أين المقاومة؟ ولماذا يغيب الرد؟ قراءة في عمق المشهد
تتصاعد التساؤلات في الشارع وفي المجالس المغلقة حول مكان المقاومة وسبب غياب الردّ في مواجهة العدوان المتواصل. غير أنّ هذه الأسئلة، مهما بدت منطقية، تبقى خارج الصورة الكاملة التي تحيط بالمعركة وتتحكّم بإيقاعها. فالمعركة لم تنتهِ، بل ما يجري يؤكد أن المرحلة الراهنة ليست ختامًا لأي مواجهة، بل مفترق طرق يحتاج إلى حسابات دقيقة تتجاوز اللحظة الآنية.
ما يعيشه لبنان اليوم من نزوح واسع، ودمار كبير، وأعداد متزايدة من الشهداء والجرحى، ليس تفصيلًا يمكن تجاوزه. فالمقاومة، بخلاف العدو، تأخذ شعبها في عين الاعتبار، وتدرك أن إدارة الحرب ليست قرارًا انفعاليًا بل مسؤولية تتقاطع فيها الأبعاد الإنسانية والعسكرية والاقتصادية. إلى جانب ذلك، لا يمكن النظر إلى لبنان كجبهة واحدة معزولة، فالمعركة تمتد على مساحة المحور بأكمله، من اليمن إلى غزة، مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان. وكل خطوة على أي جبهة تعيد تشكيل ميزان القوى على الجبهات الأخرى.
التغييرات في سوريا، والتحولات في مواقف عدد من الدول العربية الخاضعة للقرار الغربي، والواقع الداخلي اللبناني المفتت بفعل المصالح الشخصية، كلها تفرض على المقاومة قراءة متأنية لظروف المواجهة. فالدول التي تدّعي السيادة لا تملك إرادة القرار، والسلطة المشتتة لا توفر غطاءً موحدًا لأي خطوة استراتيجية.
الخسائر موجعة: شهداء، قادة، حصار مالي، اقتصاد منهار، نازحون، واستنزاف يومي. لكن القيادة التي تحمل هذا العبء لا تقاتل بالعاطفة ولا تشتغل على وقع الصرخات. هي قيادة خبرت الحرب، وتعرف أن النصر ليس في رشقة صواريخ ولا في ردّ عابر، بل في بناء معادلة تُلزم العدو وتغيّر قواعد اللعبة.
من يسأل “ماذا ننتظر؟” يغفل أن حسابات النصر والخسارة لا تُدار من الخارج. نحن لسنا قادة هذه المعركة، لكننا مؤمنون بأن القيادة لم تتراجع يومًا عن مسؤولياتها، وأنها لا تترك شعبها ولا تخون دماء شهدائها. وعندما ترى أن الوقت قد حان، وأن اللحظة أصبحت ممكنة، ستكون في الميدان كما كانت دائمًا… حاضرة، وفاعلة، ومقرّرة.
الصبح ليس بعيدًا. فمن قرأ مسار العقود الماضية يعرف أن الصبر كان دائمًا مقدّمة النصر، وأن التكليف ليس شعارًا بل هو فعل يُترجم حين تكتمل شروطه. لذلك يبقى واجب اللحظة أن نقف خلف القيادة، وأن نترك لها مهمة القرار، لأن من صان دماء الأمة لن يفرّط بها في لحظة مفصلية كهذه.
النصر ليس وعدًا بعيدًا، بل هو مسار يتشكّل بصمت، ويظهر عندما يحين وقته… أليس الصبح بقريب؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.