًا محت قيصر بتصريح قائد لبناني. هو في الحقيقة احتلال لبناني لحصار دول المنطقة. وهمٌ التشدق بإاحتلالات أجنبية في لبنان. الاحتلال الوحيد الذي يُجاهَر به احتلال الكرامة الوطنية لذمم مباعة.
حان وقت التنقيب. حجم ما حصل أكبر من صهريج. هو على حجم آبار بترول في بحرنا. غداً أو بعد غد سيتدفّق نفط لبنان من أنابيب على بعد أمتار من شواطئنا. مرسوم أنجزه جيش لبنان البطل كفيل بجعل لبنان أكبر دولة نفطية في الشرق الأوسط.
المطلوب كفّ يد السياسة عن الوفد العسكري المفاوض فلا تبيع ولا تشتري مصالحها بنفط لبنان. بلوك رقم 9 وحده يعيدنا إلى الخارطة الاقتصاديَّة. الجرأة على تلزيم البحر بما يحفظ كرامة لبنان من صلف البنك الدولي وجوعه إلى قضم ثروات الدول. لا يكتمل في هذا مشروع الدولة اللبنانية إلا بالمقاومة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.