تحت اسم تغييريين، مستقلين، سياديين،. يصل البعض الى السلطة بأجندة خارجية كما تجري العادة، حيث إنه لم يعد خافيًا على أحد كيف تعمل هذه القوى في العديد من الدول، والتي كان لنا نصيب من تجربتها في لبنان وتحديدًا بعد ١٧ تشرين ٢٠١٩.
لم تكن المنظمات غير الحكومية (ngo) جديدة في لبنان، هذه المنظمات التي تحمل عناوين تنموية ثقافية بعيدة عن السياسة في الظاهر وتُمهِّد لأهداف سياسية في العمق لحظة نضوجها التي كانت في لبنان يوم ١٧ تشرين وما تبعه من أحداث نعيش تداعياتها حتى اللحظة. يومها ظهر مصطلح أكثر وضوحًا ومباشرًا، ألا وهو مجموعات المجتمع المدني (csos) التي تظهر نشاطها السياسي بشكل علني. ويمكننا القول إنها نتاج عمل (ngo) لسنوات في الظل وحان وقت الخروج بها الى العلن. هذه الجمعيات لزّمها الأميركي بالدرجة الأولى للألماني ومن ثم البريطاني والفرنسي ومعها مجموعة من الأحزاب التقليدية بالإضافة لبعض الأحزاب التي ألزمت السعودية نفسها بها في لبنان لتحقيق أهدافها. ومن هنا يبدأ الانقسام.
هذا الانقسام يؤثر على الاداء في الاستحقاقات القريبة، لكن ماذا عن الهدف البعيد؟ مرجعية هؤلاء تعتبر بالتخطيط أن الهدف كان وصولهم الى البرلمان كمرحلة أولية وتأسيسية لانتخابات عام ٢٠٢٦ على الرغم من انتقادها لهم قبل الانتخابات ما انعكس مباشرة على ادائهم في الاستحقاقات التي مرّت وفشلوا في تحقيق أي شي يُذكر فيها، وحتى الاستحقاقات المنتظرة دورهم مُجمَّد فيها على ما يبدو ولن يكون لهم أي تأثير لا برئاسة الجمهورية ولا بالحكومة ولا بالحدث المفصلي والمنتظر الذي يتعلّق بحقوق لبنان النفطية، فكان من الواضح أن الضجة التي افتعلوها هي للمزايدة على المقاومة ورئيس الجمهورية لكن سرعان ما اكتشفوا أن هذا الحدث أكبر منهم بكثير، فحجّمتهم وعرّتهم المعادلة التي فرضتها المقاومة وأظهرت حجم تأثيرهم الحقيقي بالمعادلة وانعدام دورهم بهكذا قضايا مصيرية وأقصى ما يمكن فعله هو التشويش غير المسموع حتى.
حجمهم أظهره الأميركي أيضًا الذي يُعوِّل بدوره على الآلة العسكرية الصهيونية وإن كانت فقط للتهديد من ناحية ومن ناحية أخرى على إغراق البلد اقتصاديا أكثر وتوريطه.
لم تصل هذه القوى الى البرلمان بدعم خارجي فقط وإنما بدعم بعض القوى التقليدية لربما من أجل إقناع المجتمع الدولي بإعادة وضع أمواله في لبنان، لكن بنفس الوقت هم يراهنون أنهم سيصلون الى مكان وأول مَن سينقلب عليهم شارعهم، الذي تراجع بمجرد وصولهم الى السلطة وتراجع معه حضورهم الإعلامي.
وأيضًا بالأهداف البعيدة المدى، وبما أنها مرحلة تأسيسية حسبما يدّعون، ومن وحي الاسم “قوى التغيير” فأهدافهم ثقافية بالدرجة الأولى لذلك تحقيقها ليس آنيًّا، فلطالما مرجعيات هذه القوى كان هدفها ثقافيًّا أي بجعل غالبية الناس تقتنع بالأفكار الليبرالية خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة ومفاهيم الحرية الشخصية وغيرها. فالدعاية الإعلامية الضخمة ولّدت أغلبية إعلامية وهمية لكن هم يسعون لأغلبية واقعية وبشكل أدق تغيير هوية مجتمع، وهذا يتطلب وقتًا من وجهة نظرهم لتحقيقه.
أما عن دورهم داخل البرلمان فهو يندرج بنفس السياق من خلال مشاريع القوانين (فرض التصويت الإلكتروني ونقل جلسات اللجان مباشرة على الهواء) أي على الطريقة الأميركية. وهذا الهدف الأميركي الثابت أينما حلّوا.
ومن هذا المنطلق، نشهد حركتهم التي تتفعّل حينًا وتتجمَّد أحيانًا، تزيد ميزانيتهم حينًا وتتقلّص أحيانًا، يحضرون إعلاميًا بقوة حينًا ويختفون أحيانًا، هم جاهزون دومًا وتحت الطلب. وبعد كل ذلك وبرغمه يتحدثون ويُعطون دروسًا بالحرية والسيادة والاستقلال.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.