في أول خطاب له حول السياسة الخارجية، في شباط من العام 2021، شدّد الرئيس الأميركي جو بايدن على وقف دعم واشنطن لكافة العمليات الهجومية لقوات “التحالف السعودي” في اليمن، إلى جانب تجميد بيع بعض أنواع الأسلحة للرياض، كصواريخ جو – أرض، مشيرًا إلى أن حرب اليمن “يجب أن تنتهي”.
مقاربة بايدن للعلاقة مع الرياض
خلافًا لسلفه دونالد #ترامب ، الذي كان رئيسًا أميركيًا مفضلًا بالنسبة للسعوديين، توعّد الوافد الجديد إلى البيت الأبيض آنذاك بـ”جعل السعوديين يدفعون ثمن” أفعالهم، وبجعل دولتهم “دولة منبوذة”. واقع الأمر أن بايدن أغدق الوعود وخاطب مخيلة الكثيرين من ناخبيه الحالمين، بواقع جديد للعلاقات مع دولة ارتبطت في أذهان قطاع وازن من الاميركيين بمصطلحات “الإرهاب” والنفط، قبل أن يشرع في سياسة “رأب الصدع” مع السعودية، بهدف إنهاء الحرب في اليمن، وانتزاع مكاسب في أكثر من ملف، يأتي في طليعتها قرار سعودي ينشده بايدن يروي شيئًا من غليل السوق الأميركية لنفط أرخص قبل استحقاق تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، تزامنًا مع ارتفاع حدة الاشتباك الروسي الاوكراني على الأبواب الشرقية لأوروبا.
وفي خضم هذا النفس الدبلوماسي الجديد مع الرياض، سمحت إدارة #بايدن في مطلع عهدها، بالإفراج عن تقرير استخباري يشير بأصابع الاتهام إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في “قضية خاشقجي”، وبرفع حركة “أنصار الله” عن القائمة الأميركية لـ “الإرهاب”، إضافة إلى الإشارات القوية التي أعطاها عهده على صعيد جهود إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
يجادل مسؤولون في إدارة بايدن بأن الأخير أنهى حقبة ترامب التي قضت بمنح السعوديين “شيكًا على بياض” إزاء عدد من ملفات الشرق الأوسط، لا سيما ملف الحرب في اليمن، مع إقرارهم بأنه لا يعتزم إنهاء العلاقات التاريخية مع الرياض المستمرة منذ زهاء ثمانية عقود، بالنظر إلى منافعها في “الحرب على الإرهاب”، والتصدي لإيران، إضافة إلى آفاقها المفتوحة على تطبيع سعودي “إسرائيلي” في طور التشكّل.
وفي حين تشير أركان إدارة بايدن إلى أن الأخير “تحرك بشكل حاسم” منذ مطلع عهده لتغيير مسار الأمور على صعيد العلاقات بين واشنطن والرياض، يشير محللون إلى أنه “عزّز التعاون” الثنائي مع الجانب السعودي، وأن خطاب بايدن الانتخابي عالي السقف تجاه الرياض لم تتم ترجمته عمليًا حين أصبح رئيسًا. على هذا الأساس، تقول المحللة في الشؤون الإقليمية داليا كايي، إنه “من الصعب الجزم بأن الولايات المتحدة لا تدعم العملية العسكرية الهجومية (للتحالف السعودي) في اليمن”، مشيرة إلى أن استمرار الدعم الأميركي للرياض “مثير للقلق”. وتضيف المحللة لدى مركز “بيركل للعلاقات الدولية” بجامعة كاليفورنيا أن “كمية كبيرة من الذخيرة والإمدادات العسكرية (الأميركية) لا تزال تواصل تدفقها” إلى قوات “التحالف السعودي”.
التقييم السعودي للإدارة الديمقراطية
الثابت أن سجالًا علنيًا بين الرياض وواشنطن قد فتح منذ تدشين بايدن ولايته الرئاسية. ففي تصريحات ملفتة، رد فيها على الانتقادات الأميركية لسجل الرياض الحقوقي، فتح رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق تركي الفيصل “النار الدبلوماسية” في حزيران/ يونيو الماضي على سياسات واشنطن مذكرًا بتجاوزاتها في العراق، معتبرًا أن “من كان بيته من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة”. وليس بعيدًا عن التقييم السلبي للرياض لسياسات حليفتها، رأى السفير السعودي السابق لدى واشنطن أن بلاده استشعرت تهميشها من قبل حليفتها الكبرى، مستذكرًا سجل “المظالم” الذي لحق ببلاده من قبل واشنطن بدءًا بقرار الإدارة السابقة سحب منظومات باتريوت من الأراضي السعودية على إثر تعرضها لهجوم صاروخي من اليمن، مرورًا بقرار الإدارة الحالية إلغاء تصنيف “أنصار الله” كمنظمة إرهابية، وصولًا إلى فشل الرئيس الأميركي الحالي في تقريب وجهات النظر بينه وبين ولي العهد السعودي.
هل يطرح بايدن مقايضة بشأن الحرب في اليمن؟
في ضوء ترقب النتائج المتوقعة لزيارة بايدن إلى المملكة الخليجية، يشكك خبراء في جدوى الزيارة في تقريب وجهات النظر بين “الحليفين اللدودين”.
هذا، ويتوقع مشرعون من الحزب الديمقراطي أن يتخذ الرئيس بايدن نهجًا “أكثر تشدّدًا” إزاء المملكة، داعين إلى “اتخاذ إجراءات أكثر حدة”، و”إعادة التفكير في الموقف الأميركي العام والإجمالي تجاه السعوديين” على صعيد الحرب في اليمن، وحقوق الإنسان، وجريمة خاشقجي. ضمن هذا السياق، أشار النائب عن الحزب الديمقراطي، في ولاية كاليفورنيا، رو خانا، إلى أن “أعضاء الإدارة الأميركية ليسوا على دراية كافية بالتحول الأساسي الذي ينادي به أعضاء الكونغرس من الحزبين على مستوى العلاقات الأميركية السعودية”، معتبرًا أن أفراد إدارة بايدن “لا يزالون عالقين في نموذج قديم للعلاقات، حيث إنهم لا يرغبون في اتخاذ الخطوات التصحيحية والفاعلة” في إشارة إلى رفضه الأسس التبادلية التقليدية للعلاقات #السعودية الأميركية القائمة على معادلة “الحماية مقابل النفط”.
وفي ضوء الصورة السوداوية التي نقلها المدير التنفيذي لمدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي، عن حالة المجاعة وتدهور البنية التحتية الصحية، وتردي الخدمات الاستشفائية بسبب نقص الوقود في اليمن، أوضحت ديبي دينجيل، وهي نائب عن الحزب الديمقراطي، “أن إنهاء الدعم الأميركي للعمليات الهجومية التي تقودها السعودية في اليمن وحده لا يكفي إذا سمحنا باستمرار الحصار”. وتابعت دينجيل، التي أشرفت على توجيه رسالة من الكونغرس إلى الرئيس بايدن قبيل زيارته إلى الشرق الأوسط، أن “هذا الحصار يسبب معاناة هائلة ومجاعة لدى الأطفال والعائلات اليمنية”، مضيفة أنه “يجب رفعه الآن.”
من جهته، أوضح الباحث لدى “مجموعة الأزمات الدولية”، بيتر سالسبوري أن “دفع إدارة الرئيس بايدن إلى الضغط على السعوديين (لرفع الحصار عن اليمن) قد يتولّد عنه معركة شاقة”، مذكرًا بأن “مسألة السيطرة على الموانئ (اليمنية)، مثّلت وفق المنظور السعودي، ورقة نفوذ هامة للغاية على طاولة المفاوضات”. وذهب سالسبوري إلى أن الإدارة الأميركية تتعامل مع ملف المفاوضات اليمنية وفق الآليات القائمة حاليًا، مشددًا على أنه “لا توجد طريقة أخرى لإنهاء الحرب” في اليمن.
وفي الإطار عينه، أكد الباحث في “مجلس العلاقات الخارجية” مارتن أنديك أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى التوصل إلى تفاهمات مع السعودية لإنهاء الحرب في اليمن”، معتبرًا أن “استئناف العملية العسكرية من جانب التحالف السعودي سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية هناك، وإلى تأجيج غضب الكونغرس الأميركي، وذلك دون أن يسفر عن إنهاء تلك الحرب”. وأضاف انديك أن استمرار حرب اليمن “لا يخدم المصالح السعودية”، موضحًا أن ابن سلمان “يحتاج إلى البدء في التخطيط، بالتعاون مع الولايات المتحدة، لانسحاب أحادي من اليمن”. وعن الفوائد المترتبة عن الانسحاب، يشرح أنديك أن ذلك سوف يسهم في تحسين صورة السعودية أمام الرأي العام الأميركي، كما أنه سيوفر ذريعة للرياض للرد عسكريًا في حال انطلاق أي هجمات ضدها من اليمن، مضيفًا أن موافقة الجانب السعودي على وقف الحرب في اليمن، ستدفع بايدن إلى القبول بالتزامات تتعلق بضمان أمن السعودية، خصوصًا لناحية تزويدها بالمعدات العسكرية اللازمة.
وعن الانعكاسات المتوقعة للزيارة على الوضع في اليمن، يرى المحلل الأميركي المتخصص في الشؤون الخليجية، بروس ريدل، أن “زيارة بايدن قد تسهم في تعزيز الهدنة الهشّة في اليمن”، معتبرًا أنها “ستكون أولوية على قدر عال من الأهمية” على جدول أعمال الرئيس الضيف. ولفت إلى أن الرأي العام الأميركي يولي أهمية لمسألة ارتفاع أسعار النفط، أكثر مما يوليه للأوضاع في اليمن، مستبعدًا أن يحصل بايدن على ما ينشده من السعوديين في سوق النفط، لخفض أسعاره في الداخل الأميركي. وألمح ريدل إلى أن بايدن سيتطرق في لقاءاته المرتقبة مع المسؤولين السعوديين إلى مسألة “مواجهة النفوذ الإقليمي لطهران”، إلى جانب السعودية و”إسرائيل”. فهل يطرح بايدن صفقة ما ينجح بمقتضاها في انتزاع “تنازل نفطي” من الرياض، مقابل إعادة دعمها التسليحي غير المشروط، والعودة عن إلغاء تصنيف حركة “أنصار الله” كمنظمة إرهابية، أم أن الصفقة ستشمل طلبًا أميركيًا بالحفاظ على وقف إطلاق النار في اليمن، كمكسب للإدارة في السياسة الخارجية، مقابل تخفيف الضغوط على الرياض في ملفي حقوق الإنسان، وجريمة خاشقجي؟
ماذا جاء في تقرير أميركي عن اليمن أخيرًا؟
قبل نحو شهر، أفاد تقرير رسمي أميركي بأن وزارتي الخارجية والدفاع فشلتا في تقييم الخسائر المدنية التي تسبب بها التحالف السعودي، في الفترة الممتدة بين عامي 2015 و2021، للحرب في اليمن. وركز التقرير الصادر عن مكتب المحاسبة الحكومي، على غارات التحالف باستخدام طائرات مقاتلة وذخائر أميركية الصنع في الصراع الدائر في اليمن، وقد تم توريدها للرياض بموافقة “البنتاغون” ووزارة الخارجية.
ومع صدور التقرير، أعرب مسؤولون أميركيون عن خشيتهم من أن تكون وزارة الخارجية قد عمدت إلى إخفاء بعض معطيات وخلاصات مهمة واردة في التقرير الأصلي، على غرار ما فعل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو حين مارس ضغوطًا على المفتش العام التابع للوزارة حتى يحيل بعض الخلاصات الرئيسية الواردة في تقرير يعود إلى العام 2020، وينقّحها قبل أن يضمّنها في ملحق سري بحيث لم يتسنَّ عرضه على أعضاء الكونغرس.
وبحسب التقرير، فقد أخفقت الوزارتان في جمع بيانات وأدلة كافية حول سقوط ضحايا مدنيين في اليمن، بأسلحة أميركية، أو مراقبة وجهة استخدام تلك الأسلحة في الصراع الدائر في اليمن، فيما أقر مسؤولون في “البنتاغون” بأن الجيش الأميركي يعتمد على مصادر مفتوحة في تقييم عدد القتلى جراء الحرب في اليمن، زاعمين أنه ليس لدى الوزارة عناصر في ذلك البلد لتفقد مواقع سقوط القتلى، المقدر عددهم بحوالي 150 ألف شخص، من بينهم 1500 مدني وفق إحصاءات “مركز الصراع المسلح”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.