هل يستمر الهدوء النسبي في المنطقة؟

18

تقول مصادر وزارية لصحيفة الشرق الأوسط إن الرئيس جوزاف عون يبدو مرتاحًا لمسار الأمور حتى الساعة، ومطمئنًا إلى أن الحرب الإسرائيلية لن تعود، مستندًا إلى معطيات داخلية وخارجية تمنحه هذا الشعور بالثقة. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يكفي الهدوء الظاهر ليؤسّس لطمأنينة حقيقية؟ أم أن خلف هذا الصمت ما يُشبه الاستراحة التي تسبق العاصفة؟

في المشهد الداخلي، تبدو الصورة مستقرة إلى حدٍّ ما. فالتصعيد على الحدود تراجع، واللجان الأممية في رأس الناقورة تواصل اجتماعاتها تحت مظلة الأمم المتحدة، ما يوحي بوجود رغبة دولية واضحة في إبقاء خطوط النار مطفأة. كذلك، يبدو اللبنانيون، المنهكون من الأزمات الاقتصادية والمعيشية، أبعد ما يكونون عن احتمال خوض حرب جديدة لا يملكون لها لا القدرة ولا النفس. فهل يمكن أن يكون التعب الجماعي، لا التفاهم السياسي، هو الضامن الفعلي للهدوء؟

أما في الخارج، فتتبدى معطيات لا تقل تأثيرًا. فالمجتمع الدولي ـ وتحديدًا واشنطن وباريس ـ يسعيان جاهدين للحفاظ على استقرار لبنان، أو على الأقل منعه من الانزلاق إلى مواجهة واسعة قد تعقّد حسابات المنطقة بأكملها. وبين خطوط الدبلوماسية وحسابات القوى الإقليمية، تتقاطع إرادات كثيرة تفضّل التهدئة على المواجهة. لكن أليس من الطبيعي أن تتغيّر هذه الحسابات في لحظة، إذا تبدّل ميزان المصالح أو تبدّلت التحالفات؟

إن ارتياح الرئيس يبدو، في جوهره، قراءة متفائلة لتوازنات حساسة: هدوء ميداني مؤقت، وضمانات خارجية نسبية، وإجماع داخلي هش على تجنّب التصعيد. ومع ذلك، تبقى المعادلة معلّقة على شرطٍ واحد: ألا تقع الشرارة. فكم من الحروب بدأت بخطأ في التقدير أو ردّ فعل غير محسوب!

المنطقة اليوم أشبه بسطحٍ من زجاج رقيق؛ لا يُرى ما تحته، لكن أي ضغطٍ مفاجئ قد يكسره. لذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يرتكز الاطمئنان على أساس صلب، أم على توازنٍ هشّ تدعمه النيات أكثر مما تحميه الوقائع؟ وهل يمكن للبنان أن يظل محايدًا وسط تقاطع الأزمات الإقليمية، أم أن موقعه الجغرافي سيعيده حتمًا إلى قلب العاصفة، شاء أم أبى؟

المرحلة المقبلة ستجيب على كثيرٍ من هذه التساؤلات، فبين التفاؤل الرئاسي والحذر الشعبي مساحةٌ رمادية تزدحم فيها الشكوك. ربما يكون الاطمئنان اليوم خيارًا سياسيًا أكثر منه حقيقة ميدانية، وربما يكون أيضًا محاولة لتهدئة الداخل وإظهار الثقة في لحظة تحتاج البلاد فيها إلى جرعة من الأمل. لكن الأكيد أن لبنان لا يحتمل خطأ جديدًا في الحسابات، وأن السلام الحقيقي لا يُحرس بالكلام بل بالفعل، ولا يُصان بالتصريحات بل بقراءة دقيقة لما يدور خلف الستار.

فهل تكون هذه التهدئة مقدّمة لاستقرارٍ فعلي طويل، أم مجرّد هدنة مؤقتة في انتظار تحوّل جديد في المنطقة؟ سؤال مفتوح، يترك الباب مشرعًا لكل الاحتمالات.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.