كانت قطر تحضّر منذ سنوات عدّة لافتتاح مونديال العام ٢٠٢٢ على أراضيها لأوّل مرّة، فاستنفدت الدوحة كل قواها ومجهودها في خلال السنوات الماضية كي يكون المونديال فيها “حديث الساعة”.
وبعد أن كانت قطر من الدول التي نأت بنفسها في خلال موجة التطبيع المحمومة العلنية التي شهدها الخليج وبعض دول المنطقة منذ العام ٢٠١٩، وفي محاولة لاستقطاب جميع دول العالم، لم تُستثن دولة الاحتلال من الحضور على الأراضي القطرية، لا بلاعبيها، بل بمشتقّاتها من الموارد البشرية المتنوّعة، فاتّضحت معالم التطبيع العلنية، متناسيةً عن عمد أن فكرة التطبيع تلك ليست محصورة بالسياسة، بل تمتدّ حتمًا لتشمل جميع المجالات الحياتية الأُخرى، ومن ضمنها الرياضة.
وفي هذا المجال، نعرض المعطيات الآتية الدالّة على التطبيع العلني والواضح بين قطر ودولة الاحتلال في هذا المجال، وفقًا لما ذكرته منصة “متراس”:
١. في مجال الطيران: أعلن “الفيفا” توصّل قطر والكيان الإسرائيلي لاتّفاق يسمح بنقل المشجّعين الصهاينة (الذين يُقدّر عددهم بين ١٠ و٢٠ ألفًا) من مطار بن غوريون للدوحة مباشرةً. بذلك، تكون قطر ثالث دولة خليجيّة تستقبل رحلات مباشرة من تل أبيب، بعد الإمارات والبحرين.
٢. في الشؤون الدبلوماسية: سيعمل وفدٌ “إسرائيلي” يتألّف من ١١ موظفًا دبلوماسيًّا، بينهم ٦ قنصليين، على متابعة شؤون المشجّعين الصهاينة، في مكتب تابع لشركة سياحة خاصّة.
٣. في الإعلام: بعد ظهور الصهاينة على شاشة الجزيرة، سيتواجد مراسلان صهيونيان في الدوحة في خلال المونديال. وقد نشرت قناة “كان” الإسرائيلية صورًا لاستديو افتتحته هناك للتغطية. كذلك ظهرت “القناة ١٢” العبرية في الافتتاح في خلال إجراء مقابلات مع الحضور.
فهل كان التطبيع الرياضي انصياعًا أم حملة علنية عن سابق تصميم وإصرار؟
روّجت وسائل إعلام مقرّبة من الدوحة ومغرّدون، لقرار استقبال المشجعين الصهاينة بصفته “انصياعًا إسرائيليا”، إذ ستتم الرحلات عبر شركة غير إسرائيلية. وقد اشترطت قطر أن يسمح الاحتلال للفلسطينيين أيضًا، في المقابل، بالطيران من مطار بن غوريون.
لكن الاتّفاقية بين الدوحة وتل أبيب لم تخفّض القيود التي يفرضها الاحتلال على سفر الفلسطينيّ. كما أن شركة الطيران القبرصية التي سيسافر الصهاينة عبرها (TUS) مملوكة جزئيًّا لشركة “كنافايم هولدنجز” الإسرائيلية للسياحة والسفر.
فهل وقعت قطر في فخّ التطبيع الرياضي؟
حقّق الصهاينة، تحت غطاءٍ رياضيّ، اختراقات قادت لحالة التطبيع التي نشهدها اليوم. فكانت أولى خطوات الإمارات العلنية نحو التطبيع أن كسرت عُرفًا سائدًا في الخليج، فسمحت برفع العلم الإسرائيلي خلال البطولات الرياضية، أما قطر فتتبعها اليوم عبر المونديال.
يستحقّ الجمهور العربي هنا، أو جزء منه، أن يُكرّم ويُشكر على ثباته بدعم القضية الفلسطينية في ظل الموجات الهائجة التي تشهدها الدولة العربية بسعي حكوماتها المطبّعة حيث رفضت الأغلبية العربية المتواجدة على أرض الدوحة الحديث مع الإعلام الصهيوني، بل ذمّته وأخذت بالمناداة باسم فلسطين ونكران وجود ما يُسمّى بدولة “إسرائيل”.
وعليه، وفي ظلّ ظهور أشكال جديدة ومتتالية للتطبيع، لا بُدّ من التنويه والتشديد على فكرة عدم حصر التطبيع بالسياسة والعسكر والاقتصاد والدبلوماسية، فكما نعتبر الكلمة أداة ووسيلة للتطبيع، كذلك هي حلبة المصارعة وكرة القدم، وسيلة غير ظاهرة المخالب والسلاح تنتهجها الدول العربية أخيرًا لتبسيط فكرة التطبيع مع الصهاينة تحت مُسمّى “السلام الرياضي”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.