أربعونَ بُعدًا وبُعدًا

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

يقول البعض إن حزب الله كحالة شعبية مقاومة منذ انطلاقتها تعتبر شكلًا فريدًا من نماذج الحركات المقاومة التي نشأت في منطقتنا العربية بعد احتلال فلسطين وإعلان قيام الدولة اليهودية عام 1948. ولعل ما يستند إليه هؤلاء هو أن هذا الحزب استطاع أن يؤمن استمرارًا ونموًّا زاخرًا على مدى أكثر من أربعين عامًا مرورًا بكل المراحل المفصلية التي كان من شأنها أن تظهر تحولات كبرى على شكل ومضمون العمل المقاوم بشقيه السياسي والعسكري.

لا يتسع المقام لذكر كل المراحل التاريخية التي جعلت من هذه المقاومة قوة كبرى، ابتداءً من إرهاصات التشكل عام 1982 والإعلان الرسمي عن الحالة الأخيرة لتلك الثلة المجاهدة، مرورًا بمسار التحرير الكبير عام 2000 وما سبقه من معارك مع الكيان المؤقت وتفاهمات برعاية دولية كان لها الأثر الكبير في الإعلان بشكل واسع عن تشكل قوة مواجهة كبرى لمشروع “إسرائيل” في المنطقة، ونقصد بذلك تفاهم نيسان، الأول من نوعه بين الكيان ومقاومة شعبية.

ولعل أبرز تلك المفاصل كان بنتائج عدوان تموز على لبنان 2006 والذي نعيش ذكراه اليوم، المرحلة التي استطاع من خلالها حزب الله إعلان قوته العسكرية المؤثرة بالفعل لا بالقول، وهذا ما أكدته لجان التحقيق الصهيونية التي جاءت لتبحث سبب الإخفاق في الحرب. معادلة تموز – آب 2006 استمرت مفاعليها الى يومنا هذا مع زيادة في الردع وتكريس معادلات أخرى تمكن الحزب من خوض معركة إثباتها في سوريا ولبنان على حد سواء، حتى أصبح العدو يتجنب المساس بعناصر الحزب ومنشآته ومراكزه التزامًا منه بمعادلات الردع والقوة التي ثُبتت من خلال جولات كثيرة من المواجهة المحدودة خلال ستة عشر عامًا.

ما ذكر لا يعدو كونه لمحة سريعة تشير الى استفادة المقاومة من تراكم القوة والردع لبناء معادلة كبرى تمكنها من تجيير هذه القوة نحو المعادلات الأكبر. أبرز تلك المعادلات التي من شأنها الأخذ بلبنان بما حمل نحو خيارين لا ثالث لهما هي معادلة الغاز بالغاز.

لم يكن ليخطر على بال أحد من اللبنانيين وغيرهم، أنه يمكن لهذا البلد المشرذم والضعيف والخاضع بطبقته السياسية وسياسته المالية للرغبات الأميركية بشكل شبه كامل، أن يصبح يومًا بمصاف الدول ذات السيادة الحقيقية والتي تمتلك قرارها السياسي والسيادي دون تدخل أو تحكم من قبل الأميركيين ومن دار في فلكهم. لكن كيف ذلك؟

يخوض الحزب اليوم الى جانب استنفاره على جبهة كسر الحصار الاقتصادي، معركة تحقيق السيادة الكاملة من خلال انتزاع حق لبنان في نفطه وغازه. وهذا ما يعتبر مفارقة كبرى إذ لم يسبق لأي فئة سياسية لبنانية أن سخرت قوتها لتحقيق مكاسب على مستوى الوطن لا الطائفة أو المنطقة.
هذا النموذج الجديد الذي يعمل الحزب على تكريسه وتحقيق إنجازات من خلاله يعتبر صفحة جديدة من صفحات تاريخ هذا الوطن المليء بالغدر والنفاق السياسي.

بعد أربعين عامًا على انطلاقة هذا الحزب ومرورًا بكل ما سلف ذكره من مراحل وتطورات كان لها الأثر البالغ في صقل هذه التجربة الفريدة، يخوض اليوم هذا الحزب معركة لم يسبق له ولأحد في لبنان أن خاض معركة شبيهة بها. معركةٌ تكرس حق لبنان في الاستفادة ثرواته بالقوة لا من خلال التفاهمات والمفاوضات التي لطالما كانت سببًا مباشرًا في هدر حقوق الشعوب وتكريس الخضوع والذل أمام قوى الاستكبار.

هذا النموذج الجديد سيرسم معالم المواجهة الأخيرة مع قوى الاستكبار في العالم والتي من شأنها تعزيز فكرة أن الإرادة المقرونة بالعمل والإيمان على قلة ناصرها وندرة إمكاناتها قادرة على تحقيق آمال الشعوب وتطلعاتها بفعل القوة لا المهادنة، فكما كانت الحركة العسكرية المقاومة السبب الرئيس في تحقيق النصر العسكري بالتحرير والردع، سيكون نفس هذا النموذج السبب الرئيس في تحقيق القوة الاقتصادية.

المقاومة تعمل على تسييل كل منجزاتها على مدار الأعوام الأربعين من أجل ضمان خروج لبنان من تحت العقال الأميركي، وما دون هذا يعتبر تفصيلًا أمام المشهد الكبير، لبنان دولة نفطية ذات سيادة حقيقية، وإما ما لا يحمد العدو عقباه ولا يتمناه.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد