لم يتوقف سيل التصريحات الإيجابية وبث الأجواء التفاؤلية حيال ملف الترسيم البحري بين لبنان والكيان المؤقت، منذ أسابيع ولغاية اليوم. وكلما اقتربنا من موعد اللحظة المفترضة التي ستشهد التوقيع يرتفع مستوى التفاؤل لدى المسؤولين المعنيين في الملف محليًا، أميركيًا ولدى الكيان.
لكن ما يستدعي الحذر والتنبه هو ما يسعى الوسيط المفترض لتحقيقه من خلال الدبلوماسية المنافقة التي تعودنا عليها مع الجانب الأميركي، وهي تحقيق أقصى مطالب الكيان مع إعطاء لبنان شكليًا ما يعطيه مظهرًا من مظاهر الانتصار بالشكل لا بالمضمون.
فبحسب المعطيات فإن الترسيم “المفترض” سيتيح للكيان اتمام عمليات ضخ الغاز من منصة كاريش وهي التي استكمل فيها كل المراحل التقنية اللازمة، مقابل حصول لبنان على وعد بالمباشرة بالتنقيب من شركة توتال الفرنسية في الحقول الخالصة للبنان.
تبقى نقاط عالقة تتعلق بالطفافات البحرية التي اشترط العدو ان تكون خطًا بحريًا يعطي الكيان جزءًا من البلوك رقم 9 وذلك لدواعٍ أمنية بحسب الجانب “الاسرائيلي”.
السؤال الأبرز هنا يكمن في أمرين، الأول يتعلق بالوقت الذي ستستغرقه عملية التنقيب التي ستتولاها شركة توتال حصرًا، مع الأخذ بعين الاعتبار ارتباطات الشركة ومصالحها، ومن هي الجهة الضامنة لاستكمال التنقيب كمرحلة أولى ومن ثم الاستخراج والتصدير؟
الأمر الثاني، هو ضمان عدم إعتداء الكيان على الثروات البحرية في المياه الخالصة اللبنانية لاحقًا في حال تم التوقيع، ومن هي المرجعية الضامنة والمحايدة للبت بالنزاع المحتمل مستقبلًا؟ وهل سيشترط الوفد اللبناني المكلف حصول ضمانات حقيقية وجدية لضمان حقوق لبنان واستمرار عمليات التنقيب والاستخراج؟
كما أن للسياسة هنا تأثيرًا بالغ الأهمية لا يمكن إغفاله؛ هل باتت الولايات المتحدة الأميركية -وهي القوة الأكبر والأكثر تأثيرًا في العالم على مكامن الطاقة وطرق إمدادها- فعلًا على قناعة بالسماح للبنان الدولة الضعيفة منقوصة السيادة بفعل التدخلات الأميريكة، أن يصبح دولة نفطية بما تعنيه الكلمة من نتائج وأبعاد؟ ما يعني أن يصبح لبنان دولة ذات قدرات مالية ضخمة وقرار سيادي وسياسي حر بعيدًا عن التدخل والتوجيه، أم أن التطورات في العالم والمنطقة ألزمت الجانب الأميركي بالتعامل بشكل مختلف مع الملفات الشائكة ومنها لبنان مداراة لمصالح حلفائها؟
أمام هذا المشهد يجب أن يبقى أمام أعين اللبنانيين حكومةً وشعبًا أن الأميركيين لم يفاوضوا أحدًا قط في هذا العالم، بل تستخدم الولايات المتحدة أسلوب النفاق السياسي والدبلوماسي ولطالما تنصلت من تعهداتها أمام دول كبرى، فكيف الحال أمام الدول التي لا تملك حولًا ولا قوة؟
أمام كل ما تقدم وبناءً على التجربة والفعل لا يؤخذ الحق إلا بالقوة، تبقى معادلة القوة والردع التي تبنيها المقاومة في لبنان المعيار الأوحد والسبيل الأنجع لتحصيل الحقوق وضمان استمرارها وردع الطامعين والأعداء.
الأيام المقبلة ستحمل معها شكل المستقبل القريب في لبنان والمنطقة، مع الإشارة الى ان الحسم بين أبيض وأسود لا زال بعيدًا وربما تطول الرمادية برهةً من الزمن لحين نضوج اللحظة والظرف المؤاتيين لقول الكلمة الفصل.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.