الحرب النفسية في خطاب السيد نصر الله (2/2)

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لطالما استخدم سماحة السيد جملًا إنشائية استهزأ من خلالها بالعدوّ، وأظهر بذلك ضعف عدوّه، وعدم قدرته على إدارة المعركة والتفوّق فيها. على سبيل المثال نأخذ هذه الجملة من خطاب له توجّه به إلى العدوّ «إن هذه الدولة -“إسرائيل”- عاجزة عن أن تعرف شيئًا عن مصير جنودها الثلاثة هل هم أحياء؟ هل هم أموات؟ هل هم جرحى؟». وهنا سماحة السيد بهذه الأسئلة الاستفهامية القصيرة يُحدث حالة ذُعر للمجتمع الإسرائيلي الذي بات واثقًا بكلام «نصر الله» أكثر مما يثق بتقارير قيادته وإعلامه.

المجتمع الإسرائيلي منذ تسلّم سماحة السيد الأمانة العامة لحزب الله وهو يعيش حالة خوف يثيرها هذا الرجل في كل خطاب يتوجّه فيه لـ”إسرائيل” حكومةً وشعبًا؛ ففي أحد خطابات سماحته توجّه إلى المستوطنين بعدما علم أنّهم نزلوا إلى الملاجئ لدى اعتداء جيشهم على السيادة اللبنانية قائلًا: «حسنًا فعل المستوطنون الإسرائيليون الصهاينة أنّهم نزلوا إلى الملاجئ. وأنا أنصحهم أن يبقوا هذه الأيام في الملاجئ». وهذا الكلام في الوعي الإسرائيلي الذي خرقه سماحة السيد يمثّل تهديدًا هم يعلمون أنه صادق وجدّي خاصة وأنّ ملامح السيد الجدية في الخطاب وتقاسيم وجهه المهيب تثقل الجدية في كلامه. بعد هذه الكلمة لسماحة السيد عرضت القناة الثانية الإسرائيلية مشاهد تُظهر مستوطنًا إسرائيليًّا يقول: «إذا قال نصر الله ادخلوا إلى الملاجئ حينها سنضطر إلى دخولها».

وعن مشاهد كهذه يصرّح أحد علماء النفس في الكيان قائلًا «تعامل المجتمع الإسرائيلي مع عدّة حروب قادها عدّة أشخاص من قبيل “عبد الناصر” و”السادات”، ولكن كان يتعامل معهم على أساس أنّهم زعماء دول يصنع الحرب معهم كما يمكن أن يصنع السلام معهم، ولكن لم يتحولوا إلى هاجس! بينما هذا الأمر حصل مع «حسن نصر الله» الذي نجح في الدخول إلى المخاوف الإسرائيلية والحالة النفسية للإسرائيلي.

ولذلك نرى المجتمع الإسرائيلي في حرب تموز خصوصًا بات يخوض حرب ثأر مع سماحة السيد، ويتّضح ذلك من التصريحات الشعبية التي توجّه حقدها إلى سماحته. وهذا أمرٌ طبيعيّ إذ إنّ سماحة السيد دخل إلى عمق عقل الإسرائيلي وأحدث فيه نوبات قلق وخوف شديدين.

في “إسرائيل” اليوم بات السيد يُعرف “بأبي الحرب النفسية”، فهم يرون أنّ تأثير كلامه يحدث أثره في مجتمع المقاومة إيجابًا، وفي مجتمعهم سلبًا نظرًا للتأثير الكبير والعميق لكلماته المبنية على رؤى واضحة وثابتة ونظرًا لشخصيته القوية والفريدة والثقة العالية التي يتمتع بها.

فاليوم كما أنّ المجتمع المقاوم ينتظر خطاب السيد، هناك في العمق الإسرائيلي أناس ينتظرون ليأخذوا التعليمات من هذا الرجل، ليعرفوا وضعيتهم المقبلة التي يحدّدها لهم سماحته، لأنّهم يعرفون أنّ السيد هو من ذوي الصدق وإذا هدد ووعد لا محال سينفّذ. وترجّح صحيفة معاريف نجاح العملية الإعلامية لسماحته في تموز 2006 إلى «إستراتيجية الصدق» التي يعتمدها، في الوقت الذي يعاني المستوطن الإسرائيلي فيه من كذب قادته وإخفائهم للحقائق.

ومن هنا نتجت إشكالية طُرحت بعد حرب تموز مباشرة وهي: كيف يمكن أن يعتمد الجمهور الإسرائيلي على خطاب يصنعه زعيم التنظيم الذي يعاديه؟ وهذه الإشكالية توضّح مدى فرادة شخصية الأمين العام لحزب الله الذي استطاع إحداث فجوة من الضياع لدى هذا المجتمع، فـ”إسرائيل” فضلًا عن كونها فشلت في مواجهة هذا الخطاب المركّز، لم تنجح في تهدئة جمهورها والحد من ارتباكه.

عملية “كي الوعي” أتقنها جيدًا سماحة السيد كما هو واضح، لعلمه بالمجتمع الإسرائيلي وقراءته ما بين سطور هذا المجتمع، ولهذا استطاع النفوذ إليه من خلال الثغرات التي تنخر جسد هذا المجتمع.

وكانت قد كشفت قناة “كان” العبرية منذ مدّة عن أنّ سماحة السيد يخوض حربًا باردة ضد الكيان المؤقّت. فهو القائد الذي سحر قادة العدوّ وألهم بعضًا آخر وأدار العملية الإعلامية بمنتهى الذكاء والحرفة، وهذا ما جعل السيد في تحليلات العدوّ مسؤولًا وحده عن نصف نتائج المعركة التي هُزمت فيها “إسرائيل” عام 2006.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد