مقدمة
في إطار سعي أيّ دولة لبناء علاقاتها الدولية، يتم وضع أولويات للسياسة الخارجية لهذه الدولة؛ تعمل الدول على تعزيز العلاقات القائمة فعلاً مع دول معينة من ناحية، وتسعى لبناء علاقات جديدة مع دول أخرى من ناحية ثانية، أو تعمل على تخفيف تدريجي لعداء دول معينة تناصبها العداء من ناحية ثالثة، وكل ذلك يستهدف توسيع مساحة البيئة الدولية المساندة على حساب البيئة الدولية المعاندة.
ويتم ترتيب الدول عند رسم السياسة الخارجية للدولة على أساس المكانة الاستراتيجية للدولة موضع العناية، أي يتم تحديد المكانة الاستراتيجية للدول الأخرى سواء مكانتها الدولية العالمية أم مكانتها الإقليمية، ثم يتم رسم خطوات بناء العلاقة على أساس هذه القيمة الاستراتيجية.
وعند تقسيم المجتمع الدولي إلى أقاليم جيوسياسية، استناداً للمتغيرات الجغرافية والروابط التاريخية بين وحدات كل إقليم، نجد نوعاً من التنافس بين دول كل إقليم على من تكون “الدولة المركز Core State” في الإقليم، أي تلك الدولة التي تتحكم بأكبر قدر ممكن من تفاعلات وحدات الإقليم وتوجهاته السياسية والاقتصادية المختلفة، لما في ذلك من نتائج مهمة لصالح الدولة التي تُقر لها الدول الأخرى، علانية أو ضمناً، بمكانة مركز الإقليم.[2]
وبناء عليه، فإن المكانة الإقليمية لأيّ دولة تتحدد بمدى قربها أو بعدها من موقع الدولة المركز أو الإقرار بها كقوة إقليمية. وقد عرَّف الكونسورتيوم الأوروبي للبحث السياسي The European Consortium for Political Research (ECPR) القوة الإقليمية بأنها “دولة تنتمي لإقليم جغرافي محدد، وتهيمن عليه اقتصاديا وعسكرياً، ولديها القدرة على ممارسة نفوذ مهيمن في الإقليم ونفوذ معتبر على المستوى الدولي، كما يكون لديها الرغبة في استخدام مصادر القوة، ويقر جيرانها بها كقائد للإقليم”. أما المعهد الألماني للدراسات الإقليمية والعالمية فقد عرفها بأنها “جزء من إقليم محدد، ولها ذاتية خاصة، وتعتقد بأنها قوة إقليمية، وتمارس نفوذاً واضحاً في كل الإقليم استناداً لمنظورها الأيديولوجي، وتتمتع بتفوق عسكري وسكاني وأيديولوجي على غيرها”. ويرى المعهد أن هذه الدولة هي التي تحدد أجندة الأمن الإقليمي بدرجة كبيرة، وتقر لها الدول الكبرى وبقية دول الإقليم بهذا الدور. ذلك يعني أن المكانة الإقليمية ترتبط بشكل مركزي بإقرار الدول الكبرى من ناحية، ودول الإقليم من ناحية أخرى، بأن التفاعلات الاستراتيجية في الإقليم يجب أن تتشكل بدرجة عالية طبقاً لتوجهات الدولة المركز أو القوة الإقليمية.[3]
واستناداً لما ذكرناه، سنحاول تحديد مكامن القوة للدولة المركز في إقليم القفقاس، وهي دولة #اذربيجان ، مع تحديد مؤشرات القوة النسبية لها مقارنة ببقية دول الإقليم:[4]
- القوة الديموجرافية: فمجموع سكانها يعادل ضعف مجموع سكان الدولتين الأخريين في الإقليم (جورجيا وأرمينيا).
- إن مساحتها تعادل 87% من مجموع مساحة الدولتين.
- إن إجمالي الناتج المحلي للدولتين يعادل فقط نحو 62% من إجمالي ناتج أذربيجان.
- إن الإنفاق العسكري لأذربيجان يعادل أكثر من ضعف الإنفاق العسكري للدولتين معاً.
وعند معاينة القيمة الاستراتيجية لأذربيجان من المنظور الإسرائيلي سنجد أنها:[5]
- دولة مجاورة جغرافياً لإيران التي تعدّها ”إسرائيل“ أحد أبرز مصادر التهديد لأمنها.
- دولة إسلامية ينتمي أغلب سكانها للمذهب الشيعي الذي يشكل أتباعه التهديد الأبرز للأمن الإسرائيلي.
- دولة تمتلك مصادر طاقوية مهمة، وإمكانيات تكنولوجية متقدمة في القطاعات العسكرية والمدنية.
- تنتمي لإقليم القفقاس، وتطل على بحر قزوين، وتحاذيها كلّ من روسيا وأرمينيا وجورجيا و #تركيا (من خلال معبر ناختشيفان)، إضافة لإيران.
وسنحاول في هذه الورقة البحثية أن نستكشف تفاصيل القيمة الاستراتيجية لأذربيجان من المنظور الإسرائيلي استناداً للأبعاد الأربعة التي أشرنا لها.
أولاً: الجوار الجغرافي لإيران[6]
تمتد الحدود الدولية بين أذربيجان وإيران إلى مسافة تصل إلى 765 كم، كما أن هناك تداخل في الأصول العرقية بين أذربيجان وإيران، لا سيّما أن الإيرانيين من أصول أذرية يشكلون ما بين 16-20% (أي ما بين 14-18 مليون) من مجموع سكان إيران، وتتشارك أذربيجان مع إيران في أنهما تتصدران الدول الأعلى في نسبة المنتمين للمذهب الشيعي في سكانهما، ويمثل المعارض الإيراني الأبرز، ورئيس وزراء إيران طيلة الحرب العراقية الإيرانية خلال الفترة 1981-1988، مير حسين موسوي Mir-Hossein Mousavi، أحد الشخصيات الأذرية الشيعية البارزة في المشهد السياسي الإيراني، إضافة إلى أن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي Ali Khamenei له جذور أذرية، فإذا أضفنا إلى ذلك أن بين البلدين نزاعات تاريخية ذات طابع جغرافي، كما أن هناك موقف عدائي حاد من أذربيجان تجاه حزب الله في لبنان، فإنّ كل ذلك يشكل بيئة مواتية لـ”إسرائيل” لتحسين علاقاتها مع أذربيجان، وإذا وضعنا في الاعتبار أن لـ”إسرائيل” علاقات واسعة ومتنامية مع أذربيجان، كما سنوضح، ومع أغلب دول الخليج العربي ومع تركيا، تتضح لنا الدوافع الإسرائيلية لمحاولة الاقتراب من الحدود الإيرانية رداً على الاقتراب الإيراني من حدود فلسطين المحتلة في غزة ولبنان وسورية، وهو ما يمكن تسميته بالتطويق المتبادل بين ”إسرائيل“ وإيران.
وقد كانت أذربيجان من بين الدول الأولى التي انسلخت عن الاتحاد السوفييتي في الإعلان عن علاقات ديبلوماسية مع ”إسرائيل“ في 7/4/1992، أي بعد نحو مئة يوم فقط من الإعلان الرسمي عن انتهاء الاتحاد السوفييتي كدولة،[7] وفي العام التالي افتتحت ”إسرائيل“ سفارتها في باكو (عاصمة أذربيجان) على الرغم من أن الجانب الأذري أبقى الأمر في بداياته على مستوى علاقات ديبلوماسية عبر الحوارات المؤسسية بين الطرفين، وتأخَّر فتح السفارة الأذرية في تل أبيب إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.[8]
ومن الضروري التنبه إلى أن أذربيجان تُمثِّل معبراً جوياً بديلاً للربط بين شرقي آسيا وأوروبا عبر بحر قزوين في حال الاضطرار إلى تجاوز الممر الجوي الروسي والإيراني.
كلّ هذه الاعتبارات تظهر بشكل واضح في تصريح للرئيس الأذري سنة 2009 إلهام علييف Ilham Aliyev، الذي قال حرفياً أن العلاقات الإسرائيلية الأذرية:
حذرة لكنها وثيقة، حيث يجد كل بلد أنه من السهل التماهي مع الصعوبات الجيوسياسية التي يواجهها الآخر، ويصنف كلا البلدين إيران كتهديد أمني وجودي لهما. كما تعتبر صناعة الدفاع الإسرائيلية ذات المستوى العالمي من زاوية تعاملها المريح مع عملائها حالة مثالية للاستجابة لاحتياجات الدفاع الجوهرية لأذربيجان، التي لا تتم تلبيتها إلى حدّ كبير من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا لأسباب مختلفة لها علاقة بموضوع أرمينيا وناغورنو كاراباخ.
وشمل التعاون بين الطرفين الإسرائيلي الأذري الجوانب العسكرية خصوصاً بعد سنة 2010 من بيع للأسلحة، وتحديث الأسلحة الأذرية القديمة، وتبادل المعلومات الأمنية، ومقاومة ما يسمى تنظيمات الإرهاب، والتعاون في مجالات ضبط الحدود الأذرية، وتطوير المطارات، والتدريب للقوات الأمنية والعسكرية…إلخ، بل إن أذربيجان عملت على الاتفاق مع ”إسرائيل“ على شراء القبة الحديدية لمقاومة الصواريخ رداً على شراء أرمينيا لصواريخ اسكندر Iskander الروسية منذ سنة 2016، ناهيك عن أن هناك تقارير عديدة تتحدث عن استخدام ”إسرائيل“ للقواعد الجوية الأذرية.
وتشير دراسات متخصصة إلى أنه خلال الفترة من 2011-2016 كانت نسبة مشتريات السلاح الأذري من ”إسرائيل“ تعادل 27%، لكن خلال الفترة من 2016-2020، قفزت النسبة إلى ما يساوي 69% من إجمالي صفقات السلاح الأذرية، وهو ما يعادل 17% من إجمالي مبيعات السلاح الإسرائيلي، مما يجعل من أذربيجان الزبون الثاني للصناعة العسكرية الإسرائيلية بعد الهند.
وتشير مصادر أخرى إلى أن ”إسرائيل“ تسعى لاستغلال الحدود بين إيران وأذربيجان لتهريب خلايا تخريبية داخل إيران، ونصب محطات تجسس تراقب ما يجري في إيران، كما أن التعاون في المجال الزراعي وتحلية المياه يتزايد بشكل واضح خصوصاً بعد اتفاق الطرفين سنة 2021 على تشكيل مكاتب رسمية ذات صفة ديبلوماسية للتعاون في هذا المجال.
ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق أفيجدور ليبرمان Avigdor Lieberman العلاقات الإسرائيلية الأذرية بأنها أهم من العلاقات الإسرائيلية مع فرنسا،[9] بينما قال الرئيس الأذري إلهام علييف مشيراً للطبيعة الأمنية والسرية بين بلاده و”إسرائيل” بأن “تسعة أعشار العلاقات بين الطرفين تحت السطح”، أي سرية.[10]
ثانياً: أذربيجان دولة إسلامية
عند النظر في خريطة العالم الإسلامي سنجد أن الدول الإسلامية غير العربية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ولا تعترف بـ”إسرائيل” هي 10 دول، وهي دول في أغلبها سنية، لكن الدول الإسلامية التي تعترف بـ”إسرائيل” وذات أغلبية شيعية هي أذربيجان فقط، وهو ما تراه ”إسرائيل“ خرقاً للموقف الشيعي من ”إسرائيل“،[11] خصوصاً أن الاتجاه السائد بين الشيعة في أغلب الدول التي فيها أغلبية شيعية هو الاعتراض على الاعتراف بـ”إسرائيل” (إيران، والبحرين، والعراق)، وهناك دول فيها أقليات شيعية وازنة سكانياً مثل باكستان (أكثر من 33 مليون شيعي)، والهند (11 مليون)، وأفغانستان (6 مليون)، لكن استطلاعات الرأي في هذه الدول تشير إلى أغلبيةٍ شيعيةٍ رافضةٍ للاعتراف بـ”إسرائيل”،[12] ومن هنا تسعى ”إسرائيل“ عبر أذربيجان إلى تقديم نموذج تعاوني مع المجتمع الشيعي ليكون نموذجاً جاذباً للشيعة الآخرين، وخصوصاً أن نسبة الشيعة في أذربيجان تصل إلى نحو 85%[13] (تشير مصادر أخرى إلى نسبة 65-70%)[14]، كما أن هناك نحو 30 دولة في العالم تفوق نسبة الشيعة فيها نسبة 10% من السكان. ومن هنا تبدو أهمية العلاقة مع أذربيجان، فهي خرق للبيئة الإسلامية بشكل عام وخرق للبيئة الشيعية بشكل خاص، ناهيك عن أن نسبة الشيعة في جورجيا (التي لها حدود مع أذربيجان تصل إلى 428 كم) تصل إلى نحو 20%.[15] وهي معطيات تسعى الكتابات الإسرائيلية للترويج لها.[16]
من جانب آخر، فإن ”إسرائيل“ تحاول لتعميق ارتباطاتها مع أذربيجان توظيف علاقاتها المتنامية وبشكل متسارع مع تركيا من خلال:
- تعميق العلاقة مع أذربيجان عبر تركيا، نظراً للأصول العرقية والثقافية التركية لنسبة مهمة من الأذريين.
- إن تحسين العلاقات الإسرائيلية مع كلّ من تركيا وأذربيجان يسهل لـ”إسرائيل” الوصول إلى بحر قزوين، وتيسير نقل النفط والغاز الأذري لـ”إسرائيل” عبر تركيا.
- إن الصراع الأذري الأرمني على بعض المناطق والحدود وفَّر فرصة لـ”إسرائيل” وتركيا معاً لمزيد من التنسيق لزيادة دعمهما لأذربيجان، وهو ما أسهم في تحقيق انتصارات أذرية على #ارمينيا خلال المعارك التي دارت بينهما في أيلول/ سبتمبر 2020.[17] وقد أسهمت ”إسرائيل“ في تزويد أذربيجان بنحو 60% من ذخائر المدفعية إلى جانب الطائرات المسيَّرة جنباً إلى جنب مع المساعدات التركية لأذربيجان.[18]
- إن تطور العلاقة الإسرائيلية الأذرية التركية ييسر على ”إسرائيل“ التواصل مع الأقلية اليهودية في أذربيجان، والتي يصل عددها ما بين 25-30 ألف نسمة، يعيش أغلبهم في العاصمة باكو وما حولها.[19]
ثالثاً: العلاقات الطاقوية بين ”إسرائيل“ وأذربيجان
تشير المصادر المختلفة إلى أن أذربيجان كانت حتى بداية الحرب الأوكرانية الروسية في شباط/ فبراير 2022 توفِّر 40% من الاحتياجات الطاقوية (النفط والغاز) لـ”إسرائيل”، خصوصاً عبر خط أنابيب باكو (أذربيجان) – تيبليسي (جورجيا) – جيهان (تركيا). ومع تزايد سياسات الحصار على روسيا خصوصاً في مجال تزويد الغرب باحتياجاته من الطاقة، فإن أهمية أذربيجان تزايدت لتعويض ما قد يمس الموارد الطاقوية الروسية من تضييق عليها في الأسواق. وذكر السفير الإسرائيلي في العاصمة الأذرية في شباط/ فبراير 2022 جورج ديك George Deek، إن ”إسرائيل“ تأمل أن تكون:
شركاتها جزءاً من مشاريع الطاقة المتجددة في أذربيجان، حيث إن إسرائيل رائدة عالمياً في تكنولوجيا الطاقة الخضراء، خصوصاً أن 10-15 شركة إسرائيلية تقدمت من خلال السفارة للمشاركة في مشاريع في كاراباخ، كما أن عدداً أكبر من الشركات الإسرائيلية تقدمت بطلبات مباشرة، وليس من خلال السفارة، ومنها عشرات الشركات التي تقدمت بطلبات لمشاريع مختلفة تتراوح من بناء المدن الذكية إلى الطاقة الخضراء والزراعة وبناء المستشفيات ومراكز العلاج بالمنتجعات الصحية.[20]
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حتى سنة 2021 نحو 200 مليون دولار.[21] يضاف لها تجارة الطاقة بقيمة 728 مليون دولار تقريباً.[22]
رابعاً: التوظيف الاستراتيجي لإقليم القفقاس[23]
إن مراجعة الأدبيات الاستراتيجية الغربية خلال العقود القليلة الماضية، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تشير إلى عدد من الخطط الاستراتيجية ذات الصلة بإقليم القفقاس الذي يضم أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وبعض من جنوب روسيا، ويصل بين البحر الأسود وبحر قزوين، فمشروع تمدد حلف الناتو NATO (جنوباً وشرقاً) هو مشروع طرحه مندوب الولايات المتحدة في مجلس الناتو نيكولاس بيرنز Nicholas Burns في براغ سنة 2003، محدداً التمدد جنوباً وشرقاً، وارتبط المشروع باستراتيجية بناء الشرق الأوسط الكبير الذي تمّ طرحه للمرة الأولى سنة 1995 من خلال مجلة الجيش الأمريكي Joint Force Quarterly، ليضم الشرق الأوسط كما عرَّفه شمعون بيريز Shimon Peres في كتابه سنة 1993، مضافاً له التمدد نحو آسيا الوسطى بما فيها إقليم القفقاس الفرعي.[24]
وفي هذا الإطار، تداولت الأوساط السياسية مفهوم “الناتو العربي” منذ سنة 2017 بعد تولي دونالد ترامب Donald Trump السلطة في الولايات المتحدة، ثم تمّ نقل ”إسرائيل“ من تبعيتها للقيادة الأوروبية في القوات الأمريكية إلى القيادة المركزية لهذه القوات، والتي يغطي عملها آسيا الوسطى والقفقاس مع التركيز على أذربيجان، وهو ما يعني نقل ”إسرائيل“ من دائرة أوروبا إلى دائرة تتشارك فيها مع دول شرق أوسطية وقفقاسية على رأسها أذربيجان، فإذا أضفنا لذلك تركيا العضو الرسمي في الناتو اتضحت أهمية أذربيجان الاستراتيجية لكل من الناتو و”إسرائيل” والولايات المتحدة، خصوصاً بعد أن أسهمت أذربيجان سنة 1994 في اتفاقيات الشراكة من أجل السلام مع الناتو.
وتشير الأدبيات الإسرائيلية في هذا الصدد إلى أن هذه الاستراتيجية تستهدف:[25]
- تطويق #ايران ومراقبتها ومواصلة الضغط عليها بالتعاون مع الدول الغربية.
- تشكيل قاعدة تعاون تقوم على موارد الطاقة الأذرية والتكنولوجيا الإسرائيلية والإمكانيات التركية.
- الإسهام في إطار الاستراتيجية الغربية في عرقلة التعاون الروسي الصيني الإيراني في هذه المنطقة، وخصوصاً مع تنامي العلاقات الإسرائيلية مع بقية آسيا الوسطى خصوصاً كازخستان وتركمانستان وأوزبكستان.
- محاولة ”إسرائيل“ للتمدد عبر العلاقة مع تركيا وأذربيجان إلى دول آسيا الوسطى، وخصوصاً الدول المنتمية للمنظمة الدولية للثقافة التركية (تأسست سنة 1993)، للتضييق على السعي الإيراني للتمدد في هذه المنطقة، وخصوصاً أن إيران أنشأت سنة 1992 منظمة اللغة الفارسية، وضمَّت إلى جانب إيران طاجيكستان وأفغانستان، ناهيك عن علاقة إيران مع دول آسيا الوسطى من خلال منظمة التعاون الاقتصادي.[26]
- العمل على منع حدوث احتمالين اثنين هما عودة بعض دول آسيا الوسطى والقفقاس للدائرة الروسية، أو قيام دول ذات نظم إسلامية معادية لـ”إسرائيل” والغرب في القفقاس، أو آسيا الوسطى بشكل عام.
- استغلال الحاجة الأذرية للمساندة الأمريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام، خصوصاً مع إحساس أذربيجان أن الغرب المسيحي أكثر تعاطفاً مع أرمينيا في الصراع الإقليمي بينهما، وذلك بتوظيف جماعات الضغط اليهودية في الغرب لمساندة أذربيجان، وهو ما يمكن لـ”إسرائيل” أن تستثمره لانتزاع المزيد من النفوذ في أذربيجان.
- لعل بعضاً من الاستدارة الخليجية نحو الشرق تزيد من القيمة الاستراتيجية لأذربيجان بالنسبة لـ”إسرائيل”، ففي “حالة تراخي التطبيع” الخليجي مع ”إسرائيل“، واحتمال أن لا تسمح دول الخليج العربية بعد التقارب الإيراني الخليجي بتسهيل النشاطات الإسرائيلية ضدّ إيران من أراضيها خصوصاً إذا وقعت مواجهة إيرانية إسرائيلية، فإن مثل هذه التطورات تزيد من القيمة الاستراتيجية لأذربيجان بحكم جوارها لإيران.
الخلاصة
نتيجة للمعطيات التي أشرنا لها، خصوصاً لاعتبارها دولة منتجة لسلعة استراتيجية (النفط والغاز)، أولت “إسرائيل” أذربيجان قيمة استراتيجية عالية في سياستها الخارجية تجاه هذا الإقليم، وعملت على تعميق علاقاتها معه بهدف تأمين مصدر للطاقة، وللاقتراب من الجغرافيا الإيرانية رداً على الاقتراب الإيراني من جغرافيا فلسطين المحتلة، ولتوظيف العلاقة الإسرائيلية مع مجتمع يغلب عليه الانتماء الشيعي في محاولة لجذب الشارع الشيعي في الخارج نحو “إسرائيل”، ولتعميق الصدع بين الكتلة الشيعية في أذربيجان والكتلة المماثلة في إيران، لا سيّما أنّهما الدولتان الأعلى نسبة في سكانهما من الشيعة، ناهيك عن توظيف علاقاتها مع تركيا وبعض دول آسيا الوسطى إلى جانب أذربيجان لاستثمار التنافس الدولي خصوصاً المحور الروسي الصيني الإيراني مع المحور الغربي، ومحاولات التمدد الأطلسي في هذه المنطقة، ناهيك عن أهمية المنطقة كفضاء أمني لروسيا من ناحية، ولمشروع الحزام والطريق الصيني من ناحية أخرى.
وعليه، فإن العلاقات الأذرية الإيرانية مرشَّحة لقدر من عدم الاستقرار، وهو ما يوفر لـ”إسرائيل” بيئة سياسية قابلة للاستغلال لمزيد من الضغط على إيران، كما أن تطور العلاقة الأذرية التركية والأذرية الإسرائيلية يلجم بقدر ما أيّ تشنجات في العلاقات التركية الإسرائيلية، كما جرى في فترات سابقة. إلى جانب أن استمرار الاستدارة الخليجية نحو الشرق، خصوصاً إذا انضمت السعودية إلى منظمتَي شنغهاي للتعاون Shanghai Cooperation Organisation (SCO) والبريكس BRICS، سيزيد من الحرص الإسرائيلي على تمتين العلاقة مع أذربيجان.
الهوامش:
[1] خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وهو عضو سابق في مجلس أمناء جامعة الزيتونة في الأردن، وجامعة إربد الأهلية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للإعلام. ألَّف 37 كتاباً، يتركز معظمها في الدراسات المستقبلية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ونُشر له نحو 120 بحثاً في المجلات العلمية المحكّمة.
[2] وليد عبد الحي، إيران: مستقبل المكانة الاقليمية عام 2020، موقع مركز الدراسات التطبيقية والاستشراف، الجزائر، 2008، ص 13-14؛ وانظر أيضاً:
Core/Periphery States, Political/Econ. Geography, site of Murrieta Valley Unified School District, https://www.murrieta.k12.ca.us/cms/lib5/CA01000508/Centricity/Domain/1814/Core%20and%20Periphery%20States.pdf
[3]Detlef Nolte, “How to compare regional powers: analytical concepts and research topics,” Review of International Studies journal, Vol. 36, Issue 4, October 2010, pp. 881–901; and Diplomatic Missions, site of Israeli Missions Around The World, https://embassies.gov.il/Pages/IsraeliMissionsAroundTheWorld.aspx
[4] Caucasus, site of Wikipedia, https://en.wikipedia.org/wiki/Caucasus
[5] Daniel Edelstein, Potential Gains for Israel After Azerbaijan’s Victory in Nagorno-Karabakh, 10/3/2021, site of Just Security, https://www.justsecurity.org/75135/potential-gains-for-israel-after-azerbaijans-victory-in-nagorno-karabakh
[6] حول العلاقة مع إيران انظر:
Israel may be looking to strengthen ties to Azerbaijan as an Iran counter, site of Breaking Defense, 31/8/2022, https://breakingdefense.com/2022/08/israel-may-be-looking-to-strengthen-ties-to-azerbaijan-as-an-iran-counter; Israel has sold US$ 5 billion worth of arms to Azerbaijan in recent years, site of commonspace.eu, 14/12/2016, https://www.commonspace.eu/news/israel-has-sold-us-5-billion-worth-arms-azerbaijan-recent-years; Dhrubajyoti Bhattacharjee, Israel and Azerbaijan Relation: A Strategic Compulsion, site of Indian Council of World Affairs, 4/1/2017, https://www.icwa.in/show_content.php?lang=1&level=3&ls_id=5042&lid=771; Intelligence: Israel and Azerbaijan – the odd couple, site of The Jerusalem Post newspaper, 16/4/2016, https://www.jpost.com/opinion/intelligence-the-odd-couple-451276; Mahir Khalifa-Zadeh, “Israel And Azerbaijan: To Counteract Iran,” Cenral Asia And The Caucasus journal, Vol. 13, Issue 3, 2012, pp. 68–69; and Azerbaijan becomes a new battlefield for Iran-Israel rivalry, site of The Armenian Weekly newspaper, 16/11/2022, https://armenianweekly.com/2022/11/16/azerbaijan-becomes-a-new-battlefield-for-iran-israel-rivalry-
[7] The break-up of the USSR and the resurgence of national identities, site of CVCE, https://www.cvce.eu/en/education/unit-content/-/unit/02bb76df-d066-4c08-a58a-d4686a3e68ff/a36c2b08-97a1-4308-b764-6ad5988d939b
[8] Gallia Lindenstrauss, Opening Azerbaijan’s Embassy in Israel: The Right Way to Strengthen Ties, INSS Insight No. 1665, site of The Institute for National Security Studies (INSS), 30/11/2022, https://www.inss.org.il/publication/israel-azerbaijan
وقد تعللت أذربيجان عن تأخير فتح سفارتها في تل أبيب إلى سببين؛ هما الرغبة في عدم استفزاز إيران، والحرص على عدم التأثير على عضويتها في منظمة المؤتمر الإسلامي، انظر التفاصيل في:
Alexander Murinson, The Ties Between Israel and Azerbaijan, Mideast Security and Policy Studies No. 110, The Begin-Sadat Center for Strategic Studies, Bar-Ilan University, 2014, p. 9.
[9] Ibid.
[10] Odd but useful allies, site of The Economist newspaper, 21/1/2012, https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2012/01/21/odd-but-useful-allies
[11] الاعتراف الدولي بإسرائيل، موقع ويكيواند، انظر:
https://www.wikiwand.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A_%D8%A8%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84
[12] David Pollock, Bahrain Opinion Poll Confirms Sectarian Split on Iran, but not on U.S. or Israel, site of Fikra Forum, Washington Institute for Near East Policy, 9/9/2022, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/bahrain-opinion-poll-confirms-sectarian-split-iran-not-us-or-israel; Chapter 3. Views of Religious Groups in “Mixed Views of Hamas and Hezbollah in Largely Muslim Nations,” site of Pew Research Center, 4/2/2010, https://www.pewresearch.org/global/2010/02/04/chapter-3-views-of-religious-groups; Arab Barometer VI: Lebanon Country Report, site of Arab Barometer, 2021, https://www.arabbarometer.org/wp-content/uploads/Public-Opinion-Lebanon-Country-Report-2021-En-1.pdf
[13]Mari Luomi, Sectarian Identities Or Geopolitics: The Regional Shia-Sunni Divide in the Middle East, The Finnish Institute of International Affairs, Working Papers 56, 2008, p. 24.
[14] انظر أيضاً: فاطمة الصمادي، “أذربيجان.. التعددية الدينية وتحديات بناء الهوية،” موقع مركز الجزيرة للدراسات، 13/9/2015، في: https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/09/2015913141057341367.html؛ والشيعة في أذربيجان، موقع مركز الأبحاث العقائدية، في: https://www.aqaed.com؛ وحسن الرشيدي، حروب الشيعة… إيران وأذربيجان أنموذجاً، موقع مجلة البيان، 12/10/2021، في: https://www.albayan.co.uk/Article2.aspx?ID=13680
[15] Estimated Percentage Range of Shia by Country, “Mapping the Global Muslim Population: A Report on the Size and Distribution of the World’s Muslim Population,” Pew Research Center, October 2009, https://www.pewresearch.org/wp-content/uploads/sites/7/2009/10/Shiarange.pdf
[16] The Sky is the Limit: The Azerbaijan-Israel-Türkiye Trio and the Greater Middle East, site of Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies, 15/8/2022, https://dayan.org/content/sky-limit-azerbaijan-israel-turkiye-trio-and-greater-middle-east
[17] Azeris use Israeli-made drones as conflict escalates with Armenia–report, site of The Times of Israel, 30/9/2020, https://www.timesofisrael.com/azeris-use-israeli-made-drones-as-conflict-escalates-with-armenia-report/amp
[18] Ibid.
[19] The Curious Case of Azerbaijan and Its Jew–Loving Muslims, site of Forward, 26/10/2015, https://forward.com/opinion/323118/what-the-muslim-world-should-learn-from-azerbaijan; and Robert N. Marcus, “Azerbaijan and Israel: Oil, Islam and Strawberries: Pragmatism in Foreign Policy Between Unlikely Allies” (M.A. Thesis, Tufts University, 2009), p. 17.
[20] Israel Looks To Azerbaijan For Increased Energy Needs, site of THEJ.CA, 8/6/2022, https://www.thej.ca/2022/06/08/israel-looks-to-azerbaijan-for-increased-energy-needs
[21] Azerbaijan opens trade office in Tel Aviv 30 years after forming ties, The Jerusalem Post, 29/7/2021, https://www.jpost.com/israel-news/azerbaijan-opens-trade-office-in-tel-aviv-30-years-after-forming-ties-675266
[22] Site of AZERNEWS, https://www.azernews.az/business/199767.html
[23] Azerbaijan’s strategy of trilateral alliances, site of Topchubashov Center, 18/3/2021, https://www.top-center.org/en/expert-opinion/3106/azerbaijans-strategy-of-trilateral-alliances
[24] للتعرف على تفاصيل هذا الموضوع، انظر: وليد عبد الحي، “النظام الإقليمي العربي: استراتيجية الاختراق وإعادة التشكيل،” مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، العدد 1، آذار/ مارس 2013، ص 19-22.
[25] The Sky is the Limit: The Azerbaijan-Israel-Türkiye Trio and the Greater Middle East, Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies, 15/8/2022.
[26] محمد شاكر، “العلاقات الإيرانية الطاجيكية: إشكاليات البيئة الداخلية والخارجية،” مجلة الدراسات الإيرانية، مركز الخليج للدراسات الإيرانية، العدد 5، السنة 2، 2017، ص 116-118.
د. وليد عبد الحي – مركز الزيتونة
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.