مقاومة الفطرة السليمة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مضر الشيخ إبراهيم – خاص الناشر |

لا لوم على من لا يعلم مَن هو الإمام الحسين وماهية ثورته وملحمته. وكيف نلوم الملكيات الإسلامية المتعاقبة، وصولًا إلى بني عثمان، حاربت ملحمته وواجهت أنصاره وجزرت بسلالته؟!

اليوم لا يسعني إلا أن أقول: إن الحسينيين كثيرون، ومواجهي الظلم أكثر، ولا يهمنا أن يكونوا شيعةً أو سنة، يساريين أم شيوعيين أم قوميين؛ إنما هم في أمتنا عرب وأحرار يأبون الضيم، وينتمون إلى الكرامة والدفاع عن الحقوق، ويسبحون في فلك مقاومة الطغيان، ومنهم لا على سبيل الحصر شاب لبناني اسمه شربل أبو ضاهر.

إن السياق التاريخي لمعركة الفضيلة والرذيلة تأخذ، في كل حقبةٍ، لباسًا جديدًا، ولكن الجوهر واحد.

اليوم، ومنذ الربيع العربي المشؤوم، منذ عقد أو أكثر، ظهر مجددًا زرع ملحمة كربلاء وأينعت ثمارها، بلباس مقاومة الفطرة السليمة، تجردًا عن المسميات الدينية والهويات الفكرية؛ فقد وقف رجالات المحور بعزم كربلائي وروح حسينية دفاعًا عن الأرض والعرض في وجه قطعان التكفيريين، وفي وجه من حلل حرام الإسلام، وحرم حلاله، ربطًا بفتاوى وعّاظ السلاطين الذين قدموا لأولياء نعمهم ما أرادوا، وكان هؤلاء الذين احتالوا باسم الدين أشبه بخياط يحيك فتاواه وفق رغبة السلاطين.

ومن واجه أشواك وسموم رياح هؤلاء الذين كُنّوا بأسماء قراهم، وأطلقوا لحاهم، وفتكوا بالناس رعبًا وقتلًا وسفكًا للدماء بدعم من العدو الإسرائيلي وزخمه الذي يُعدُّ هو الرأس، وهؤلاء التكفيرون أدوات رخيصة بيد الأمريكي والصهيوني من حيث يعلمون أو لا يعلمون.

وكان المحور برجاله كالورود وجوهًا وروحًا ومسؤوليةً، دفعوا الموت عن مجتمعهم دون تمييز بشكل أو لون، وهذا بعزم من زنود رجالٍ من مختلف التشكيلات العسكرية لمحور دمشق وطهران ولبنان والعراق وشرفاء العرب.

وكانوا في المواجهة المباشرة لهذه الكائنات التي تفتك بكل من لا يشبهها، وبعد معارك وسجال لم تنتهِ، ولن تنتهي إلا بنصر الحاسم وبزوال “إسرائيل” الذي هو أقرب من أي وقت مضى.

وانتصرت مقاومة الفطرة السليمة على هؤلاء الوحوش أشباه حرملة وبني جوشن وبقية المجرمين بوحدتهم وأطماعهم وجرأتهم على ما حرم الله.

وبعيدًا عن التقديس -ولست من دعاته- إن للمسلمين عمومًا مواسمَ تعيدهم إلى دينهم وسلوكهم، وتبث فيهم الروح اللازمة لمقارعة الطغاة، وإن موسم عاشوراء ومجالس العزاء والأدبيات التي تشحذ الهمم هو أمر ذو أهمية عظمى، ويبنى عليه –كما في ساحات لبنان والعراق وإيران وحتى سورية، وفي كل تلك البقاع–الانتصار على المشروع الأمريكي، ولا شيء إلا بالروح الفدائية مع الأخذ بالأسباب المادية.

ومجددًا، لا بد من منع أي تشويه أو اختلاق ممارسات تعمل على إخفاق تقديم هكذا ملحمة إنسانية خالدة نادرة لا تتكرر، فحفظها العشاق بين الرمش والعين مع تعاقب العصور لتكون دفاعًا عن كل ذي حق، بمواجهة الطغيان والظلام. وإن الوفاء ونصرة الأرض والعرض والحقوق وصونها هي جوهر الحياة وما دون ذلك الحتوف.

ولا يهم الاختلاف في شعائر العزاء ومراسيمه وكيفية إقامته، لهذا الثائر العظيم ضد الظلم، فالأهم فهمُ حركته، والسير على النهج ذاته، والحسين بن علي إشعاعٌ ملحمي وجداني وواقعي أوسع من المسميات الضيقة، ولا يوجد إنسان ذو كرامة ولا بشري حقيقي لا يتأثر إيجابًا بسيرة هذا الرجل العظيم، وهذا لا يشمل الهمج الرعاع، ولا من كان همه قوت يومه ومأكله، أو بعض المبغضين فطرةً، وعشاق السلاطين، ومن وقف إلى جانبهم أو كان على التل، وأصحاب معادلات الأرباح الضيقة، ولا المعاندين لحركة التاريخ.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد