لم تسلم الثروة السمكية في لبنان بكل أنواعها من تداعيات الفساد المنتشر في كل قطاعات الدولة، ومن غياب دورها الأساسي في تنظيم هذا القطاع وحمايته، فقطاع الأسماك الذي يعتبر قطاعًا إنتاجيًا غنيًا لموارد الدولة، فقد قيمته في لبنان نتيجة الإهمال والتعديات.
المشكلات والصعوبات الخانقة التي يواجهها الصيادون لم تكن جديدة أو محصورة بجهة معينة، إذ إضافةً إلى ظروف المهنة القاسية والمتعبة، تأتي الضغوطات الأخرى لتفاقم مشاكلهم ومعاناتهم، وأمام هذا كله لا زال الصياد المكابد المجاهد في سبيل تأمين لقمة العيش لعياله، يتحمل قسوة الظروف ويعمل بكل طاقاته على أمل أن تتحرك الدولة يومًا وتقوم بدورها ومسؤولياتها.
صيادو لبنان.. إهمال وأزمات خانقة
لم يكن واقع صيادي الأسماك في لبنان أفضل من غيرهم في القطاعات الأخرى، بل ومنذ سنوات عديدة يعد هذا القطاع من القطاعات الأكثر إهمالا وغيابًا عن اهتمامات الدولة والمؤسسات المعنية.
الصيّاد أحمد (أبو علي)، أحد أبرز الصيادين القدماء العاملين في ميناء بلدة الناقورة الجنوبية، يشرح لموقع “الناشر” واقع الصيادين في المنطقة قائلًا: ” الصياد اليوم من أكثر الناس تضررًا على المستوى المعيشي والاقتصادي، لا سيما وأن المردود المادي لديه يتدهور يومًا بعد يوم نتيجة تراجع الثروة السمكية وبالتالي تراجع عمليات الصيد، فالأسماك لم تعد متوفرة بالكميات التي كانت عليها سابقًا”.
وبعد سؤاله عن الأسباب التي أوصلت الصياد اللبناني لهذا الواقع يشير أبو علي إلى أن الأسباب متشعبة، فهي ترتبط من جهة “بالصيد الجائر واستخدام المتفجرات في عمليات الصيد مما يؤثر بشكل كارثي على كل أشكال الحياة البحرية”، ومن جهة أخرى “بغياب الرقابة والمحاسبة التي يجب أن تقوم بها القوى الأمنية”.
وفي هذا السياق أضاف أبو علي “ارتفاع أسعار أدوات الصيد والشباك المطلوبة فضلًا عن أسعار المحروقات يحد من عملية الصيد وبالتالي المردود المادي للصياد”، وبعد سؤاله عن وجود ضمان صحي للصيادين أفاد بأن الدولة “على مدى أكثر من عشرين عامًا تعطي وعودًا للصيادين بتأمين ضمان صحي لهم، ولغاية الآن ما زالت الوعود وعودًا ولم ينفذ منها شيء”.
وأشار أبو علي إلى أن البنى التحية الخاصة بمراكب الصيادين في المنطقة لا سيما “الميناء”، “تحتاج إلى العديد من الإصلاحات والتأهيلات، رغم قيام العديد من الجهات بإجراء بعض التحسينات فيه، إلا أنه لا زال يفتقر للمعايير السليمة والآمنة”.
الثروة السمكية رهن المخالفات.. والدولة غائبة
فوضى الصيد البحري لم تكن حديثة نسبيًا في لبنان، فقد بدأت فعليًا مع بدء الحرب الأهلية، وقد تسببت هذه الفوضى بتراجع الثروة السمكية بشكل ملفت، بحيث يشير المختصون بهذا القطاع إلى أن قطاع الأسماك قبل فترة الحرب الأهلية، كان قادرًا على تلبية حاجات الاستهلاك المحلي دون اللجوء إلى الاستيراد، أما اليوم ومع تراجع هذه الثروة، كان لا بد من اللجوء للاستيراد لتلبية الاحتياجات.
بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، استورد لبنان في 2022، ما مجموعه 11067 طنًّا من الأسماك والقشريّات والرخويّات وغيرها، بقيمة 50.4 مليون دولار أميركيّ، في حين تمّ تصدير 1.6 في المئة فقط من حجم الاستيراد، أي 178 طنًّا مقابل 1.3 مليون دولار.
وبالعودة إلى ظاهرة الصيد الجائر، فقد عمد الكثير من الصيادين خلال السنوات الأخيرة (لا سيما مع بدء الأزمة الاقتصادية) إلى استخدام المتفجرات في عمليات الصيد لقتل أكبر عدد ممكن من الأسماك الأمر الذي يؤدي للقضاء على كل النظام البيئي والتنوع الإيكولوجي من أصغر الكائنات الموجودة في البحر إلى أكبرها، كما أن المتفجرات تؤثر على السلاحف البحرية وتعرّضها للخطر، فضلًا عن القضاء على غذائها الذي تأكله بسبب استعمال هذه المتفجرات.
من جهة أخرى ثمة أنواع أخرى من المخالفات، أبرزها خطورة مياه الصرف الصحي التي ترمى في البحر دون أدنى رقابة، فضلا عن التعديات التي تقوم بها المسابح والمتنزهات البحرية لناحية طمر الصخور البحرية بالإسمنت، وما تشكله هذه الصخور من مأوى طبيعي لتكاثر العديد من الكائنات البحرية.
أمام هذه المخالفات الكارثية، لا يجد المواطن أي رقابة أو توعية أو حتى محاسبة من قبل الدولة، إلا أن الأمر بات يشكل خطرًا على الإنسان قبل الكائنات البحرية، مما يستدعي تحركًا سريعًا وجديًّا من قبل الوزارات المعنية والجمعيات المتخصصة لحماية ما تبقى من ثروة بحرية، كانت فيما مضى سببًا لتميز لبنان وغناه البيئي وإنعاشه الاقتصادي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.