حين لم ينشد أفراد المنتخب الإيراني نشيد بلادهم في افتتاح مباراتهم الأولى، هلّل تشرينيو لبنان شماتة وسرورًا. حمّلوا الأمر كلّ أوهامهم وأحلامهم حول الوضع الإيراني، واتخذوا الإعلام العالمي الذي يصوّر المشهد الإيراني من الزاوية التي يشتهيها ويهتم بتسويقها لإظهار الجمهورية كبلد يتخاصم شعبه مع نظامه.
كان من المتوقّع أن يشمت هؤلاء بخسارة المنتخب مباراته أو بأداء لاعبيه الذي بدا دون مستواهم المعتاد. لكنهم، فرحًا بعدم أداء النشيد، اصطفوا خلف المنتخب الذي ظنّوه خارجًا عن حبّه وولائه لدولته. بنوا على ظنّهم هذا كلّ مظاهر الحبّ والتشجيع للفريق الذي افترضوا أنّه مثلهم في صفّ أميركا، واعتقدوا أنّهم مرتبطون به برابطة الزمالة عند المشغّل نفسه. ومن هول هشاشة ما بنوا عليه موقفهم، لم يتمكّنوا من تدارك خيبتهم بالأمس.
وقف أفراد منتخب الجمهورية وبرفقة مشجعيهم على المدرجات أنشدوا بحبّ النشيد الثوريّ الولائي، وكأنّهم يعتذرون عن خطأ لم يتوقّعوا أن يُحمّل أكثر مما يحمل، لا سيّما أنّ عدم الإنشاد في افتتاحية المباراة الاولى كان التزامًا ببروتوكول معتمد. هنا لم يعد بإمكان التشارنة التراجع، وبالطبع لا يمكنهم، لدوافع ذاتية ووظيفية، إكمال ما بدأوه من حبّ وتشجيع للفريق الذي حيّاه السيد القائد علي الخامنئي اليوم واعتبر أنّ فوزه بالأمس أنار أعين الشعب الإيراني، داعيًا له ومثنيًا عليه. ولأن الاعتراف باستعجال تورّطهم في حبّ من يحبّهم الوليّ الذي يقاتل أميركا، هربوا كعادتهم إلى دفن رؤوسهم في التراب، رغم محاولة الإعلام الغربي تشويه دموع الإيرانيين وهم ينشدون حبّهم لبلادهم على المدرَّجات عبر قول إن الإيرانيين بكوا اشفاقًا على أفراد المنتخب لأنهم أجبروا على أداء النشيد، علمًا أنّه إن كان ثمّة ما يجبرهم على فعل ذلك، فهو التأويل المسيء الذي تبع وقوفهم بصمت خلال اذاعة النشيد في المباراة السابقة، وتحويل هذا الفعل إلى شمّاعة علّق عليها أرخص من على الأرض أحقادهم ضد الجمهورية الثورية.
مشهد النشيد هذا سواء في المباراة الأولى أو الثانية، أخذ حيّز اهتمام واسعًا من الجمهور ولا سيّما على منصّات التواصل. ولم ينحصر هذا الاهتمام بالفئات التي تبحث “بالسراج والفتيلة” عن قشة يمكن استخدامها في تشويه صورة العلاقة بين النظام في الجمهورية الإسلامية وشعبها، بل اتسع ليشمل محبّي الجمهورية ومشجعي منتخبها.
في المباراة الأولى عتب المحبّون، وفي الثانية أنشدوا باستئناس مع المنتخب. في الأولى لاموا اللاعبين على سوء تقديرهم للوضع وعلى تجاهلهم للكاميرات العالمية المسلّطة عليهم باحثة في وجوههم عما يمكن تفسيره ضد النظام، وفي الثانية ذابوا حبًّا وتقديرًا لتدارك الفريق كلّه للأمر.
بكل الحالات، “فنسة” جماعة تشرين وقعت، وفرحتهم المبنية على الوهم ما تمّت، وهذا بحدّ ذاته أمر لطيف حدث على هامش المونديال الذي يملأ الدنيا اليوم ويشغل الناس.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.