هي بقعة من أرض فلسطين وقطعة من ترابها، الأرض الصامدة العصية على الاحتلال والعدوان، الصلبة المقاومة المجبولة بدم شهدائها، تتنفس حريةً ملء رئتيها وتنبت رجالًا، قلوبهم عليها وأرواحهم فداءٌ لها.
غزة الجريحة، المضحّية، الحيّة بروح شهدائها، ترسم اليوم مجددًا صورة جديدة عن معاني الصمود والمقاومة ورفض الاحتلال والاستكبار، وتعطي العالم بأسره دروسًا في الكرامة والعروبة المفقودة والغائبة من قاموس الحكام العرب، ولتثبت لـ”إسرائيل” ومن وراءها، أن هذه الأرض مقدّسة، عصية عليكم مدى الدهر حتى آخر نقطة دم وآخر روح فلسطينية.
غزة.. قطاع بحجم وطن
على امتداد 360 كلم2 يقع قطاع غزة المحاصر، ويضم ما يقارب 1.8 مليون نسمة، وتعتبر مدينة غزة من أقدم مدن العالم نظرًا لموقعها الجغرافي الذي منحها أهمية إستراتيجية وعسكرية بالغة على امتداد العصور.
اعتمد الاقتصاد في غزة على الزراعة والصناعات الخفيفة. ومن المنتجات الزراعية الرئيسية: الحمضيات، الزيتون، البلح، الأزهار، الفراولة وأصناف أخرى من الخضار والفاكهة. أما الإنتاج الصناعي الرئيسي في غزة؛ فيتمثل في المنتجات الغذائية، والبلاستيك، والمواد الإنشائية، والأثاث، والنسيج، والملابس، وصناعات تراثية، مثل: الفخار، والأثاث المصنوع من البامبو (الخيزران)، والبسط، والزجاج الملون، والتطريز، وصيد الأسماك.
ويعتمد اقتصاد مدينة غزة على التجارة، والزراعة، والسياحة، والصناعة.
وفيما يتعلق بالتجارة، فرغم الدور الكبير الذي لعبه ميناء غزة تاريخيًا، إلا أنه فقد دوره تمامًا مع الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، وما زال متوقفًا إلى الآن، وتعتمد غزة في تجارتها حاليًا على مصر وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة في حركة الاستيراد والتصدير لبعض الصناعات والمنتجات الزراعية. ورغم الحصار الإسرائيلي والضغوطات المفروضة على القطاع، إلا أن سكان غزة نجحوا في تصدير الحمضيات والأزهار لدول العالم.
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن القطاع عدة معالم سياحية تاريخية معروفة، منها مسجد السيد هاشم، مسجد المغربي، سوق القيسارية، قصر الباشا، سبيل السلطان، حمام السمرة، الزاوية الأحمدية، كنيسة الروم الأرثوذكس، وغيرها من المعالم الدينية والسياحية فضلًا عن شاطئ غزة الذي يعتبر من أجمل الشواطئ، وقد أقيم العديد من المراكز السياحية عليه، وأولت بلدية غزة اهتماما خاصًا للشاطئ لما له من دور في جذب السياح، إلا أن الحصار الذي فرضته سلطات الاحتلال حال دون استثماره بالشكل المطلوب.
غزة مقاومة رغم الجراح والحصار والتآمر
يشهد التاريخ بكل محطاته على إباء غزة وصمودها، يشهد على جبروتها في ردع العدوان وصده ورد الكيل بمكيالين. لم تتخاذل يومًا، ولم تفرط لمرة في حق شعبها، دافعت ولا زالت بكل ما أوتيت من قوة وإرادة وإمكانية عن ترابها وحق أبنائها، ولم يحدّ من عزمها الجبروت الإسرائيلي ووحشيته، ولم يصب اليأس صفوفها من تخاذل العرب وتآمرهم عليها.
غزة الجريحة على خط الجهاد والمقاومة، قدمت في سبيل هذا النهج أبناءها وأطفالها ونساءها وشيوخها، ولا زالت لغاية هذه اللحظات تقدم المزيد من الشهداء والأبرياء.
عدد الشهداء الفلسطينيين تخطى منذ بداية العام الحالي ولغاية اليوم الـ 130 شهيدًا، ليكون هذا الرقم هو الأعلى منذ 20 عامًا، وفي ذلك دلالة واضحة على أن وحشية الاحتلال تزداد يومًا بعد يوم، وإرادة المقاومة والشعب كذلك.
ورغم ما شهده القطاع ويشهده في هذه الأيام من مجازر للاحتلال وقصف وجرائم، إلا أن عدسات الكاميرات سجلت الصورة الحقيقية الواقعية للشعب الغزاوي من أرض المعركة: صورة الإنسانية المضمّخة بالدم، والألم والصبر والصمود والإصرار على الاستمرار والمضي في خط المقاومة وتحرير الأرض.
وعن الموقف العربي اتجاه ما حدث ويحدث، فإن ردود الأفعال وبيانات الإدانة الخجولة الصادرة عن الحكومات العربية، كافية لتوضيح الصورة والموقف، وتبيان حجم الذل الذي تعيشه معظم الحكومات العربية المفتقدة لكل معاني العروبة. هذه الحكومات التي شكلت غطاءً عربيًا لما حدث ويحدث في الأراضي الفلسطينية من أبشع الجرائم بحق الإنسانية والشعب الفلسطيني، هي بالواقع شريكة بطريقة مباشرة وغير مباشرة في العدوان على هذا الشعب، وسيشهد التاريخ على بصمة التطبيع والعار التي قامت بها هذه الحكومات.
لم ينتظر الفلسطينيون يومًا شعبًا ومقاومةً أي دعم أو مساندة من الحكومات العربية، ولم تغرّهم الإدانات “الإعلامية” للتراجع أو المساومة، هم أحرار رغم قيود عدوهم، أعاروا الله قلوبهم وجماجمهم، وعرفوا طريقهم حق المعرفة، رسموا درب حياتهم وجعلوا الشهادة ختامها، ويبقى الأسف على حكامٍ ما عرفوا للكرامة طريقًا ولا للعروبة عنوانًا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.