مصرف الإسكان.. أمل اللبناني أم صفقة السياسي؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أن تكون مواطنًا لبنانيًا ساعيًا لامتلاك منزل خاص في وطنك، فإن الأمر يتطلب أكثر من مجرد عزم وسعي، بل هو أقرب اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى ما يشبه الحلم، حلم صعب المنال جدًا، ففي بلد ينهار فيه الحجر والبشر، أصبح هم شعبه الوحيد هو الحصول على لقمة عيشه واستشفائه، وكل ما كان يعتبر سابقًا من أساسيات العيش، بات اليوم من كمالياته.

مصرف الإسكان مصاب بعدوى الفساد
فور الحديث عن أكثر وسيلة متاحة لاقتناء مسكن خاص، يتبادر إلى أذهان اللبنانيين اسم “مصرف الإسكان” كإحدى أبرز الوسائل المتوفرة لتحقيق هذه الغاية.

مصرف الإسكان مؤسسة تأسست عام 1977، بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، بموجب قانون خاص في عهد رئيس الجمهورية إلياس سركيس ورئيس الحكومة سليم الحص، حيث كان الهدف منه وقف الهجرة من القرى إلى المدن، والحد من الهجرة إلى الخارج.

ولأن الفساد لم يترك بابًا من أبواب مؤسسات الدولة إلا ودخله، كان لمصرف الإسكان نصيب وافرًا منه، حيث كانت قضايا “الإثراء غير المشروع” أحد أبرز مفاعيل هذا الفساد، إذ كشفت مصادر موثوقة في مرحلة ما قبل الانهيار الاقتصادي، عن حصول عدد من السياسيين رفيعي المستوى على قروض مرتفعة جدًّا مدعومة من مصرف لبنان، علمًا أن هذه القروض تكون مخصصة عادة لعامة الشعب، الأمر الذي دفع مصرف لبنان حينها إلى إعلان عجزه عن استكمال تسديد القروض وصرف الميزانية المخصصة بالكامل.

بالإضافة الى ذلك، كشفت المصادر ذاتها عن نيل عدد من القضاة قروضًا اسكانية قارب مجموعها الـ 31 مليون دولار أميركي (على سعر صرف 1500 ليرة)، فضلًا عن العديد من الأسماء المصنفة ضمن أغنى أغنياء البلد وأصحاب المصارف. ولأن الفساد في بلدنا كان قد وصل الى عمق القضاء اللبناني، فإن هذه المعطيات لم يكن لها سوى تأثير مؤقت على أجهزته وعلى عامة الشعب، فلهؤلاء الفاسدين أدواتهم القادرة على طمس الحقائق والوثائق.

قرارات المصرف الجديدة: هل يعيد التاريخ نفسه؟
فتح مصرف الإسكان أبوابه من جديد أمام اللبنانيين الراغبين بالحصول على قرض لشراء شقة، تصل قيمته الى مليار ليرة لبنانية، تسدد على امتداد 30 عامًا بمعدل فائدة 5 في المئة.
أما فيما يتعلق بالشروط المتوجب توفرها بالمتقدمين، فقد حددها مدير عام المصرف أنطوان حبيب، وهي “أن يكون المقترض لبنانيًّا منذ عشر سنوات وغير محكوم عليه، ومن ذوي الدخل المحدود وأن لا يقل مدخوله عن 6 ملايين ليرة، وأن لا يتجاوز الـ 20 مليون ليرة مع الإثبات بأن لديه مداخيل مستديمة على مدى ثلاث سنوات، فضلًا عن أن لا تزيد مساحة الشقة عن 120 مترًا، وأن تكون في مناطق نائية أو في القرى وليس في العاصمة والمدن وأن لا يمتلك المقترض منزلًا على جميع الأراضي اللبنانية وألا يكون مستفيدًا من أي قرض مدعوم”.

أمام هذا القرار، ينقسم اللبنانيون بين معارض ومؤيد، متفائل ومتشائم، فالبعض يجد فيه فرصة ربما لن تتكرر في المستقبل في ظل الانهيار الاقتصادي وتردي الأوضاع المعيشية، والبعض الآخر يرى أنه ما زال غير قادر على الاستفادة منه، لا سيما ممن ما زالوا يحصّلون رواتبهم بالليرة اللبنانية وبقيمة متدنية كموظفي القطاع العام والسلك العسكري وعدد من موظفي القطاع الخاص الذين لا زالت رواتبهم غير كافية لسد احتياجاتهم الأساسية مقارنة مع الغلاء المعيشي الحاصل. وعلى مقلب آخر يبقى السؤال الأهم المطروح: هل سينقضّ أسياد الفساد مجددًا على أموال المصرف عبر مشاريعهم الشيطانية ويحرم بذلك آلاف اللبنانيين من الحصول على مأوى خاص بهم؟

أظن أن الإجابة عن مثل هذا السؤال هي محض “نعم”، مع اليقين التام بذلك، إذ طالما أن مرافق الدولة وقطاعاتها محكومة من قبل نظام فاسد مخضرم، فإنه لم ولن يترك حقًّا من حقوق الشعب إلا وتملّكه، وكيف لوحوش كهؤلاء أن يعطوا المواطن حقه في المأوى بعد أن سلبوه حقه في الغذاء والدواء؟ وسيبقى في الأفق بعض من أمل بأن يُنتج القضاء اللبناني، يومًا ما، رجال حق وسلطة عادلة، تنقذ ما تبقى من وطن وتقلب سحر الفساد على الفاسد.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد