العلّامة السيد جعفر مرتضى وجهاد التبيين

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

الذكرى السنوية الثالثة لرحيل العلامة المحقق آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي فرصةٌ مهمةٌ لتكريم مقامه العلمي الرفيع ولتسليط الضوء على دوره الفعّال في ساحة جهاد التبيين. وهذا هو الجانب المهم في شخصيته الذي أشار إليه سماحة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في بيان التعزية برحيل العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى (رضوان الله عليه)، حيث يقول سماحته: «لقد قدّم هذا العالم الجليل بمؤلفاته الوازنة والهائلة والبحثية في تاريخ صدر الإسلام والتي تتمتّع بصياغة بليغة وقلم قوي خدمةً عظيمة للعالم الإسلامي ولبّى بذلك حاجةً ثقافيةً مهمّةً». انتهى الاقتباس.

تلبية الحاجات الفكرية والثقافية الملحّة بناءً على الفهم الدقيق للواقع الثقافي المعاصر وتشخيص الأولويات الرئيسية في الساحة العلمية والفكرية تُعتبر من الأصول الأساسية في معركة جهاد التبيين الذي هو فريضة حتمية وفورية على الجميع، وفي مقدّمة الجميع، الحوزات العلمية الدينية والعلماء والمبلّغين. وكان المرحوم آية الله السيد جعفر مرتضى معروفًا ببصيرته العميقة ومعرفته الدقيقة للحاجات ومبادرته السريعة لتلبية الحاجات والتصدي للشبهات والانحرافات الفكرية.

جهاد التبيين يعني أنه يجب علينا أن نوضّح للناس قواعد الفكر الإسلامي والرؤية الكونية الإسلامية الشاملة والخطوط الرئيسية للثورة الإسلامية المستندة إلى هذه القواعد والأسس الفكرية. وعلى الحوزات العلمية أن توفّر في نفسها هذه القابليات والاستعدادات للمواجهة والتصدي لهذا السيل الجارف من العداوة تجاه إيمان الناس ومعتقداتهم. كما أن التعرف على التيارات الفكرية المعاصرة في العالم يُعتبر من الأمور المهمة التي يجب على الحوزات العلمية وعلماء الدين أن يلتفتوا إليها، لأن الهدف من التبليغ والتبيين قد لا يتحقق من دون هذه المعرفة.

كان آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي نموذجًا عاليًا وأسوةً بارزةً من العالم الرسالي الذي لا يكتفي بالدرس والتدريس المرسوم والمتداول في الحوزات فحسب، وإنما يأخذ على عاتقه مسؤولية التبيين ويحمل معه همّ المجتمع والارتقاء به إلى مستويات أرفع من العلم والمعرفة، وهو -رحمه الله- كان ثابتًا على هذا الدرب حتى آخر لحظات حياته الشريفة.

أستذكر أنني التقيت بسماحته وتشرّفت بزيارته للمرة الأخيرة في هذا البيت الكريم في عيتا الجبل قبل أشهر من رحيله، وكان وضعه الصحي صعبًا جدًا، وكان الطبيب يُصرّ عليه بأن يستريح أكثر ويخفّف من الجلسات واللقاءات والحديث مع الناس، لكنّه -رحمه الله- استقبلني بحرارة وعاطفة ورحابة صدر. كان ذلك اليوم يوم المباهلة في التقويم الهجري، فبعد أن تحدثنا حول بعض المواضيع المتعلقة بالعمل، خطر ببالي سؤال علمي مرتبط بموضوع المباهلة والآية الكريمة التي تتحدث عن هذا الموضوع. لم أكن أتصوّر أن سؤالًا قصيرًا لطالبٍ صغير مثلي سيكون مهمًّا جدًا لعالم كبير مثله لدرجة أن يُتعب نفسه -وهو في حالة صحية حرجة- ويتحدّث حوالي ساعة كاملة حول الموضوع وفروعه العلمية بدقة جيدة وحرارة عالية وسعة صدر وشوق وشغف علمي عجيب. وهكذا لقد بقيت هذه الذكرى المؤثرة وهذا الدرس العملي الكبير في صميم قلبي وعقلي. هذا هو العالم الإسلامي النموذجي الذي نفتخر ونعتز به. وإنّ اتصافه بهذه المزايا التي استعرضناها كان سببًا وعاملًا أساسيًا في متانة العلاقة المميزة التي ربطت المرحوم العلامة المحقق بالإمام الخامنئي.

(من كلمة المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان في الذكرى السنوية الثالثة لرحيل العلامة المحقق آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي)

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد