إيران للأميركيين: الجموا اندفاعة “إسرائيل” وإلا ستشتعل المنطقة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تزامنًا مع انخفاض منسوب التفاؤل بخصوص مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وما يعنيه ذلك من مواصلة طهران رفع سقف التحدي من خلال مواصلة تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى مما نص عليه الاتفاق، واقترابها أكثر فأكثر من “العتبة النووية”، يقف صنّاع القرار في “إسرائيل” أمام واقع معقّد، لطالما فرضته الحالة الإيرانية، وهو واقع، بالنسبة لها، لا يمكن التعامل معه إلا ضمن نطاق خيارات تتراوح بين ما هو “سيئ”، وما هو “أسوأ”.

من هنا، بدأت “إسرائيل” الحديث عن “استراتيجية الأخطبوط”، وهي كناية عن سعي الأخيرة لفرض قواعد اشتباك جديدة تطال العمق الإيراني بشكل مباشر، إضافة إلى تكثيف استهداف ما تسمّيه تل أبيب “أذرع إيران” في المنطقة.

أما “الجمهورية الإسلامية”، فهي بدورها دشنت ما أسمته “استراتيجية خيوط العنكبوت” في مواجهة المشروع المعادي لها.

المواجهة الإيرانية “الإسرائيلية” دخلت مرحلة جديدة
ففي خضم تصاعد حدة المواجهة الإيرانية “الإسرائيلية”، يُلاحظ أن ما كان يوصف بـ “الحرب الخفية” بين الجانبين، تحوّلت إلى مسارات أكثر علنية، وأقل ضبابية خلال الأشهر القليلة الماضية، مع انتقال الجانب الإيراني إلى ردود ميدانية “أكثر جرأة” ضد “إسرائيل”، ومن خلفها الولايات المتحدة، ضمن ما يُعرف بـ “استراتيجية الهجوم المباغت”. وقد تواترت تلك الردود على المحور الأميركي- “الإسرائيلي” في أكثر من نطاق جغرافي على مساحة الإقليم، لا سيما في العراق وسوريا، وذلك من دون أن تستثني “الفضاء السيبراني”.

وفي ضوء اتساع نشاط العمل الأمني “الإسرائيلي” داخل إيران، من خلال تنفيذ اغتيالات لشخصيات علمية وعسكرية، بموازاة تشديد عمليات التخريب “السيبرانية” ضد منشآتها النووية، شرعت الأخيرة في تطوير ردودها الأمنية والعسكرية و”السيبرانية” الخاصة، بدافع النظرية المعروفة بـ “توازن التهديد” مع العدو.

وتتواتر التقارير الغربية التي تتحدث عن هجمات تعرضت لها المصالح “الإسرائيلية” في الخارج، بقيت طي الكتمان على المستوى الرسمي، من ضمنها هجمات طالت أفرادًا “إسرائيليين” في تركيا. أما على جبهة “السايبر”، فقد تم اختراق مواقع إلكترونية رسمية “إسرائيلية”، في أكثر من مناسبة، على غرار هجوم آذار/ مارس الماضي ضد مواقع العديد من الوزارات، وهو هجوم وصفه مصدر “إسرائيلي” في قطاع صناعة الدفاع بـ “أكبر هجوم إلكتروني على الإطلاق” تتعرض له “إسرائيل”، وقد اتُّهمت وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية بالوقوف وراء الهجوم.

وتشير دراسات غربية، حول السلوك الاستراتيجي الإيراني خلال العقد الأخير، إلى أن طهران تبدو أكثر ميلًا للتخلّي عن تحفظها السياسي والعسكري، حين تستشعر وجود تهديد حقيقي لها، لتنحو في اتجاه تبني استراتيجية “حافة الهاوية” بغية إقناع الطرف الآخر بكلفة المواجهة معها، وانتزاع المزيد من التنازلات منه.

ومع أن “الجمهورية الإسلامية” لم توفّر دولة الاحتلال من موجة التصعيد في وجه المحور المعادي لها، وإن ارتفع دخانها غالبًا بصورة متوارية خلف “حرب الظلال” بين الطرفين، إلا أن بوصلة التحرّك الميداني لإيران باتت تتجه إلى توسيع دائرة استهدافها لتشمل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، “الشيطان الأكبر”، وفق الأدبيات السياسية لطهران. فإيران، تنطلق في تقديراتها لخلفيات التصعيد ضدها وضد حلفائها من الجانب “الإسرائيلي” على أنه ضوء أخضر أميركي متاح لها للعمل بحرية قبل تبلور موقف إدارة الرئيس جو بايدن من العودة إلى اتفاق فيينا.

سوريا وحلفاؤها يردون على الاعتداءات: “أميركا الشيطان الأكبر”
ويتقاطع ما سبق كله، مع مؤشرات ميدانية ملموسة باتت تضع مستقبل الوجود العسكري الأميركي في سوريا، والمقدر بنحو 900 جندي، على المحك، وعرضة للمزيد من الهجمات الانتقامية مستقبلًا، على وقع تناغم تركي أكبر مع الموقفين الروسي والإيراني حيال الأزمة السورية لاحت بشائره مؤخرًا. وانطلاقًا من ذلك، من المتوقع أن يصبح هؤلاء الجنود “هدفًا محتملًا مفضلًا” لطهران، التي تحدوها الرغبة أحيانًا في تصفية الحسابات بطريقة مباشرة مع واشنطن، أو بطريقة غير مباشرة، أحيانًا أخرى، عبر إلحاق الضرر بحليفتها الوثيقة، “إسرائيل”.

ويُعد الهجوم على قاعدة “التنف”، الواقعة جنوب سوريا، في الخامس عشر من آب/ أغسطس، الثاني من نوعه، منذ تشرين الأول/ نوفمبر من العام الماضي. كما يُنظر إلى الاستهدافات المتكررة لقاعدة “حقل العمر” الأميركية شرقي سوريا، والتي كان آخرها أواسط شهر أيلول/ سبتمبر الجاري، على أنها التطور الأحدث في سلسلة المواجهات العسكرية بين كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، من جهة، وإيران وحلفائها من جهة ثانية.

وفي محاولتها الوقوف على الحدث، ترى صحيفة “نيويورك تايمز” أنه يأتي في سياق تصاعد “حرب الظل” بين تل أبيب، وطهران، معتبرة أن الهجوم يعطي مؤشرات بشأن المخاطر الجديدة التي باتت ترتبها تلك الحرب على القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، في ظل تحوّل الساحة السورية إلى أرض خصبة لنشوء “حروب الوكالة” بين عدد من الفاعلين الإقليميين والدوليين، من بينهم روسيا، وتركيا، ودول عربية.

وفي هذا السياق، يرى مصدر عسكري أميركي رفيع أن الضربات المتلاحقة والمتواصلة خلال الأسابيع الأخيرة ضد القواعد العسكرية التابعة لبلاده في سوريا والعراق تُعد “أكثر تعقيدًا” من هجمات تعرضت لها بين عامي 2020 و2021، معتبرًا أنها ربما تنطوي على محاولة من قبل إيران للانتقام من هجمات “إسرائيلية” ضدها، سواء في الداخل، أو في الخارج، بخاصة في سوريا.

هذا، وتجزم مصادر استخبارية “إسرائيلية” بأن الغارة على التنف، ومن بعدها ضرب قاعدة “حقل العمر”، جاءت انتقامًا من الضربات “الإسرائيلية” الأخيرة على القوات الإيرانية في سوريا. هناك، على وجه التحديد، كثّف سلاح الجو “الإسرائيلي” مؤخرًا من هجماته ضد أهداف إيرانية مزعومة، على غرار الهجوم على مطار حلب، وقبلها في دمشق وطرطوس، وما أُشيع عن أنباء اغتيال مسؤول سوري رفيع كان مولجًا بملف إعداد بنية تحتية عسكرية على مقربة من هضبة الجولان المحتلة، ليبلغ العدد الإجمالي لهجمات الجيش “الإسرائيلي” أكثر من 400 منذ العام 2013.

وفي السياق عينه، لا يخفِ المصدر جدية التهديد الإيراني، على خلفية نجاح طهران في تطوير وتصنيع مسيّرات ذات قدرات هجومية أكثر تطورًا، ومديات أبعد، وإدخالها مسرح العمليات ضد القوات الأميركية، مؤكدًا أن فصائل مدعومة من إيران، استخدمتها في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، في هجمات نفّذتها للمرة الأولى على قاعدة التنف. وبحسب “القيادة المركزية الأميركية”، فإن المسيّرتين المستخدمتين في الهجوم الأخير على القاعدة الواقعة على مقربة من الحدود السورية الأردنية، هما من نوع” KAS-04″، وهي التسمية الأميركية المعتمدة للطائرات المسيرة ذات الرؤوس الحربية المتفجرة الإيرانية الصنع من طراز “صمّاد”.

ويضيف المصدر أن الإيرانيين لا يميلون إلى توجيه ضربات مباشرة حاليًا إلى “إسرائيل”، حتى يتجنبوا إعطاء “إسرائيل” فرصة تعكير صفو المحادثات بشأن إحياء “اتفاق فيينا النووي”، لافتًا إلى أن طهران أكثر ميلًا لتبني خيار ضرب القواعد العسكرية الأميركية بهدف الضغط على واشنطن، لدفعها إلى لجم الاندفاعة “الإسرائيلية” ضدها. وبحسب مسؤول أميركي رفيع، فإن إيران، ورغم حرصها على تجنب الاشتباك مع الاميركيين، إلا أنها قرّرت المخاطرة إلى حد بعيد عبر ضرب قاعدة التنف.

وفي هذا الصدد، توضح مصادر عسكرية متابعة للوضع في الجنوب السوري، أن تركيز إيران على تعزيز دورها على الساحة السورية ليشمل منطقة التنف، يندرج ضمن محاولاتها لزعزعة استقرار الحضور العسكري الأميركي هناك، سياسيًا وعسكريًا، من ناحية، وانطلاقًا من سياسة إقليمية أوسع تتبناها “الجمهورية الإسلامية”، بهدف الإبقاء على حالة التهديد للكيان “الإسرائيلي”، من ناحية ثانية، وذلك من خلال حضور حلفاء طهران على حدود فلسطين المحتلة مع عدد من بلدان “الطوق”، لا سيما سوريا ولبنان. ولشرح هذه الفكرة، يرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني غيث قريشي، أن “الورقة الرابحة لدى إيران حاليًا، تتمثل في أنها باتت على مقربة من “إسرائيل” من خلال حضورها العسكري في سوريا”، لا سيما في بعض مناطق الشرق وفي محيط العاصمة دمشق، لافتًا إلى حجم البنية التحتية العسكرية الكبيرة التي أنشأتها إيران هناك.

وفي التفاصيل، تشير تقارير غربية، إلى اجتماع عقد قبل نحو عام من أجل التنسيق بين قوى حليفة لحكومة الرئيس بشار الأسد، من ضمنها “حزب الله” اللبناني، وفصائل عسكرية عراقية، بهدف التباحث في سبل التصدي للاعتداءات “الإسرائيلية” المتكررة على سوريا. وبدافع القلق من التداعيات الإنسانية والاقتصادية لـ “حرب شاملة” مباشرة مع “إسرائيل”، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تضرب البلاد، اتفق المجتمعون على أن يكون الرد على غارات “الوكيل الإسرائيلي”، من خلال ضرب القواعد العسكرية التابعة لـ “الأصيل الأميركي” في مشروع العدوان على سوريا. وبحسب المصادر، فقد تم الاتفاق على تركيز الضربات على القواعد الأميركية المنتشرة شرقي وجنوبي سوريا.

ومع شن الجيش الأميركي غارات على منطقة الحدود السورية- العراقية تحت ذرائع متصلة بـ “ردع إيران”، كشفت مصادر دبلوماسية غربية، أن الأميركيين بعثوا برسائل إلى إيران، من خلال بعض القنوات الخاصة، مفادها أنهم لا يحاولون تصعيد الأعمال العدائية ضدها. واعتبرت المصادر أن الهدف الأكبر لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هو خفض التوترات مع إيران، وحلفائها الإقليميين، خصوصًا في العراق وسوريا، والبحث عن طرق دبلوماسية لتسوية الخلافات مع طهران. وتلفت المصادر عينها، إلى أن الغارات الأميركية ضد مواقع مزعومة تابعة لإيران، ليست سوى محاولة من إدارة الرئيس جو بايدن لاسترضاء منتقدي الاتفاق النووي داخل الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي” على حد سواء، وإثبات أنها ستحافظ على موقفها المتشدد حيال نفوذ إيران الإقليمي، حتى في حال تم التوصل إلى اتفاق نووي معها.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد