إيران وملفات الإقليم: من لبنان إلى اليمن
في لبنان، تقف إيران إلى جانب المقاومة، داعمةً نموذجها السياسي والاجتماعي الذي أعاد التوازن للداخل اللبناني، ومنع “إسرائيل” من فرض شروطها.
في غزة، ظلّت طهران داعمًا صادقًا للمقاومة الفلسطينية رغم كل التعقيدات الإقليمية.
في سوريا، شاركت في الدفاع عن الدولة السورية على أيام الرئيس الأسد ضد الحرب التكفيرية التي كادت تطيح بكيانها.
وفي العراق واليمن، ساهمت في منع المشروع الأمريكي–الإسرائيلي من تحويل هذين البلدين إلى منصّات تابعة للهيمنة.
هكذا بنت إيران عمقًا استراتيجيًا عابرًا للحدود، جعل من أي عدوانٍ على طرفٍ من هذا المحور، عدوانًا على الجميع.
علاقات إيران الإقليمية: من الصراع إلى التوازن
بعد عقود من القطيعة، عادت العلاقات الإيرانية–السعودية إلى مسار التفاهم النسبي بوساطة صينية، ما يؤشر إلى براغماتية جديدة تسعى طهران من خلالها إلى تخفيف الاستقطاب الإقليمي دون التنازل عن مبادئها.
أما تركيا، فتبقى شريكًا في بعض الملفات، ومنافسًا في أخرى، لكن العلاقة تحكمها المصالح المشتركة. وفي ما يخص باكستان، تسعى طهران إلى تحويل الجوار الحدودي إلى فضاء للتعاون بدل التوتر، مدفوعة بحاجة مشتركة إلى الأمن والطاقة.
الملف النووي والعقوبات: معركة السيادة العلمية
البرنامج النووي الإيراني لم يكن هدفه العسكري كما تروّج الدعاية الغربية، بل هو رمز للاستقلال العلمي والتكنولوجي.
إيران التي امتلكت الكفاءات والخبرات لبناء منظومة نووية متقدمة رغم الحصار والاغتيالات، أكدت أن امتلاك المعرفة هو سلاح الشعوب الحرة في مواجهة الابتزاز الغربي. ورغم العقوبات، تمكّنت من تطوير صناعاتها الدفاعية والصاروخية، وأصبحت لاعبًا لا يمكن تجاهله في معادلات الردع الإقليمي.
الوضع الداخلي: توازن بين الأصالة والتجديد
في الداخل، تشهد إيران سجالًا مستمرًا بين التيار المحافظ والتيار الإصلاحي، إلا أن هذا التباين ظل ضمن الإطار الوطني العام، ولم يتحول إلى تهديد للكيان. ما يجمع الإيرانيين اليوم هو الاعتزاز بالهوية الثورية والاستقلال الوطني، ورفض التبعية للغرب. وهذا ما يجعل الجمهورية الإسلامية متماسكة رغم كل الضغوط الاقتصادية والإعلامية.
بين السِّلّة والذِّلّة: خيار الثورة المستمر
حين قال الإمام الحسين (ع): “هيهات منّا الذِّلّة”، لم يكن يوجّه كلماته إلى التاريخ فحسب، بل إلى الأجيال التي ستواجه طغيان القوة بالكرامة. وإيران، في مسيرتها الممتدة منذ أكثر من أربعة عقود، اختارت هذا النهج الحسيني، رافضة الذلّ رغم الحصار، ومتمسكة بالسِّلة حين يكون الخيار بين الخضوع والمقاومة.
خاتمة: إيران ونظام ما بعد الحرب
اليوم، وبعد جولات الصراع في غزة ولبنان وما تلاها من مواجهة مباشرة وغير مباشرة بين إيران و”إسرائيل”، تبدو المنطقة أمام إعادة تموضع لا أمام انكفاء. فالولايات المتحدة، وإن لم تنسحب من الشرق الأوسط، تُعيد تنظيم حضورها وفق مقاربة “الردع من بعيد”، عبر القواعد، والبحرية، والتحالفات الأمنية، دون تورّط بري مباشر.
وفي هذا المشهد المتغيّر، تواصل إيران تثبيت موقعها كقوة ممانعة مركزية، تجمع بين أدوات الردع الإقليمي والسياسة المرنة مع الجوار العربي والآسيوي.
إيران اليوم لا تراهن على غياب واشنطن، بل على تحوّل البيئة الإقليمية نفسها، حيث لم تعد الهيمنة المطلقة ممكنة، ولا يمكن فرض تسويات تتجاهل قوى المقاومة التي ساهمت طهران في بنائها ودعمها.
هكذا، لا تقدّم إيران نفسها كقوة “بديلة” عن أمريكا، بل كقوة موازِنة، فرضت عبر ثباتها وعمق نفوذها معادلة الردع المتبادل، وأرست مع محور المقاومة قواعد جديدة للاشتباك الإقليمي، تضمن أن لا قرار يُصنع في المنطقة من دون أخذ مصالحها ودورها في الحسبان.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.