في أحدث فصول “حرب الظلال” بين “محور المقاومة” و”المحور الأميركي- الإسرائيلي”، تساقطت عشرات الصواريخ على عدد من القواعد الأميركية في محافظة دير الزور، شرقي سوريا، من بينها قاعدة كونيكو وقاعدة حقل العمر النفطي. وقبل شيوع الأنباء عن الاستهداف، يوم أمس، تعرّضت بعض المنشآت المدنية الرسمية في المحافظة لغارات جوية أميركية، تحت ذريعة الرد على هجوم سابق بطائرات مسيّرة على قاعدة أميركية أخرى في محافظة الحسكة، أسفر عن مقتل أحد المتعاقدين الأميركيين، وإصابة خمسة جنود آخرين، اتهمت واشنطن تنظيمات زعمت أنها “تابعة لحرس الثورة الإيراني” بالوقوف خلفه.
جولة التصعيد المشار إليها تأتي في سياق مواجهة “إسرائيلية”- إيرانية محتدمة منذ العام 2021، مع تبني حكومات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تكتيك “المعركة بين الحروب”، بدءاً من العام 2013 ومن ثم انتهاج “استراتيجية الأخطبوط” ضد إيران، خلال عهد سلفه نفتالي بينيت، وذلك بالتواطؤ مع قوى دولية، في طليعتها الولايات المتحدة. وما يزيد من فرص احتدام المواجهة بين طهران وتل أبيب، هو ما يدور على مسرح العمليات العسكرية في أوكرانيا، مع اقتراب نُذر المواجهة المباشرة بين موسكو، وواشنطن، بسبب مضي الأخيرة في تزويد كييف بأسلحة نوعية إضافية. فقبل أيام قليلة، وقعت مناوشات عسكرية “جانبية” بين الجيشين الروسي والأميركي فوق البحر الأسود مؤخراً، حين اتهمت الولايات المتحدة روسيا بإسقاط إحدى طائراتها المسيّرة هناك. وبعدها بأيام، حلّقت طائرات روسية فوق المجال الجوي للقاعدة الأميركية في منطقة التنف السورية، خلافاً لاتفاق أميركي روسي بشأن “سلامة الأجواء” فوق سوريا، في مؤشر فُهم على أنه رسالة تهديد روسية واضحة ذات مفاعيل ميدانية هناك.
عين واشنطن على النووي الإيراني
في الإطار العام، تريد واشنطن “تثمير” النشاط العسكري “الإسرائيلي” على طاولة المفاوضات النووية مع إيران، كما تشتهي إدارة الرئيس جو بايدن. أما تل أبيب، فهي تأمل بإقناع “حليفتها التاريخية” بجدوى الخيار العسكري في لجم الطموحات النووية والإقليمية لإيران، على أمل الحصول على ضوء أخضر سياسي، ودعم تسليحي ولوجستي عسكري من جانب الولايات المتحدة لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية. وفي حين يرى البعض أن إدارة بايدن اقتربت خطوة من “إسرائيل” في هذا الاتجاه، من خلال الاستدلال على موافقتها على إجراء مناورات برية مشتركة “غير مسبوقة” في تاريخ العلاقات بين الجيشين الأميركي، و”الإسرائيلي” على الأراضي اليونانية قبل أسابيع قليلة، وذلك بعد إبرام عقود لتزويد الجيش “الإسرائيلي” بأربع طائرات من طراز “بوينغ كي سيه-46 إيه” مخصصة لأغراض التزوّد بالوقود جواً.
في المقابل، يرى آخرون أن ذلك النوع من الدعم الأميركي لـ “إسرائيل” يأتي من باب التسليم بعجز إدارة بايدن عن التعامل العسكري مع طهران، وفي إطار تعويض تل أبيب عن تضاؤل الخيارات المتاحة بيد الأميركيين لكبح الصعود الإيراني، وهذا ما أكده مسؤولون عسكريون وسياسيون من الجانبين في أكثر من مناسبة. فمن جهته، أشار المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي قبل أيام، بأن بلاده لا تسعى إلى صراع مع إيران. وعلى المنوال نفسه، ذهب رئيس المخابرات العسكرية “الإسرائيلي” السابق الجنرال تامير هيمان، مؤخراً إلى حد الجزم بعدم واقعية أي خيار عسكري لوقف البرنامج النووي الإيراني، معتبراً أنّ “العودة إلى الاتفاق مع إيران هو الخيار الأقل سوءاً لإسرائيل”.
من الذراع إلى الرأس
وبالتوازي مع فشل الجهود الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، بسبب تعنّت أميركي، ورفض واشنطن منح ضمانات كافية لإيران في هذا الصدد، إضافة إلى تصاعد وتيرة الاعتداءات “الإسرائيلية” ضد سوريا، خلال الأشهر الماضية، بدا واضحاً أن المعادلة أصبحت كالآتي: الرد على غارات ذراع “الوكيل الإسرائيلي” ستمتد ناره إلى رأس “الأصيل الأميركي”، أي القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. وبحسب تقديرات استخبارية غربية، فإن المحور الإقليمي الذي تتزعمه إيران، وبداعي سحب الذرائع من “إسرائيل” لشن حرب واسعة النطاق في المنطقة وإجهاض أي آفاق دبلوماسية لحل النزاعات المنتشرة على امتداد الإقليم، من سوريا إلى اليمن، قرر بدءاً من صيف العام 2021، الرد على الضربات “الإسرائيلية” المتكررة على سوريا والعراق، من خلال استهداف ما يعتبره “الخصم الأكثر ليونة والأقل استعداداً لتصعيد غير محسوب”، في إشارة إلى القوات الأميركية في كلا البلدين.
من هنا، يربط محللون بين عدد الغارات “الإسرائيلية” على سوريا، وبين عدد صواريخ الهجمات الصاروخية ضد القواعد الأميركية هناك. وعلى مدار العامين الماضيين، منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وقع أكثر من 80 هجوماً على تلك القواعد في كلّ من العراق وسوريا، تخللها إطلاق أكثر من 230 مقذوفاً، بما في ذلك 170 صاروخاً، و 60 طائرة مسيّرة، وفق دراسات غربية. وتوزعت تلك الهجمات، بين حوالي 60 هجوماً تركّزت في العراق، وما يزيد عن 20 هجوماً وقعت داخل الأراضي السورية. وفي هذا، تواترت هجمات “المحور الأميركي- الإسرائيلي” ضد ما يصفه بـ “أذرع إيران في المنطقة”، خلال تلك الفترة، من بينها أكثر من 88 غارة جوية وصاروخية “إسرائيلية” ضد أهداف سورية، وعراقية على حد سواء.
قلق اإسرائيلي
ومع شيوع أجواء الانفراج في الشرق الأوسط، وسريان موجة تفاؤل لناحية تبريد الصراعات الدائرة بين إيران وحلفائها، من جهة، والسعودية وحلفائها، من جهة ثانية، في أكثر من ساحة، تتعزز مناخات قلق “إسرائيل” الغارقة أصلاً في أزمة داخلية مستعصية على خلفية الانقسام على ما بات يُعرف بـ “مشروع التعديلات القضائية”. هذا القلق ينسحب على إمكانية أن يقضي التقارب السعودي- الإيراني الأخير على أي احتمالات للتطبيع بينها وبين الرياض، أقله على المدى المنظور، وهو الأمر الذي يشجّع دوائر أميركية، ذات ميول صهيونية إلى الضغط على إدارة بايدن لرفع سقف المواجهة مع إيران.
من هنا، يرى الباحثان في “المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي”، آري سيكوريل، وبليز ميتستال، أنّ نقطة الضعف في ردود إدارة بايدن على هجمات إيران، وحلفائها ضد القواعد الأميركية، ترتبط لكونها تحدث على فترات “متقطعة”، ما يجعلها تبدو “محدودة”، و”غير منتظمة” إلى حد كبير، بصورة شجّعت إيران على شن المزيد من تلك الهجمات. ويدعو الباحثان، في المعهد المعروف بتأييده لـ “إسرائيل”، الإدارة الأميركية إلى أن تحذو حذو تل أبيب، من خلال السير بـ “سياسة تستلهم النموذج العملياتي الذي تتبعه إسرائيل” حيال إيران، وحلفائها، من خلال استهدافهم بوتيرة أكبر وأسرع، وبصورة منتظمة وعلانية، بهدف تطوير وسائل حماية أفضل للقوات الأميركية في العراق، وسوريا، على حد قول الباحثيْن.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.