“موزارت” الأميركية في مواجهة “فاغنر” الروسية: “جيوش النخبة الغربية” في الميدان الأوكراني

مقاتلون من موزارت يدربون جنود أوكرانيين لمواجهة القوات الروسية (مجموعة موزارات: تليغرام)

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

وصل الروس إلى حدود كييف بعد مضي شهرٍ واحد على انطلاق “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا. بينما كان المقدم السابق في القوات الخاصة الأميركية آندي ميلبورن يُعلِّم جنود أوكرانيا المجندين حديثًا كيفية إطلاق النيران بالبندقية، وذلك بمساعدة مجموعة من قدامى المحاربين من مختلف الدول الغربية، وعلى مسافةٍ ليست بالبعيدة عن الخطوط الأمامية.

ولا شك أن أجر وظيفةٍ كهذه كان أقل من الأجر الذي اعتاد ميلبورن أن يتقاضاه من الجيش الأميركي. ويقول إنه جاء إلى أوكرانيا للمرة الأولى في العام الماضي كصُحفي من أجل تغطية الحرب، لكنه وجد “يتطوع” لتدريب الجنود الأوكرانيين، ليجذب بالتدريج مجموعة من قدامى المحاربين الذين شاركوه الرغبة في تقديم يد العون، كما يقول لصحيفة The Telegraph البريطانية.

ما قصة “مجموعة موزارت” الأميركية؟
يقول جندي النخبة الأميركي السابق إنه بدأ وزملاؤه بتشكيل مجموعةٍ متماسكةٍ بعد ذلك، لكن الأمور لم تكن سلسة بالنسبة لهم. إذ كانت أصوات إطلاق النار في ساحة التدريب تلفت انتباه المدفعية الروسية، مما كان يُجبر ميلبورن وطاقمه على الاحتماء في ملجأ قريب.

وناقش المحاربون القدامى الاسم الذي سيطلقونه على أنفسهم إبان تعرضهم لوابل نيران المدفعية في إحدى المناسبات. ولم يوضح ميلبورن هوية مُقترِح الاسم، لكن اسم “مجموعة موزارت” علق في أذهانهم، ولا شك أنها قصة عجيبة كما تقول الصحيفة البريطانية.

ويشغل ميلبورن منصب قائد قوات مجموعة موزارت منذ ولادة المجموعة، ويقول للصحيفة البريطانية إنه “يُعَدُّ اسم مجموعة موزارت بمثابة ردٍ مبطن على مجموعة فاغنر، الشركة العسكرية الخاصة الروسية التي تتسم بالوحشية وتعمل داخل أوكرانيا أيضًا”.

لكن ميلبورن يقول إنهم لم يتعمدوا مقارنتهم بفاغنر، رغم أنه يعتقد أن موزارت قد تكون الحل لمواجهة المجموعة الروسية يوماً ما.

مجموعة موزارات: تليغرام

أهداف “موزارت” في أوكرانيا
ينصب هدف مجموعة موزارت على “نقل القدرات الحاسمة إلى وحدات الخطوط الأمامية الأوكرانية”، وفقاً لموقعها الرسمي. وقد وسعت المجموعة نطاق خدماتها المقدمة منذ آذار عام 2022، وأصبحت توفر ثلاثة أنشطة محورية في الوقت الراهن.

إذ تقدم التدريبات العسكرية الأساسية مثل الرماية، ومهارات التعامل مع الأسلحة، والتدريب العسكري. وإذا كانت الوحدة أكثر تقدمًا، فسوف تقدم لها موزارت “دعماً أكبر قليلاً حتى ترتقي إلى المستوى التالي” كما يقول قائدها.

ويتمثل النشاط الثاني في “الجهود الإنسانية” لإخراج المدنيين من مناطق الصراع. حيث تعكف المجموعة على المساعدة في نقل المدنيين العالقين عند الخطوط الأمامية، سواء لأنهم رفضوا أو عجزوا عن الرحيل حتى وصلت المعارك إلى أعتاب منازلهم. ولا نتحدث عن حركةٍ واسعة النطاق للبشر، بل يجري إجلاء مجموعات صغيرةٍ عالقة في الأماكن الأكثر قسوةً على خطوط المواجهة.

وأخيرًا، يأتي دور توصيل المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الذين لا يمكنهم أو لا يريدون مغادرة منازلهم؛ إذ اضطلعت المجموعة بنقل الإمدادات الحيوية مثل الدواء، أو الماء، أو الغذاء. ولا نتحدث هنا عن جهود توصيل واسعة النطاق أيضاً، بل هي جهود مستهدفة، كما تقول “التلغراف”.

جيوش النخبة الغربية في أوكرانيا
تُعَدُّ مجموعة موزارت واحدةً من مجموعات المتطوعين الغربيين التي تشكلت تحت قيادة قدامى المحاربين، وذلك من أجل تقديم التدريب والدعم العسكري داخل أوكرانيا. وتشمل القائمة مجموعات مثل مبادرة ترايدنت ديفينس (دفاع الرمح الثلاثي)، وغوستس أوف ليبيرتي (أشباح الحرية)، وباكيارد كامب (معسكر الباحة الخلفية). وتتلقى تلك المجموعات التبرعات عبر “باي بال”، أو البيتكوين، أو بشكل مباشر.

وتتسم جميع هذه المجموعات بجانبٍ غوغائي ومتمرد نوعًا ما. كما تصلها الأموال على أساس الثقة، ودون إشراف على أوجه الإنفاق. بينما يتعطل تمويلها في بعض الأحيان.

وتسعى موزارت جاهدةً من أجل تقديم نفسها في صورة المجموعة الماهرة والمتخصصة، لكن صورتها الشخصية أصبحت مشوهةً اليوم إلى حدٍ ما، بحسب التلغراف.

إذ شهد مطلع العام الجاري اندلاع معركةٍ مريرة على “لينكد إن” وشبكات التواصل الاجتماعي بين ميلبورن وأندرو باين، الرئيس المالي لموزارت وصاحب حصة الأغلبية في المجموعة. وكان باين عقيدًا سابقًا في البحرية، وعاش في أوكرانيا لمدة 30 عامًا. وقد زعم في منشوره على “لينكد إن” أنه ساعد في إنشاء وتمويل مجموعة موزارت، وأنه استقدم ميلبورن لإدارة المجموعة لاحقًا، مما يتناقض مع رواية ميلبورن خلال مكالمتنا عبر تطبيق زوم. ودخل الثنائي في نزاعات قضائية ويحاولان إقالة بعضهما البعض الآن.

مستشارون غربيون في أرض المعركة
رغم ذلك، أعرب ميلبورن عن رغبته المستقبلية في رؤية أعضاء موزارت يساعدون في مهام القيادة والتحكم داخل مقار العمليات، أو يساهمون في “خلايا النيران” التي تنسق عمل المدفعية وغيرها من منصات النيران غير المباشرة، مثل الطائرات المسيرة. وبعيداً عن الاتهامات الموجهة من باين إلى ميلبورن، ليس من المستبعد أن يسمح الجيش المنهك والأقل تطورًا لميلبورن بفعل ذلك، نظرًا لخلفيته العسكرية.

ومن المألوف أن تضم الجيوش بعض المستشارين أو المقاولين إلى صفوفها، حتى يشاركوا في الاستهداف بالنيران غير المباشرة. لكن من النادر رؤية مستشارين يشاركون في تسلسل القيادة ويمكنهم التأثير على عملية صنع القرار في أرض المعركة.

وقد لا يمثل الأمر معضلةً بالنسبة لميلبورن ورفاقه على المستوى الوظيفي، نظراً لأن بيئات المعارك مألوفة بالنسبة لهم بفضل رتبة ميلبورن السابقة والخلفية العسكرية للعديد من أفراد موزارت؛ فضلًا عن أن المجموعة ستلعب دورًا أكثر تأثيرًا على مستوى العمليات دون شك.

لكن خطوةً كهذه ستُقرِّب موزارت من “المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية”، وهو الخط الفاصل الذي تستخدمه المؤسسات الدولية للتمييز بين المقاتلين والمدنيين. وستفتح خطوةٍ كهذه المجال أم اتهامهم باجتياز الخطوط الحمراء ليصبحوا من المقاتلين غير الشرعيين، وكل ما يُصاحب ذلك التصنيف من معضلات قانونية وأخلاقية.

شكوك حول الدعم والتمويل
بينما تمثل مسألة التمويل أحد أوجه الاختلاف بين موزارت وفاغنر؛ إذ تقدم الشركات العسكرية الخاصة خدماتها بموجب عقود مع الحكومة في المعتاد. لكن فاغنر تختلف في أنها تحظى بدعمٍ نشط من جانب الحكومة الروسية حسب التقارير، وذلك عبر مؤسسها يفغيني بريغوجين. ويُتيح لها هذا الأمر العمل في مهامٍ غير مجديةٍ من الناحية المالية بالنسبة للآخرين، كما يضمن لها الحصول على رجال ومعدات ودعم لا تحظى به الشركات الأخرى.

وعلى الجانب المقابل، تعتمد موزارت بشكلٍ شبه كامل على “التمويل الجماعي الخيري”. وتأتي تلك التبرعات المخصومة من الضرائب عبر منظمتها غير الربحية Task Force Sunflower، وفقاً لما أفاد به ميلبورن.

ولا يمكن تجاهل مسألة التمويل؛ حيث ذكر ميلبورن أن موزارت تنفق ما يتراوح بين 100 ألف و170 ألف دولار شهريًا، من أجل الحفاظ على وتيرة عملياتها. وتعتمد الإيرادات على المنظمات والشركات بنسبة كبيرة. ولم يخبر ميلبورن الصحيفة بأسماء أو طبيعة تلك المنظمات، لكنه أوضح أنها ليست مرتبطةً بالحكومة الأميركية بأي شكلٍ من الأشكال، حسب تعبيره، مما يترك علامات استفهام حول طبيعة هذا الدعم.

التحول لشركة خدمات أمنية ربحية
ويصل عدد أفراد المجموعة داخل أوكرانيا إلى نحو 30 شخصاً، بحسب ما تقول الصحيفة البريطانية، وينقسمون إلى ثلاث فرق تعمل في جميع أنحاء البلاد. وجميع أولئك الأفراد من المتطوعين الذين يقدمون أكبر وقتٍ متاحٍ لديهم، قبل العودة إلى وظائفهم الطبيعية التي تركوها. ولا يتقاضى غالبية الموظفين في المنظمة أجوراً عن مناصبهم، باستثناء موظفي الدعم وجامعي التبرعات خارج أوكرانيا مثلًا، وذلك على عكس مزاعم باين في القضايا التي رفعها ضد ميلبورن.

ولا تريد المجموعة أن تظل معتمدةً على التمويل الجماعي؛ إذ قال ميلبورن إنه يأمل توقيع أول عقد تدريب مع القوات المسلحة الأوكرانية في كانون الثاني 2023، لتتحول موزارت إلى شركة عسكرية خاصة محترفة رسميًا، وتخرج بذلك من منطقة التمويل الجماعي التطوعي.

ولهذا السبب جرى تأسيس المجموعة كشركة ذات مسؤولية محدودة، حتى تتمكن من تقديم العطاءات والفوز بعقود الحكومة الأوكرانية. وليست هناك أي أنباء عن ذلك العقد في الوقت الحالي، لكن الاقتتال الداخلي في المنظمة الآن يجعل الأمر مستبعد الحدوث.

مصدر قلق أممي
وترى سورشا ماكلويد، عضوة مجموعة عمل الأمم المتحدة المختصة باستخدام المرتزقة، أن هذا الاتجاه لا يبعث على الارتياح. وأوضحت: “تظل المساءلة والشفافية من القضايا الأساسية. ولا يمكننا فهم دوافع أي مجموعةٍ بشكلٍ كامل دون فهم مصادر الأموال التي تصلها”. ولهذا يمثل انتشار تلك المجموعات التطوعية، وزيادة استخدام الشركات العسكرية الخاصة، مصدر قلقٍ للأمم المتحدة في هذا الصراع.

بينما يرى جيمي ويليامسون، المدير التنفيذي لجمعية مدونة السلوك الدولية، إن الأمر يتعلق بالمساءلة في المقام الأول. وأردف: “إذا كانت موزارت تخطط للانخراط في توجيه المدفعية أو القيادة والتحكم على مستوى العمليات، فسوف يخسر أفرادها حمايتهم كمدنيين، وقد يتسببون في تداخل المسؤوليات المرتبطة بهوية من فعل ماذا في الحرب تحديداً… مما سيؤدي إلى الفظائع التي بدأنا نلاحظ ظهورها في أوكرانيا الآن”.

“توجيهات” أميركية
يؤمن ميلبورن بأن هناك مزايا واضحة للهيمنة على هذا المجال الجديد في الحروب بالوكالة، ومنها أن التقاعس عن العمل في هذا المجال يُمثل تنازلاً عن الأراضي لصالح الخصوم والمنافسين. ويبدو أن هناك من يشاركه الرأي بناءً على انتشار صيحة المنظمات التطوعية الأجنبية. وتحدّث ميلبورن عن قارة إفريقيا باعتبارها وجهةً محتملةً للتوسع، وهي القارة التي تنشط فيها مجموعة فاغنر أكثر من غيرها.

وكما فعلت فاغنر مع الدولة الروسية بشكلٍ غير رسمي، يخطط فريق موزارت للحصول على التوجيهات من الحكومة الأميركية قبل توريط نفسه في أي صراع. وتأمل المجموعة تجنب أي تداخلات محرجة تشهد دعمهم لجماعات تعتبرها بلادهم إرهابية، وذلك عن طريق التنسيق مع وزارة الخارجية لمعرفة “جانب الأخيار” في أي صراع، بحسب تعبير قائدها.

كيف يمكن مقارنة هذه المجموعات مع “فاغنر”؟


وحتى إذا نجحوا في اجتياز هذه الساحة المتغيرة بالتفاوض، فإن فرص موزارت في النجاح تظل أقل من فاغنر؛ إذ تعرض فاغنر خدمات جيش احترافي بلا مقابل لقتل أعدائك، وهو عرض بسيط ومقنع بدرجةٍ لا تستطيع موزارت التنافس معها؛ حيث إن قدرات الدعم والبناء بطيئة ومكلفة، بينما يصعب حساب عائد الاستثمار في الوقت ذاته. وإلى أي مدى ستشعر الحكومات الغربية بالارتياح حيال عمل قدامى محاربيها في تدريب الجيوش الأجنبية، وذلك دون إشراف أو مساهمةٍ منها؟

وسنرى مع الوقت ما إذا كنا نشهد بداية النهاية لفاغنر أم لا، والعكس صحيح بالنسبة لموزارت. بينما بدأت مجموعة فاغنر تلحظ وجود موزارت في هذه الأثناء. حيث بدأت قنواتها على تيليغرام في استهداف موزارت بالرسائل الدعائية. كما تعرضت العديد من مواقع موزارت للاستهداف بالنيران غير المباشرة مؤخراً. وبهذا يواصل ميلبورن ورفاقه عملهم كما بدأ أول مرة، تحت أصوات النيران. وعلى صعيد أعمالها الخاصة، تتعرض موزارت للنيران من الداخل بقدر الخارج اليوم. وربما يكون هذا القدر من النيران أكبر من قدرتها على الاحتمال في النهاية.

(وكالات)

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد