عبثًا يحاول الكيان الغارق بالدماء أن يختلق الأعذار لجرائمه في غزة وطلبًا لصورة إعلامية لم تعد موجودة منذ بدء هذه الحرب بقنابله الفوسفورية الحارقة التي استهدفت أجساد النساء والأطفال كبنك أهداف للقصف الإسرائيلي الذي لم يكتف بمجزرة مستشفى المعمداني، بل أضاف إليها العديد من المجازر التي طالت كل شيء في غزة من بشرٍ و شجرٍ وحجر، من مساجد وكنائس، حتى المقابر لم تسلم من الإجرام الصهيوني.
وأمام مرأى العالم وقفت الدبابات الإسرائيلية تحاصر المستشفيات في غزة، مستشفى القدس، ومجمع الشفاء، ومستشفى الرنتيسي وعلى مسمع جميع ساكني هذا الكوكب البشري، سمعنا نداءات الأطباء الفلسطنيين ومناشدات العاملين في المستشفى بأنه لا وقود، لا ماء، لا دواء، وفوقه قصف حول المستشفيات واستهداف مباشر للأقسام فيها وبصلابة الحق عندما يتجسد في أشخاص آمنوا بشرف مهنتهم في البقاء مع مرضاهم حتى الرمق الأخير سطر أطباء غزة أروع المواقف الإنسانية وأجمل أنواع الفداء.
أمام هذا المشهد الإنساني في أرقى صوره، ظهر قبح وجه الكيان الصهيوني الذي دأب يجمله كل سني عمره منذ سرقته الأرض وتهجيره للشعب ومجازر الهاغانا والمنظمات الصهيونية التي طبعت وطأ مقدمها للأرض بالدم الفلسطيني. لم يقنع العالم هذه المرة برواية جيش الاحتلال بأن ذريعة حصار المستشفيات في غزة هي وجود الأنفاق تحتها، أو أن حماس تختبئ خلف المرضى، لأن الإعلام العسكري لكتائب القسام أوضح للعالم أن الرجل الذي يخرج أمام آليات العدو يضرب بشجاعة لايمكن له أن يستخدم مريضًا أو مدنيًا درعًا بشرية كما فعل أحد جنود الاحتلال.
من يمتلك الجرأة لزرع قنبلة فوق الدبابة، ومن يشعل بقداحته أو بالفلسطيني بالجداحة الجرافة ويزرع رايته فوقها، لا يمكن له، ولا يمكن لنا أن نصدق أنه يختبىء في قبو مستشفى أو أن يجعل من جسد مريض ٍ درعًا يحميه لأن درعه قلبه النابض بإيمانٍ ثابت أن الحياة في كلتا الحالتين سعادة، بالنصر أو الشهادة.
أمام هذا المشهد الواضح وأمام صحوة الرأي العام العالمي من الخداع الصهيوني والاستعطاف بحجة معاداة السامية وموقف الدفاع عن النفس التي لطالما وضعت فيه “إسرائيل” نفسها بموقع الضحية، لم يجد عباقرة الساسة عندهم إلا اللجوء إلى سياسة الكذب واختلاق الصور والأفلام المزيفة، في محاولة لتضليل الرأي العام من جديد وبحثًا عن تبريرات لمحاصرة المستشفيات وقصفها في غزة، وادراكاً أن الميزان بدأ يميل لصالح الشعب الفلسطيني في التعاطف الانساني العالمي والذي تمثل بالمظاهرات المستمرة في العواصم الأوروبية وفي قلب الولايات المتحدة الأميركية أيضًا.
خرج دانيال هاغاري، المتحدث العسكري باسم جيش الاحتلال وهو يشير إلى نفسه في مقطع فيديو تم تصويره في مستشفى الرنتيسي، ليشرح للعالم عن نفق حماس الذي وجده والذي لم تدخل الكاميرا حتى لنعلم إن كان نفقًا أو فتحةً مربعة أوجدها جنود جيشه ولا يمكن أن تعتبر دليلًا لأنه لايمكن لطفلٍ أن يتدلى منها فكيف برجل. انتقل هاغاري إلى المقطع الثاني وهو يظهر بالفيديو بخوذته العسكرية يدخل قبوًا وضع في أرضيته عدداً قليلاً من الأسلحة الخفيفة، وكيسًا صغيرًا مغلقًا من حفاضات الأطفال، وبهذه الأدلة المبهرة اعتقد المتحدث العسكري لجيش الاحتلال أنه اقنع العالم بأن مقاتلين من حماس اختبؤوا في هذا القبو مع الرهائن الصهاينة وأن حماس بهذه الأسلحة التي يمكن لأي مقاتل أن يحملها في حقيبته، هي من تشكل خطراً على أهالي غزة، وهي من تعرض المرضى في المستشفى للخطر، وأصرّ أن يسمي هذا بجريمة حرب!
بهذا السيناريو المتهلهل أراد جيش الاحتلال أن يقنع العالم، أن حماس هي من عرضت المرضى والأطباء للخطر، وأن كل مجازره التي ارتكبها في حق الأطفال والنساء في قطاع غزة من خلال قصف بيوتهم، والمدارس والمستشفيات هي بغرض الدفاع عن النفس ولا يمكن أن يعتبرها جرائم حرب.. هذا الإفلاس الاعلامي لإدارة نتنياهو وفريقه السياسي ، إنما تعبر عن خيبته وهزيمته العسكرية على أرض غزة أمام مقاتلي الكتائب والسرايا.. ومحاولة لتفادي خسائر لن تجدي نفعاً لأنه هزم في الميدان العسكري، وهزم في السياسة، وهزم في الاقتصاد، والأكثر فتكاً أنه هزم في أصل أكذوبته الإعلامية التي اختبىء خلفها كل الأعوام الماضية وانكشف الغطاء عن بشاعة وفظاعة الجرائم التي لا يمكن بعد الآن أن يمحيها من أذهان الإنسانية في العالم.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.