انطلقت منذ أيام امتحانات الشهادات الرسمية في ظل واقع تربوي واقتصادي واجتماعي صعب جدًا، بل يكاد يكون الأصعب مقارنةً بالسنوات السابقة. وتأتي هذه الامتحانات بعد عام دراسي شاق شهده طلاب لبنان لا سيما طلاب المدارس الرسمية الذين كان لهم النصيب الأبرز من تداعيات هذه الأزمة وتراجع المستوى التعليمي والإضرابات المستمرة.
رغم مساعي الإلغاء الامتحانات في موعدها
ألقى الانهيار الكبير الذي شهده الاقتصاد اللبناني بظلاله على كافة قطاعات الدولة، لا سيما قطاع التربية والتعليم، فإفلاس الدولة وضعف إمكانياتها كان من الممكن أن يتسبّبا بإلغاء الامتحانات الرسمية نظرًا لنقص التمويل اللازم من جهة، والضغوط الجدية التي يمارسها أساتذة التعليم الرسمي لمقاطعة الامتحانات من جهة أخرى، لا سيما وأنهم لم يلمسوا أي تحرك جدي من قبل الوزير بعد أن كانوا قد تلقوا وعودًا برفع البدلات المالية للمراقبين ورؤساء المراكز (نحو 200 ألف ليرة لرئيس المركز و160 ألف ليرة للمراقب).
وعلى مقلب آخر، كان لوزير التربية والتعليم الأستاذ عباس الحلبي قرار آخر بهذا الشأن، إذ أكد الوزير بعد لقائه عددًا من مديري المدارس والثانويات الرسمية في قضاء بعلبك الهرمل بحضور عدد من رؤساء الدوائر في الوزارة وبعض من نواب المنطقة، أكد أن ” الامتحانات الرسمية ستجري في موعدها، وأنه سيتم اتخاذ قرار بزيادة بدل الأتعاب المقررة لأعمال المراقبة والتصحيح” مؤكدًا على “سعي وزارة التربية الدائم لرفع مستوى المدرسة الرسمية ومستوى التعليم في لبنان..”.
وبناءً عليه، فقد انطلقت فعليًا امتحانات الشهادات الرسمية يوم السبت في 25 حزيران (الشهادة المتوسطة)، وانطلقت اليوم الأربعاء امتحانات الشهادة العامة، وذكرت رئيسة لجنة الامتحانات “أمل شعبان” في وقت سابق أن عدد المرشحين للشهادتين المتوسطة والثانوية العامة قد قارب الـ 105 آلاف مرشح، موزعين على 525 مركزًا في مختلف المحافظات اللبنانية.
بين قساوة الواقع وإرادة التعلّم
رغم ما يشهده البلد من أزمات حياتية يومية مرتبطة بتأمين مقومات الحياة الأساسية من مياه وكهرباء ومحروقات وغيرها، تقدم أكثر من 105 آلاف طالب للامتحانات الرسمية في ظل ظروف صعبة شهدتها مراكز الامتحانات لا سيما تلك غير المجهزة بالإنارة الكافية، إذ ومع انطلاقة الامتحانات شهدت العديد من المناطق التي تضمت مراكز امتحان مناشدات من قبل المعنيين فيها لأصحاب المولدات الخاصة لمد المراكز بالكهرباء ليتمكن الطلاب من إجراء امتحاناتهم كما يجب. ومن ناحية أخرى، فقد عمدت الوزارة بالتنسيق مع المعنيين في مختلف المناطق لتوزيع الطلاب على المراكز الأقرب لأماكن سكنهم تخفيفًا من أعباء التنقل.
وتجدر الإشارة الى أهمية الدور الذي يؤديه الجيش اللبناني والقوى الأمنية في تأمين الأجواء الهادئة حول مراكز الامتحانات ومتابعة العملية بشكل حثيث لتسهيل الأمور. ولا بد أيضًا من الإشادة بدور أساتذة التعليم الرسمي الذين تراجعوا عن قرارهم بمقاطعة الامتحانات الرسمية وشاركوا رغم أوضاعهم الصعبة وتحملوا مسؤولياتهم على الرغم من التقصير الذي طال – ولا زال – حقوقهم ورواتبهم، وذلك كبادرة خير لإتمام هذه الامتحانات بأفضل حال ممكن.
توارثت أجيال هذا الوطن مظاهر الشقاء والتعب والنضال في كل سبيل من سبل الحياة، تمامًا كما توارث معظم زعماء الأمة فسادهم وجورهم، ولا زلنا كأجيالٍ، نبحث عن متنفس لنا في أرض هذا الوطن، لعلّنا ننجو من مآسي فاسديه، وهم ناهبو هذا البلد، الذين لا زالوا يبحثون عن سبب يأخذ بنا أكثر فأكثر نحو العدم والمجهول. وكلّنا أمل أن يرحل هؤلاء يومًا دون رجعة، وأن نعود مجددًا إلى كنف العالم بما كان يسمى “وطنًا”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.